عقد مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية صباح يوم السبت ملتقاه الشهري تحت عنوان (الخلافات الخليجية-الخليجية.. الأسباب وتأثيراتها على المنطقة)، وذلك بمشاركة عدد من الشخصيات الاكاديمية والحقوقية والإعلامية ضمن فعاليات ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في محافظة كربلاء المقدسة. افتتح الجلسة الأستاذ...
عقد مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية صباح يوم السبت ملتقاه الشهري تحت عنوان (الخلافات الخليجية-الخليجية.. الأسباب وتأثيراتها على المنطقة)، وذلك بمشاركة عدد من الشخصيات الاكاديمية والحقوقية والإعلامية ضمن فعاليات ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في محافظة كربلاء المقدسة.
افتتح الجلسة الأستاذ عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية قائلا: "إن الخلافات الخليجية -الخليجية التي برزت كأحد الأحداث الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، وهي لا تقل سخونة عن الأحداث الأخرى، التي شكلت منعطفا جديدا في طبيعة العلاقات (الخليجية-الخليجية، والخليجية العربية، والخليجية الدولية)، هذه العلاقات وهذه التوترات قد ترسم مستقبلا وشرق أوسطي جديد، يكون غير الذي سبقه في العقود السابقة".
ولأجل الإستنارة والإستيضاح أكثر تم استضافة الأستاذ ميثاق مناحي، باحث في مركز الدراسات الستراتيجية في جامعة كربلاء.
ثلاثة أسباب جوهرية للخلاف
حيث قال: "في مقدمة هذا المبحث هناك ثلاثة أسباب جوهرية للخلاف الخليجي- الخليجي:
السبب الأول: الخلاف الخليجي-الخليجي الذي يفك منظومة الأمن الخليجي ويكشف أسراره، بالنسبة لأنظمة عانت من هاتين الدولتين وهما النظام السعودي والنظام القطري.
السبب الثاني: يعطينا تصور واضح عن صراع النفوذ بين أعمدة مجلس التعاون الخليجي.
السبب الثالث: يكشف لنا طبيعة الخلاف بين السعودية وقطر، وهل هو صراع سياسي أم إيديولوجي أم هو صراع من أجل النفوذ.
بطبيعة الحال، مجلس التعاون الخليجي تأسس وفق إتفاقية مفهوم الأمن الجماعي، وكان هذا المفهوم بدايته مع إنطلاق الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، تشكل مجلس التعاون الخليجي في العام 1981، وذلك لدرء مخاطر الحرب العراقية الإيرانية، وبعد مضي سنة واحدة فقط، أي في العام 1982 تشكل درع الجزيرة، وهو الجناح العسكري للمجلس التعاون الخليجي، الذي تدخل في حرب الخليج الثانية وتدخل أيضا في حرب البحرين.
هذه المشاكل وهذه التحديات بحد ذاتها أوجدت فراغات داخل هذا المجلس، وبعد إنتهاء الحرب الباردة، ظهرت تجليات الواقع السياسي واضحة بشكل عام، وهي تمثلت في ظهور الإرهاب على الساحة الدولية، وذلك من خلال أحداث 11/سبتمبر وظهور تنظيمي القاعدة وداعش، هذه التحديات على الساحة الدولية دعت الدول الخليجية إلى عقد إجتماع داخل المجلس لإيجاد حالة الدفاع المشترك في العام 2009.
وظهرت الخلافات الخليجية-الخليجية من جديد، خصوصا بعد أحداث الربيع العربي في العام 2011، وكان هذا هو المفصل الأساسي في العلاقات الخليجية-الخليجية، التي شابها الكثير من التوتر خاصة بين قطر من جهة والسعودية من جهة أخرى، فلو أخذنا الأسباب الرئيسية للخلاف الخليجي - الخليجي فهي كثيرة، ولكن السبب الأساسي هو الصراع الإيديولوجي، فمثلا قطر تدعم جماعة الإخوان المسلمين، في المقابل النظام السعودي يخالفها الرأي في هذا الدعم.
هذا الصراع تطور فيما بعد في العام 2014 في سحب السفراء من قطر، هذه الحادثة تلاشت فيما بعد وعاد سفراء دول الخليج إلى قطر، لكن تجدد الصراع في العام 2017 بين أعمدة مجلس التعاون الخليجي، أي بين السعودية من جهة وقطر من جهة أخرى، وذلك نتيجة لعدة أسباب منها:
أولا: تجسيد الأمن الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي التي تخضع لإرادة كل دول عندما تواجه تهديدات سواء كانت داخلية كالخلافات بين الأسرة الحاكمة والتأثيرات العرقية أو خارجية، أي بمعنى كل دول أخذت تتعاطى مع مسألة أمنها الجماعي بشكل فردي على حساب الأمن الجماعي.
ثانيا: إفتقاد مسألة التعاون الخليجي لنظام حكم ينظم علاقات دول مجلس التعاون الخليجي.
ثالثا: عدم وجود آلية لحل النزاعات بيد الدول الأعضاء كذلك غياب وجود مؤسسة مسؤولة لمتابعة قرارات المجلس والإشراف عليها فضلا عن غياب محكمة خليجية أو سياسات هيكلية لضمان قرارات المجلس.
رابعا: تنامي الدور الإيراني في المنطقة على حساب الدور العربي الخليجي.
خامسا: الأزمات الداخلية بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي لاسيما بين قطر والسعودية، ومنها أزمة سحب السفراء، إضافة إلى السابق نحو التسلح والسباق العسكري.
