وصف دحلان بأنه قلب المؤامرات السياسية والمالية في الشرق الأوسط ولعب دورًا محوريًا في تخريب ثورات الربيع العربي ومحاصرة الإسلاميين، وذلك عبر رعاية تمويلية ولوجيستية كاملة من صديقه ابن زايد الذي قدم له صكًا غير محدد القيمة لتنفيذ مهمته على أكمل وجه وما خفي كان اعظم...
وُلد محمد دحلان في مخيم خانيونس 29 سبتمبر 1961 بعدما هاجرت أسرته من قرية حمامة المُهجَّرة عام 1948 واستقرَّت في مخيم خان يونس على أملِ العودة، تزوَّج دحلان من جليلة (وُلدت في المملكة العربية السعودية في الأول من كانون الثاني/يناير 1966)؛ ويحملُ محمَّد دحلان جنسية الجبل الأسود منذ عام 2012 يعيشُ دحلان في المنفى في أبو ظبي حيث يعمل عن كثبٍ مع عائلة آل نهيان الحاكمة وهي إحدى أقوى العوائل في الإمارات، كما تربطهُ علاقات وثيقة بالرئيسِ المصري عبد الفتاح السيسي.
دحلان، قيادي في حركة فتح، وسياسي فلسطيني، ورئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق في غزة، وقائد سابق لمنظمة شبيبة فتح، وعضو العلاقات بمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح بالانتخاب في مؤتمرها السادس الذي عقد في بيت لحم بتاريخ 2009/8/4 م، وحصل على أعلى نسبة أصوات من مرشحي فتح في دائرة محافظة خان يونس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 م، واستقال من منصب مستشار الأمن القومي بعد الانقسام الفلسطيني، وشغل مفوض الإعلام والثقافة في اللجنة المركزية لحركة فتح، تم فصله من حركة فتح دون علم أعضاء اللجنة المركزية في حركة فتح بقرار من الرئيس محمود عباس بسبب انتقاده لسياسة محمود عباس اتجاه غزة وموظفين السلطة الوطنية في قطاع غزة، وأصدرت اللجنة المركزية لحركة فتح قرار فصل دحلان ووقع على القرار محمود عباس بسبب تهم تتعلق بالفساد، وقررت اللجنة إحالة ملفه إلى القضاء.
اختارته السلطة الفلسطينية عضواً في فريق التفاوض الفلسطيني في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو بدءا من مفاوضات القاهرة عام 1994، ومرورًا بمفاوضات طابا والمفاوضات على إطلاق سراح الأسرى وواي ريفر وكامب ديفيد الثانية وانتهاءً بقيادته للمفاوضات التي أفضت إلى ما يسمى ببروتوكول العبور والحركة في سياق الإعداد لمرحلة ما بعد تطبيق خطة الإخلاء الإسرائيلي لقطاع غزة عام 1995.
مهندس اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات
"خائن" كلمة تتردد بين القادة الفلسطينيين الذين يتهمون القيادي السابق المطرود من حركة فتح محمد دحلان -مستشار ولي عهد حاكم أبو ظبي محمد بن زايد- بأنه المهندس الخفي لاتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، خرجت اولى التظاهرات إلى شوارع القدس ونابلس وغزة 14 آب/أغسطس 2020، غداة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق بين الحاكم الفعلي للإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتطبيع العلاقات بين البلدين.
وداس المتظاهرون على صور لولي عهد أبو ظبي ونتنياهو وترامب وقاموا بإحراقها وبعدها بيوم خلال تظاهرة في رام الله، ظهرت صورة رابعة تعود لدحلان بجانب صورة لولي عهد أبو ظبي لقيت المصير نفسه، ودحلان (58 عاما) ليس بعيدا عن إثارة الجدل فقد كان يتولى رئاسة جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في غزة حتى 2007 عندما غادرها مع قوات حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد سيطرة حركة حماس على القطاع.
