التوترات تخيم على العلاقة بين واشنطن وأوروبا بخصوص عديد القضايا، وهو ما يستدعي تفكير دولا أوروبية في البحث عن تحالفات جديدة، فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء أن النظام السياسي العالمي يعاني أزمة غير مسبوقة، داعيا إلى تحالفات من نوع جديد وإلى التعاون لتسوية مشكلات العالم...
تحذيرات متزايدة من شبح أزمة عالمية، اذ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون النظام السياسي العالمي يعاني "أزمة غير مسبوقة"، داعيا إلى تحالفات من نوع جديد وإلى التعاون لتسوية مشكلات العالم، وجاء تحذير ماكرون بعد أيام على صدور مقابلة أجرتها معه مجلة "ذي إيكونوميست"، رأى فيها أن الحلف الأطلسي في حالة "موت دماغي" وأن أوروبا أمام "خطر كبير بأن تختفي عن الخارطة الجيوسياسية مستقبلا أو أقله ألا نعود أسياد مصيرنا"، في تصريحات كان لها وقع الصدمة في العواصم الأوروبية.
وقال ماكرون مفتتحا منتدى باريس الثاني من أجل السلام الذي "إننا نعيش أزمة غير مسبوقة في نظامنا الدولي"، وشدد على ضرورة إيجاد "سبل تعاون جديدة، تحالفات جديدة" بين الدول والمنظمات، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة نفسها باتت "مشلولة"، ورأى أن الأنظمة السياسية والمالية العالمية التي عملت بشكل جيد بعد الحرب العالمية الثانية هي اليوم في أزمة.
وقال "كان النظام مجديا لمدة سبعين عاما، لكنه سمح بظهور تباينات جديدة" مضيفا أن "أزمة في ديموقراطيتنا سمحت بإعادة إحياء النهج الأحادي"، وتابع "إننا بحاجة إلى المزيد من التعاون لمواجهة هذه التحديات" داعيا إلى عدم التردد في مساءلة الهيئات الدولية، وكانت المستشارة أنغيلا ميركل ردت على تصريحات ماكرون عن الحلف الأطلسي في المقابلة، فقالت إنها "مبالغ فيها".
وفي تلميح إلى الانتقادات التي أثارها، قال إنه من الأساسي التكلم بصراحة عن المشكلات، وقال "أعتقد أننا بحاجة إلى الحقيقة، التحفظ والنفاق لم يعودا مجديين في زمننا، لأن مواطنينا يرون ذلك كما أن الخمول ليس حلا"، وأكد أنه يسعى إلى منع انقسام العالم حول قوتين كبريين هما الولايات المتحدة والصين، مشيرا الى أن "الانقسام بين بعض القوى المهيمنة يولد خيبات" ولايمكن أن يستمر على المدى البعيد.
الحفاظ على "عالم متعدد الأقطاب"
أشاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في باريس بدور اليونسكو في الدفاع عن التعددية في عالم يواجه برأيه خمسة "تصدعات" كبرى، أولها التوتر بين الصين والولايات المتحدة، وقال غوتيريس لدى افتتاح المؤتمر العام الأربعين لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) إن "عالما من الشقاقات والتصدعات ليس عالما مستديما في هذا السياق، تلعب اليونسكو دورا محوريا لتقريب العالم".
وتضم اليونسكو 193 بلدا عضوا، لكن الولايات المتحدة وإسرائيل انسحبتا منها وأعلنت واشنطن خروجها من المنظمة خلال المؤتمر العام الأخير في 2017، متهمة اليونسكو بأنها "معادية لإسرائيل" وحذت الدولة العبرية حذوها، وذكر غوتيريس بأنه عدد الإثنين أمام المشاركين في منتدى باريس للسلام "التصدعات الخمسة، المخاطر الخمسة المحددة التي تقسم العالم" برأيه، و"أولها تصدع اقتصادي وجيوسياسي، وقال بهذا الصدد "إننا أمام خطر انقسام العالم إلى شقين، ورؤية أكبر اقتصادين في العالم يولدان عالمين منفصلين ومتبارزين"، داعيا إلى "بذل كل ما في الإمكان للحفاظ على نظام عالمي والحفاظ على عالم متعدد الأقطاب".