سادسا: التغيرات الأمنية والسياسية التي طرأت على الساحة الدولية والساحة العربية بشكل خاص لاسيما بعد أحداث الربيع العربي وخشية السعودية والإمارات والبحرين من التفوق الإيديولوجي لقطر ودعمها للإخوان المسلمين.
سابعا: براغماتية الإدارة الأمريكية الجديدة التي يمكن وصفها بأن تعاملها مشين ومهين لأنظمة سياسية، فالإدارة الأمريكية تتعامل مع أشخاص وقبائل وليس مع أنظمة سياسية ذات مؤسسات دستورية.
ثامنا: دور قطر في مجلس التعاون الخليجي غير المرغوب به سعوديا من حيث علاقاتها مع طهران وداعمها السياسي لجماعة الإخوان المسلمين وعلاقتها مع داعش والقاعدة.
تاسعا: الإعلام القطري المتمثل بقناة الجزيرة وباقتها السياسية والرياضية والاقتصادية، ودورها الكبير في تفكيك الأمن الخليجي، أو منافسة الإعلام العربي على أقل تقدير.
عاشرا: صراع النفوذ داخل مجلس التعاون الخليجي بين الرياض والدوحة وعلاقة الأخير بطهران، فضلا عن الخلاف الإيديولوجي بين السعودية وقطر لزعامة العالم العربي (السني).
أحد عشر: تزايد الدور الإيراني وإمتلاكه قدرات صاروخية لا تتوفر لدى دول الخليج، وأيضا المضي بالمشروع النووي المقنن، هذه النقطة أحرجت الخليج كثيرا.
اثنا عشر: الخلاف السياسي بين السعودية وقطر حول الأزمة في سورية وحتى في العراق.
فيما بعد فإن إنعكاسات هذه الأزمة على الدول الخليجية تنقسم إلى شقين:
الشق الأول: إنعكاسات سلبية/ وهذه يمكن تأطيرها من خلال التهديدات التي تواجهها الواجهة الخليجية، وأيضا تهديد الإستقرار الأمني في المنطقة، وتقويض الدولة القومية.
الشق الثاني: إنعكاسات إيجابية/ يمكن أن يستفاد منها العراق وسوريا، وبما أن هاتين الدولتين عانتا من حالة دعم تلك الأنظمة للحركات المتطرفة، لذا فإن إنكشاف المنظومة الأمنية الخليجية لهاتين الدولتين، ممكن أن يستثمر داخليا للنظام السياسي في العراق وسوريا.
وللإبحار أكثر في تفاصيل هذا الموضوع كان لابد من مناقشة الأسئلة التالية:
السؤال الأول: ما سبب تفجر الخلافات بين الدول الخليجية؟
قطر والسعودية تنافس على الزعامة
الدكتور حسين السرحان رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، "يعتقد بوجود أسباب عديدة لها منحاها التاريخي والسياسي والاقتصادي، فضلا عن المتغيرات الإقليمية، فبعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وظهور الولايات المتحدة كقطب أوحد في العالم، تغيرت كثير من معالم النظام الدولي، وواحدة من هذه المتغيرات هي قضية التعاون الخليجي كمنظمة إقليمية في إطار النظام الدولي، هذه المنظمة تشكلت لأسباب أمنية بالدرجة الأساس، وفيما أصبحت لديهم أهداف اقتصادية، ويسعون إلى خلق حالة من التكامل النقدي"، وأضاف السرحان "المتغيرات الداخلية تخص زعامة هذه المنظمة الإقليمية، قطر والسعودية كلاهما ينظر للآخر بأنه الأحق والأقدر على زعامة هذه المنظمة، فالسعودية تنظر إلى قطر على أنها تتبنى دور أكبر من حجمها، فكلا الطرفين كان ولا زال داعم إلى الجماعات المتطرفة، والسعودية بالذات هي ليست في إطار قيادة المنظومة الخليجية، لكنها دخلت في صراع من أجل الإستحواذ على منظمة الجامعة العربية بل طموحها يتمدد نحو منظمة التعاون الإسلامي والتنافس مع تركيا، مع جهة أخرى متغيرات الشرق الأوسط خصوصا وهو محور الصراع في المنطقة، هذا الصراع أخذ صبغات عديدة منها الصبغة الطائفية، وربما كلا الطرفين قطر والسعودية تشتركان في حالة التوجه الطائفي، أما المتغيرات الدولية والإقليمية كان لها دور في هذا الموضوع، فالمتغير الإيراني وإتساع رقعة هذا الدور وإمتداده إلى سوريا والعراق واليمن.
بالنتيجة من الأمور الإيجابية لهذه المنظمة وإذا ما أردنا أن نعكسها لصالح صانع القرار السياسي العراقي، أصبح هناك نوع من الإنكشاف السياسي والأمني التي منيت به دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا الإنكشاف يحتاج إلى بروز قطب يختلف عن هذه المنظومة، وهذا القطب هو من يقود هذا التقارب الجيوسياسي في المنطقة".
دعم قطر لفصائل ومجاميع إسلامية
التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية الدكتور حيدر آل طعمة، يرى "أن الخلافات الخليجية-الخليجية هي ليست وليدة اللحظة، فهناك خلافات عميقة وهي تمتد لعقود من الزمن، ولكن الذي استدعى تفجرها من جديد هو بسبب دعم قطر لفصائل ومجاميع إسلامية، وأيضا موقفها من إيران، والشيء الآخر مع صعود ترامب إلى البيت الأبيض الأمريكي كان هو الداعم الحقيقي للموقف السعودي والإماراتي".