وفي 2011، طُرِدَ دحلان من اللجنة المركزية لفتح بتهمة الفساد، وغادر الى مصر ومن بعدها إلى الإمارات، بعد وصوله إلى أبو ظبي، أصبح دحلان مستشارا لولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أحد أقوى الزعماء في الشرق الأوسط الذي توصل إلى الاتفاق مع الدولة العبرية.
ولقي الإعلان عن الاتفاق تنديدا واسعا في رام الله وقطاع غزة وقال مسؤولون إنهم يرون بصمات دحلان وراء الاتفاق، وأكد المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية اللواء عدنان الضميري "إننا على قناعة أنه متواطئ وعراب صفقة التطبيع بين الإمارات وإسرائيل" ويشارك مسؤولون في غزة هذا الرأي، بحسب مصدر من مقرب من حركة حماس، من جهته، يرى الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشين بيت) ياكوف بيري الذي عرف دحلان بشكل جيد وكان يعمل معه بشكل وثيق للتنسيق الأمني في القطاع الفلسطيني أن دحلان لم يكن المحرك الحقيقي للاتفاق.
وقال لفرانس برس "في أبو ظبي، أصبح مقربا للغاية من السلطة كمستشار اقتصادي يملك معرفة جيدة بإسرائيل (...) ولكن أولئك الذين يتهمونه باتفاق السلام بين الإمارات (وإسرائيل) مخطئون"، وبحسب بيري فإن "الكثير من الإسرائيليين الذين زاروا دبي وأبو ظبي قبل الاتفاق التقوا به (..) ولكنه ليس حقا المحرك الفعلي لهذا الاتفاق"، وما زال دحلان يعتبر "عدوا" في رام الله للاشتباه في تواطئه في "محاولة انقلابية" على الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي "يرغب بضمان ألا يعود (دحلان) إلى الساحة السياسية الفلسطينية" بحسب بيري.
يبقى السؤال هو إن كانت الإمارات تحضِّر محمد دحلان للعودة إلى الأراضي الفلسطينية لخلافة محمود عباس (84 عاما)، يقول بيري إن "أقل ما يمكننا قوله إنه من غير المرحب به (هناك)" بينما قال مراقب آخر "في حال عودته، فإنه لن يبقى على قيد الحياة لفترة طويلة"، وفي السنوات العشر الأخيرة، غادر الكثير من داعمي محمد دحلان الأراضي الفلسطينية بعد التضييق عليهم.
بعد توعد تركيا "بمحاسبة" الإمارات بسبب ليبيا وسوريا، أبوظبي تدعو أنقرة لترك "الأوهام الاستعمارية"، ويرى العضو في المجلس الثوري لحركة فتح والمؤيد لدحلان ديمتري دلياني أن "العديد من السياسيين يدعمونه ولكنهم لا يعبرون عن ذلك علنا خوفا من فقدان وظائفهم في حال وصل الأمر إلى أذني الرئيس" عباس، وأكد دلياني أن لدحلان العديد من المؤيدين في الخفاء في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة.
ويشير استطلاع رأي أجراه مؤخرا المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمَسْحِيَّة، إلى أن نسبة الدعم لمحمد دحلان تبقى منخفضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويقول رئيس المركز خليل الشقاقي إنه "يملك نحو 15% (من الدعم) في قطاع غزة و 1% في الضفة الغربية" ويضيف "كونه لعب دورا أم لا في الاتفاق لا يغير شيئا لأن اسمه ارتبط به ولن يؤدي سوى إلى إضعاف داعميه" ، بحسب موقع قنطرة.