انقسام العالم إلى "شقين منفصلين ومتبارزين"
سبق أن أبدى الأمين العام للأمم المتحدة قلقه إزاء "تشظي" العالم، محذرا في دافوس بسويسرا من التوتر بين القوى الثلاث الكبرى في العالم، وهي برأيه الولايات المتحدة وروسيا والصين، كما أبدى مخاوف حيال انحلال العقد الاجتماعي وتصاعد أوجه التمييز وخطابات الكراهية، بموازاة تراجع التضامن مع اللاجئين وأزمة البيئة، فضلا عن "المخاطر الجديدة" المرتبطة بالتطور التكنولوجي.
وهو يرى أن اليونسكو في صلب هذه الإشكاليات من خلال عملها من أجل التربية والشباب والعلوم، وقال مخاطبا المنظمة "إنكم تبذلون جهودا حيوية لمساعدة العالم على تسوية مشكلات أخلاقية على صعيد العلوم والتكنولوجيا، ولتقاسم فوائد المعرفة"، ويستمر المؤتمر العام الذي تعقده اليونسكو كل سنتين في باريس حيث مقرها، بمشاركة مندوبين عن الدول الأعضاء، وبينهم 15 رئيس دولة وحكومة أعلنوا عن مشاركتهم، وسيحضر حوالى 12 منهم، إذ يشاركون بمعظمهم كذلك في منتدى السلام الذي تستضيفه العاصمة الفرنسية.
مستقبل أكثر عدائية
أصدر القائمون على مؤتمر ميونيخ للأمن تقريرا يقول إن عصرا جديدا من المنافسة بين القوى العالمية الكبرى كالصين والولايات المتحدة وروسيا يجعل العالم في مواجهة مستقبل أكثر عدائية ويصعب التكهن به، ويهدف التقرير الذي صدر تحت عنوان "الأحجية الكبرى: من سيفك الطلاسم؟" إلى وضع جدول أعمال الزعماء المشاركين في المؤتمر الأمني السنوي.
وقال التقرير "في ضوء التطلعات الاستراتيجية السائدة في واشنطن وبكين وموسكو، يتحول التكهن بعهد جديد من المنافسة بين القوى الكبرى إلى نبوءة تتحقق على ما يبدو"، وأضاف "إذا أعد الجميع لعالم عدائي فإنه يكاد يصبح في حكم المحتوم فترة ما بعد الحرب الباردة وحالة التفاؤل العام المرتبطة بها انتهت".
وحث فولفجانج إيشنجر رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، وهو سفير ألماني سابق لدى واشنطن، صناع السياسة في القوى المتوسطة كالاتحاد الأوروبي على فعل المزيد للحفاظ على نظام عالمي ليبرالي، وأشار إيشنجر في مقابلة صحفية إلى أن الترسانة النووية الفرنسية ينبغي أن تهدف إلى حماية الاتحاد الأوروبي كله وليس فرنسا وحدها، وأضاف لمجموعة فونكه الصحفية الألمانية أن هذا يعني أنه يتعين على دول الاتحاد الأوروبي تقاسم تكلفة صيانة الأسلحة النووية الفرنسية.
وتطرق التقرير إلى قوى أخرى متوسطة وقال إن "سجالات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستستمر في التأثير سلبا على جانبي القنال الإنجليزي لسنوات"، وبالحديث عن الشرق، قال التقرير "ربما يضطر من يعولون على اليابان لتعزيز الأمن في شرق آسيا إلى خفض سقف توقعاتهم".
سياسات ترامب توحد الحلفاء ضده
في عام 2009 جاء نائب الرئيس الأمريكي حينذاك جو بايدن إلى ميونيخ من أجل تدشين بداية جديدة مع روسيا وبعد مرور عشر سنوات عاد إليها ليعرض على العالم علاقات أفضل لكن هذه المرة مع بلاده هو، وقوبل وعد أطلقه بايدن بأن "أمريكا ستعود" ما إن يرحل دونالد ترامب عن البيت الأبيض بالتصفيق الحاد وقوفا من الحاضرين في مؤتمر ميونيخ للأمن الذين لا تعجبهم مواقفه الفجة في السياسة الخارجية.
غير أن دبلوماسيين أوروبيين وساسة شاركوا في الاجتماع قالوا إن هذا الفرح كشف عن حالة الضعف التي اعترت الدبلوماسية الغربية في مواجهة سياسة تأكيد الذات التي انتهجها ترامب، فقد قوبل مايك بنس، الذي خلف بايدن في منصب نائب الرئيس، بالصمت في حفل استقبال في برلمان بافاريا الفخم بعد أن قال جملته الشهيرة "أنقل لكم تحيات رئيس الولايات المتحدة الخامس والأربعين الرئيس دونالد ترامب".
