في كل أنحاء البلاد، تزايدت لافتات لا وقود أو المضخات المغطاة بلافتة تقول خارج الخدمة، بما في ذلك نحو 30 في المئة من محطات بريتيش بتروليوم (بي بي) العملاقة التي تأثرت بهذه الازمة. ووفق رابطة تجار البترول (بي آر إيه) فقد نفد الوقود من حوالى نصف المحطّات...
بعد خمسة أيام من أزمة نقص البنزين والفوضى في محطات الوقود، تحدثت الحكومة البريطانية وقطاع النفط الثلاثاء عن بوادر "استقرار"، الأمر الذي يحيي الأمل بنهاية وشيكة للأزمة.
تدفقت نداءات المساعدة من مقدمي الرعاية الصحية وخدمات التوصيل والمعلمين وغيرهم من المهنيين المتضررين من الطوابير الطويلة أمام المحطات منذ يوم الخميس. فقد أعلن بعض الموزعين عن إغلاق نقاط البيع لعدم توافر سائقي شاحنات لتوصيل الوقود، مما تسبب باندفاع إلى المحطات التي شهدت أحيانًا مشاحنات بين سائقي السيارات المتوترين.
وقال رئيس الوزراء بوريس جونسون عبر التلفزيون البريطاني "نرى الوضع يتحسن: أقطاب القطاع يخبروننا أن الشحنات تُستأنف إلى المحطات بطريقة طبيعية". طلبت حكومة جونسون مساء الإثنين من الجيش أن يكون على أهبة الاستعداد للمشاركة في عمليات التوصيل. بحسب فرانس برس.
وأمام "الوضع الذي يتجه نحو الاستقرار"، قال جونسون إنه من الضروري التصرف "بالطريقة المعتادة"، في ما بدا أنه يرفض النداءات الواردة من جمعيات الأطباء والممرضين والمدرسين أو حتى موظفي السجون الذين طلبوا أن تعطى لهم الأولوية للحصول على الوقود.
لكن نائب رئيس الجمعية الطبية البريطانية ديفيد ريغلي قال لمحطة سكاي نيوز: "لا يمكننا أن نمضي ساعتين أو ثلاث ساعات في الطابور عندما يكون لدينا مرضى علينا معاينتهم".
وبقلق، قال سائق سيارة الأجرة ديفيش روباريليا البالغ من العمر 58 عامًا بعدما فشل في التزود بالوقود الاثنين، "إذا كانت الحال مثل أمس، فسينفد لدي الوقود".
وقالت بعض المدارس إنها تفكر في العودة إلى التعليم عن بعد إذا لم يتمكن المعلمون من الوصول إلى المدارس.
مثل السلطات، لاحظت جمعية تجار البنزين بالتجزئة التي تمثل 65% من محطات الخدمة البريطانية، "بوادر أولى" مبشرة بانتهاء الأزمة مع 37% من محطاتها الآن بدون وقود.
وقالت وزارة الطاقة إنّ "عدداً محدوداً من سائقي الصهاريج العسكرية سيتمّ وضعهم في حالة تأهّب ونشرهم إذا لزم الأمر لتحقيق مزيد من الاستقرار في سلسلة توريد الوقود".
ورغم دعوة الحكومة السكّان إلى عدم الهلع، فقد تهافتوا على محطات الوقود، فيما أشارت بعض الشركات إلى أنها تواجه صعوبات في التوصيل تؤثر على إمدادات المواد الغذائية في متاجر السوبرماركت، جراء تداعيات كوفيد وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفي محطة في ليتون، أحد أحياء شرق لندن، اصطفت 50 سيارة بدءا من الساعة 06,30 الاثنين فيما أمضى بعض المستهلكين قسما من الليل في انتظار التزود بالوقود، وفقا لمصور من وكالة فرانس برس.
وفي كل أنحاء البلاد، تزايدت لافتات "لا وقود" أو المضخات المغطاة بلافتة تقول "خارج الخدمة"، بما في ذلك نحو 30 في المئة من محطات بريتيش بتروليوم (بي بي) العملاقة التي تأثرت بهذه الازمة.
ووفق "رابطة تجار البترول" (بي آر إيه) فقد نفد الوقود من حوالى نصف المحطّات البالغ عددها 8000 في المملكة المتحدة الأحد.
وتشعر اتحادات العاملين في المجال الطبي بالقلق، على غرار "إيفري دكتور" التي تقول إنها تتلقى معلومات من العديد من أعضائها تفيد بأنهم "أمضوا عطلة نهاية الأسبوع في محاولة العثور على وقود دون نتيجة".
ويذكّر الوضع بحقبة السبعينات حين تسبّبت أزمة طاقة بتقنين الوقود وتقليص أسبوع العمل إلى ثلاثة أيام. وقبل عقدين، أدت احتجاجات ضد ارتفاع أسعار الوقود إلى إغلاق المصافي وشل النشاط في البلاد لأسابيع.
هذا الوضع الاستثنائي هو أحدث تبعات نقص العمالة الناجم عن الوباء وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مع تأثير مشكلات التوصيل أيضًا على تزويد متاجر السوبر ماركت ومطاعم الوجبات السريعة وحتى الحانات بالبضائع.