دحلان وابن زايد
وجد دحلان في ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ضالته في تحقيق حلم السياسة والنفوذ بعد طرده من غزة، فيما وجد الأخير فيه مساعدًا قويًا لتنفيذ أجندته الإقليمية الساعية إلى إيجاد موطئ قدم للإمارات في الشرق الأوسط ووضعها ضمن قائمة الكبار حتى لو كان ذلك على حساب مرتكزات الإمارة التي وضع أسسها الشيخ زايد آل نهيان، وكان القيادي المفصول أكبر الداعمين لصعود ابن زايد السياسي بعد مواراة أخيه غير الشقيق، خليفة بن زايد، عن الأنظار بعد إبعاده عن السلطة إثر إصابته بجلطة دماغية، وهو ما جعل أبو فادي لاعبًا أسياسيًا ومحوريًا في دائرة الحكم داخل الإمارة الخليجية.
صحيفة "لوموند " الفرنسية، في تحقيق لها، نُشر في أكتوبر 2017، وصفت النفوذ الذي يتمتع به دحلان داخل الأسرة الحاكمة في الإمارات، نقلًا عن دبلوماسي عربي في باريس، أنه يعامل "كشيخ من الأسرة الحاكمة، أي معاملة تفوق تلك التي تخصص للوزراء، ففي باريس مثلًا، تفتح له السفارة الإماراتية قاعة الشرف في المطار ويستقبل بالسيارات الليموزين".
أما عن المهمة التي جمعت بينه وبين ابن زايد التي وصفته بأنه "ولي نعمته" فكانت العمل على إعادة بناء شرق أوسط ما بعد "الربيع العربي"، للتصدي للتحالف الثلاثي الذي يؤرق مضاجع الأمير الخليجي ( لإسلاميون وإيران وقطر) وهي المهمة التي لم يدخر دحلان جهدًا لتنفيذها على أكمل وجه، الصحيفة الفرنسية نقلت عن صحفي فلسطيني مقرب من دحلان وصفه لمهمة الأخير قائلًا: "هذا هو رجل الإمارات في حربها ضد الإخوان المسلمين، إذ إنه الوحيد من قيادات الجيل الثاني في فلسطين الذي يتمتع بعلاقات مع شخصيات رفيعة في المنطقة، إنه أخطبوط حقيقي".
كما كشف التحقيق النقاب عن إحدى شركات الأبحاث التي يستخدمها دحلان لتحقيق مهام وظيفته الجديدة، وتسمى"الثريا" ومقرها أبو ظبي، وهي عبارة عن مركز دراسات اقتصادية، ضمن سلسلة مؤسسات يمارس من خلالها القيادي المفصول أنشطته، ولها مكاتب في بعض العواصم أبرزها في القاهرة وأوروبا، ورغم نفي دحلان المستمر أن يكون مستشارًا لابن زايد، وأنه مجرد صديق للأسرة لا أكثر، فإن لوموند كشفت من خلال الموقع الإلكتروني لـ"إنترناشيونال كومبني بروفايل"، وهي وكالة لتقييم مخاطر القروض، أن شركة الثريا المملوكة للقيادي هي شركة تابعة لمجموعة "الإمارات الملكية القابضة"، المملوكة لأسرة آل نهيان.
أخطبوط الانقلابات
وصف دحلان بأنه "قلب المؤامرات السياسية والمالية في الشرق الأوسط" ولعب دورًا محوريًا في "تخريب ثورات الربيع العربي ومحاصرة الإسلاميين"، وذلك عبر رعاية تمويلية ولوجيستية كاملة من صديقه ابن زايد الذي قدم له صكًا غير محدد القيمة لتنفيذ مهمته على أكمل وجه، البداية كانت من مصر، قلب العروبة النابض، التي هزت ثورة شبابها الخالدة في 25 يناير 2011 أركان حكم ابن زايد، ما دفعه لتوظيف ما لديه من إمكانات ونفوذ لوأدها في مهدها وعدم السماح لها بالتمدد الذي ربما يهدم معبد الأمير الشاب وأشقائه، ووقع الاختيار هنا على دحلان.