الأزمة الخليجية هي ذات أبعاد وأقطاب متعددة
الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية الإعلامي حيدر الاجودي، يرى أن "الأزمة الخليجية هي ذات أبعاد وأقطاب متعددة، وتخرج عن كونها اختلاف في وجهات النظر للصراعات الدولية والإقليمية، لذا فإن سبب تفجر الأزمة الخليجية جاءت بعد إنعقاد مؤتمر القمة الأمريكية-السعودية الإسلامية، التي أحد تداعياتها جعل السعودية هي الدولة القائدة على المنطقة فكريا واقتصاديا، الأمر الذي جعل من قطر المنافس الوحيد لها، وأيضا التوجه الذي جعلها تنفرد بعلاقات مميزة مع تركيا وإيران جعل من قطر الند للسعودية، لذا فإن أبرز الإستراتيجيات الأمريكية في منطقة الخليج هي تفكيك مجلس التعاون، وهذا ما حصل فعلا مع السعودية وقطر في الآونة الأخيرة.
السعودية صاحبة الحظوة الاقتصادية
الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية حامد الجبوري، يتوقع "وجود سببين مهمين لتفجر الأزمة الخليجية- الخليجية، فالسعودية ترى نفسها هي صاحبة الحظوة الاقتصادية خصوصا بالنسبة للإحتياطيات النفطية التي تتجاوز (200) مليار برميل، بالتالي هذا يضع السعودية في مكان الأولوية بالنسبة للاقتصاد، وتجد قطر نفسها في المراتب الأولى لدخل الفرد القطري، كذلك على مستوى التنمية البشرية هي تحتل مراتب متقدمة، هذا مما دفع السعودية لتقليص حجم الزعامة التي تسعى إليها قطر، الأمر الآخر هو إقتراب قطر من دول الجوار وخصوصا إيران، وهذا يعتبر نوع من أنواع شق العصا، لاسيما وأن الخليج يعد إيران هي العدو الأوحد له.
الدول الكبرى ضخمت من الهالة الإيرانية
التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء، والباحث في مركز آدم الدكتور علاء الحسيني، يجد أن "هذا الخلاف هو خلاف ظاهري وليس حقيقي، أي أنه مفتعل أكثر من كونه متجذر، ففي ستينات القرن الماضي على سبيل المثال وعندما أريد أن تأسس هذه الدويلات الصغيرة، كان هناك صراع أمريكي-بريطاني في تلك الحقبة، وكيف استطاعت بريطانيا أن تسحب قطر من الإمارات وأن لا تتوحد مع بقية الدويلات، وأثرت أيضا على القرار البحريني، وهذا بطبيعة الحال لا يأخذنا بعيدا عن كون هؤلاء عبارة عن شيوخ عشائر، وهم ينظرون إلى أنفسهم نظرة معينة ويضعون لأنفسهم ميزان معين، وأسسوا لأنفسهم أنظمة دعمتها الدول الكبرى التي تخالف ما تدعيه، فهذه أنظمة شمولية غير ديمقراطية إستبدادية، فهي تشترك بهذه النقطة وهذه نقطة التقاء، بالتالي لا يوجد خلاف إيديولوجي بين هذه الدول، فتمظهرت الدولة في السعودية بمظهر ديني، وتمظهرت الدولة في قطر بمظهر مدني أو علماني، لكن الأساس نفس الأساس والقاعدة نفس القاعدة والغاية نفس الغاية، وهي بقاء هؤلاء على سدة الحكم في هذه الدول والتحكم بأهم مصادر الطاقة في العالم بدعم من دول كبرى في العالم، ولا ننسى أن الربيع العربي عندما حل لعبت هذه الدول في تغذية دور بعض الحركات التي كانت مؤثرة في مصر، لكن هذا الدور كانت تلعبه نيابة عن الدول الكبرى في العالم، الدول المؤثرة في المنطقة كانت وإلى حد قريب هي (العراق، سوريا، مصر)، ولا أحد يأتي على ذكر تلك الدول أي دول الخليج وهي مسلوبة الإرادة وضعيفة، فهذه الدول كان من مصلحتها أن يضعف العراق وتتفكك سوريا وتنتهي، ومن مصلحتها تزعزع وتفكك النظام في مصر، بالتالي برز الدور السعودي والقطري، فهذه الدويلات على كل حال هي ليست مؤثرة على الساحة الدولية إلا من خلال المال، وهي تدفع ضرائب كبيرة للدولة الراعية لها والحماية لها، فهذه الخلافات حقيقية برزت بسبب صعود الجيل الثاني من المشايخ، وهؤلاء هم عملوا على إظهار بعض الأحقاد القديمة، ولا ننسى أيضا أن الدول الكبرى ضخمت من الهالة الإيرانية وتهديدها لهذه الدويلات، فجعل هذه الدويلات منهارة من الداخل ولديها عدو أوحد وهو إيران".
الخلافات حالة نفسية موجودة
مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية عدنان الصالحي، يرى أن "الخلافات الخليجية– الخليجية لا تنحصر في الخلاف السعودي القطري، بل هناك خلاف سعودي كويتي قطري إماراتي، وحتى في دولة عمان هناك خلاف مع بقية الدول الخليجية ولكن بشكل هادئ ومستقر، هذه الخلافات تتجلى بين الفينة والأخرى وهي لم تكون وليدة الصدفة، ففي تسعينيات القرن الماضي انسحبت السعودية من إحدى الدورات الرياضية لأن الكويت رفعت شعار الحصان، وهذه القضية تدل على وجود خلافات متجذرة بين الدولتين، وأيضا لديهم إشكالات في أصل تشكيل دولهم، بالتالي التهديد الأمني والتنافس الاقتصادي يمكن أن يضيف إشكالات أخرى، لكن في حقيقة الأمر الحالة النفسية الموجودة لدى القيادات في تلك الدول فيمن يتصدر المشهد، وفيمن يكون هو القائد على هذه المناطق والمتحدث بلسانها للعالم، فالسعودية لا تريد أن تعطي هذا الدور لغيرها، والآخرين لا يريدون للسعودية أن تقود الأمر إلى ما لا نهاية هذا شيء.
