عندما تصبح المعاهدات والمواثيق الدولية بساطا يداس عليه، يمكن للدول الصغيرة ان تستغل هذه الظروف لتعبث بأمن المنطقة بما لا تشتهيه الولايات المتحدة الامريكية، ومهما كانت قوتها العسكرية فلنتذكر ان ما هزمها في فيتنام وأفغانستان والعراق هي جماعات صغيرة لا تملك الا أسلحة بسيطة...

لا يزال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبحث عن نصر سياسي يؤهله لدخول سجل التاريخ من بابه الواسع، لكنه يصاب بخيبة امل كلما وصل الى حافة تحقيق الهدف، فشل مع الرئيس الكوري الشمالي بعقد اتفاق نووي تاريخي، وصفقة القرن لا تزال في طور التكوين، وإلغاء الاتفاق النووي مع إيران كان عملية تهديم لا بناء.

وضع الرئيس الأمريكي ثقله على منطقة الشرق الأوسط لتحقيق أهدافه، فاول زيارة خارجية له كانت للسعودية حصد خلالها 480 مليار دولار، واحتفل مع الشعب الأمريكي معلنا انه جاءهم بالوظائف، بعد الصفقات العسكرية الكبرى مع محمد بن سلمان، طار ترامب من الرياض الى تل ابيب للقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو ما اعتبر في حينه علامة فارقة تبين ما يريده الرئيس الجديدة، ودلالة على طبيعة سياسته الخارجية.

واليوم يكمل ترامب ما بدأه خلال زيارته الأولى، اذ أعلن عن عزمه الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة، وفي تقريدته على تويتر قال انه "بعد 52 عاما، حان الوقت لاعتراف الولايات المتحدة الكامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي لها أهمية استراتيجية وأمنية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي".

نصر داخلي

بهذا الاجراء يحقق ترامب نصرا سياسيا داخليا لنفسه، فهو مقبل على فترة تنافس انتخابي شرس مع خصوم جمعوا له الموارد اللازمة لهزيمته سواء على مستوى الفضائح او على مستوى إنجازاته، واخفاقاته التي ارتبطت بسياسته الخارجية المعتمدة على الانسحابات اكثر من البناء، فهو الذي انسحب من النووي الإيراني، واتفاقية باريس للمناخ، وهدد معاهدات التجارة الحرة بعد موجة الضرائب التي فرضها على السلع الصينية والاوربية.

وقد يفسر القرار الجديد المحتمل للرئيس الأمريكي على انه استمرار للتنصل الأمريكي من المعاهدات والمواثيق الدولية، وبالفعل فان سوريا الدولة المعنية بهذا التحرك وصفت اعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان "باللامسؤولة".

جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي وتركيا وروسيا وايران يتفقون مع موقف الحكومة السورية القائل بان السلوك الأمريكي يتجه لخلق الفوضى العالمية، تتخلى عن المعاهدات والمواثيق، وتساعد على نقل العالم دائما الى حافة الحرب.

معارضة الاتحاد الاوربي

العلامة الفارقة ان الاتحاد الأوربي لم يعد يتفق مع الولايات المتحدة في اغلب قراراتها، فقبل شهر رفض إجراءات واشنطن بحق الحكومة الفنزويلية، وفشلت الخطة القاضية بإقالة الرئيس نيكولاس مادورو.

لم يتغير موقف بشأن الجولان بحسب ما صرحت متحدثة باسم التكتل قائلة بأن "الاتحاد الأوروبي لا يعترف، كما يتماشى مع القانون الدولي، بسيادة إسرائيل على الأراضي التي تحتلها منذ يونيو 1967 بما فيها هضبة الجولان ولا يعتبرها جزءا من الأراضي الإسرائيلية".

ما جلبه الرئيس الأمريكي من عزلة لبلاده على الساحة الدولية يمثل اليوم ظاهرة عالمية تتسع مع كل قرار جديد، وتعزز فكرة تنازل واشنطن عن عرش القوة العالمية الأولى فاسحة المجال لدول الخط الثاني مثل الصين وروسيا وألمانيا.

مخاطر على الداخل

لكن سياسات ترامب على المستوى الداخلي هي الأخطر على الاطلاق، اذ تزداد حالة الخلافات الداخلية، وترتفع الفجوة بين البيض والسود، حتى ان علاقة إسرائيل أصبحت تميل بشكل طبيعي الى الحزب الجمهوري، ورغم ان الميل الإسرائيلي للجمهوريين قد بدأ مع عهد الرئيس السابق باراك أوباما على اثر عقد الاتفاق النووي مع ايران، الا ان اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وتاليا الاعتراف بسيادة تل ابيب على الجولان، يعد احدث فصول الانحياز الرسمي الإسرائيلي للجمهوريين، وهذه الحالة لا تصب في صالح الولايات المتحدة التي ترى في إسرائيل ولاية تابعة لها في الشرق الأوسط وحامي مصالحها الاستراتيجية.

نعم الاعتراف بهضبة الجولان جزء من صفقة القرن كما يتفق اغلب المتابعين لشؤون الشرق الأوسط، وقد وظفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمصلحته شاكرا ترامب "لاعترافه الشجاع بسيادة إسرائيل على الجولان"، لكن حل القضية الفلسطينية ليس بهذه السهولة، كما تتصور الإدارة الامريكية، فمع كل خطوة تقوم بها واشنطن لفرض سيادة إسرائيل وانهاء القضية الفلسطينية يبتعد العالم عن لغة الحوار وتبرز لغة الحرب.

وعندما تصبح المعاهدات والمواثيق الدولية بساطا يداس عليه، يمكن للدول الصغيرة ان تستغل هذه الظروف لتعبث بامن المنطقة بما لا تشتهيه الولايات المتحدة الامريكية، ومهما كانت قوتها العسكرية فلنتذكر ان ما هزمها في فيتنام وأفغانستان والعراق هي جماعات صغيرة لا تملك الا أسلحة بسيطة.

الولايات المتحدة الامريكية بقراراتها التي تخرق بها المعاهدات الدولية تعلن للعالم انها لم تعد القوة العظمى الملتزمة الحامية للقوانين، وتفتح الباب واسعا لمن يريد ملء الفراغ.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
احبائي
اعتراف ترامب لن يكون أقوى من الحملات الصليبية
هذه الحملات التي جاءت ترفع الصليب لصبغ الأحداث بالصبغة الديتية
وهذا ماتحاوله اسرائيل المحتلة عندما تتحدث عن اقامة الدولة اليهودية
دونالد ترامب يلعب دور البلطجي لكن عالم اليوم يعيد حساباته المستقبلية
احبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات....مركز ثقافة الألفية الثالثة2019-03-24
مسلم عباس
العراق
شكرا للكاتب الاديب جمال بركات على هذه الالتفاتة الى الحروب الصليبية، فالمحتل مهما تغطرس فان البقاء لاهل الارض، المحتل يتزحزح مهما طال الزمن، ومهما كانت قوته2019-03-25