بعد ثلاثين شهرا على بدء من الحراك الشعبي المناهض للنظام، وعلى الرغم من وعود بـ جزائر جديدة روج لها الرئيس عبد المجيد تبون، لن يختلف المجلس الشعبي الوطني المنبثق عن انتخابات حزيران، كثيرا عن برلمانات عهد عبد العزيز بوتفليقة، فقد أظهرت النتائج الموقتة، فوز حزب جبهة التحرير الوطني...
كرست الانتخابات التشريعية في الجزائر التي قاطعها أكثر من ثلاثة من كل أربعة ناخبين، فوز الأحزاب الحاكمة منذ عقود بعيدا عن التجديد الذي وعد به النظام في ما اعتبره معارضوه "هروبا إلى الأمام"، بعد ثلاثين شهرا على بدء من الحراك الشعبي المناهض للنظام، وعلى الرغم من وعود ب"جزائر جديدة" روج لها الرئيس عبد المجيد تبون، لن يختلف المجلس الشعبي الوطني المنبثق عن انتخابات حزيران/يونيو، كثيرا عن برلمانات عهد عبد العزيز بوتفليقة، حسب محللين.
فقد أظهرت النتائج الموقتة، فوز حزب جبهة التحرير الوطني، أكبر كتلة نيابية في البرلمان المنتهية ولايته، في انتخابات تميزت بامتناع تاريخي عن التصويت (77٪)، وسجلت الجبهة تراجعا حادا، إلا ان الحزب الواحد سابقا استفاد من قاعدته الشعبية القديمة كونه قاد حرب الاستقلال (1962). بحسب فرانس برس.
ونتيجة لذلك، يتوقع المحلل السياسي منصور قديدير أن يبقى"الوضع على حاله" و"لا أعتقد أن هناك تجديدا" كما قال، وحلت جبهة التحرير الوطني، الحزب المرتبط بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في المركز الأول أمام مجموعة متباينة من المستقلين والإسلاميين والتجمع الوطني الديمقراطي حليف السلطة منذ زمن، وقالت أستاذة العلوم السياسية لويزة دريس أيت حمادوش إن النتائج الموقتة "تظهر أن الرئيس (تبون) فشل في حشد قاعدة اجتماعية مختلفة عن تلك التي كان يتمتع بها الرئيس السابق".
عدم شرعية مضاعفة
وبعد غيابه شبه الكامل عن الساحة بسبب إصابته بجلطة دماغية العام 2013، أُطيح بعبد العزيز بوتفليقة من السلطة تحت ضغط الشارع والجيش في نيسان/أبريل 2019، ما وضع حدا لحكمه الذي استمر 20 عاما. ومن رفضه الشعبي، ولد الحراك الذي يدعو إلى تغيير جذري في "النظام" الحاكم منذ الاستقلال.
كذلك، يجد تبون نفسه اليوم أمام "مجلس بعدم شرعية مضاعفة: مشاركة ضعيفة للغاية وأحزاب سياسية فاقدة للمصداقية"، على أوضحت الأكاديمية دريس آيت حمدوش، وتلقى بوتفليقة خلال فترة حكمه بين 1999 و2019، دعم حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي والإسلاميين في حركة مجتمع السلم، بالإضافة إلى عدد قليل من المستقلين.
وقد يشهد في المجلس الشعبي الوطني الجديد التحالفات نفسها، وكشفت حركة مجتمع السلم، التي غادرت التحالف الرئاسي الداعم لبوتفليقة في 2012، أنها مستعدة لدراسة أي عرض للانضمام إلى الحكومة.
ورأى المحلل السياسي إسماعيل دبش أن "فوز الأحزاب التقليدية يجد تفسيره في أن المرشحين فضلوا الاعتماد عليها لتحقيق الفوز"، لكن هذا النجاح شابته نسبة المشاركة (23,03٪)الأضعف في تاريخ الجزائر، بحسب أرقام رسمية من السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. حتى أن المحللين وصفوا الامتناع عن التصويت بأنه"أكبر حزب في الجزائر".