الشيء الآخر، وجود أحداث مستجدة في العالم، كوجود التعاملات غير القطبية، أي وجود أمريكا والدول الأوربية وروسيا والصين، لذلك وجدت هذه الدول منافذ اخرى قد تستقوي بها لتكون في المعادلة الدولية، إضافة إلى وجود أمريكا في التعاملات، الربيع العربي أيضا كان مهيأ لظهور هذه الخلافات وبشكل واضح، لذا فإن هذه الخلافات لن تقطع بل هي حالة نفسية موجودة، والأساس في ذلك هو خوف الإمارات من إزالتها من القيادة، ولذلك هي تحاول أن تفتدي باحداها للبقاء أطول فترة ممكنة".
العامل الأمريكي الحامي والمؤجج
مدير مكتب مجلس النواب فرع كربلاء المقدسة عباس كنبر، ينطلق "من العام 1976 حينما زار أمير الكويت الإمارات، وجرى البحث في مسألة تأسيس مجلس التعاون الخليجي، وبعد أن شعروا بالفراغ الذي خلفه إنسحاب المملكة المتحدة من هذه المنطقة، لذا فإن الأسباب عديدة لتفجر الخلافات الخليجية – الخليجية، ففي أولها هو العامل الأمريكي الذي يعتبر هو نفسه الحامي والمؤجج، وبالتالي هو يحاول الحفاظ على ما يسمى البنك الخليجي الممول للأمريكان، فمن يطلع على الخطط الامريكية الداعية لتحرك العراق نحو الكويت ومحاولة إحتلالها، فهذه كلها مقدمات لتحويل دول الخليج إلى ممول رئيسي للسياسية الأمريكية، الأمر الآخر، هو حلم الزعامة الذي يطارد جيل الشباب بالنسبة لقادة دول الخليج، أمثال محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ومحمد بن راشد آل مكتوم، وتميم بن حمد، بالإضافة إلى أن هناك خلافات جغرافية وخلافات قبلية، فتعيش المنطقة على صفيح ساخن، فضلا عن ذلك هناك قلق التلاشي والزوال لهذه الدول، فالدول المحيطة بها تحكمها ديمقراطيات بدرجة من الدرجات، بالتالي هناك جيل من الشباب المتعلم في أوروبا بدأ يطرح تساؤلات عديدة، حكام الخليج بدأوا يقلقون من هذا الأمر فحاولوا أن يتمددوا خارج مساحاتهم الجغرافية، فنجد دولة مثل الإمارات لها وجود في ليبيا وفي العراق وفي مصر، قطر أيضا بدأت بهذه السياسية منذ إنطلاق قناة الجزيرة وكيف اخترقت المحرمات، ومن يطلع على الإحصائيات الرقمية لشراء الأسلحة يكتشف أن الهند هي أول دولة في العالم ومن ثم تليها السعودية، بالتالي المنطقة متحولة إلى إستثمار عظيم من أجل تمويل الدول العظمى، سابقا كانوا يحمون هذه المنطقة من دون مقابل أو من خلال وجود إستثمارات، أما الآن فبدأ الإفصاح عن هذا الموضوع وعلى السعودية أن تدفع ثمن حماياتها من قبل أمريكا.
أخيرا نحن لا نتمنى أن يتصاعد الصراع خصوصا وأن المنطقة لا تحتمل صراعات أخرى، خصوصا وأن تداعيات هذا الصراع قد تؤثر على العراق ودول أخرى مجاورة، ولاحظنا منذ أيام قليلة تراجع الصراع الأمريكي الإيراني بعد تداعيات إختفاء الصحفي السعودي جمال خاشفجي، فاليوم السعودية تعيش في حرج أمام الرأي العام العالمي، وهي في موقف المدافع الشديد والقصة بأكملها هي إبقاء الدافع والممول السعودي مستمر في دفع ما لديه من أموال".
موقف الزعامات الجديدة سبب الأزمة
الشيخ الحقوقي عزيز الطرفي، يجمع أسباب الصراع الخليجي- الخليجي بالنفوذ الأمريكي وتزايده في المنطقة، وزعامة المنطقة ونفوذ السعودية بالاستعلاء عليها، الشيء الآخر هو الموقف من إيران فالسعودية متشددة جدا حيال إيران، بينما هناك دول خليجية ترى إيران جارة ممكن التعامل معها، بالتالي أصبح هناك خلاف على طبيعة الموقف وعلى التعامل، الشيء الرابع الذي أزم هذه الخلافات هو موقف الزعامات الجديدة، لذلك ربما يتعمق الخلاف الخليجي– الخليجي وهناك تضحيات يقدمها العالم من جراء ذلك الخلاف الذي أصبح يطال دول أخرى إقليمية ودولية، لذا فإن مستقبل هذه الدول ينذر بالتلاشي والفناء لأن الظلم لا يدوم.
