من شوارع بغداد الرئيسية وصولا إلى مدينة النجف الشيعية، رفعت من الآن لافتات تحمل صوره مرفقة بعبارات ترحب بمجيئه. من مدينة أور الجنوبية إلى البلدات المسيحية المدمرة في الشمال، يجري تعبيد الطرقات وإعادة تأهيل الكنائس في المناطق النائية التي لم تشهد زائرا بهذه الأهمية من قبل...
ضربت صواريخ مدنا عراقية وتفاقمت الإصابات بوباء كورونا، لكن البابا فرانسيس عازم، ما لم يحدث أي طارئ يغير الخطط في اللحظة الأخيرة، على القيام برحلة للعراق تستمر أربعة أيام وتبدأ يوم الجمعة لإظهار تضامنه مع الطائفة المسيحية هناك.
وقالت ثلاثة مصادر بالفاتيكان إن البابا، الحريص على استعادة نشاطه في السفر بعد أن عطلت الجائحة عدة رحلات مقررة، أقنع بعض مساعديه القلقين بأن الرحلة تستحق المخاطرة وإنه على أي حال قد حسم أمره. بحسب رويترز.
وقال مسؤول بالفاتيكان "إنه يتوق للعودة للسفر بعد هذه الفترة الطويلة".
والرحلة التي تستمر من الخامس إلى الثامن من مارس آذار ستكون الأولى التي يقوم بها البابا منذ نوفمبر تشرين الثاني عام 2019 عندما زار تايلاند واليابان. وألغيت أربع رحلات كان من المقرر أن يقوم بها في 2020 بسبب الجائحة.
وقال المسؤول وهو أحد أساقفة الفاتيكان ومطلع على شؤون العراق تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته "إنه يشعر حقيقة بالحاجة للتواصل مع الناس على أرضهم".
وقال مسؤولون بالفاتيكان وكبار رجال الدين في الكنائس المحلية إنهم راضون عن قدرة القوات العراقية على توفير التأمين الكافي للبابا وحاشيته.
وقال الأسقف بشار وردة مطران الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في أربيل بشمال العراق للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف مؤخرا "البابا يعرف إلى أين هو ذاهب. هو قادم عن قصد إلى منطقة شهدت حروبا وعنفا لتوجيه رسالة سلام".
وأضاف "السلطات تتعامل بجدية شديدة مع تأمين البابا فنشرت عشرة آلاف من أفراد الأمن لهذا الغرض".
وكان الصراع في العراق قد حال دون زيارة باباوات سابقين له. فبعد انتهاء الحروب استمرت أعمال العنف.
وقتل تفجير انتحاري مزدوج 32 شخصا على الأقل في بغداد في يناير كانون الثاني. وأدان البابا الهجوم.
ويوم الاثنين الماضي قصفت صواريخ المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد والتي تضم المباني الحكومية والسفارات الأجنبية. ولم يسقط قتلى أو جرحى.
ومما يلقي بظلاله كذلك على رحلة البابا للعراق تفشي فيروس كورونا الذي سيحد بشدة من عدد من سيلتقون به بشكل شخصي.
وحظر المسؤولون السفر بين أغلب المحافظات مع تسجيل العراق أكثر من أربعة آلاف حالة إصابة جديدة يوم الخميس ليصل الإجمالي إلى أكثر من 600 ألف حالة إصابة حتى الآن.
وقال البابا فرنسيس (84 عاما) إن الزيارة مهمة حتى لو كان مسيحيو العراق سيرونه فقط على شاشات التلفزيون.
ومن أبرز محطات زيارة البابا لقاء يجمعه مع المرجع الشيعي الأعلى آية الله العظمى علي السيستاني في النجف.
ويحقق البابا بزيارته هذه حلما لطالما راود البابا الأسبق يوحنا بولس الثاني.
وكشفت مصادر مسؤولة لوكالة فرانس برس الأحد ان سفير الفاتيكان في بغداد المونسنيور ميتيا ليسكوفار أصيب بفيروس كورونا من دون أن "يكون لذلك تأثير" على زيارة البابا فرنسيس الجمعة.