وصرح زعيم المعارضة العمالية كير ستارمر عبر شبكة سكاي نيوز بلهجة مستنكرة "نحن في وضع جعلت فيه الحكومة البلاد في حالة من الفوضى بسبب حالة تامة من عدم الاستعداد".
ولا تكف الحكومة عن التأكيد على أن المملكة المتحدة لا تعاني نقصًا في الوقود ولكن النقص ناتج عن الطلب الاستثنائي الناجم عن اندفاع المستهلكين القلقين من نفاد الوقود لشرائه، كما كانت الحال مع ورق التواليت أو بعض المنتجات الغذائية في بداية الجائحة.
وحمل وزير النقل غرانت شابس على سائقي السيارات الذين يملأون زجاجات بالبنزين بقوله "ما أن نسرع في العودة إلى عادات التسوق العادية، سرعان ما تعود الأمور إلى طبيعتها".
وتؤكد الحكومة أن النقص في سائقي الشاحنات (نحو 100 ألف وفقا للقطاع) الذي عطل إمداد بعض المحطات وكان وراء حركة الذعر التي شهدتها البلاد خلال عطلة نهاية الأسبوع، سببه بشكل أساسي التأخير في التدريب أثناء الوباء وهو أمر يعاني منه العالم بأسره. لكنها أقرت الثلاثاء بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "عامل" إضافي وراء ذلك.
وفي مواجهة الأزمة، دعت الحكومة سائقي الجيش إلى البقاء على أهبة الاستعداد لإيصال الوقود إلى محطات الخدمة إذا لزم الأمر، على أن يتلقوا تدريبًا متخصصًا قبل ذلك.
وفي محاولة لحل صعوبات التوظيف وجذب مزيد من سائقي الشاحنات الأجانب، خففت الحكومة موقتًا شروط التأشيرات، متراجعةً عن وعود التشدد مع الهجرة المتصلة ببريكست.
لكن التأشيرات المقترحة لمدة ثلاثة أشهر والتي من المفترض أن تحسِّن الوضع خلال فترة الانشغال التي تسبق عيد الميلاد، قوبلت بالتشكيك، إذ يخشى القطاع من أنها لن تكون كافية لجذب السائقين من الاتحاد الأوروبي.
وقال بوريس جونسون إن البريطانيين لا يريدون حلاً يمر عبر "الهجرة غير المنضبطة" التي خبروها بالفعل "لفترة طويلة، 20 عامًا وربما أكثر".
تأشيرات موقتة
وتحت الضغط، قررت الحكومة السبت تعديل سياسة الهجرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومنح ما يصل إلى 10500 تأشيرة عمل موقتة، من تشرين الاول/أكتوبر إلى كانون الاول/ديسمبر للتعويض عن النقص الحادّ في عدد سائقي الشاحنات وكذلك الموظفين في القطاعات الرئيسية للاقتصاد البريطاني، مثل تربية الدواجن.
كذلك، أعفت الحكومة قطاع موزعي الوقود موقتا من قوانين المنافسة حتى يتمكنوا من إعطاء الأولوية للتسليم إلى المناطق الأكثر حاجة إليه.
وحدّ رئيس "رابطة تجار البترول" براين مادرسن من تأثير الاستعانة بالجيش لأن نقل الوقود، الشديد الاشتعال، يتطلب سائقين "متخصصين جدا" مع إجراءات محددة.
وفي ما يتعلق باحتمال عودة السائقين الأوروبيين الذين رجعوا إلى بلدانهم بسبب الوباء وبريكست، قال إن هناك أيضا نقصا في عدد السائقين في أوروبا القارية.
وأشار إلى مشكلة رخص قيادة المركبات الثقيلة التي لا يمكن إصدارها أثناء الحجر الصحّي، موضحاً أنّ "هناك 40 ألف طلب معلّق للحصول على تراخيص سوق مركبات ثقيلة من قبل البريطانيين".
ورغم أن مجموعة بريتيش بتروليوم رحبت بقرار الحكومة منح عدد إضافي من التأشيرات الموقتة لسائقي الشاحنات، حذرت من أن "القطاع سيحتاج إلى وقت لتعزيز عمليات التسليم وتجديد المخزونات في مواقع البيع".
وتصرّ الحكومة على أنه لا يوجد نقص في الوقود في البلاد، بل ان الأزمة ناجمة عن تهافت المستهلكين القلقين على شرائه، متسائلة عن التصريحات المثيرة للقلق التي أطلقها اتحاد شركات النقل البري والتي زرعت بذور الذعر لديهم.
الحكومة البريطانية قد تستعين بالجيش
ذكرت وسائل إعلام المملكة المتحدة بأن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يدرس احتمال استدعاء قوات الجيش لإيصال الوقود إلى محطات البلاد.
ولدى سؤاله عن الأمر نهاية الأسبوع، رفض وزير النقل غرانت شابس استبعاد طلب المساعدة من المؤسسة العسكرية.