صراع على السلطة
الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، أورد "ما قاله وزير الخارجية السعودية ردا على الموقف الكندي بأننا لسنا جمهورية موز، فهذا التصريح يعبر عن مدى النقص الذي تحسه هذه الدول في وجودها الإقليمي والعالمي، فاليوم إذا لاحظنا فلسفة الخلاف نجدها تتركز حول المال والسلطة، المال الخليجي قام على ثروة كبيرة من النفط، هذا النفط ومنذ إكتشافه أصبح عاملا أساسيا في صناعة اللعبة ومتغيراتها في النظام العالمي والدولي، وحتى العقوبات الأمريكية على إيران أخذت تتلاعب اليوم بأسعار النفط، فنلاحظ أن النفط الخليجي والسعودي بالخصوص مؤثر جدا في صناعة اللعبة الدولية ومتغيراتها، لذلك هي أخذت تمارس دورا في صناعة الأزمات، خاصة وأن الإنطلاق الأولي كان من الأزمة اليمنية المصرية، والسعودية المصرية في اليمن في عام 1962، والحرب اليمنية التي قتل فيها الآلاف، ثم بعد ذلك صناعة الأزمة والحرب الاهلية في لبنان عام 1975 وكان لها دور سعودي كبير، والحرب العراقية الإيرانية عندما دفعت السعودية العراق نحو الحرب مع إيران، ومن ثم أحداث أخرى بعد تأسيس مجلس التعاون الخليجي إلى الربيع العربي الذي شاركت في صناعته دولة قطر ومن ثم الانقلاب الاماراتي السعودي على الدور القطري في مصر، علما بأن الكثير من الآراء تحدثت عن أن صناعة الربيع العربي تشكل من خلال ثلاثة أمور وهي (قناة الجزيرة، الفيسبوك، قطر -الاخوان المسلين-)، بالنتيجة أصبح هناك إرتداد من قبل دول الخليج وخصوصا الإمارات، كعملية رد فعل قوي على الربيع العربي التي كانت تحاول قطر أن تجعل العرب دولة إخوانية كاملة، وهذا الصراع امتد من المغرب إلى سوريا إلى باكستان، وهذا هو جوهر الصراع الإماراتي السعودي ضد قطر، المشكلة الأساسية هناك حرب بالوكالة من دول عالمية كبرى، من بعد الحرب العالمية الثانية بدأ الإستحواذ على الخليج، خصوصا وأن هناك رأي يقول بأن أحد أسباب تقسيم الهند هو منع وصول الشيوعية إلى المياه الدافئة في الخليج، فلو كانت الهند موحدة كادت تكون دولة إشتراكية تسير في فلك الإتحاد السوفيتي، بالتالي البريطانيون قسموا الهند وراح ضحيتها الملايين بسبب هذه القضية، فالصراع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية كان بقوة موجود في الخليج.
الصراع الإقليمي- الإقليمي المتمثل بدول الخليج التي تريد أن تصبح دول عظمى، وهذا ما لاحظناه من خلال الصراع القطري السعودي الإماراتي، وهم تدخلوا حتى في الانتخابات الفرنسية، وحتى النوادي الرياضة الكبرى كان هناك صراع إماراتي قطري بينهما على امتلاك ورعاية تلك الأندية، وامتد الصراع إلى شركات السيارات ففولكسفاغن التي تمتلك قطر منها (17%)، وبالتالي دمروا هذه الشركة وخلقوا لها فضحية كبيرة، كما ان الصراعات وصلت إلى إعتبار (اوباما، هيلاري كلنتون) هما أحد نتاجات اللوبي القطري في أمريكا، وكيف تم دفع الأموال الطائلة للمؤسسة الخيرية التي تمتلكها هيلاري كلنتون، ومن ثم جاء اللوبي الإماراتي السعودي ودعم ترامب وأدى إلى فوزه، وإلى الآن الصراع القائم بين اللوبي القطري والإماراتي.
النقطة الأخرى في التحول هو الصراعات الداخلية بين الأمراء على السلطة، هذا أصبح عاملا أساسيا في عملية تفجر الصراعات وما قضية خاشقجي إلا جزء من مخططات الصراع الداخلي بين الأمراء السعوديين، كذلك باقي الدول الخليجية هي تعيش حالة صراع جدا قوي في داخلها على السلطة، ويمكن أن يؤدي إلى تفكك هذه الدول، خاصة ومع وجود المال والحالة المزاجية، فكندا عندما انتقدت حالة حقوق الانسان في السعودية سحب محمد بن سلمان آلاف من المبتعثين وقطع العلاقات ووقف الشركات والإستثمار. كذلك المانيا عندما اوقفت تزويد السعودية بالأسلحة كاد ان يؤدي إلى قطع العلاقات، وفعلا نجحت هذه السياسة المزاجية (الترامبية) في عملية تهديد الدول الغربية، خصوصا وأن تلك الدول تبحث عن مصالحها، بالتالي هذا الأسلوب خطر جدا فعندما تلعب الدول الخليجية الصغرى بأسلوب الدول العظمى، بالتأكيد التكاليف ستكون باهظة جدا ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى سقوط تلك الدول".
سيطرة النزعة القبلية على مشايخ الخليج
الحقوقي احمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، يعتبر "الخلافات الخليجية– الخليجية هي ليست وليدة اللحظة، ومبعثها سببان: الأول داخلي، والآخر خارجي، فلحد الآن النزعة البدوية لا زالت تحكم رؤوس مشايخ الخليج، فهم لا يستطيعون التعايش مع العالم المتحضر والعالم الحر والديمقراطي، فالأحقاد البدوية والتآمر والغارات والغزوات ودفع الأموال للقوي على الضعيف، هي لا زالت في نفسية وفكر الإنسان والقائد الخليجي. أما العامل الخارجي فهو يسعى إلى الإستفادة من ثروة دول الخليج. والسبب الثاني الداخلي هو إنتفاخ هذه الدول اقتصاديا، فأصبحت تبحث عن أدوار خارجية، وعندما جاء الأمراء الشباب حصل هناك تنافس بين أولئك الأمراء، الشيء الآخر الدول الخليجية لديها مشكلة حدودية إلى الآن لم ترسم خاصة مشاكل بين الإمارات والسعودية، وهناك مشاكل بين الكويت والسعودية على حقول نفطية".
