شبكة النبأ: ابتدأت الحملة الانتخابية لاختيار رئيس البلاد في تونس في 9 ديسمبر وستنتهي في 19 من الشهر ذاته، استعدادا ليوم 21 من ديسمبر، وهو موعد القيام بالجولة الثانية من الانتخابات، بعد ان فشلت الجولة الاولى في حسم التنافس بين الغريمين السياسيين (الباجي قائد السبسي) زعيم حزب نداء تونس الذي حصل على نسبة 39.4% و(محمد المنصف المرزوقي) الذي حصل على 33.4% من اصوات الناخبين التونسيين، ويبدو ان تونس التي كانت تعتبر حصنا منيعا من حصون العلمانية في العالم العربي وافريقيا، باتت اليوم على موعد فاصل بين تنافس العلمانيين والاسلاميين (المتمثل بحزب النهضة القريب من فكر الاخوان المسلمين في مصر)، ومع عودة السبسي (وهو من الحرس القديم للنظام السابق) الى واجهة العمل السياسي من جديد، مع دعم كبير تلقاه من المنظمات والحركات ذات الطابع اليساري، الا ان الاسلاميين ما زلوا يؤكدون حضورهم القوي في المعترك السياسي والانتخابي، وهو ما تخوف منه دعاه عودة تونس الى سابق عهدها، بعد فشل التجربة الاسلامية في مصر، وهو ما اشار اليه لأمين العام لحركة (نداء تونس)، الطيب البكوش، في ندوة صحفية بعد الاعلان عن تأسيس (اللجنة الوطنية) لمساندة ترشح السبسي في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، إن "حزبه منفتح على مقترحات الأحزاب السياسية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني"، وأضاف إن "نداء تونس ليس متعصباً لبرنامجه، ولن يحكم وحده، بل مصلحة تونس تقتضي في المرحلة القادمة حكومة ائتلاف، لا حكومة تحالف"، إلا أنه حذر من أن "برنامج نداء تونس في الحكومة القادمة سيكون حتمياً مهدداً، إذا لم يكن الباجي قائد السبسي الرئيس القادم للجمهورية التونسية"، وأعرب عن أمله في أن يصبح السبسي "مرشح الأغلبية الساحقة من التونسيين، في الانتخابات الرئاسية، لتحميله مسؤولية قيادة الدولة في المرحلة القادمة".
واللافت في الامر ان الصراع الايديولوجي وتبادل الانتخابات بين المتنافسين رافق الحملة الدعائية بقوة، وهو امر حذر منه مراقبون في حال عدم حصول احد الطفين على النتيجة المرجوة، مما يعني امتداد الصراع الفكري والسياسي الى داخل الحكومة الائتلافية، في وقت تشهد فيه تونس تراجع مكانتها الاقتصادية وارتفاع البطالة، اضافة الى انقسام المجتمع التونسي بين اتجاهين مختلفين، الامر الذي قد يعصف بالسلم المجتمعي داخل تونس.
اتهامات بالتزوير
فقد اتهم حزب نداء تونس الذي أسسه ويرأسه الباجي قائد السبسي، الرئيس التونسي المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي، منافس السبسي في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية بـ"تهديد الأمن والسلم الاجتماعيين" في البلاد، إثر تصريحات حذر فيها المرزوقي من تزوير الانتخابات المقررة يوم 21 كانون الأول/ ديسمبر، وقال الحزب في بيان إنه "تلقى ببالغ الاستغراب ما صدر على لسان محمد المنصف المرزوقي، الرئيس المؤقت والمرشح للانتخابات الرئاسية، في شريط (تسجيل) تم تداوله بمواقع التواصل الاجتماعي مفاده (بدون تزوير لن ينجحوا)"، وقال المرزوقي في خطاب ألقاه وسط تجمع لأنصاره بحي باب سويقة الشعبي في العاصمة تونس "يوم الانتخابات احذروا من أي عملية تزوير، ليس لي مشكل في أن ينجح الطرف الآخر، لكن عندي مشكل أن ينجح بالتزوير، يجب أن نمنع التزوير، كونوا كلكم جنودا ضد التزوير"، وأورد المرزوقي في تسجيل "نحن نقاوم آلة تعودت على التزييف وعلى استعمال كل الوسائل غير الشريفة لكي تربح بدون تزوير لن ينجحوا". بحسب فرانس برس.