نجح مستشار ابن زايد في التوغل داخل مفاصل المشهد المصرين باذلًا ما في وسعه لزعزعة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، حيث تمويل الاحتجاجات ضدّه، وشن حرب مفتوحة دون هوادة ضد كل ما يمت للثورة بصلة، كما نجح في تدشين شبكة إعلامية قوية، ويذكر أنه في إحدى الجلسات التي جمعت دحلان وفريق عمل صحيفة "اليوم السابع " المصرية الداعمة لنظام السيسي، أكد ضرورة مجابهة الإسلاميين بشتى السبل، واصفًا الثورة المصرية بالمسروقة، ومشددًا على ضرورة المضي قدمًا لاستعادتها مرة أخرى، عازفًا على وتر تأييد الجنرالات في تلك المهمة.
وكان القيادي الفتحاوي المفصول ذراع أبناء زايد للتوغل في المشهد الإعلامي فخرجت العديد من القنوات والصحف والمواقع في وقت لا يساوي في حساب الزمن لحظات، وبإمكانات مادية مهولة كانت بمثابة الصدمة لكثير من المتابعين للشأن الإعلامي المصري، وإيمانًا بهذا الدور الذي ساهم في الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، حصل الرجل على العديد من التسهيلات من الحكومة المصرية، منها مثلًا أنها سمحت لزوجته جليلة، في أبريل/نيسان 2015، بدخول قطاع غزة عبر معبر رفح، وبرفقتها حقيبة محملة بالأموال، في الوقت الذي أغلقت فيه "إسرائيل" معبر بيت حانون (إيريز).
ومن المشهد المصري إلى جاره الليبية، حيث اتهم دحلان بشراء السلاح من "إسرائيل" لصالح سيف الإسلام القذافي خلال الثورة الليبية، وأخذ "عمولة" مالية مقابل ذلك، وفق ما ذكر أبو مازن في خطابه في مارس 2014، فيما أشار موقع "ميدل إيست آي" في أكتوبر/تشرين الأول 2017 إلى رسالة مسربة من المحكمة الجنائية الدولية تظهر أنها نظرت أواخر عام 2012 في مدى تورط دحلان مع سيف الإسلام.
العبث في المشهد الليبي بالوكالة عن ابن زايد استمر حتى بعد سقوط القذافي، حيث كان دحلان أبرز الفاعلين في مجال تصعيد خليفة حفتر سياسيًا وعسكريًا، وذلك من خلال إمداده بالسلاح والمرتزقة من السودان وتشاد وأوغندا وخلافه، وهو الدعم الذي أعاد الجنرال الليبي للساحة بعد أن كان على بعد خطوات قليلة من الانتهاء، ويعتمد الأخطبوط في تحركاته على علاقاته القوية مع قيادات سابقة من نظام القذافي مثل محمد إسماعيل والملياردير حسن طاطانكي الناشط في سوق الأسلحة، وكذلك أحمد قذاف الدم ابن عمّ العقيد الليبي الراحل، حيث ساعدت تلك الأسماء البارزة دحلان على السفر أكثر من مرة إلى برقة منذ 2012 وحتى اليوم، وذلك للتنسيق الأمني والعسكري مع حفتر ومليشياته بمساعدة ودعم من القاهرة.
