q
{ }
سياسة - تقارير

مركز المستقبل ناقش دور الاحتجاجات في التغيير السياسي بالعراق

في ملتقى النبأ الأسبوعي

عقد مركز المستقبل للتنمية والدراسات الستراتيجية حلقة (دور الاحتجاجات في التغيير السياسي بالعراق) الاحتجاجات السلمية المنظمة هي احدى وسائل الرفض والاعتراض على سياسات الحكومة العامة، والتي يرى المحتجون أنها خاطئة ولا تمثل تطلعات الشعب، والاحتجاجات في العراق بدأت تتصاعد بعد (2013)، نتيجة لتراكم أخطاء النظام السياسي...

عقد مركز المستقبل للتنمية والدراسات الستراتيجية حلقة نقاشية تناول من خلالها موضوع (دور الاحتجاجات في التغيير السياسي بالعراق)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية، ضمن فعاليات ملتقى النبأ الأسبوعي في مقرّ مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة.

قدم الورقة الدكتور قحطان حسين اللاوندي، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، قائلا: "لاشك أن الاحتجاجات السلمية المنظمة هي أحدى وسائل الرفض والاعتراض على سياسات الحكومة العامة، والتي يرى المحتجون أنها خاطئة ولا تمثل تطلعات الشعب، والاحتجاجات في العراق بدأت تتصاعد بعد (2013)، نتيجة لتراكم أخطاء النظام السياسي في العراق والذي تأسس في العام (2003)، وقد ضمن الدستور العراقي الدائم لعام (2005) حق التظاهر والاحتجاج، إذ تضمنت المادة (38) منه (كفالة الدولة حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية التظاهر السلمي على أن لا يخل ذلك بالآداب والنظام العام).

وقد اندلعت التظاهرات في العرق منذ العام (2011) للمطالبة بالإصلاح وتحسين الخدمات، ثم في (2015) وبعدها توالت التظاهرات والاحتجاجات في عامي (2017 و2018) إلى أن وصلت لذروتها في العام (2019) وبالتحديد تشرين الاول، لتشكل هذه التظاهرات ذروة الاحتجاجات الرافضة والمستنكرة لأداء الحكومة للسنوات السابقة، وهذا الاداء واقعا الكل يتفق على أنه أداء فاشل دون مستوى الطموح ولم يلبي رغبات وتطلعات الجماهير الحالمة بالرفاهية ومستوى اقتصادي جيد وخدمات متميزة وفرص عمل تحفظ للإنسان كرامته.

وعند البحث في موضوع الأسباب الحقيقية والجوهرية لهذه التظاهرات، يمكن أن نؤشر بعض هذه الأسباب وهي على النحو الآتي:

السبب الأول: الفشل الواضح في أداء الحكومات المتعاقبة التي استلمت السلطة بعد (2003)، هذه المرحلة التاريخية التي تشكل تغييرا جوهريا وتاريخيا في النظام السياسي في العراق، من نظام دكتاتوري مستبد يقمع الحريات ويتنكر للمطالب الشعبية، إلى نظام سياسي آخر جديد يحلم العراقيون على أنه نظام سيمثل لهم فرصة حقيقية لتحقيق آمالهم وتطلعاتهم بحياة كريمة، لكن صدم العراقيون بأن النظام السياسي الجديد أيضا هو ليس النظام الذي كانوا يحلمون به، لبروز ضمن ثنايا هذا النظام العديد من السلبيات تمثلت بالمحاصصة وهيمنة الأحزاب والكثير من المظاهر، التي أدت بالنتيجة إلى فشل الحكومة وخلق فجوة كبيرة ما بين الجماهير والسلطة.

السبب الثاني: الاستياء والتذمر الشعبي الواسع من هيمنة الأحزاب على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها، كالمؤسسات الأمنية، والمؤسسات الاقتصادية، والمؤسسات الثقافية والاجتماعية، هذه الهيمنة التي أصبحت مرفوضة جدا، بل أن سياسات الأحزاب وسلوكياتها باتت لا تلبي ولا تعترف بمطالب الجماهير، حتى أنها حاولت تستأثر بكل ما يدور في الدولة من امتيازات ومكاسب على حساب المواطن البسيط، والأدهى من ذلك أن هذه الأحزاب قد أسست لهيمنة إرادة خارجية على مقدرات البلد، من خلال العلاقات التي تربط هذه الأحزاب بجهات خارجية.