السؤال الثاني: ماهي التأثيرات والإنعكاسات المستقبلية لتلك الصراعات على المنطقة؟
الحقوقي احمد جويد، يعتقد كلما ضعفت دول الخليج وحصل بينها إنقسام المنطقة ستكون بخير، فعلى سبيل المثال الآن في فترة الصراع الإعلامي بين دول الخليج هو مدعاة للهدوء في الساحة السورية وفي الساحة العراقية وفي مناطق أخرى من العالم.
منظومة خارج التأريخ
الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يرى أن "الخلافات الخليجية– الخليجية لن تقود إلى استقرار في الأمن الإقليمي، لذا فإن منظومة الأنظمة الخليجية أصبحت خارج التأريخ، هي تمتلك ثروات وتمتلك تكنولوجيا وتمتلك حدود جغرافية، لكنها لا زالت عقليتها عقلية بدوية وهي أنظمة بتركيبتها بطبيعتها قد تجاوزها التاريخ، فهي لا تستطيع أن تتوائم مع القرن 21، وذلك لعدم قدرتها على التوائم مع متطلبات الحياة بمجملها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما يرافقها من علاقة الحاكم مع المحكوم، هذا يوحي بأن هذه الأنظمة لا يكتب لها الاستقرار وستبقي هي محل للإبتزاز الإقليمي والدولي، وهي تفتح الباب واسعا للاضطرابات الداخلية، وذلك بسبب إنتهاكها المفرط لحقوق الانسان وللحريات العامة. وفي نفس الوقت، ستبقى تفتح شهية القوى الإقليمية والدولية على إبتزازها من أجل أن تأخذ ما تريد، لكن هذا كله سيؤدي إلى بيئة غير مستقرة، وهذا سيؤدي إلى عدم الاستقرار الإقليمي والدولي، وهذا ليس من مصلحة دول المنطقة خاصة وأن رهانها على الأمن الإقليمي والمحلي هو بناء الدولة الحديثة، فعدم استقرار هذه الأنظمة معناها تهديد لبنية الدولة الحديثة، وعدم قدرتها على التطور نحو بناء دول حديثة، بالتالي هذا سيخلق لنا التحديات العابرة للحدود والتحديات غير المتناظرة، والتي هي تحديات التنظيمات الإرهابية، فاليوم إذا كانت الوهابية مسيطرة عليها في السعودية ومقنن تهديدها الخارجي، فإنهيار النظام السعودي سوف يؤدي إلى انتشار هذه التنظيمات بشكل مفرط خارج الحدود وبطريق غير مسيطر عليه، الشيء الآخر عدم استقرار هذه الانظمة سيفتح الباب أمام سياسة ملأ الفراغ، التي ستمارسها حكومات إقليمية ودولية وهذا بحد ذاته سيخلق لنا مزيد من الصراع الإقليمي والدولي، ولكن لا يمكن لهذه الأنظمة أن تستقر ما دام هي باقية على طبيعة الحكم الحالي، فلربما نكون بين حتميتين: حتمية عدم الأمن الإقليمي وعدم الاستقرار، وحتمية تغيير هذه الانظمة التي تنتظر صدور شهادة الوفاة، وهم يحاولون من خلال الاموال التي يمتلكونها إطالة عمر وجودهم في السلطة".
لعب دور الدول العظمى
الشيخ مرتضى معاش، يعتبر "الحالة الترامبية التي يمارسها محمد بن سلمان في التعامل مع الآخر خصوصا مع الغرب، يمكن أن تفيد أمريكا ولا يمكن أن تفيد الخليج، فأمريكا دولة حديثة لها قواعد ولها مؤسسات، لكن بالنسبة لدول الخليج هذا الأسلوب الاستفزازي سيؤدي إلى إنعكاسات خطيرة، من الممكن اليوم فرنسا تسكت والمانيا أيضا تسكت لكن في المستقبل سيؤدي هذا إلى تصاعد الرأي العام، ومن ثم يؤدي إلى نوع من الضغوط الكبيرة، أما بالنسبة لما يخص التأثيرات والإنعكاسات المستقبلية على المنطقة، فهذا يعتمد على نوعين من التعامل، فلو تعقل الشباب الأمراء ومارسوا عملية التهدئة والاسلوب الإيجابي مع الأحداث في المنطقة، وهذا الأمر جدا صعب فنجد الامارات تسعى إلى تقسيم الصومال، وهي تدعم النزعة الإنفصالية في اليمن، وتمارس ايضا ضغوط في تونس من أجل إقصاء الغنوشي وجماعته، فإذا وصل العمل بهذا الأسلوب السلبي سيؤدي هذا إلى التفكك الإقليمي، خاصة وأن إيران ودول أخرى موجودة ايضا في اللعبة، فضلا عن أن النفط لاعب حساس جدا في القضية فاذا صعدت اسعاره سيؤدي إلى غضب عالمي. لاحظنا كل القرارات التي عمدوا إليها فشلت، والدليل على ذلك فشل الخليج في سوريا وفشل في اليمن، أما إذا استفادوا من تجاربهم سيكون ذلك عامل للتهدئة ومن ثم التحول إلى التنمية وممارسة العملية الاقتصادية الناجحة، وليس لعب دور الدول العظمى في العالم، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن هناك احتمالية إندلاع حرب على الساحة الخليجية".