ومن ليبيا إلى تونس.. محطة جديدة يصلها دحلان في مسيرة إجهاضه لثورات الربيع العربي، حيث نسج علاقات مع قيادات من النظام السابق بجانب شبكة علاقات متعددة مع شخصيات بارزة من اليسار المعارض لحركة النهضة الإسلامية، من بينهم رفيق الشلي مسؤول سابق في الداخلية خلال حكم زين العابدين بن علي ورئيس حزب مشروع تونس، ومحسن مرزوق المستشار السابق للرئيس الباجي قايد السبسي، الصحيفة الفرنسية في تحقيقها السابق تنقل عن مراقبين قولهم إن دحلان حث حزب حركة نداء تونس على فك تحالفه بحزب حركة النهضة، في محاولة لتطويق النفوذ القطري في البلاد، بجانب العمل على إقصاء الرموز الثورية الأخرى في مقدمتهم الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي. كما وظف مستشار ابن زايد توغله في مفاصل الساحة التونسية لخدمة الأجندة الليبية كذلك، حيث سعى "لإقناع التونسيين بإغلاق الحدود مع ليبيا للتسبب في شح الموارد الغذائية في العاصمة طرابلس، وإثارة الفوضى، مما سيساعد مجموعات حفتر على التقدم" حسبما نقلت لوموند عن مصدر خاص بها، المهمة ذاتها قام بها الرجل في سوريا حيث ساهم في مارس/آذار 2016 في بعث "تيار الغد" بقيادة الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا عبر حفل أقيم في القاهرة كان عبارة عن مسمار في نعش الثورة السورية وتفتيت قواها الموحدة بعدما تصدر المشهد رجل مقرب من الأسد ومعروف عداءه للإسلاميين ولقطر وتركيا، وهو بذلك متناغم مع دحلان وولي نعمته بصورة متطابقة تقريبًا.
وفي لبنان لا يختلف الوضع كثيرًا، فأياديه السوداء، الممولة إماراتياً، تعبث هناك في كل مكان، فلديه مليشيات منشقّة عن حركة فتح على غرار مجموعة محمد عيسى في مخيم عين الحلوة، المعروفة سابقًا باسم "لينو"، وهي المجموعة التي دخلت في مواجهات عسكرية مع مجموعات نظامية من حركة فتح بين عامي 2011 و2013، ثم يأتي ضلوعه في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف 2016 لتؤكد إخلاص دحلان في تنفيذ أجندة ابن زايد على أكمل وجه، فالرجل لم يتوقف عند حاجز إجهاض ثورات الربيع العربي وفقط، بل يسعى بكل إتقان لزعزعة كل الأنظمة التي تناهض توجهات ولي عهد أبو ظبي.
وقد اتهمت أنقرة أبوظبي بدعمها الحركة الانقلابية ماليًا، وذلك عبر توفير ثلاثة مليارات دولار قدمتهم الإمارات - عن طريق دحلان - لفتح الله غولن، رجل الدين المقيم في أمريكا، الذي تؤكد الحكومة التركية تزعمه لمحاولة الانقلاب الأخيرة، وكانت وزارة الداخلية التركية قد أدرجته ضمن "القائمة الحمراء" للإرهابيين المتورطين في محاولة الانقلاب، راصدة مكافأة قد تصل 10 ملايين ليرة تركية (نحو1.7 مليون دولار) لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على مستشار ابن زايد الذي بات ملاحقًا في عدة دول أخرى، ويعد حلقة الوصل بين الإمارات وصربيا لتوثيق العلاقات بينهما بصورة كبيرة، واتفاقهما على ضرورة استئصال تيارات الإسلام السياسي بالكلية، وهو ما عزز مسار التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تتبنى الهدف ذاته، ويؤدي فيه دحلان دورًا محوريًا في ظل علاقاته القوية بالكوادر الأمنية والسياسية في تل أبيب، بحسب نون بوست.
يد الإمارات الفلسطينية الخفية
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرًا للصحفي جوناثان فيرززيجر تناول فيه الدور الذي أدَّاه محمد دحلان، القيادي في حركة فتح والسياسي الفلسطيني ورئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق في غزة، في صفقة التطبيع مع إسرائيل التي أبرمتها الإمارات مؤخرًا، واحتمالات عودته لقيادة السلطة الفلسطينية بعد مغادرة عباس المتقدم في العمر.