السبب الثالث: تراجع واضح في مستوى الخدمات وقلة أو إنعدام فرص العمل وتزايد البطالة وغياب مشاريع الإسكان، كل هذه العوامل أدت إلى حدوث ثورة في نفوس الشباب، فالشاب المحروم الذي لم يحصل على فرصة عمل، والمواطن المحروم من خدمات واقعية، قد أدت إلى وصوله لمرحلة يأس حقيقية، بحيث شعر أنه لا يمكن أن يستمر في السكوت والصمت، إزاء ما يجري من سياسات لا تعترف بوجوده ولا تبدي أي أهمية لرغباته، فعلى أثر ذلك فكر في لحظة من اللحظات للاستجابة لرغبة الاحتجاج والتظاهر.

السبب الرابع: إنتشار الفساد المالي والإداري، رغم أن الفساد المالي والإداري ليس بظاهرة جديدة على المجتمع العراقي، لكنها بدأت تتزايد وتتصاعد إلى درجة خطيرة جدا، بحيث أثرت سلبيا على كل طبقات المجتمع، بالتالي بادر الشباب الثائر للوقوف بوجه هذه الموجة من موجات الفساد، لعله أن يكون هناك حل أو أن يضغط على الحكومة، كي تعدل المسار وتعالج ما تستطيع أن تعالجه من مظاهر الفساد الكبيرة.

أيضا لا يمكن أن ننكر وجود أسباب أخرى، تتمثل بوجود جهات خارجية أو داخلية لها أجندات ولها غايات، تحاول من خلالها توظيف التظاهرات والاحتجاجات لما يخدم مصالح فئوية ضيقة على مستوى الداخل وعلى مستوى الخارج، فنلاحظ بعض السفارات وبعض وسائل الإعلام وبعض المواقف الرسمية للدول، بدأت تدخل على خط هذه التظاهرات، وتحاول أن تروج لأفكار معينة ولحالات معينة، والقصد منها توظيف هذه التظاهرات وتوجيهها بما يحقق مأرب معينة.

لكن الشعب العراقي بطبيعته لم يعد غافلا عن هذه الغايات وهذه الأهداف وانتبه جيدا، ويحاول بشتى السبل أن يعطي الصورة المشرقة لهذه التظاهرات، كي تكون تظاهرات شعبية عفوية وطنية، الهدف منها هو إصلاح النظام وتنقيته مما علق به من الشوائب، نلاحظ ايضا أن الكثير من الأحزاب حاولت ركوب الموجة وحاولت أن تدخل ضمن هذه التظاهرات بطريقة أو بأخرى، كي توجهها وتتحكم بمسارها على أمل الحفاظ على بعض جوانب النظام السياسي، وإبقاء الموجودين على دفة الحكم في مناصبهم، لكن يبدو أن هذه الغايات ايضا لم تستطع أن تحقق هذا الهدف، والسبب يعود هنا لوعي الفئة الأكبر من المتظاهرين.

يمكن القول، أن الاحتجاجات هي من وسائل الضغط القوية والمؤثرة والفاعلة في التغيير السياسي السلمي، وإصلاح ما فسد من أداء السلطة، والاحتجاج هو أداة ضاغطة قوية يمكن أن تعدل مسار العمل الحكومي، لكن تعديل المسار الحكومي من خلال الاحتجاجات لا يمكن أن يتحقق، إلا إذا أرتقت الاحتجاجات في وسائلها وآلياتها وانضباطها، بما يضمن عدم انحرافها وتحولها إلى أعمال عنف، قد تؤدي إلى منزلق خطير ويؤدي بالنتيجة إلى شلل كبير في كل أركان الدولة والنظام السياسي، نحن لا ننكر أن النظام السياسي في العراق هو نظام وصل إلى طريق مسدود، ولكن في الوقت ذاته لا نحبذ أن يتم القضاء على النظام السياسي وإسقاطه بالكامل، لأن إسقاط النظام السياسي بالكامل هو ليس بالأمر السهل، لأنه لا يمكن تحقق ضمانات وتوفرها، بأن النظام الذي يستبدل النظام الحالي هو نظام صحيح ومتكامل، خصوصا في ظل غياب رؤية كاملة وموضوعية عن شكل النظام السياسي البديل، ما عقد الأزمة وساهم في استمرار التظاهرات لهذه المدة التي تعتبر طويلة نوعا ما، هو التجاهل الواضح من قبل الحكومة للمطالب المشروعة.