وأدت سنين من العنف والاضطهاد إلى تراجع عدد المسيحيين في العراق الذين يعتبرون من من أقدم الجماعات المسيحية في العالم، من 1,5 مليونا في 2003 إلى 400 ألف فقط اليوم.
وينوي البابا فرنسيس البالغ 84 عامًا في أول زيارة له إلى الخارج منذ انتشار الجائحة، توجيه رسالة تضامن ليس للمسيحيين فقط بل لجميع سكان العراق البالغ عددهم 40 مليون نسمة، مع برنامج حافل بالمحطات في أرجاء البلاد.
من شوارع بغداد الرئيسية وصولا إلى مدينة النجف الشيعية، رفعت من الآن لافتات تحمل صوره مرفقة بعبارات ترحب بمجيئه.
من مدينة أور الجنوبية إلى البلدات المسيحية المدمرة في الشمال، يجري تعبيد الطرقات وإعادة تأهيل الكنائس في المناطق النائية التي لم تشهد زائرا بهذه الأهمية من قبل.
وقال نجيب ميخائيل رئيس أساقفة ابرشية الموصل وعقرة للكلدان لوكالة فرانس برس إن "رسالة البابا هي أن الكنيسة تقف إلى جانب الذين يعانون".
وقال ميخائيل "سيقول كلمات قوية للعراق حيث ارتكبت جرائم ضد الانسانية".
جذور قديمة
يشكل مسيحيو العراق إحدى أقدم الجماعات المسيحية في العالم وأكثرها تنوعًا، مع الكلدان والأرمن الأرثوذكس والبروتستانت وطوائف أخرى.
في العام 2003، عندما أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة بصدام حسين، كان المسيحيون يشكلون حوالى ستة بالمائة من سكان العراق البالغ عددهم 25 مليون نسمة.
وقال وليام وردة أحد مؤسسي منظمة حمورابي لحقوق الإنسان، إنه مع تزايد عدد السكان وهجرة الأقليات هربًا من العنف الطائفي، تقلصت نسبة المسيحيين إلى واحد بالمائة فقط.
ويتركز معظمهم في محافظة نينوى في شمال العراق حيث لا يزال كثيرون منهم يتحدثون الآرامية، لغة السيد المسيح.
في العام 2014، سيطر جهاديو تنظيم الدولة الإسلامية على نينوى واجتاحوا بلدات مسيحية وخيروا سكانها بين اعتناق الإسلام أو الموت.
في ذلك الوقت، أيد البابا فرنسيس استخدام القوة لوقف انتشار تنظيم الدولة الإسلامية ودرس إمكان السفر إلى شمال العراق للوقوف إلى جانب الأقلية المسيحية.
لم تتحقق تلك الرحلة، لكن البابا استمر في متابعة الوضع في العراق عن كثب، وأدان قتل المتظاهرين العزل خلال حركة مناهضة للحكومة واسعة النطاق اندلعت في العام 2019.
منتظر منذ زمن بعيد
كان البابا يوحنا بولس الثاني خطط لزيارة العراق في العام 2000، لكن صدام حسين ألغى الرحلة فجأة. وبعد ذلك، لم يقم خلفه البابا بنديكتوس السادس عشر بأي مبادرة في اتجاه بغداد.
وقال البابا السابق بنديكتوس السادس عشر المقيم في دير في الفاتيكان منذ استقالته، ان هذه الزيارة "في غاية الأهمية" لكنها "خطيرة أيضا لأسباب أمنية وبسبب تفشي فيروس كورونا".
بعيد انتخاب البابا فرنسيس في العام 2013، حثه الأب لويس ساكو الذي عينه البابا لاحقًا كاردينالا ورئيسا للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، على زيارة العراق. وساكو هو الآن المنظم الرئيسي للزيارة.
في العام 2019، وجه إليه الرئيس العراقي برهم صالح دعوة رسمية، على أمل أن تساعد الزيارة العراق على "التعافي" بعد سنوات من العنف.