واعتبر الحراك وجزء من المعارضة العلمانية واليسارية اللذان وجها دعوة لمقاطعة الانتخابات، أن ما حصل "مهزلة انتخابية" و"هروب إلى الأمام" من طرف النظام، وأثبتت نتيجة الاقتراع "صحة" ما يدينه الحراك الذي قمعته السلطة بشدة، على ما أكدت لويزة دريس آيت حمدوش.
خسارة كبيرة
وقالت إن "18 مليون جزائري الذين لم يصوتوا أثبتوا أن انعدام الثقة (في السلطة) أقوى من الحراك نفسه"، وأكد المحلل السياسي منصور قديدير أن الانتخابات التشريعية "أعطت الحراك حجة كبيرة"، ورأى "هذا يعني أن كل ما تم ترديده في المسيرات كان صائبا والنظام السياسي يرفض التغيير".
وهذه أول انتخابات تشريعية تشهدها الجزائر منذ اندلعت احتجاجات الحراك في 22 شباط/فبراير 2019، بشكل سلمي وغير مسبوق ومن دون شخصية قيادية، وإذ أشار محللون إلى أن هذا الاقتراع يمثل الفشل الثالث لتبون بعد انتخابه بنتيجة ضعيفة نهاية العام 2019 والاستفتاء على الدستور في تشرين الثاني/ نوفمبر الذي قاطعه الجزائريون، أعتبر آخرون أن الرئيس بات الآن حر اليدين لتطبيق "خريطة الطريق" الخاصة به.
والسلطة مصممة على "تطبيع" عمل المؤسسات واستعادة السيطرة على الوضع بعد زلزال الحراك، لكنها تتجاهل مطالب الشارع المتمثلة بدولة القانون والانتقال الديمقراطي والسيادة الشعبية والقضاء المستقل.
وعلق الكاتب الصحافي عابد شارف "النتيجة: خسارة كبيرة، مع سلطة تدور حول نفسها، وبلد راكد، ومجتمع غير منظم، ومؤسسات بلا محتوى، وحراك ممزق"، أما الخطوة التالية فقد تكون بتجديد الثقة في رئيس الوزراء الحالي عبد العزيز جراد لتشكيل حكومة جديدة قبل الانتخابات المحلية المقررة في الخريف، وحذرت آيت حمادوش من أن "الصعوبة الأولى ستكون تشكيل حكومة متماسكة" في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خطرة.
الأحزاب الفائزة ترحّب بالنتائج
رحّبت الأحزاب الجزائرية الفائزة بالانتخابات التشريعية المبكرة الأربعاء بالنتائج التي حقّقتها في الاستحقاق الذي جرى السبت وشهد أدنى نسبة مشاركة في تاريخ البلاد، وقال أبو الفضل البعجي، الأمين العام لجبهة التحرير الوطني (الأفلان)، خلال مؤتمر صحافي "نحن أكبر قوة سياسية في البرلمان". بحسب فرانس برس.
وفازت جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم، بـ105 مقاعد من أصل 407 في الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت السبت وشهدت مقاطعة كبيرة إذ بلغت نسبة الإقبال على التصويت وفق الأرقام الرسمية التي صدرت الثلاثاء 23% فقط، في أدنى نسبة مشاركة في تاريخ البلاد، وشكّل فوز جبهة التحرير الوطني (الأفلان) مفاجأة نظراً إلى التراجع الكبير الذي شهدته شعبيته بسبب ارتباطاته بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي دفعه الحراك للاستقالة في 2019، على الرّغم من أنّ هذا الحزب ما زال يتمتّع بقاعدة قديمة وواسعة.
أراودا إدخاله المتحف
وأضاف البعجي أنّ "حزب جبهة التحرير الوطني صنع التاريخ مجدّداً، ومن أرادوا إدخاله إلى المتحف خرجوا هم من التاريخ"، والبعجي الذي رفضت السلطات ترشّحه للانتخابات لتخلّفه عن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، وفقاً لوسائل إعلام محليّة، أكّد في مؤتمره الصحافي أنّ "الشعب الجزائري لا يكره جبهة التحرير الوطني"، بل يكره تصرفات نبعت من بعض الأشخاص داخل الأفلان، مشيراً إلى أنّ الحزب تعامل مع هذه المشكلة بتغيير خطابه وبعض قياداته.