استهل جوناثان تقريره بالقول: أصبح محمد دحلان شخصًا مذمومًا في 2011، وذلك بعدما داهمت الشرطة الفلسطينية منزله في رام الله، ودَفَعتْ رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق، الذي ظهر باعتباره منافسًا لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إلى الهرب عبر نهر الأردن حتى انتهى به المطاف طالبًا اللجوء في أبوظبي، وبينما لا يزال دحلان قابعًا في منفاه في أبوظبي، وَجدَ أخيرًا فرصته في الانتقام اللذيذ، وبصفته أحد المقربين من قادة الخليج العربي والعقل الاستراتيجي المدبر في المنطقة، ساعد دحلان في صياغة اتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل، الأمر الذي أثار حفيظة رئيس السلطة الفلسطينية المسن محمود عباس.
ويلفت التقرير إلى أنه بعد مسيرة متقلبة في أروقة السياسة الفلسطينية، وتودده مرة إلى واشنطن ليصبح الخليفة المحتمل للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ثم طرده لاحقًا من الضفة الغربية باعتباره متسلقًا فاسدًا، تعلَّم دحلان أن يلعب لعبة طويلة المدى من أجل الوصول إلى القمة، وُلِد دحلان في مخيم خانيونس للاجئين، وهو بقعة مكتظة بالسكان في قطاع غزة الصغير، ونشأ باعتباره واحدًا من القيادات الفلسطينية الشابة في الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 ضد إسرائيل، وتعلم العبرية أثناء السنوات المتعددة التي قضاها وراء قضبان السجون الإسرائيلية. وبعد نفيه إلى خارج البلاد، اكتسب دحلان ثقة عرفات وأصبح مساعدًا رئيسًا له عندما انتقل مقر منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس.
وبعد عودة منظمة التحرير إلى البلاد في 1993 على خلفية اتفاقيات أوسلو للسلام، ترأس دحلان حزب فتح العلماني الحاكم في غزة وقاد العمليات الأمنية هناك، وتحول إلى المنفذ الحازم لعمليات عرفات ضد المعارضة المتمثلة في حركة المقاومة الإسلامية حماس، لم تكن شعبية دحلان في الشارع كافية لحمايته من الشرطة ونظام العدالة الجنائية الذي يسيطر عليه عباس، ما ترك قليلًا من الخيارات أمام دحلان الذي لم يجد بُدًّا عن المنفى، بحسب التقرير. وفي عام 2014، أدانت محكمة فلسطينية دحلان غيابيًّا بتهمة «التشهير بعباس» وحكمت عليه بالسجن لمدة عامين، كما حُكِم عليه بالسجن لثلاث سنوات أخرى بتهمة الاختلاس.
يغيب لكنه لا يخرج أبدًا من اللعبة
يقول الكاتب إن دحلان البالغ من العمر 59 عامًا هو أفضل شخص يستطيع النهوض مرةً أخرى بعد الصعوبات، وقد يَخْفُت نجمه لكنه لا يخرج أبدًا من اللعبة وما أن وصفته إسرائيل بالإرهابي، حتى أصبح لاعبًا مركزيًّا في مفاوضات أوسلو ويبدو أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة كلها تقع في حب الرجل، بدءًا من الرئيس السابق للبيت الأبيض بيل كلينتون ثم الرئيس جورج دبليو بوش والآن ترامب، وفي غزة يستطيع دحلان أن يلعب على كل الحبال؛ إذ نشأ في الشوارع نفسها التي نشأ فيها زعيم حماس يحيى السنوار وبينما كان الإسلاميون يكرهون دحلان عندما حكم غزة وأهان قادتهم الذين رفضوا التعاون معه بجَمْعِهم وحَلْق لحاهم وحواجبهم، إلا أنه الآن يعمل معهم في صف المعارضة نفسه ضد عباس.