وقال دبلوماسيون ومسؤولون إن رحلته إلى أوروبا لم تنجح سوى في تعميق الانقسامات مع الحلفاء التقليديين في قضايا مثل إيران وفنزويلا ولم تطرح أملا يذكر في كيفية التعامل مع تهديدات تتراوح من التسلح النووي إلى تغير المناخ، وتنتاب الوساوس الناس العاديين شأنهم شأن خبراء السياسة الخارجية فيما يتعلق بدور واشنطن في العالم، وقال مركز بيو للأبحاث في واشنطن في تقرير نشر قبل مؤتمر ميونيخ إن نصف السكان في ألمانيا وفرنسا يرون في القوة الأمريكية تهديدا فيما يمثل ارتفاعا كبيرا مقارنة بعام 2013 ويشاركهم في هذا الرأي 37 في المئة من البريطانيين.
الخطاب المبتور
بعد أن استغل بنس خطابا في وارسو لاتهام بريطانيا وفرنسا وألمانيا بمحاولة تقويض العقوبات الأمريكية على إيران، دعا في ميونيخ الاتحاد الأوروبي للاعتراف برئيس البرلمان الفنزويلي خوان جوايدو رئيسا للبلاد بدلا من نيكولاس مادورو ووصف الأخير بأنه دكتاتور، وأثار ذلك ردا غاضبا من وزير الخارجية الإسباني جوزيب بوريل الذي قال إن الاتحاد الأوروبي يمكنه الاعتراف بجوايدو رئيسا مؤقتا لحين إجراء انتخابات جديدة بما يتفق مع الدستور الفنزويلي.
أما وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان فقال إن السياسة الأمريكية في سوريا تحيره بعد قرار ترامب سحب القوات الأمريكية لأنه لا يفيد إلا إيران التي تريد واشنطن التشدد معها، كما عارض الدبلوماسيون والمسؤولون الأوروبيون إصرار بنس على أن تنأى حكومات الاتحاد الأوروبي بنفسها عن شركات الاتصالات الصينية وهي تعمل على بناء أحدث جيل من شبكات الهواتف المحمولة وقالوا إنهم يفضلون أولا إجراء نقاش داخلي عن المخاطر المحتملة والمزاعم الأمريكية بوجود تجسس صيني.
وقال دبلوماسي فرنسي كبير "الضغط الأمريكي يميل لدفعنا للتصرف على نحو عكسي، الضغط الأمريكي يؤتي بنتائج عكسية، ومن الأفضل ألا يحاولوا الضغط علينا" وأيا كانت التهديدات فقد بدا أن آراء المسؤولين متباينة، وقال كومي نايدو رئيس منظمة العفو الدولية إنه كثيرا ما يعرّف الأمن من خلال منظور ضيق بما يفشل في معالجة المخاطر الأوسع لتغير المناخ.
وقال نايدو "الخطاب هنا في مؤتمر ميونيخ للأمن مبتور، فهم يتحدثون عن الموضوعات الصحيحة لكنهم يستخدمون لغة خاطئة، والعقلية هنا هي أن الأمن مسألة وطنية"، وسافر بنس إلى واشنطن دون أن يبدي أي انزعاج فقال للصحفيين إن رحلته كانت ناجحة جدا، وأضاف "نحن ننهض بمصالح العالم الحر وقد حققنا تقدما عظيما".
بريطانيا ستستعرض عضلاتها العسكرية بعد ترك الاتحاد الأوروبي
قال وزير الدفاع البريطاني جافين وليامسون إن شعار "بريطانيا العالمية" الذي رفعته رئيسة الوزراء تيريزا ماي ليس مجرد تعبير بليغ، لأن المملكة المتحدة ستكون مستعدة لاستعراض عضلاتها العسكرية بعد مغادرة الاتحاد الاوروبي، وقال وليامسون "بما أن اللعبة العالمية الجديدة ستكون في ملعب عالمي، يجب أن نكون مستعدين للتنافس من أجل مصالحنا وقيمنا بعيدا كل البعد عن الوطن".
وأضاف "هذا هو السبب في أن بريطانيا العالمية تحتاج إلى أن تكون أكثر بكثير من عبارة بليغة يجب أن تترجم إلى عمل، وقواتنا المسلحة هي أفضل ممثل لبريطانيا العالمية فيما يتعلق بالعمل"
وأعلن وليامسون أن المهمة الأولى لحاملة طائرات الملكة إليزابيث ستشمل العمل في مناطق البحر المتوسط والشرق الأوسط والمحيط الهادي، وستحمل السفينة طائرات بريطانية وأمريكية من طراز إف-35.
اضف تعليق