تضررت مصر بشدة، مثل دول أخرى، من انتشار فيروس كورونا المستجد الذي تسبب في توقف صناعة السياحة الحيوية ودفع السلطات إلى إغلاق المطارات والمطاعم والشركات والمتاجر وفرض حظر تجول ليلي، واعتمد الرئيس عبد الفتاح السيسي خطة قيمتها 100 مليار جنيه ستة مليارات دولار لاحتواء التداعيات الاقتصادية...
يقول ياسر ناجي البالغ من العمر 48 عاما وهو يجلس القرفصاء مع آخرين من عمال اليومية الباحثين عن عمل تحت أحد الجسور العلوية في القاهرة إنه ينتظر منذ أسبوعين فرصة للعمل في أحد مواقع البناء حتى يتمكن من إطعام أسرته.
وتضررت مصر بشدة، مثل دول أخرى، من انتشار فيروس كورونا المستجد الذي تسبب في توقف صناعة السياحة الحيوية ودفع السلطات إلى إغلاق المطارات والمطاعم والشركات والمتاجر وفرض حظر تجول ليلي. بحسب رويترز.
واعتمد الرئيس عبد الفتاح السيسي خطة قيمتها 100 مليار جنيه (ستة مليارات دولار) لاحتواء التداعيات الاقتصادية. وتضمنت الإجراءات دفع مرتبات العاملين الذين اضطر أصحاب الأعمال إلى صرفهم وكذلك دفع مبلغ 500 جنيه شهريا لمدة ثلاثة أشهر للعمالة غير المنتظمة التي تشمل غير المسجلين في قوائم التأمينات الاجتماعية.
وتوضح دراسة نشرتها منظمة العمل الدولية في 2018 أن ثلثي قوة العمل في مصر من العمالة غير المنتظمة ويقول محللون إن محاولة صرف مبالغ استثنائية لغير المسجلين يمثل تحديا كبيرا، وقال ناجي وهو يجلس بجوار أدواته في حي السيدة عائشة بالقاهرة ”عندي خمسة أطفال في المدارس ولم أعمل منذ 16 يوما“. وأضاف أنه تقدم بطلب للحصول على المساعدة لكنه لم يتسلم أي أموال.
وقبل الأزمة كان ناجي يحصل على 150 جنيها يوميا لكنه يقول الآن إنه يضطر للاقتراض لإطعام نفسه، وقال وزير القوى العاملة محمد سعفان لقناة تلفزيونية محلية إن الدولة تحاول بقدر الإمكان اجتياز الظروف الحالية وإنها لن تتجاهل أحدا سواء من أصحاب الأعمال أو من العمال، ولمساعدة العمالة غير المنتظمة بدأت الحكومة نظاما على الإنترنت لتقديم طلبات الحصول على الإعانة الشهرية. ويحق لعمال البناء وعمال المواني والبحارة وعمال المناجم وغيرهم طلب الإعانة.
وقال سعفان إن 1.5 مليون عامل سجلوا أنفسهم حتى الآن. ويقدر البنك الدولي أن قوة العمل في مصر قوامها 30 مليون عامل تقريبا، وقال عدد من العمال لرويترز إنهم لم يكتشفوا حتى الآن كيفية التقدم بطلب أو أنهم في انتظار الموافقة على طلباتهم.
وقال خالد إبراهيم (58 عاما) الذي يعمل في مقهى أغلق أبوابه ”قدمت طلبا ... وقالوا لي تعالى استلم المبلغ بعد يومين. وجئت بعد يومين وقالوا لي ارجع بعد أسبوع“، وأضاف وهو يقف مع 15 آخرين في أحد مكاتب البريد ”أنا محتاج أدفع الإيجار لكني لا أستطيع“.