وصحيح أن دحلان، الذي يتواصل بتحفظ على تويتر، لم يُشاهَد داخل حدود الضفة الغربية أو غزة منذ 2011، إلا أن زوجته جليلة ساهمت في بناء أرضية داعمة له من خلال الزيارات الخيرية الدورية التي تقوم بها إلى غزة؛ بما في ذلك تنظيم حفلات زفاف جماعية للشباب الذين لا يستطيعون تحمل نفقات الزفاف ومع أنه لا يزال الحصان الأسود -يستطرد الكاتب- إلا أنه يظل من بين حِفْنة من المرشحين الذين يظهرون باستمرار في استطلاعات الرأي والمسوحات الخاصة بالاقتراع السياسي لخلافة عباس؛ المدخِّن الشره صاحب السجل الحافل في أمراض القلب، بحسب ساسة بوست.
الانقلابي الاقليمي
اتُهم دحلان، بالتورط في عمليات فساد وكسب غير مشروع، من خلال استغلاله مناصبه بالسلطة الفلسطينية، ففي عام 1997، نُشرت تقارير كشفت أن 40% من الضرائب المحصلة من رسوم معبر "كارني" التجاري الواصل بين غزة وإسرائيل، والمقدرة بمليون شيكل شهريا (أكثر من ربع مليون دولار) كانت تحول لحساب دحلان الشخصي، وبحسب تقارير صحفية، فقد قدرت ثروته منتصف عام 2005، بـ 120 مليون دولار.
رغم أن دحلان يدين بنفوذه للزعيم الراحل ياسر عرفات، الذي عينه مسؤولا في السلطة، إلا أن الأول انقلب على رئيسه، وحاول إزاحته من المشهد الفلسطيني، بالتواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة، فقد ناصبت واشنطن وتل أبيب، العداء لعرفات إثر دعمه لانتفاضة الأقصى (اندلعت نهاية عام 2000)، ورفضه الاقتراحات الأمريكية لإنجاز حل سياسي "نهائي"، اعتبره الزعيم الفلسطيني، لا يلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية.
بدأت محاولات إزاحة عرفات تأخذ طابعا علنيًا عقب اندلاع انتفاضة الأقصى، وفرض إسرائيل حصارا عسكريا على مقره عام 2002 مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، استمر لثلاث سنوات، حاول دحلان آنذاك التسويق لنفسه كبديل للرئيس عرفات، وبدأ يوجه انتقادات علنية للأخير ويتهمه بالاستبداد بالرأي، كما طالب بحقيبة وزارة الداخلية، والمسؤولية عن جميع أجهزة الأمن الفلسطينية، وهو ما رفضه عرفات.
وفي عام 2003، وافق الزعيم الفلسطيني (المحاصر في مقره برام الله)، تحت ضغوط أمريكية وأوروبية شديدة على تعيين رئيس وزراء، كان وقتها محمود عباس (الرئيس الحالي)، قدم عرفات تنازلات إضافية، تم بموجبها تعيين دحلان، وزيرا للشؤون الأمنية، لكن هذه الحكومة، لم تعمّر طويلا، بسبب "تدخلات" عرفات، بحسب عباس الذي سرعان ما قدم استقالته، وفي العام 2003، نشرت وسائل إعلام، نص رسالة مزعومة من دحلان إلى وزير الدفاع الإسرائيلي، آنذاك، شاؤول موفاز، تضمنت خطة للتخلص من عرفات، لكن لم يتسن التأكد من صحتها.
وفي العام 2004، حدث تطور غير متوقع، حيث نظّم دحلان مظاهرات مسلحة، في قطاع غزة، ضد الرئيس عرفات، للمطالبة بما تم تسميته بـ"تنفيذ إصلاحات"، وخلال المظاهرات المسلحة، أحرق مسلحون مقرا للشرطة الفلسطينية في قرية الزوايدة، واحتلت عناصر من "كتائب شهداء الأقصى"، المحسوبة على حركة "فتح"، مقر محافظة خان يونس لخمس ساعات، وحدث اشتباك بين مسلحين ومكتب جهاز الاستخبارات العسكرية في مدينة رفح.