فنلاحظها تارة تحاول تسويف هذه المطالب والالتفاف عليها وإصدار حزمة من الإصدارات الإصلاحية الشكلية وليست الواقعية، بمعنى أنها تحاول أن تلمع وتنمق صورة الحكومة لدى الرأي العام العراقي، من خلال إجراءات بسيطة شكلية غير حقيقية، وحتى ما يعلن عن قرارات صادرة من الحكومة أو من البرلمان هي في حقيقتها تتضمن فقرات مخفية على الرأي العام.

بمعنى آخر، هي تحاول إدامة الوجوه الحالية، وأنهم لم يقنعوا لحد هذه اللحظة أن زمنهم قد انتهى، ولابد من العمل على تأسيس وجوه جديدة وآلية جديدة تضمن للعراق استقراره واستقرار شعبه، ولا شك ايضا أن دور الاحتجاجات مهم في إحداث التغيير السياسي، لذلك نجد أن النقد الموجه للسلطة ليس حديث وليس جديد ولم يبرز في الآونة الأخيرة، بل منذ أعوام (2003 و2004 و2005) بدأت توجه للحكومة وسياسات الحكومة نقد كبير وواضح، من خلال النخب الفكرية ومن خلال المثقفين ومن خلال رجال الدين...الخ، لكن أنتم تعرفون أن مستوى هذا النقد هو ضعيف جدا، خصوصا إذا ما لاحظنا تجاهل الحكومة لهذا النقد واضح جدا وكبير، والدليل انها زادت من هيمنة الأحزاب وزادت من تشريع القوانين، التي تؤمن من هيمنتها الحقيقية على مفاصل الدولة ولن تبدي أي اهتمام وأي احترام لهذا النقد، ويبدو أن العراقيين وصلوا بهذا النقد البناء والنخبوي والسلمي إلى طريق مسدود، عندها اضطروا إلى استخدام التظاهرات والاحتجاجات حسب قناعاتهم بأنها الآلية الوحيدة، التي يمكن من خلالها أن يضغطوا على الحكومة لتغير من مسارها، بالتالي تصنف الاحتجاجات على انها من وسائل الرقابة الشعبية، وهي من وسائل الضغط على الحكومة، فلو استمرت الحكومة بتجاهل هذه المطالب واستمر المتظاهرون والمحتجون في تظاهراتهم، فإنها قد تمهد لمستقبل يحمل الكثير من المخاطر وقد تندلع الأمور وتخرج عن السيطرة، وتتحول التظاهرات والاحتجاجات إلى ثورة، وهذه الثورة قد تكون هدامة وقد تكون خطرة جدا، على مستقبل العراق كدولة وكحكومة وكشعب، ولكن بوادر ضبط هذه التظاهرات أن شاء الله موجودة من خلال الخيرين، الذين نزلوا للشارع للسيطرة على مجرياتها بما يضمن عدم انجرافها نحو اعمال عنف واسعة، بالتالي قد ندخل في دوامة الحرب الأهلية لا سامح الله.

وللاستئناس بآراء الأخوة الحضور بخصوص هذا الموضوع تم طرح السؤالين التاليين:

السؤال الأول: هل كانت إفرازات مرحلة ما بعد (2003) سببا لشرارة التظاهرات العراقية الحالية أم هناك أسباب أخرى؟