لكن مع تفشي وباء كوفيد -19 العالمي الذي أصاب إيطاليا بالصميم، ألغى البابا جميع رحلاته الخارجية اعتبارا من حزيران/يونيو 2020.
ويصل البابا صباح الجمعة إلى بغداد، مع فريقه الأمني ومجموعة من 75 صحافيًا دوليا تلقوا جميعا اللقاح مثل البابا.
وقبل أيام من الزيارة، أصيب سفير الفاتيكان في العراق بفيروس كورونا إلا أن المسؤولين شددوا على أن ذلك لن يكون له "أي أثر" على الزيارة.
ورغم الجائحة يعتزم البابا إقامة قداديس في بغداد واربيل عاصمة اقليم كردستان ومدينة أور الاثرية، مسقط رأس النبي ابراهيم.
وتسجل في العراق راهنا حوالى أربعة آلاف إصابة جديدة في اليوم وفرضت السلطات حظر تجول ليليا وإغلاقا تاما في عطلة نهاية الأسبوع ستمدد لتشمل فترة الزيارة بالكامل.
وسيفرض التباعد الاجتماعي خلال كل القداديس وينبغي على الراغبين في الحضور أن يسجلوا اسماءهم قبل عدة أسابيع للحصول على التذاكر.
تأثير هائل
والبابا فرنسيس مؤيد بشدة للحوار بين الأديان وزار الكثير من البلدان ذات الغالبية المسلمة، منها بنغلادش في العام 2017 وتركيا في العام 2018 والمغرب والإمارات العربية المتحدة في العام 2019. بحسب فرانس برس.
في أبو ظبي، التقى إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب المرجع السني الكبير للتوقيع على وثيقة تشجع على مزيد من الحوار بين المسيحيين والمسلمين.
ويأمل البابا فرنسيس أن تفتح رحلته إلى العراق بابًا مماثلاً مع المسلمين الشيعة البالغ عددهم نحو 200 مليون في جميع أنحاء العالم ويشكلون غالبية سكان العراق.
وفي إطار هذا الجهد، سيلتقي آية الله العظمى علي السيستاني في منزله المتواضع في النجف. وقال ساكو لوكالة فرانس برس في كانون الثاني/يناير إن البابا يأمل في أن يؤيد السيستاني رسالة "أبو ظبي" التي وقعها الطيب، إلا أن مصادر دينية في النجف نفت بشدة أن يوقع السيستاني على أي وثيقة.
مع ذلك، سيكون اللقاء من أبرز محطات هذه الرحلة الاستثنائية.
وقال محافظ النجف لؤي الياسري "إنها زيارة تاريخية (...) نتحدث عن زعيم طائفة دينية يتبعها 20 في المئة من سكان العالم".
وقال لوكالة فرانس برس إن "زيارته تعني الكثير وزيارة قداسة البابا الى آية الله العظمى علي السيستاني سيكون لها تأثير كبير".
مسيحيو العراق يستعدون لاستقبال البابا
ينهمك المسيحيون في تنظيف الكنائس وتلاوة الترانيم والاستعداد لقداس كبير قبل أول زيارة يقوم بها بابا الفاتيكان إلى العراق على الإطلاق. وستمضي الرحلة، التي تستغرق أربعة أيام، قدما في الشهر القادم رغم جائحة كورونا والمخاطر الأمنية.
واستُهدفت الأقلية التي يبلغ قوامها بضع مئات من الألوف مرتين أولاهما عند بروز تنظيم القاعدة في بدايات العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وفي وقت لاحق على يد تنظيم الدولة الإسلامية، الجماعة المتشددة التي اضطهدتهم بوحشية هم والأقليات العقائدية الأخرى من 2014 حتى 2017.
ويرحب كثيرون ممن بقوا في العراق أو عادوا إليه عندما أصبحت حرية العبادة ممكنة مرة أخرى بزيارة البابا فرنسيس من الخامس حتى الثامن من مارس آذار باعتبارها اعترافا بحجم المعاناة التي تعرضوا لها. بحسب رويترز.