واعتبر حزب نداء تونس أن تصريحات المرزوقي انطوت على "عدم قبول مسبق بنتائج الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية" وأنها تمثل "تشكيكا في مصداقية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" المكلفة بتنظيم الانتخابات العامة و"تهديدا للسلم والأمن الاجتماعيين"، و"حثا على إدخال البلاد في الفوضى"، ودعا الحزب الهيئة المكلفة تنظيم الانتخابات العامة إلى "اتخاذ الإجراءات القانونية ضد هذه التجاوزات والتهديدات الخطيرة"، وحصل قائد السبسي (88 عاما) على 39,46% ومن أصوات الناخبين في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر، في حين حصل المرزوقي (69 عاما) على 33,43%، وبدأت حملة الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية على أن تتواصل حتى منتصف ليل 19 كانون الأول/ديسمبر.
الحرس القديم
الى ذلك وفي مكتبه بضاحية البحيرة في العاصمة تونس يعرض الباجي قائد السبسي المترشح للانتخابات الرئاسية التونسية بفخر تمثالا كبيرا للحبيب بورقيبة أول زعيم لتونس بعد الاستقلال الذي يرى فيه مصدر الهام من الماضي القريب، وطيلة حملته الانتخابية استند السياسي المخضرم السبسي (87 عاما) الى إرث بورقيبة في بناء دولة علمانية حديثة وعصرية، وحتى نظارته الشمسية التي وضعها في الاجتماعات الشعبية كانت شبيهة بنظارات وضعها بورقيبة قبل عقود، لكن منافسه الرئيسي المنصف المرزوقي وهو الرئيس الحالي يرى ان التصويت يتعين ان يكون استمرارا "لروح الثورة" وضد رموز النظام السابق ومن بينهم السبسي ويعتبر ان فوزه سيكون انتكاسة للثورة التي يجب ألا تعود للوراء على حد قوله، وبعد حوالي أربع سنوات من انتفاضة ألهمت الشرق الاوسط وفجرت ما يعرف "بالربيع العربي" يتجه التونسيون لانتخاب رئيس لهم في ثالث انتخابات حرة منذ الثورة.
وتأتي الانتخابات بعد انتخابات برلمانية اجريت مؤخرا وأفرزت فوز حزب نداء تونس الذي يتزعمه السبسي بعدد 86 مقعدا متقدما على خصمه الاسلامي حركة النهضة التي فازت في انتخابات 2011، والسبسي الذي كان رئيسا للبرلمان مع الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي اطاحت به الثورة وشغل عدة وزارات مع بورقيبة يسعى للبناء على فوز حزبه نداء تونس ويقدم نفسه على أنه رجل دولة لديه ما يكفي من الخبرة لاصلاح المشاكل ووقف الاضطراب وانهاء الانتقال الديمقراطي بنجاح، وفي تجمع شعبي حاشد ضم آلافا من انصاره بصالة للرياضة في العاصمة قال السبسي "الدولة غائبة في السنوات الماضية، نتعهد بان نعيد هيبة الدولة ولكننا نتعهد ايضا بضمان الحريات"، والانتخابات الرئاسية المقبلة يفترض ان تكون اخر مراحل الانتقال الديمقراطي المضطرب أحيانا ولكن يطغى عليه التوافق في النهاية بين العلمانيين والاسلاميين لانهاء خلافات حادة اندلعت خصوصا العام الماضي بعد اغتيال مسلحين اسلاميين معارضين علمانيين. بحسب رويترز.