ضعف الأحزاب السياسية في إدارة الدولة

- الدكتور حيدر آل طعمة، الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يعتقد "إن الأداء السياسي والأداء الحكومي المشتق كان سببا في معظم هذه الاحتجاجات، التي جاءت من جراء ضعف الخدمات التي كانت سبب في بروز الكثير من الاحتجاجات خصوصا في مدن الجنوب، ناهيك عن (قلة فرص العمل، والمستوى المعاشي، وارتفاع معدلات الفقر)، كلها ملفات ضاغطة على الجمهور للخروج باحتجاجات من أجل نيل حقه، أضف إلى ذلك، في الكثير من الأحيان شهدنا خروج مظاهرات واحتجاجات مدفوعة بعوامل سياسية، فمثلا الاحتجاجات التي حصلت في المنطقة الغربية من العراق كانت بدوافع سياسية بين الفرقاء السياسيين، وايضا حتى في المنطقة الجنوبية هناك الكثير من المظاهرات التي خرجت كان الهدف منها سياسي، وكانت تحمل عناوين انصاف الشعب وتوفير فرص عمل. فلذلك الأسباب هي أسباب مجتمعة، لكنها بالمجمل هي تؤكد حقيقة واحدة هي ضعف الأحزاب السياسية في إدارة الدولة بشكل علمي مدروس وهدر الموارد، بالتالي الأسباب تنشق إلى شقين داخلية وخارجية.

التحول الاجتماعي أساس التغيير السياسي

- حامد الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يتصور أن الأسباب متراكمة، ولكن هناك أسباب ظاهرية وأسباب أخرى غير واضحة المعالم، التظاهرات الحالية تحولت من ذات مطالب اقتصادية إلى مطالب سياسية، لكن هذه التظاهرات ليست وليدة المتغير السياسي الذي حدث في العام 2003 بل هو ما قبل ذلك، خصوصا مع آلية التحول السياسي والاقتصادي التي جاءت دفعة واحدة، وهذا التحول هو تحول ظاهري وليس على مستوى القاعدة، بمعنى أدق أن التحول الحاصل الآن هو تحول في الهرم وليس في القاعدة، بالنتيجة هناك تحول سياسي واقتصادي من دون وجود تحول اجتماعي، علما أن التحول السياسي والتحول الاقتصادي هو قائم في الأساس على التحول الاجتماعي وليس العكس، بهذه الحال سوف نضمن وجود تحول سلس وغير مقصي ومهمش لدور الشعب.

مسؤولية الاحتجاجات في معالجة تشوهات النظام السياسي

- الشيخ مرتضى معاش، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يرى أن "الاحتجاجات سوف يكون لها دور كبير في عملية التغيير، فهي عبارة عن زلزال سوف يغير قواعد اللعبة، المشكلة العراقية بدأت منذ بدايات تشكل الدولة العراقية، التي بنيت على مجموعة القيم التاريخية، التي أدت إلى نشوء هذه العقد في المجتمع العراقي، لحد الآن العراقيون يبحثون عن تأسيس دولة وعن بناء مجتمع منظم ليس فيه فوضى".

"المشكلة الأساسية التي جاء بها الجيل الحاكم، أنه بني على نفس القيم التي كانت في الماضي وهي: أولا قواعد هيمنة الحاكم على المحكوم، وليس الشراكة بين الحاكم والمحكوم، والشيء الثاني تم الاعتماد على العامل الأمني، بالتالي تم التغاضي عن العنصر التعليمي، وعنصر الصحة، وعنصر التنمية، ناهيك عن العناصر الأخرى المهمة والحيوية مثل الاقتصاد وحرية العمل، الشيء الآخر العسكرة فالنظام الجمهوري عندما أتى للعراق رسخ النظام العسكري".

"بالإضافة إلى ذلك، فإن تطلعات الجيل الجديد من الشباب في عصر العولمة والمعلومات والانترنت والتكنولوجيا، لم تكون متوافقة مع الأعراف الاجتماعية السائدة منذ مدة بعيدة، لذلك نرى هناك غيابا وخللا في الهوية عند المجتمع العراقي في بناء الدولة، وسيطرة الأمن والعسكرة وسيطرة الدولة الريعية، كل هذه الاشياء ولدت لدى الجيل الجديد من الشباب شعورا بوجود خلل في الهوية العراقية خلل في بناء الدولة العراقية".

"فكانت الاحتجاجات هي نتيجة لكل هذه العوامل، وهي ثورة ضد العامل الأمني ومن أجل التنمية، وثورة ضد العسكرة التي يمارسها البعض من أجل بناء إقطاعيات معينة من خلال الميليشيات، وثورة ضد كل الاحتكار والهيمنة الموجودة، من غير المعقول في عصر التكنولوجيا والمعلومات والإنفتاح العالمي تبقى عمليات الهيمنة، فالناس تبحث عن شراكات بوعي مباشر او لا وعي باطني، ففي عمق الانسان هناك رغبة في بناء الشراكات، ولا يكون عبدا للنظام الريعي كي يتحكم فيه".