بدوره، وصف الأمين العام للتجمّع الوطني الديموقراطي (57 مقعداً)، الطيّب زيتوني، نتائج الانتخابات بـ"الإيجابية جداً" بالنسبة لحزبه الذي "يبقى في الواجهة مع الأحزاب السياسية الكبرى في الجزائر"، وفقاً لما نقلت عنه وكالة الأنباء الجزائرية.
ونقلت الوكالة أيضاً عن رئيس جبهة المستقبل (48 مقعداً)، عبد العزيز بلعيد، قوله إنّ نتائج الانتخابات "منطقية وموضوعية"، معرباً عن أمله في أن يشكّل البرلمان المقبل "انطلاقة قوية" لبناء الجزائر الجديدة.
الإسلاميون سعداء
بدورها رحّبت حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في البلاد، بالنتائج التي حققتها في الانتخابات، مشيرة إلى أنّها ستدرس كل العروض في ما يخص تشكيل الحكومة، وقال رئيس الحركة عبد الرزاق مقري في مؤتمر صحافي "نحن سعداء جدا بهذا النجاح. هذه نتائج تاريخية ... (رغم) التجاوزات الخطيرة التي سجلناها والتي أثرت على النتائج".
لكن مقري اعتبر ان "رئيس الجمهورية (عبد المجيد تبون) بريء مما وقع كما لا نتهم رئيس السلطة (الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي) لأنه لا يملك الأدوات لمعرفة ما يحدث في كل الولايات"، وعدّدت الحركة بعض التجاوزات مثل عدم حصولها على محاضر نتائج التصويت، وعدم تمكنها من مراقبة كل مكاتب الاقتراع إضافة إلى سوء فهم القانون في عملية حساب الأوراق البيضاء كما حدث في العاصمة.
وحصل حزب جبهة التحرير الوطني بالانتخابات التي قاطعها الحراك وجزء من المعارضة على 105 مقاعد من أصل 407 تلته حركة مجتمع السلم مع 64 مقعدا ثم التجمع الوطني الديموقراطي حليف جبهة التحرير في الحكم مع 57 مقعدا. أما المستقلون فحصدوا 78 مقعدا، وتأسف مقري، الذي سبق ان اعلن انه "جاهز لحكم البلاد"، لعدم حصول الحركة على الأغلبية لتنفيذ "إجراءات تهدئة أولها إطلاق سراح المعتقلين وتحرير وسائل الاعلام واستقلال القضاء وحرية تأسيس الاحزاب والجمعيات وقتح حوار وطني مع كل مكونات الساحة السياسية حتى مع من لم يشارك في الانتخابات".
حكومة وحدة وطنية
وقال "نتجه لبناء عقد وطني جامع تنتج عنه حكومة وحدة وطنية بتنمية البلاد"، ونسبة المشاركة التي كانت الرهان الرئيسيّ في هذا الاقتراع، لم تتعدّ 23%، وهي الأدنى في تاريخ الانتخابات الجزائرية ليس فقط على صعيد الانتخابات التشريعية بل على صعيد الانتخابات عمومًا، بحسب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وعلى سبيل المقارنة، فقد بلغت نسبة المشاركة 35,70% في الانتخابات التشريعيّة الأخيرة عام 2017 و42,90% في انتخابات عام 2012، وعزا رئيس حركة مجتمع السلم عزوف الناخبين عن المشاركة في الاقتراع إلى "التزوير الذي عرفته الانتخابات في السابق والى الصورة السيئة التي رسمها النظام عن نواب البرلمان"، وهذه أول انتخابات تشريعية تشهدها الجزائر منذ اندلعت احتجاجات الحراك في 22 شباط/فبراير 2019.
اضف تعليق