وبعد ثلاثة أعوام من المشاحنات العنيفة أحيانا حول دور الاسلام في السياسة أصبح ينظر للبلد الصغير على أنه نموذج للتوافق والتقدم الديمقراطي في المنطقة المضطربة، والى جانب المرزوقي والسبسي تشمل قائمة المترشحين 27 متنافسا من بينهم كمال مرجان وهو آخر وزير خارجية لبن علي وحمة الهمامي زعيم الجبهة الشعبية وحزب العمال الشيوعي وكلثوم كنو وهي اول إمرأة تونسية تترشح لهذا المنصب، ويشارك ايضا في السباق لقصر قرطاج منذر الزنايدي وهو وزير للصحة عمل مع بن علي والهاشمي الحامدي رجل الاعمال المقيم في لندن اضافة الى نجيب الشابي وهو معارض بارز لبن علي ومصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي، ولا يتوقع أغلب المحللين وحتى استطلاعات الرأي المحلية فوز أي مرشح بأكثر من 50 بالمئة من الاصوات وهي النسبة اللازمة للفوز مباشرة وتجنب دور ثان، ولكن انسحب عدة مرشحين ليبراليين من السباق مما قد يزيد في حظوظ السبسي.
والرئيس الجديد سيكون له صلاحيات محدودة تتعلق بالسياسة الخارجية والدفاع بينما ستكون اليد الطولى لرئيس الوزراء الذي سيعينه الحزب الحاصل على الاغلبية في البرلمان، ولم تقدم حركة النهضة اي مرشح للانتخابات الرئاسية ولكن دعت أنصارها للتصويت بحرية والاقبال بكثافة ولكن انصار النهضة ليسوا متحمسين لانتخاب السبسي وينظر اليه كثير منهم على انه يمثل النظام السابق، ولا يخف كثير من انصار النهضة اصطفافهم وراء المنصف المرزوقي، ولكن السبسي يرفض هذه الاتهامات ويقول ان مسؤولي النظام السابق في حزبه أياديهم نظيفة ولم تتعلق بهم تهم فساد ولا يحق اقصاء الا من يدينه القضاء، اما المرزوقي فقال خلال حشد شعبي اثناء حملته "هناك خطر حقيقي ان يحتكر حزب واحد السلطة وان الاستقرار يستوجب توازن السلطة" وأضاف "المعركة واضحة بين النظام القديم وقوى الثورة"، وتابع "كيف للتونسيين ان يكبلوا أيديهم بالقيود من جديد بعد أن حررتهم الثورة وخلصتهم من كل القيود".
لكن السبسي الذي بدأ حملته من امام ضريح الحبيب بورقيبة في المنستير لاستلهام الماضي قال ان فوزه في الانتخابات الرئاسية سيكون أكبر ضمان للحريات مضيفا انه لن يسمح بعودة "التغول" و"التفرد"، إلا أن جزءا آخر من التونسيين يرون ان هناك استقطابا متعمدا خلال الحملة الانتخابية بين من وصفوه بانه من رموز النظام السابق واخر وصفوه بانه "ثورجي"، وعلى عكس دول اخرى تجنبت تونس الفوضى التي عمت دول الربيع العربي في المنطقة، واحتدم الصراع في ليبيا المجاورة بين فصائل مسلحة بسبب دور رموز النظام السابق بينما اطاح الجيش المصري بأول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا وهو محمد مرسي المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين، والنهضة التي فازت باول انتخابات حرة في البلاد تخلت عن الحكم العام الماضي بعد احتجاجات واسعة اعقبت اغتيال اثنين من قادة المعارضة، وينظر الى السبسي وحزبه نداء تونس على أنه الطرف المقابل للاسلاميين.
ولكن التسوية السياسية بين العلمانيين والاسلاميين أصبحت من ميزات المشهد السياسي في تونس التي جنبت البلاد مزيدا من المشاكل ومن بينها قبول عودة رموز النظام السابق، ويشير الفارق الضئيل بين حركة نداء تونس والنهضة في عدد مقاعد البرلمان الى ان تشكيل الحكومة الجديدة سيستغرق أسابيع من المفاوضات الثنائية، ولكن قبل هذا يتوقع محللون ان تفزر الجولة الثانية من الانتخابات اذا جرت مواجهة حاسمة بين المرزوقي والسبسي، ويقول المحلل ريكاردو فابياني من يورواسيا جروب "السياق الان يساعد كثيرا السبسي مع امتناع حركة النهضة عن دعم أي مرشح"، وقد تجد نداء تونس نفسها مضطرة لايجاد حلول وسطى بتكوين حكومة تضم احزابا ليبرالية صغيرة او حتى الحكم مع النهضة مع ضرورة مواصلة اصلاحات اقتصادية مؤلمة قد تستوجب حكومة قوية تضم جيمع الاطياف.
