يمكن اعتبار يوم الثلاثاء الماضي، نقطة محورية في تاريخ الحكومات العراقية بعد عام 2003، اذ اعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي، أن حكومته \"لا تتعاطف\" مع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، لكنه سيلتزم بها لحماية مصالحه، فالعبادي يعتبر العقوبات خطأ جوهريا واستراتيجيا وغير صحيحة لكن سيلتزم بها لحماية مصالح الشعب العراقي، واطلق عبارات دبلوماسية جدا \"لا نتفاعل معها ولا نتعاطف معها لكن نلتزم بها\"...
يمكن اعتبار يوم الثلاثاء الماضي، نقطة محورية في تاريخ الحكومات العراقية بعد عام 2003، اذ اعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي، أن حكومته "لا تتعاطف" مع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، لكنه سيلتزم بها لحماية مصالحه، فالعبادي يعتبر العقوبات خطأ جوهريا واستراتيجيا وغير صحيحة لكن سيلتزم بها لحماية مصالح الشعب العراقي، واطلق عبارات دبلوماسية جدا "لا نتفاعل معها ولا نتعاطف معها لكن نلتزم بها".
موقف العبادي كان كفيلا بإطلاق ثورة كبرى من الفصائل المسلحة والأحزاب المتحالفة مع إيران، اعتبرت ذلك نكرانا للوقفة الإيرانية خلال السنوات السابقة منذ سقوط صدام حيث كانت طهران اول من اعترف بحكومة بغداد وحتى الحرب الأخيرة ضد داعش حيث أرسلت المستشارين العسكريين وزودت الجيش والحشد الشعبي بمختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
اليس هذا كافيا ليرد العراق الجميل لإيران والوقوف معها في محنتها وهي تعاني من عقوبات شديدة جدا قد تؤدي الى مجاعة في البلد او اكثر من ذلك، موقف دفع بعض الفصائل الى اعلان بيانات اكثر تشددا رفضت بشكل قاطع القرار الحكومي ووقفت علنيا مع المحور الإيراني ضد محور العبادي الخاضع للأمريكي. هكذا يقول أنصار ايران.
لو استخدمنا عدسة وطنية، هل موقف العبادي هو الصائب ام المعارضة؟
لا يمكن فصل العراق عن السياسة الدولية عموما، وخاصة اذا تعلقت القضية بصراع إيراني امريكي، فالحرب ضد داعش يفسرها بعض المتابعين على انها كانت في حقيقتها صراع بين واشنطن وطهران، وما نهايته التي أعلنت عنها الحكومة العراقية، الا بداية لمرحلة أخرى اشد فتكا، او ربما مرحلة صراع وجودي للطرفين.
مراكز التفكير الغربية ووسائل الاعلام تناولت الموضوع باهتمام منذ طي صفحة داعش، فقد قالت صحيفة المونيتور الامريكية في احد تقاريرها المنشورة في اذار الماضي، أن أحد الأسئلة الرئيسية عقب تحرير الموصل هي: من سيملأ فراغ السلطة؟ فهل ستعود الولايات المتحدة الأمريكية إلى الشرق الأوسط مرة أخرى عقب انسحابها من العراق، أم أنها ستختار طمأنة حلفائها الإقليميين بإبقاء جزء من قواتها الحالية في العراق؟ وهل ستسعى إيران إلى أن يكون لها وجود مباشر بالموصل أم عبر وكلائها المحليين؟
تساؤل المونيتور كان قبل انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، والعقوبات المشددة التي فرضها، حتى انه اعلن ان من يقف مع ايران، يعني انه ضدنا، فهو خطاب حرب، والسؤال الاخر الذي يجب ان يطرح، مع من يقف العراق؟ بعد ان صارت الحرب واقعا ملموسا.
باستثناء الفصائل المسلحة والأحزاب المتحالف مع ايران التزمت الأحزاب العراقية الأخرى الصمت، الا ان هناك راي شعبي واسع، ايد قرار الحكومة العراقية، بالانحياز للموقف الأمريكي، والملاحظ ان مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتبر الان المقهى الشعبي، جازمة وغير مهتمة لما صدر من بيانات كثير معارضة للحكومة العراقية.
ما نراه اليوم من لحظات تاريخية عصيبة ليست لعبة مفرقعات ولا هي مباراة كرة قدم يستطيع المواطن ان يشجع من يشاء ويرفع من شانه الى منزلة القديسين، او يعادي الطرف الاخر ويحط من شانه الى اسفل السافلين، اننا امام صراع دولي كبير وواسع، عنوانه المواجهة الإيرانية الامريكية الكبرى، وساحته العراق، وعداد الخسائر للطرفين قد بدأ، والعراق جزء من المكاسب المحسوبة التي يحاول احد طرفي الصراع الحصول عليها.
ليس من الانصاف للعقل ان يتم اصدار حكم بهذه السرعة، كما حدث في مواقع التواصل الاجتماعي، ومن الظلم للبلد ان تتكاسل العقول عن أداء وظيفتها لمساعدة الحكومة من اجل الخروج بحل يخدم البلد، فإصدار الحكم المتسرع، يعني إحالة العقل الى التقاعد المبكر، في بلد يحتاج الى استيراد عقول خارجية مضافة الى الجهد المبذول من عقول أبنائه.
في العراق دائما ما يتم حرق المراحل، وهو ما اسقط البلد في الفخ دائما، لا تتم دراسة المواقف، وانما يتم اصدار الاحكام بدون دراسة، فاذا كانت المواجهة مصيرية بين ايران والولايات المتحدة كما حددها ترامب، فنحن بحاجة الى طرح المزيد من الأسئلة.
هل يمكن ان تتخلى بغداد عن واشنطن مع العلم ان كل التعاملات المالية العالمية لا تجري الا بموافقتها؟ وهل يمكن التخلي عن دعمها للعراق في المحافل الدولية ودورها في الضغط على دول كثيرة من اجل العراق؟ وهل يمكننا تخيل موقف العراق وقد فرضت عليه عقوبات أمريكية بسبب موقف داعم لإيران؟ وفي المقابل هل يمكن للعراق ان يفرط بعلاقات متينة مع دولة جارة ومحورية في المنطقة مثل ايران؟ وكيف ستتعامل الحكومة مع حلفاء ايران الذين ابدو استعدادهم للمضي قدما في حربهم ضد واشنطن داخل العراق؟ والسؤال المحوري الأبرز: ماذا لو اختار العراق الوقوف مع احد المعسكرين وبعد فترة يتم عقد الصلح بينمها على غرار الصفقة النووية؟ كيف يمكن ترميم هذه الثغرة؟
العراق يحتاج الى من يطرح أسئلة أكثر من الأجوبة، فهذه الأخيرة متوفرة لكنها مبنية على فراغ، ودفعت البلد في ثقب اسود من الازمات.
اضف تعليق