"وتبقى المشكلة الأساسية أن النخب المثقفة والمحتجين تغيب عنهم الحلول في المستقبل، كيف سيتم التغيير السياسي هل بتغيير الأشخاص فحسب أم بإسقاط الأصنام الموجودة؟، فعندما نتكلم عن نظام سياسي نجد هناك من يريد نظاما رئاسيا، وهناك من يدعو لنظام شبه رئاسي، ومجموعة أخرى تدعو لنظام انتخابي فردي، علما أن النظام الفردي سوف يؤسس لسيادة شعبية وليس لسيادة الأمة.

بالنتيجة السيادة الشعبية تجعل النظام السياسي ضعيف، حيث تغيب عنه نظام وحدة الامة، صحيح أن نظام القوائم هو نظام سيء، ولكن المحاصصة هي التي جعلت من نظام القائمة نظاما سيئا، وهذه هي أهم أسباب تشوه النظام السياسي الذي تأثر بتوارث نظام المحاصصة، نتيجة للطائفية المترسخة تأريخيا في العراق وفي المجتمع العراقي وباقي الدول الأخرى، لذا نحن عندما نرفض الهوية المختلة لابد أن نبحث عن هوية صحيحة وسليمة لا تؤدي إلى ترسيخ نفس الاختلالات، بالتالي الاحتجاجات لابد أن تمارس دورا إيجابيا في التغيير السياسي، لذلك عليها أن تخرج من حالة الانتقام والعسكرة والثأر والانتقام والتصفير، وتبدأ في بناء عملية نظام سياسي بعيدا عن التشوهات، ولا تقوم على أنقاض النظام الماضي بل الاعتبار والاستفادة من تجارب الماضي".

تراكمات السابق هي التي قادت لأزمة الاحتجاجات

- الدكتور حسين السرحان، الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يجد أن "تراكمات الفترة السابقة قبل وبعد (2003) هي التي قادت لأزمة الاحتجاجات، لكن الاحتجاجات التي بدأت في العراق كانت في الأساس تحت دوافع سياسية، ففي العام 2011 ادعى سكان المناطق الغربية أن هناك نوع من التغييب السياسي والاقصاء والتهميش، لكن التعامل السيء للسلطة وللإدارة الحكومية وهو تعامل بوليسي أدخلنا في خانة الجماعات الإرهابية كداعش.

أما احتجاجات أعوام (2015 و2016 و2017 و2018) هي احتجاجات مطلبية، أما بالنسبة للاحتجاجات الأخيرة في العام 2019 اجتمعت كل الأسباب فيها، فوعي الشباب العراقي أصبح أكبر من قضية توفير فرصة عمل او قضية خدمات أو سيادة بلد، بالتالي أصبحت المطالب الآن هي سياسية عامة لا تتعلق بمدينة معينة أو مكون معين، لذلك هذا المستوى من الوعي قد يقود إلى تغيير سياسي وبدرجات متفاوتة، فقضية الاحتجاجات في المقام الاول هي تسعى لخلق حالة من التغيير السياسي".

نفتقر لمنظومة حزبية قادرة على إعداد برامج سياسية

- الدكتور علاء الحسيني، الباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، يؤكد على وجود "تأثير للإفرازات والتراكمات التي تلت العام (2003) ولغاية الآن، والأمر يعود هنا لسببين: السبب الأول هو الطبقة السياسية العراقية التي عرفناها منذ العام (2003)، الذين رحلوا وارتحلوا والذين لا زالوا يحكمون إلى الآن، هم ليسوا رجال دولة وإنما هم رجال سلطة، حيث اعتادوا العيش على الهامش طيلة حياتهم السياسية وطيلة فترة شبابهم، واعتاشوا على الصدقات في فترة من الفترات، على استجداء عطف دولة كبرى".