عودة الاستبداد
من جانب اخر قال زعيم حركة النهضة الاسلامية في تونس راشد الغنوشي انه يخشى من عودة الاستبداد الى مهد الربيع العربي لكنه تعهد بان حزبه سيكون حارسا للدستور وللحريات وحقوق الانسان، وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس في وقت مبكر النتائج الأولية للانتخابات التشريعية وأظهرت ان حزب حركة نداء تونس العلماني فاز بخمسة وثمانين مقعدا في البرلمان متقدما على حزب حركة النهضة الاسلامي الذي حصل على 69 مقعدا، وحل حزب الاتحاد الوطني الحر الليبرالي ثالثا بعدما حصل على 16 مقعدا تليه حركة الجبهة الشعبية ذات التوجهات اليسارية برصيد 15 مقعدا وفاز حزب آفاق تونس الليبرالي بثمانية مقاعد، وقال الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة في مؤتمر صحفي "هناك مخاوف في البلاد من عودة حكم الحزب الواحد والهيمنة على الادارة ومؤسسات الدولة"، وأضاف "وجه الشعب رسالة واضحة عبر الانتخابات تفيد أنه لم يعط السلطة والاغلبية لأي حزب ليحكم وحده الشعب قال لا لحكم الحزب الواحد لا لعودة الهيمنة ولو عن طريق صناديق الاقتراع". بحسب رويترز.
وتابع "بلادنا متجهة نحو الديمقراطية ونحن مع وجود احزاب قوية في البلاد وليس مع وجود حزب واحد صنم وسنكون حراسا لقيم الدستور وما جاء به من حريات عامة وخاصة وحقوق الانسان"، وأدلى الناخبون التونسيون بأصواتهم في انتخابات برلمانية تمثل احدى الخطوات الاخيرة في انتقال البلاد الي الديمقراطية بعد انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، ومع عدم فوز أي حزب بالاغلبية المطلقة فان نداء تونس سيسعى الي تشكيل ائتلاف مع شركائه في مفاوضات من المرجح ان تستمر اسابيع قبل تشكيل حكومة جديدة، ودعت النهضة الي حكومة وحدة وطنية تضم حركتها الاسلامية، وأكد الغنوشي على ضرورة التوافق في المرحلة المقبلة قائلا "تونس تحكم بالتوافق وبقاعدة واسعة والنهضة منفتحة على كل الخيارات وبغض النظر عن الموقع الذي ستكون فيه سواء في المعارضة أو السلطة فالمهم أن تكون في خدمة الشعب"، وكانت حركة النهضة قد فازت بأول انتخابات حرة في تونس والتي جرت في 2011 بعد ان فر بن علي من البلاد وذهب الي المنفى في السعودية.
وعبرت عدة احزاب عن مخاوفها من هيمنة حزب نداء تونس على السلطة في البلاد في ظل استعداد رئيسه الباجي قائد السبسي للانتخابات الرئاسية المقبلة، ودعت احزاب تونسية حققت نتائج هزيلة في الانتخابات البرلمانية لتوحيد صفوفها لدعم مرشح توافقي للوقوف في وجه ما وصفته بعودة الهيمنة على السلطة في البلد الذي انتفض ضد الدكتاتورية قبل نحو اربعة أعوام، من جهته أكد حزب نداء تونس الذي سيتولى مهمة تشكيل الحكومة تمسكه بالحوار والوفاق لانجاح الانتقال الى مرحلة الاستقرار، وقال الحزب في بيان ان الهيئة التأسيسية "تعلن تمسكها بنهج الحوار والتوافق كآلية ضرورية لإنجاح استحقاقات المرحلة والانتقال من المؤقت إلى الشرعية والاستقرار"، ودعا البيان "جميع الأطراف السياسية إلى الحد من التجاذبات التي لا تخدم المرحلة وذلك بالمزيد من التعقل وضبط النفس"، وبعد الانتخابات البرلمانية ستجري تونس الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية يوم 23 نوفمبر تشرين الثاني المقبل.
اضف تعليق