وقال عامر عبد الأحد، وهو مسيحي من أربيل، أثناء تسجيل اسمه لحضور قداس يشارك فيه عشرة آلاف شخص في المدينة الواقعة بشمال العراق يوم الأحد 7 مارس آذار "نتأمل إن شاء الله إنه بعد زيارة البابا تصير أوضاع المسيحين أحسن".
وأضاف الرجل الذي ترافقه زوجته وابنته اللتان ستحضران التجمع أيضا "عانينا ما عانينا اللي هاجروا واللي اتهجروا فإن شاء الله هيجي البابا ويشوف الواقع اللي موجود هسة بالعراق".
أُعلنت أخبار الرحلة التي سيقوم بها زعيم كاثوليك العالم البالغ من العمر 84 عاما في ديسمبر كانون الأول، وستشمل محطاتها العاصمة بغداد، ومدينة أور، التي يربطها العهد القديم بالنبي إبراهيم، وأربيل والموصل وقرة قوش في سهل نينوى.
ورغم عودة بعض المسيحيين إلى ديارهم التي فروا منها في اضطرابات العقدين الماضيين بمن فيهم الكاثوليك والأرثوذكس، يتوقع آخرون مزيدا من الاضطرابات ويتطلعون للرحيل.
وفي أربيل يتولى الأب دنخا جولا مسؤولية قيادة فريق الإمداد وتنظيم القداس الكبير، وقال إن أكثر من 8000 شخص سجلوا أنفسهم بالفعل لحضور المناسبة.
وتتمثل العقبة الكبرى أمامه في تطبيق إرشادات التباعد الاجتماعي في الاستاد المفتوح الذي سيقود فيه البابا القداس. وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمكان حوالي 30 ألفا لكن الحاضرين لن يزيدوا عن ثلث هذا العدد بسبب قيود كوفيد-19.
ومن بين مساعديه دانييلا رفيق وهي واحدة من بين 200 متطوع يساعدونه. وتمثل الزيارة بالنسبة لها فرصة العمر لرؤية البابا.
وقالت "من كام سنة كل مرة لما كان يصير تجمع شبابي مع البابا كنا نحن العراقيين ننحرم من هالشي" في إشارة إلى الصعوبات التي كانت تواجهها هي وعراقيين آخرين في الحصول على تأشيرات السفر.
وقال الأب نشوان كولا منظم القداس إنها ستكون مناسبة فريدة عندما تُقام الصلوات باللغة الإيطالية مع أوركسترا وجوقة تضم حوالي 80 متطوعا محليا يتلون الترانيم باللغتين العربية والسريانية وهي لهجة قديمة متفرعة من اللغة الآرامية يتحدث بها المسيحيون في شمال العراق.
البابا يقيم صلاة بين الأديان في مدينة أور القديمة
من المقرر أن يقيم البابا فرنسيس صلاة بين الأديان في موقع أور التاريخي في بلاد ما بين النهرين عندما يزور العراق الأسبوع المقبل، وهو حدث يأمل علماء الآثار المحليون أن يجذب الانتباه مجددا إلى المكان الذي يحظى بالاحترام باعتباره مسقط رأس النبي إبراهيم.
وكانت أور مقصدا محببا للزوار الغربيين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لكن زيارتها باتت نادرة في الوقت الحالي بعد أن دمرت عقود من الحرب وعدم الاستقرار السياسي صناعة السياحة في العراق. وجاءت جائحة فيروس كورونا لتمنع الزوار المحليين أيضا من ارتياد الموقع.
يضم الموقع الذي يبعد حوالي 300 كيلومتر إلى الجنوب من العاصمة بغداد، زقورات على شكل هرم ومجمعا سكنيا متاخما إلى جانب معابد وقصور.
واكتشفه قبل 100 عام البريطاني ليونارد وولي الذي استخرج كنوزا تنافس في قيمتها تلك التي عُثر عليها في مقبرة توت عنخ آمون في مصر. لكن لم يُنجز عمل يذكر منذ ذلك الحين في واحدة من أقدم مدن العالم، حيث بدأ السكن الحضري والكتابة وسلطة الدولة المركزية.