"فهم لا يملكون عقل الدولة وبناء الدولة، وإنما هم يملكون عقلية المعارضة وتراكماتها وهي التي تحركهم، فهم لا يفكرون في بناء الدولة، إنما يفكرون في بناء اقطاعيات معينة تضمن لهم العيش الرغيد ولحاشيتهم فقط، لذلك لم نجد رئيس وزراء أو رئيس برلمان أو رئيس دولة طيلة أسماء التي حكمت العراق ما بعد (2003) يملك عقلية البناء، إنما دائما ينطلقون نحو الحلول الترقيعية وتصدير الأزمات نحو المستقبل وتأجيل الحلول، ونحو ضبابية الرؤية وعدم وضوح الحلول التي يضعوها، فالعراق يزخر بالكثير من الأزمات ولكن ليس هناك ثمة حلول ناجعة لإنهاء أي أزمة من تلك الأزمات".

"السبب الآخر أن هؤلاء لا يملكون برنامج حقيقي، فالبرنامج الذي وضعه رئيس الوزراء الأول والثاني والثالث والرابع وحتى الخامس هي مجرد ضحك على الذقون ومسائل تم تجميعها في ليلة واحدة، لأن كل واحد منهم لم يكن يتصور أن يكون رئيس وزراء، ولذلك لا توجد لدينا منظومة حزبية حقيقية قادرة على أن تعد برامج سياسية، فرئيس الوزراء البريطاني مثلا أصر على برنامج معين واستطاع أن يفوز في الانتخابات، بالتالي هو يمتلك مشروع بناء ويمتلك حقائق معينة تبناها الحزب ولا يحيد عنها بأي حال من الأحوال.

بالتالي جميع الرؤساء والوزراء في بريطانيا لديهم أسس وقواعد وبرامج يناضلون من أجلها، أما عندنا فجميع الشخصيات وجميع الكتل السياسية لا تملك رؤية ولا تمتلك برامج وأدوات حقيقية لبناء حقيقي ولبناء مؤسسات حقيقية، لذلك وجدنا كل الأحزاب تتكالب على حرف مسارات الدولة نحو الحزبية بدل استقلالية هذه المؤسسات".

وجود خلل في المنظومة السياسية

- علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يؤكد على أن "أسباب الاحتجاجات هي نتيجة وجود خلل في المنظومة السياسية، لكن الفاصل الزمني القاطع ما بين (2003) وما قبلها، هذا فيها اجحاف وظلم كبير، فالعراق كشعب وكحكومة ايضا لم يختلفوا بين ليلة وضحاها، فالشخصية العراقية هي نفسها التي كانت ما قبل (2003)، سواء كانت الشخصية العادية أو الشخصية الحاكمة، لكن هذا لا يبرر الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها السياسي ما بعد (2003)، فعلى سبيل المثال أنا شخصيا كنت دائما أحمل شعار إعطاء فرصة أكبر للسلطة الحاكمة في العراق، لإعتبارات منطقية كان يكون أنهم لا يملكون الخبرة الكافية، لكن هذا الأمر لا ينطبق على الجميع فحزب الدعوة يملك رصيد زمني طويل من النضال السياسي وقارع النظام الديكتاتوري، ولهذا من المفترض عندما انتقل إلى السلطة أن يوظف تلك التجربة لخدمة الحكم الجديد، وأن يقدم رؤية جديدة لبناء الدولة، لكن ما حدث هو أن نفس الأساليب التي أتبعتها الأنظمة والأحزاب الفردية التي حكمت العراق قبل (2003) اتبعها حزب الدعوة، فقضية التعيينات والدولة العميقة هذا خطأ جسيم، وهذا سبب أساسي في خلق الارتباكات والاخطاء التي ارتكبها النظام الحالي".

تظاهرات مطلبية خالصة وذات بعد سياسي

- حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يعتبر من "أهم ما يميز انتفاضة تشرين أنها خرجت عن محدودية التظاهرات السابقة، وأصبحت تطالب بتغيير النظام بجميع مفاصله، بالتالي أمست تلك التظاهرات مطلبية خالصة وذات بعد سياسي، بمعنى تم تجاوز صفحة التظاهرات السابقة التي كانت تتموضع حول نقص الخدمات وتوفير فرص العمل، بالتالي المواطن العراقي اليوم يبحث عن حياة حرة كريمة بسيطة جدا، بعيدا عن الشخصيات الحكومية التي استلمت زمام الحكم في العراق منذ العام (2003) ولحد الآن، وهذا ما تحاول رفضه الطبقة الحاكمة حينما تسعى لتدوير الشخصية السياسية في مناصب مختلفة، فهذا التوزيع الوظيفي الذي تتناوب عليه الكتل السياسي سأم منه المواطن العراقي، وهذا ما خلق حالة غضب شديد عند الشارع العراقي الذي راهن كثيرا على صبره ساسة العراق".