الصراع السعودي التركي
الدكتور علاء الحسيني يتصور أن إنعكاسات هذه الأزمة المتتالية على المنطقة ستكون إنعكاسات سلبية في مجملها، بدء من ملف النفط وتقلباته التي لم نشهد لها استقرار على المستوى البعيد والقريب، بالتالي دول مثل العراق ريعية فهذه لا تستطيع أن تبني موازنات مستقبلية وفق بيانات موثوقة وهذا سيكون إنعكاس سلبي، إضافة إلى ذلك المنطقة ستشهد صراعات متتالية وعدم استقرار أمني، وهذا أيضا سينعكس على العراق وغيره من الدول، سوف نشهد ايضا استمرار تسابق التسلح بين هذه الدول الصغيرة، وشراء كميات كبيرة جدا من الأسلحة من الممول الرئيسي الولايات المتحدة وغيرها، وسوف لن يكون ببعيد لو تعافى أوردغان من بعض الأزمات أن نشهد صراعا أوردوغانيا-أمريكيا في الخليج، لاسيما بعض الدول استقوت بتركيا واستجلبت بعض القوات التركية إلى أراضيها مثل قطر، ولعله سيكون هذا المعنى أحد أبواب عدم الإستقرار في الخليج بسبب وجود القوات التركية، أو بسبب محاولة القوات التركية مد نفوذها من جديد في هذه المنطقة الإستراتيجية، وليس ببعيد ان تنامي إيران قدراتها العسكرية والاقتصادية إلى حد كبير، فهذا الصراع سيكون طويل الأمد في منطقة الخليج.
إذا نحن إزاء توقعات سلبية في المجمل عسكريا واقتصاديا وكذلك ثقافيا، الصراع الثقافي مع إيران ومع تركيا هذا الصراع أدى إلى إضمحلال الكثير من المنظمات مثل منظمة التعاون الإسلامي، وبالتالي الصراع السعودي التركي جعل من هذه المنظمة حبر على ورق، وليس لديها القدرة على أن تتخذ توصية على الرغم من صغر حجمها وقلة تأثيرها، فهي غير قادرة على عقد قمة يحضرها كبار المسؤولين وتخرج بتوصيات، أيضا جامعة الدول العربية منذ العام 2011 دخلت الموت السريري، بسبب الصراع القطري السعودي على هذه المنظمة الإقليمية، والأمم المتحدة إلى حد كبير إضمحل دورها وبان النقص الشديد في ميثاق الأمم المتحدة، الذي جعل هذه المنظمة عاجزة عن التدخل في الصراعات، وأن تقوم بدورها في حماية الحقوق والحريات وحماية الشعوب من الصراعات التي تكون بين الحكام وبين الدول الإقليمية، لاسيما الدول ذات النفوذ الاقتصادي مثل دول الخليج.
حامد الجبوري يستفسر عن تصاعد الخلافات الخليجية– الخليجية هل سيؤدي إلى حصول استقرار في العراق؟
حيدر الاجودي يعتقد أن الكثير من الباحثين تصوروا أن الأزمة الخليجية قد تصل إلى مستويات خطيرة وخطيرة جدا، بناء على التاريخ المثخن بالنزاعات والصراعات بين الطرفين، إلا أن الواقع يشير إلى أن المنطقة هي جزء لا تتجزأ من صراعات دولية وإرادات إقليمية، وهذه الصراعات كل طرف يريد أن يكون هو الطرف الغالب لا المغلوب في هذه اللعبة المحسومة النهايات، والتي لا يمكن أن تتعدى حدودها لأنها تمس أمن واستقرار منطقة الخليج، الذي هو بإدارة المصالح الأمريكية.
العراق ساحة للصراع السعودي الإيراني
الباحث محمد الخاقاني باحث وتدريسي في جامعة بغداد – كلية العلوم السياسية، يرى أن أسس النزاعات الخليجية– الخليجية تكمن في أحقية كل من الدولة الأكبر، من فرض سيطرتها وتحكمها في شؤون الخليج، وبالتالي على الدول الأخرى أن تنصاع وتخضع للتعليمات السعودية، وهذا ما فرضته قطر عليه فقد إتجهت قطر إلى إيران التي تعد من أبرز خصوم السعودية، ولا تزال الحروب بالنيابة قائمة بينهما سواء في اليمن وسوريا ولبنان وغيرها من المناطق، ومن دون شك تلقي الخلافات بين دول الخليج أثرها الواضح على مجمل العلاقات الخليجية نفسها، فانقسم المجلس الخليجي بين الدولتين فهم بين مؤيد لدولة ومعارض لأخرى، مع بقاء عُمان كدولة محايدة ونوعا ما الكويت بالدرجة الثانية، لذلك إنسحب ذلك الأمر على منطلقات الدول الخليجية ومحاولاتها في تجنب التهديدات خصوصا الإيرانية منها.
العراق وبعد التغيير في العام 2003 كان ساحة للصراع بين الدول وخصوصا السعودية ومحاولتها النفوذ وإيران، فعلى الرغم من استمرار هذه الحالة ولعدم إعتراف الدول الخليجية بما جرى على العراق، الذي كان في حرب طاحنة لمدة ثمان سنوات وإستنزاف البلدين، وبالتالي تعتقد بأن العراق أصبح تابعا لها وهو ما يمكن ملاحظته بالمواقف الخليجية من العراق، ومحاولاتها المستمرة لعزل العراق وتصويره على أنه ولاية تابعة لإيران، ومع هذا فإن العراق وبعد إحتلال داعش لأراضيه عمل على تغيير النظرة الخليجية له، عبر إنتهاج سياسية الإنفتاح على تلك الدول، ولا يزال الصراع مستمرا بين السعودية ومن معها وإيران ومحاولات فرض النفوذ على الأراضي العراقية.