يقول علي كاظم غانم مدير مجلس الدولة العراقي للآثار والتراث في أور إن المجمع المجاور للزقورات يعود إلى عام 1900 قبل الميلاد.
وقال غانم مشيرا إلى المجمع السكني "لهذا يُعتقد بأن هذا المبنى أو المنزل كان منزل النبي إبراهيم".
وأشار غانم إلى أن المجمع السكني رُمم عام 1999 بعد أن أعلن البابا يوحنا بولس الثاني، سلف فرنسيس، عن زيارة للعراق. لكن الزيارة أُلغيت عندما انهارت المفاوضات مع حكومة الرئيس العراقي صدام حسين في ذلك الحين.
ويأمل غانم هذه المرة أن تلفت زيارة البابا فرنسيس انتباه العالم إلى الموقع، الذي يقول إنه في حاجة ماسة لتمويل أعمال الترميم في قصوره ومعابده.
قال غانم "ليس السياحة فحسب، لكننا نعتقد أنه سيكون هناك موسم زيارة مسيحي".
وتعمل منظمة أون بونتي بير ومقرها إيطاليا مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أعمال البنية الأساسية مثل الممرات والاستراحات واللافتات لمساعدة الزوار.
وتخضع الطرق المحيطة بالموقع للتجديد ويجري مد خطوط الكهرباء قبيل زيارة البابا.
لكن غانم يقول إن جهود إدارته في ظل نقص التمويل تقتصر على احتواء المزيد من الأضرار بالموقع، مثل حفر الخنادق لتحويل مياه الأمطار بعيدا عن أطلاله.
وشدد مطران البصرة حبيب النوفلي على الأهمية الرمزية لزيارة البابا بين الخامس والثامن من مارس آذار، بينما لا يزال العراق يتعافى من الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية التي دمرت عشرات من مواقع التراث المسيحية.
وسيشارك في الصلاة بين الأديان مسيحيون ومسلمون وصابئة مندائيون ويزيديون وأقليات دينية أخرى في العراق.
وسينصب التركيز على الانسجام والتناغم بين الجماعات الدينية في صلاة سماها الفاتيكان "صلاة من أجل أبناء وبنات إبراهيم".
رئيس أساقفة الموصل يستعد لاستقبال البابا
في كارملش وقراقوش والموصل في شمال العراق، كنائس مدمرة، ونفايات تجتاح الأزقة الضيقة، وآثار الحرب لا تزال ظاهرة بوضوح.. رغم ذلك، يؤكد رئيس أساقفة الكلدان في أبرشية الموصل وعرقة نجيب ميخائيل أن التحضيرات جارية لزيارة البابا التاريخية، وأن استقباله سيجري في "أجواء من الفرح".
ورغم مرور ثلاث سنوات على طرد تنظيم الدولة الإسلامية من المنطقة، يحتفظ رئيس أساقفة الموصل بآثار من الجرائم الوحشية التي ارتكبها الجهاديون في كارملش بينها صليب مكسور عند برج أعلى كنيسة وأواني قداس وأيقونة متضررة... أدلة من أجل "تجاوز الماضي"، كما يقول ميخائيل لوكالة فرانس برس، عبر "التسامح لكن من دون نسيان" تلك الجرائم. بحسب فرانس برس.
ويشير الى أنه تمكن من تهريب الكثير من الوثائق القديمة من التنظيم المتطرف الذي احتل المنطقة بين 2014 و2017، وحكم بالرعب، مستهدفا خصوصا الأقليات، الى إقليم كردستان، مخاطرا أحيانا بحياته.
وتقع كارملش شرق مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى. وكانت الموصل على مدى قرون مركزاً تجارياً وثقافياً رئيسياً في الشرق الأوسط. وتحتضن نينوى الكثير من الكنائس والوجود المسيحي.
وخلفت المعارك التي امتدت لأشهر طويلة بين القوات الحكومية العراقية والجهاديين، مئات الضحايا ودفعت الآلاف للنزوح، وانتهت بإعلان السلطات العراقية القضاء على الجهاديين نهاية العام 2017.