السؤال الثاني: كيف تقيم حركة الاحتجاجات خلال الفترة المنصرمة وما هو مستقبلها ودورها في التغيير السياسي؟

- الدكتور حيدر آل طعمة، أشار إلى أن المرجعية في خطاباتها الأخيرة قالت أن معركة الإصلاح لا تقل ضراوة عن المعركة ضد داعش، وأيضا أشارت إلى إمكانية انتصار الشعب العراقي في هذه المعركة كما انتصر في الحرب على داعش، لكن بشرط إدارة الاحتجاجات بشكل أمثل، خاصة وأن هناك مجموعة من الأطراف قد يكونون أطراف خارجية مستفيدة من الوضع الراهن.

وأيضا الأحزاب السياسية والحكومة الحالية وجميع هذه الأطراف تحاول خلط الأوراق، لتصوير الاحتجاجات بأنها ستؤدي للفوضى، وبالتالي أما يقبل الجمهور بالوضع الراهن، أو يكون البديل هو الفوضى، فلذلك لابد من إعادة رص الصفوف وعزل المندسين وإيجاد قيادات كفوءة للاحتجاجات، بالإضافة إلى الزخم المطلوب خاصة وأن هناك شريحة عريضة من المجتمع العراقي لا زالت على الحياد، فلذلك الزخم مطلوب وإعادة تنظيم الصفوف وإيجاد قيادات ناشطة كل هذه كفيلة بإنجاح الاحتجاجات الراهنة.

- حامد الجبوري، يرى أن الاحتجاجات الحالية هي بالتأكيد إيجابية لأنها تعمل على تصحيح النظام، وبناء نظام سياسي يحقق طموحات وتطلعات الجماهير العراقية.

- الشيخ مرتضى معاش، يؤكد على أن "التغيير في العراق كان حتميا، لأن النظام السياسي كان مريضا، كالإنسان المريض إذا استمر على مرضه يأتي يوم من الأيام ينهار ويسقط، ولكن كانت التظاهرات حالة إيجابية غير متوقعة في عملية التغيير، فبدل ما ينهار ويذهب نحو الكارثة وذلك من خلال إنهيار النظام ونعود كالسابق، فالتظاهرات استطاعت احتواء هذا الانهيار الكارثي والتوجه نحو التغيير الإيجابي السليم الذي يمكن أن يصحح العملية السياسية.

ولكن لابد أن يستثمر استثمارا جيدا أولا من خلال وصول التظاهرات لحالة اللحمة الاجتماعية وعدم الانشطار، لذلك على الجميع الابتعاد عن الانشطار والاتهامات والشيطنة المتبادلة فهذا خطأ كبير، ولابد على الشعب العراقي بأجمعه وهو يبحر في سفينة واحدة، تجمع مختلف الاديان والمذاهب والطوائف والاعراف والتيارات الفكرية أن يكون له دور مشترك في عملية بناء هذا الوطن وتحقيق المواطنة، كذلك لا يجوز تصحيح الأخطاء بأخطاء أخرى، الآن ما تطرحه بعض النخب وأبناء الشعب العراقي المدافع عن النظام الانتخابي الفردي هل سيحل المشكلة، هل نحن ذاهبون نحو نظام حزبي سليم، وهل نحن أمام أحزاب ديمقراطية أم أمام أحزاب استبدادية وأحزاب أشخاص؟".