دور المتغير الاقتصادي
الدكتور حسين السرحان يعتقد أن العالم بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص هي من المناطق الملتهبة والمتصارعة، والتي تشهد علاقات تصارعية وتشهد أزمات بشكل مركب سواء على صعيد داخل الدول وحتى على صعيد العلاقات بين الدول، بالنتيجة أي خلاف بين دول المنطقة سواء كانت خليجية– خليجية أو خليجية– مع دول غير خليجية، حقيقة يؤثر على المنطقة ويعقد من طبيعة الصراع فيها، لذلك وجود هذه الخلافات بحد ذاته سيدفع الدول الخليجية إلى تعزيز موازين القوى لديها، وهذا سيؤجج الخلافات الحدودية بين هذه الدول، وسيضعف كثيرا من مديات التقارب الجيوسياسي بين هذه الدول، لاسيما في دور المتغير الاقتصادي، وستنكشف هذه الدول أمنيا وسياسا، على دول مؤثرة أكبر في المنطقة كإيران وتركيا، وهذه الدول الفاعلة لا تبحث عن مصالح دول، إنما تبحث عن تعزيز مصالحها ونفوذها حتى على حساب الدولة الاخرى، (العراق، اليمن، سوريا، لبنان) من الدول الهشة أمنيا ستتأثر كثيرا بهذا الصراع، لذا فإن تعقيد وإذكاء الصراع الخليجي- الخليجي سيؤخر من الحل في سوريا، وكذلك سيعقد المشهد في العراق، لأن العراق أصبح جزء من المشهد، وأن صانع القرار العراقي تبنى إستراتيجية أساسية في إطار السياسة الخارجية تدعو إلى الإنفتاح على العالم الدولي والإقليمي، فإن إذكاء الخلافات الخليجية– الخليجية سيضعف من دور العراق، وسيحتاج إلى جهد مكثف للوصول إلى محيطه الإقليمي، وهناك فرق كبير بين أن نتعامل مع منظمة دولية إقليمية وأن نتعامل مع أطراف متصارعة داخل هذه المنطقة، وجود طرف واحد ووجود مؤسسة صانعة قرار واحدة تجمع هذه الدول، سيسهل كثيرا على صانع القرار العراقي بالوصول إلى هذه الدول والإلتحام معها. أخيرا أختلف كثيرا مع من يقول بأن دول الخليج هي دول قبلية، فدول الخليج دول مؤسسات وتتمتع بنظام مالي واقتصادي قوي جدا وهو غير ريعي كما هو في العراق، فعلى مستوى التعليم العالي ذات مؤشرات ومراكز متقدمة على مستوى العالم، وإن طبيعة المؤسسات هي طبيعة جيدة، ولكن نظام الحكم نظام إستبدادي ديكتاتوري تغيب عنه الكثير من الأطر المؤسسية".
معالم التطبيع مع إسرائيل
الدكتور احمد الميالي باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يرى أن "أمن الخليج يرتبط بشكل وثيق بالأمن الإقليمي العربي، وما يوحد دول مجلس الخليج هما القضية الفلسطينية والتهديدات الإيرانية، وهذه الأولويات أدت إلى الحرب العراقية الإيرانية وغزو العراق للكويت ثم الحرب على العراق، هذه الدول كان لها موقف موحد من القضية الفلسطينية في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، لكن هذا الموقف تراجع وتقلص عقب بدء مفاوضات السلام بين منظمة التحرير وإسرائيل في مطلع التسعينيات، ومن ثم طرح مبادرة السلام في بيروت عام 2002.
وبدأت معالم التطبيع مع إسرائيل تتمظهر بشكل واضح، وأكتفت هذه الدولة بتقديم المساعدات المادية وإعلان البيانات والمواقف الداعمة للقضية الفلسطينية، تاركين العلاقات والمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية للولايات المتحدة الامريكية، وهو ما فتح المجال أمام إيران لرفع شعار الممانعة والمقاومة ضد الإحتلال الصهيوني ودعم حركة حماس، مما خلق هاجسا أمنيا في المنطقة ككل وتحديدا منطقة الخليج، أما عمان بقت على الحياد واليمن إندلعت في مشاكل داخلية أستدعى التدخل السعودية والإماراتي، وهم الآن في حالة تضارب مصالح وسياسات على الساحة اليمنية، إزاء الموقف من عبد ربه منصور وحزب الإصلاح الإخواني المرفوض إماراتيا والمقبول سعوديا، وبذلك استفادت إيران من تلك الخلافات مشكلة تهديدا واسعا، سمحت للجانب الأمريكي والأوربي والإسرائيلي بإبتزاز دول الخليج، لكن من دون أي مواجهة تذكر، إذ لم تتمكن عاصفة الحزم التي أطلقها التحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، ولا الأزمة الخليجية مع قطر ولا الموقف من النظام السوري، من وجود حلول حقيقية واضحة ولا من تشكيل آفاق للعمل الخليجي المشترك، ولم تقدم مفاهيم جديدة في سبيل بناء الأمن الخليجي، بل مثلت إثباتا على عدم قدرة دول الخليج وعدم الاعتماد على النفس في الدفاع عن أمنها ومصالحها".
وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة الأستاذ ميثاق مناحي، الباحث في مركز الدراسات الستراتيجية في جامعة كربلاء، بالشكر الجزيل والإمتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع، وتقدم بالشكر أيضا إلى وسائل الإعلام التي شاركت بتصوير الملتقى الفكري الأسبوعي لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
اضف تعليق