ويقول رئيس أساقفة الموصل الذي لا تفارق وجهه الابتسامة، متحدثا من كنيسة كارملش، بأن جدول أعماله أصبح ضاغطا جدا منذ الإعلان عن الزيارة البابوية الأولى للعراق التي ستتم في آذار/مارس المقبل.
في كل المدن التي سيزورها البابا، الزعيم الروحي ل1,3 مليار كاثوليكي في العالم، تقوم جوقات التراتيل وفرق الكشافة بتدريبات منذ أسابيع، وينتظر الجميع لقاء خليفة القديس بطرس والاقتراب منه في كنائسهم.
ويتولى عدد من الكهنة ترجمة صلوات إلى الإيطالية والعربية واللاتينية والسريانية، لأن البابا سيحتفل في العراق بأول قداس له بحسب الطقوس الشرقية.
وشكّلت لجان حكومية وأخرى في محافظات مختلفة لمتابعة الاستعدادات اللوجستية ومراسم الزيارة.
ويرى ميخائيل (65 عاما) أن المهمة التي يقوم بها مع محيطه حساسة جداً خصوصا لأن أي مسؤول أجنبي حكومي لم يزر الموصل منذ أكثر من خمس سنوات.
ويقول رجل الدين الذي يضع قبعة بنفسجية ويرتدي ثوبا أسود بأطراف حمراء "نواجه ضغطا هائلا... الأب الأقدس ليس كأي شخصية، إنه يمثل دولة وكاثوليك العالم".
وسيتنقل البابا (85 عاما) بسيارة مكشوفة في بلد لم يستقر فيه الأمن منذ سنوات.
فسيفساء رائعة
ويصف ميخائيل التحضيرات ب"المهمة صعبة. الكل سيحاول الاقتراب من البابا... ويجب الاهتمام بالتنقلات والزي الرسمي وكتابة البيانات بدقة تامة والدعوات...".
ويشير الى عدم وجود ملعب رياضي مناسب أو كاتدرائية لإقامة قداس بابوي في محافظة نينوى التي ولد فيها، مشيرا الى أن هناك "14 كنيسة مدمرة، سبع منها تعود للقرون الخامس والسادس والسابع".
بين هذه الكنائس، كاتدرائية مسكنته، وهو اسم مسيحية شهيدة في القرون الأولى، وكان رئيس أساقفة الموصل يرتادها برفقة أهله في صغره... تغطيها اليوم حجارة وركام. أما كنيسة القديس شمعون الصفا (القديس بطرس) فمليئة بأكياس قمامة.
وفي بلد لا تزال فيه خلايا جهادية مجهول مكانها، يرى ميخائيل الذي يحمل شهادة هندسة في التنقيب عن النفط قبل أن يقرر اعتناق الكهنوت، أن "كل مسؤول أمني سيكون بحالة توتر" خلال زيارة البابا.
أما هو، فستكون هذه المرة الثانية التي يلتقي بها البابا فرنسيس، إذ سبق له أن التقاه في روما.
ويؤكد ميخائيل أن زيارة البابا التي من المقرر أن تستمر ثلاثة أيام "مهمة جداً لجميع العراقيين"، مشيرا الى أن "هذا البلد كفسيفساء رائعة متعددة الألوان ومتكاملة، لهذا لا يمكن أن يُجزأ الى أجزاء طائفية للأسف (كما) يحدث اليوم".
ويؤمن رئيس أساقفة الموصل بأن البابا فرنسيس قادر على إعادة نسج هذه الروابط، خصوصا في شمال البلاد حيث تتواجد عشرات الأقليات، عبر "كلمات قوية" تعبر عن "مباركته" و"دعمه المعنوي"، مؤكدا بأن ذلك ممكن لأن هناك "تغيرا في العقليات" داخل المجتمع حيث لا تزال الخلافات بين المجموعات الدينية والعرقية قائمة.
لكن "الأمر الأهم"، بالنسبة الى رئيس أساقفة الموصل، هو "زرع الفرح في قلوب كل الناس، لأن هذه الزيارة ليست بروتوكولية، إنها روحية".
اضف تعليق