وقال متحدث باسم وزارة القوى العاملة إن طلبات العمال ستتولى لجنة تقييمها برئاسة رئيس الوزراء لمعرفة ما إذا كانوا مؤهلين للحصول على الإعانة، وأضاف أنه في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على استكمال إجراءاتها بدأت جمعيات أهلية تفحص طلبات الإعانة المقدمة لها وأنه تمت الموافقة بالفعل على عدة آلاف من الطلبات، أصبحت تداعيات الوباء جلية، ففي العادة يمثل قطاع السياحة المصري نسبة تقدر بنحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي غير أن الفنادق والمواقع السياحية أغلقت بما في ذلك أهرام الجيزة، وذلك للمرة الأولى فيما تعيه الذاكرة، ويقول محللون إن مصاعب جديدة تلوح في الأفق مع تطبيق دول خليجية يعمل بها ملايين المصريين قيودا على الحركة، وهو ما قد يقلل بشكل حاد التحويلات النقدية من العاملين في الخارج، وتبلغ تحويلات المصريين العاملين في الخارج 25 مليار دولار سنويا يُقدر أن أغلبها من دول الخليج.
وقال تيموثي قلدس الباحث الزميل غير المقيم بمعهد التحرير للسياسة في الشرق الأوسط ”مصر تواجه تحديا هائلا في محاولة إبقاء السكان في البيوت. فكثير من الأشغال لا يمكن أداؤها عن بعد كما أن ثلث السكان يعيشون تحت خط الفقر ويحصلون على أقل من دولارين يوميا“، وقلص حظر التجول ساعات العمل لمن ما زالوا يعملون في وظائف كما أن من يعملون في الخدمات الحكومية لا يمكنهم زيادة دخلهم بالعمل في أشغال إضافية مثل قيادة سيارات الأجرة ليلا مثلما اعتادوا، وقال خالد العناني وزير السياحة إن الفنادق وشركات السياحة تتلقى الدعم وإنه سيتم صرف مرتبات شهر مارس آذار. وحذر من أن الاستغناء عن العمالة مخالف للقانون، ويقول محللون إنه ربما يكون من الصعب الالتزام بذلك لأن بعض المرشدين السياحيين أو باعة التذكارات الجائلين ليس لهم عقود عمل.
وقال سعفان إن المبالغ الاستثنائية التي ستصرف للعمالة المنتظمة الذين استغنى عنهم أصحاب الأعمال سيستفيد منها 900 ألف عامل في قطاع السياحة وحده، وقال أصحاب متاجر للتذكارات في سوق خان الخليلي التاريخي في القاهرة إنهم لم يشهدوا أياما بهذا السوء حتى خلال الاضطرابات التي أعقبت الإطاحة بالرئيس الراحل حسني مبارك في 2011، ولم يشاهد مراسلون لرويترز أي زوار أثناء زيارتين إلى السوق التي تجتذب في العادة المصريين لتناول الشاي في مقهى الفيشاوي الشهير المغلق الآن.
وقال عمرو عادل الذي يبيع الحلي والشالات وملابس الرقص في متجر صغير ”عندي أربعة أولاد ودخلي حوالي 150 جنيها في اليوم وإذا بقيت في البيت يوم أو يومين أو ثلاثة ... فمن أين آتي بالمال؟، وأضاف أنه لم يتقدم بطلب للحصول على الإعانة لأنه لا يعرف السبيل إلى ذلك.
فيروس كورونا يزيد هشاشة أوضاع العمالة اليومية
يقف سيد شعبان، وهو واحد من ملايين العمال المياومين في مصر، منهكا ومهموما في طابور للحصول على صندوق يحوي مواد غذائية، مثله مثل عشرات العمال الآخرين الذين باتوا عاطلين بعد تفشي فيروس كورونا المستجد. بحسب فرانس برس.
ويقول شعبان الذي وضع قفازات وكمامة بينما يقف أمام مركز لتوزيع المواد الغذائية في القاهرة، "كما ترون، ليس لدي سوى ذراع واحدة تعمل. حتى الآن كنت أكسب رزقي من تقديم المشروبات. الآن لا يدخل جيبي قرش واحد".
والمركز تابع ل"بنك الطعام المصري"، وهو جمعية غير حكومية تقدم مساعدات للفقراء، في مصر، أكبر الدول العربية ديموغرافيا، يبلغ عدد السكان 100 مليون نسمة، ويعيش ثلثهم بأقل من 1,5 دولار يوميا، وفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (رسمي).