ويؤثر النقص في سائقي الشاحنات على الكثير من القطاعات بما في ذلك قطاع المواد الغذائية، رغم أن متجر "ألدي" الألماني شدد الاثنين على أنه لا يواجه مشاكل تتعلّق بإيصال البضائع إلى الكثير من فروعه في المملكة المتحدة.
بدورها، أكدت شركة "شل" النفطية العملاقة بأنها "تعمل جاهدة لضمان إيصال الإمدادات إلى الزبائن".
وأضافت في بيان "شهدنا منذ الجمعة طلبا أكثر من المعتاد في أنحاء شبكتنا ما أدى إلى نقص في بعض فئات (الوقود). نعيد التزوّد بهذه الفئات سريعا، عادة في غضون 24 ساعة".
وأعاد الوضع إلى الذاكرة ما شهدته البلاد في سبعينات القرن الماضي عندما تسببت مشاكل الوقود في خفض أسبوع العمل إلى ثلاثة أيام والتقنين في استخدام الوقود.
كذلك، يذكّر بأواخر العام 2000 عندما حاصر محتجون على ارتفاع أسعار الوقود مصافي النفط، ما أدى إلى شل الحياة تقريبا في البلاد على مدى أسابيع.
الاطباء والعاملون الاساسيون قلقون
حث الأطباء وغيرهم من ذوي الاعمال الضرورية الحكومة البريطانية على التحرك لتمكينهم من التزود بالوقود، متذمرين من عدم قدرتهم على الانتظار "ساعتين أو ثلاث ساعات في طوابير" فيما يتعين عليهم استقبال المرضى مثلا، في ظل تفاقم أزمة نقص الوقود في البلاد.
ويعود السبب في هذا الوضع غير المألوف إلى نقص العمالة الناجم عن الوباء وبريكست، ما دفع الحكومة إلى الاستعانة بالجيش مساء الاثنين "للقيام بعمليات التوصيل إذا لزم الأمر".
قال ديفيد براون، رئيس الاتحاد الوطني للبريد السريع، ممثل شركات التوصيل المستقلة، لفرانس برس إنه لم يلحظ التهدئة المأمولة بعد عدة أيام من التوتر.
واوضح أن شركته، العاملة في التوصيل، اضطرت إلى رفض بعض الطلبات لأن "السائقين يجدون صعوبة في التزود بالوقود" مضيفاً "أسطولي محدود ومن الصعب للغاية التكهن فيما إذا كان بإمكاننا التنقل".
ترغب اتحادات العاملين في المجال الطبي وموظفي السجون في منح العاملين الضروريين الأفضلية في محطات الوقود التي أضحى الكثير منها خارج الخدمة.
وقال باتريك روتش، الأمين العام لنقابة المعلمين "بالنسبة للعديد من المعلمين، لم يعد استخدام وسائل النقل العام خياراً متاحاً، حيث توجد العديد من المدارس في مناطق يصعب الوصول إليها إلا باستخدام السيارات الخاصة". وطالب كذلك بمنح المعلمين الأولوية للحصول على مخزون الوقود.
وعنونت صحيفة "ذي ميرور" صفحتها الاولى "دعوا العمال الأساسيين يتزودون بالوقود أولاً"، بينما انتقدت صحيفة "ذا صن" الحكومة لتسببها في "الفوضى" و "الارباك".
وقالت منظمة "لنتحد"، وهي منظمة ناشطة في القطاع العام، إنه يتعين على الحكومة "توحيد صفوفها" في مواجهة أزمة الوقود واستخدام سلطات الطوارئ لحصر استخدام بعض محطات الوقود بالعمال الأساسيين.
ولمواجهة الأزمة، دعت الحكومة السائقين في الجيش إلى الاستعداد لإيصال الوقود إلى محطات الوقود إذا لزم الأمر. وسيتم تدريبهم قبل نشرهم.
وسعى وزير النقل غرانت شابس إلى طمأنة المستهلكين مؤكداً أن "عمليات الشراء المدفوعة بالهلع" كانت "معتدلة".
وأشار شابس إلى أن "الناس استجابوا للدعوة إلى التزود بالوقود فقط عند الحاجة، وسياراتهم الآن ممتلئة على أي حال".
كما أشارت بعض الشركات إلى أنها تواجه صعوبات في التوصيل تؤثر على إمدادات المواد الغذائية في متاجر السوبرماركت ومطاعم الوجبات السريعة والحانات وغيرها، حيث نفذ مخزون بعض المنتجات.
وعزا نيك توماس سيموندز، النائب عن حزب العمال، أزمة الوقود إلى "العجز التام" للحكومة وسوء "إدارتها لبريكست".
وحمل أولاف شولتس، وزير المالية الألماني والمستشار القادم المحتمل، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مسؤولية الأزمة الحالية.
وقال شولتس الاثنين "لقد عملنا بجد لإقناع البريطانيين بعدم مغادرة الاتحاد الأوروبي" ولكن "الآن بعد أن قرروا القيام بذلك، آمل أن يتمكنوا من التعامل مع المشاكل الناجمة" عنها.
اضف تعليق