"لابد أن نعمل على الإستفادة من التجارب ولا نعمل على نقض الماضي كله، وهناك خطوة أخرى مهمة وهي الحفاظ على اللاعنف وسلمية الحراك، علما أن هذا الحراك لا يستطيع تحقيق الأهداف كلها دفعة واحدة، بل نحتاج لاستقامته واستدامته، فالحراك الشعبي في بريطانيا استمر لثلاث سنوات واليوم الشعب البريطاني قال كلمته، فالديمقراطية ليست بالأمر السهل بل تحتاج لصبر وممارسة طويلة المدى، وحتى في إسرائيل وهي دولة غاصبة ومحتلة أيضا فيها أزمة أصعب من الأزمة في العراق، بحيث تم إعادة الانتخابات للمرة الثالثة خلال ستة أشهر فقط، وذلك نتيجة لوجود صراع بين الأحزاب الإسرائيلية، وعندها أصبح الشعب الإسرائيلي يشعر باليأس، كذلك الديمقراطية في ايطاليا وفي اسبانيا، والأمر أيضا معنية به فرنسا التي تتصدى للمتظاهرين خلال ثلاث سنوات وتحت عناوين مختلفة الستر الصفراء والستر السوداء والتظاهرات الأخيرة حول معاشات التقاعد.

هذا هو النظام الديمقراطي يحتاج لصبر وتحمل وممارسة، بالتالي نحن أمام معركة عميقة فيها قيم اجتماعية وفيها قضايا اقتصادية وقضايا سياسية، أيضا البشر يمتلك إرادة مختلفة وحريات متعارضة وتيارات مختلفة، لذلك الحل الأساسي يكمن في فتح حوار اجتماعي شامل، لا يمكن للكبار اعتبار الصغار أقل شأنا ولا يحترم رأيهم، لذا نحن نحتاج لحوار اجتماعي كامل حتى نتفاهم ونصل إلى عقد اجتماعي مشترك كي نحقق النظام، الآن نحن نعيش الفوضى ونعيش حالة اللانظام، وهذا يعني أننا لا نمتلك توافق اجتماعي".

"الانتصار الحقيقي والسيادة الحقة هو بالشراكة والربح للجميع بعيدا عن الاستئثار والاستبداد والاحتكار والتهميش، فالسيد المسيح (ع) له قول مشهور (ماذا يفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه)، فقمة العقل أن يبحث الإنسان عن الآفاق المستقبلية الناجحة، فقد قال رسول الله (ص) في رواية حول العقل: (لم يعبد الله عزه وجل بشيء أفضل من العقل، ولا يكون مؤمنا عاقلا حتى تجتمع فيها عشر خصال، الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، ولا يسأم من طلب العلم، ولا يتبرم بطلاب الحوائج قبله، الذل أحب إليه من العز، والفقر أحب إليه من الغنى، نصيبه من الدنيا القوت، والعاشرة هي لا يرى أحدا إلا قال هو خير مني وأتقى، إنما الناس رجلان فرجل هو خير منه وأتقى، وآخر هو شر منه وأدنى، فإذا رأى من هو خير منه وأتقى تواضع له ليحلق به، وإذا لقيه من هو شر منه وأدنى، قال عسى خير هذا باطن وشره ظاهر وعسى أن يختم له بخير، فاذا فعل ذلك فقد على مجده وساد أهل زمانه)، وهذا هو العقل الحقيقي وكل ما خلاف ذلك هو جهل مطلق".

- الدكتور علاء الحسيني، يعتبر الإصلاح في العراق هو طريق الالف ميل الذي يبدأ بخطوة، والخطوة الاولى هي الاحتجاجات الشعبية.

- علي حسين عبيد، يصنف التظاهرات في العراق على أنها الخطوة الأولى الصحيحة نحو التغيير، وأقرب مثال على ذلك التجربة الجزائرية التي صمدت أشهر عديدة حتى أجبروا الطبقة الحاكمة في الجزائر على محاكمة نفسها، والحراك السوداني قد حقق الكثير من الانتصارات على طاغية السودان، بالتالي على المتظاهر العراقي أن يمتلك نفس طويل وأن يحافظ على سلمية التظاهرات، حتى يحقق النتائج المرجوة.

- حيدر الاجودي، يعد استمرار التظاهرات في العراق يشكل ضغطا على الطبقة السياسية، ولكن هذا لا يعني زيادة المطالب فوق سقفها المعقول والواقعي، بالتالي تحديد السقوف المطلبية ذات الحلول الواقعية والالتزام بها بعيدا عن العاطفة.

وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة، بالشكر الجزيل والإمتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع، وتقدم بالشكر أيضا إلى وسائل الإعلام التي شاركت بتصوير الملتقى الفكري الأسبوعي.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2020Ⓒ

 

اضف تعليق