ووفق البيانات الرسمية، تقترب نسبة البطالة من 10% ويتجاوز عدد العاملين في القطاع غير الرسمي خمسة ملايين شخص لا يتمتعون بأي شبكة للحماية الاجتماعية، وسجلت مصر حتى الآن رسميا 1450 إصابة بفيروس كورونا المستجد، بينها 94 وفاة، وللحد من انتشار الفيروس، فرضت السلطات حظرا للتجول في 25 آذار/مارس وقررت في الوقت ذاته إغلاقا كاملا للمقاهي والمطاعم والنوادي وكل أماكن التجمعات، وفقد العاملون في هذه الأماكن الدخل القليل الذي كانوا يحصلون عليه.
ومنذ منتصف آذار/مارس، يوزع "بنك الطعام المصري" مساعدات غذائية لمواجهة التأثيرات الهائلة لهذه الإجراءات على المصريين الأكثر فقرا، وكان شعبان، وهو أب لطفلين يقطن في حي مدينة السلام الفقير بشرق القاهرة، يعمل نادلا في مقهى شعبي الى أن حرمه الفيروس مصدر رزقه، ويقول "ليست لدينا تأمينات اجتماعية يمكننا الاعتماد عليها. لم أكن لآتي هنا لو لم تكن لدي حاجة حقيقية".
ويقول محمد سعيد، 36 عاما، وهو نجار وأب لثلاثة أطفال بينما يقف خلف شعبان في الطابور، "منذ أن بدأت هذه الأزمة ونحن نجلس في بيوتنا من دون أي مدخول مالي"، ويضيف "لا نعرف كيف نوفر الطعام لأولادنا. ولو، لا قدر الله، حصل شيء لأي منهم، لن استطيع أن أدفع فاتورة أي مستشفى".
وضع طارئ
ويؤكد رئيس "بنك الطعام المصري" محسن سرحان أن جمعيته الخيرية تعمل على توزيع عشرة الاف صندوق من المواد الغذائية كل يوم. ويحتوي الصندوق على أرز ومعكرونة وزيت وسكر ولحم معلب، وهي أقل بكثير من احتياجات الأسر الفقيرة، ويضيف "شعرنا أن الاقتصاد يتباطأ بسبب فيروس كورونا فأطلقنا في منتصف آذار/مارس مبادرة لمساعدة شريحة واسعة من المجتمع تأثرت سلبا" بما يحدث.
وتعهد بنك الطعام بتوزيع 500 ألف صندوق في محافظات مصر ال27. وتشارك قرابة خمسة آلاف جمعية أهلية محلية في توزيع المساعدات، ويقول "إننا في وضع طارئ. نحن بحاجة الى توفير غذاء لمئات الآلاف خلال بضعة أسابيع... الوقت مهم جدا الآن".
الحياة توقفت
وقرّر الرئيس عبد الفتاح السيسي الاثنين تقديم مساعدات اجتماعية للعمال الأكثر فقرا قيمتها 500 جنيه لكل منهم (أقل قليلا من 30 دولارا) شهريا لمدة ثلاثة أشهر بغرض إعانتهم في هذه الظروف الصعبة.
ولكن هذه المنحة هي، برأي خبراء، مسكنا ليس أكثر، ويقول الباحث المتخصص في الشؤون العمالية في العالم العربي في كلية الدراسات الشرقية والافريقية بجامعة لندن آدم هنية "الفيروس سيؤدي بالتأكيد الى زيادة كبيرة في عدد العمال الفقراء في دول مثل مصر"، ويضيف أن الفيروس والتداعيات الاقتصادية الناجمة عنه يمكن أن تؤدي الى "مجموعة من النتائج غير المتوقعة" بينها "خلل في إمدادات المواد الغذائية" و"ضغط هائل على النظام الصحي للبلاد"، ويحذر هنية من أن هذا "سيؤدي بلا شك الى احتجاحات اجتماعية"، مضيفا "إذا تم القياس على تاريخ مصر، فسيترتب على ذلك تصاعد القمع والمزيد من الإجراءات السلطوية"، ومع تزايد أعداد المصابين بالفيروس كل يوم، يعبر محمد سعيد عن خوفه من المستقبل. ويقول "الوضع جعلني أفكر في أن أغادر وأترك كل شي ولكن لا يمكنني أن اترك أسرتي"، ويضيف "نحن لا نتسول ولكن الحياة بالفعل توقفت".
اضف تعليق