وفي ذلك الوقت، قال دحلان لصحيفة "الحياة" الصادرة من لندن، ردا على الاتهامات بأنه المحرك لتلك المظاهرات: "هذا شرف لا أدّعيه (..) الهبّة الجماهيرية المطالبة بالإصلاحات جاءت بعد عشر سنوات من المطالبات المتكررة بأن تنظر القيادة الفلسطينية إلى مصالح الشعب بعيدا عن الاتهامات المسبقة"، وفي نهاية ذلك العام، وتحديدا في 11 نوفمبر/تشرين الثاني (2004) توفي الرئيس عرفات، لأسباب ما تزال مجهولة، حيث لم تعلن نتائج التحقيقات.
وقالت "حماس" إن دحلان، شكّل في سبيل تنفيذ خطته لإفشال حكمها "القوة التنفيذية لحركة فتح"، التي قامت بعمليات اختطاف لعناصر من "حماس"، وتعذيبهم و"قتلهم على الهوية"، ومع تزايد التوتر الأمني، بين حركتي "فتح" و"حماس" منتصف عام 2007، اندلعت اشتباكات مسلحة بين الطرفين، انتهت بسيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة، وألقى قادة في حركة "فتح" باللائمة على دحلان، لخسارة الحركة، القطاع، نظرا لكونه المسؤول عن الحركة فيه، وقائدا للأجهزة الأمنية.
وعلى خلفية قضايا جنائية ومالية، قررت اللجنة المركزية لحركة فتح، في 12 يونيو/ حزيران 2011، فصل "دحلان" وإنهاء أي علاقة رسمية له بالحركة، كما قررت اللجنة، إحالة دحلان إلى القضاء لمحاكمته في عدد من "القضايا الجنائية والمالية وقضايا أخرى، حسب ما ورد في تقرير لجنة تحقيق خاصة معه".
وكانت مصادر من حركة "فتح"، قالت إن من بين التهم الموجهة لدحلان "التخطيط لتجنيد خلايا عسكرية في الضفة الغربية للسيطرة على زمام الأمور"، وفي 3 يناير/ كانون الثاني عام 2012، تم رفع الحصانة البرلمانية، عن دحلان، بقرار من الرئيس محمود عباس، وفي 14 ديسمبر 2016، اعتبرت محكمة مكافحة الفساد، دحلان، فارا من العدالة، وأصدرت المحكمة الفلسطينية بحق دحلان آنذاك حكما بالسجن لمدة 3 أعوام، وطالبته بإعادة مبلغ 16 مليون دولار إلى خزينة السلطة، كما وجهت المحكمة لدحلان تهمة الاختلاس، خلال توليه منصب منسق الشؤون الأمنية للرئاسة الفلسطينية.
علاقته بالانقلاب في تركيا
وزارة الداخلية التركية، رصدت عقب إدراج "دحلان" ضمن "القائمة الحمراء"، مكافأة قد تصل 10 ملايين ليرة تركية (نحو1.7 مليون دولار) لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على دحلان، وذكرت الداخلية في بيان، أنه بحسب قوائم المطلوبين المحدثة، جرى إدراج 4 أشخاص بينهم "دحلان" في القائمة "الحمراء" للإرهابيين المطلوبين، و3 في القائمة "البرتقالية"، و2 في "الرمادية".
ولفت البيان إلى إصدار السلطات القضائية مذكرة قبض بحق "دحلان" بتهم عدة بينها ضلوعه في محاولة الانقلاب الفاشلة، و محاولة تغيير النظام الدستوري بالقوة، و"الكشف عن معلومات سرية حول أمن الدولة لغرض التجسس"، و"قيامه بالتجسس الدولي"، وتصنف الداخلية التركية الإرهابيين المطلوبين ضمن 5 قوائم أخطرها الحمراء، تليها الزرقاء، ثم الخضراء، فالبرتقالية، وأخيرًا القائمة الرمادية، بحسب وكالة الأناضول.
اضف تعليق