شهدت القارة الإفريقية أكثر من 186 انقلابا عسكريا، منذ حصول أغلب دولها على الاستقلال في بداية الستينيات بلغة الأرقام دائما، نشير إلى أن في الفترة ما بين منتصف الستينيات والسبعينيات (1966 -1976)، سجلت أكثر من 100 محاولة عسكرية للانقلاب ما بين الفاشلة والناجحة....
شهدت القارة الإفريقية أكثر من 186 انقلابا عسكريا، منذ حصول أغلب دولها على الاستقلال في بداية الستينيات بلغة الأرقام دائما، نشير إلى أن في الفترة ما بين منتصف الستينيات والسبعينيات (1966 -1976)، سجلت أكثر من 100 محاولة عسكرية للانقلاب ما بين الفاشلة والناجحة.
وبلغت الانقلابات في بعض الدول خمس إلى ستة انقلابات مثلما حدث في كل من نيجيريا وأوغندا وغانا وبوركينا فاسوا والبينين وموريتانيا وفي المقابل، شهدت 13 دولة انقلابا عسكريا واحدا فقط تشير دراسة أجراها معهد الأبحاث الدولية التابع لجامعة هيدلبيرج الألمانية حول الانقلابات بهذه القارة إلى تراجع معدلاتها، من متوسط قدره 20 انقلابا كل عام في حقبة ما بعد الاستقلال إلى أواسط الثمانينيات (1985-1960) إلى أقل من خمسة انقلابات فقط في المتوسط منذ الألفية.
وجب التميز هنا بين نوعين من الانقلابات من حيث الأصول؛ أي النشأة، أما الغايات فتتوحد في الاستيلاء على الحكم ونقصد أن بعض زعماء الانقلاب ممن وصلوا إلى سدة الحكم في بلدانهم، ينحدرون من مؤسسات عسكرية لها جيش نظامي (ليبيا، الجزائر، السودان، الصومال، الكونغو الديمقراطية)، فيما تمكن آخرون من السلطة بفضل انتمائهم لحركات تمرد مسلحة، كانوا يتزعمونها أو يشاركون فيها انطلاقا من الأدغال الإفريقية (إثيوبيا، إريتريا...).
انقلابات الألفية الثالثة
فرض تطور بنية المؤسسة العسكرية في إفريقيا مع بداية الألفية الثالثة، ظهور جيل جديد من الانقلابات العسكرية في القارة، لا يكون طموح زعمائها هو بلوع السلطة بقدر ما تقدم نفسها كجيوش وطنية حامية للبلاد ومؤسساته نجح هذا الصنف الجديد من الانقلابات في وضع حد لأنظمة ديكتاتورية تستغل الإثنية والقبلية والفقر والجهل والصراع داخل المجتمعات الإفريقية
كمرتكزات داخلية للبقاء، إلى جانب الاحتماء بالسند والدعم الأجنبي؛ من خلال حماية مصالح قوى إقليمية أو دولية، قصد الاستمرار في الحكم.
يعد الانقلاب العسكري السلمي الذي شهدته موريتانيا في 3 آب (أغسطس) 2005، بقيادة القائد العسكري علي ولد محمد فال للإطاحة بحكم الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في أعقاب أزمات سياسية كبيرة بالبلاد، مثالا على هذه الانقلاب إذ تولى قائد الانقلاب السلطة في البلاد، مع وعد بتسليمها لرئيس منتخب وقد حدث ذلك فعليا في 19 نيسان (أبريل) 2007؛ بعدما فاز محمد ولد الشيخ عبد الله بالانتخابات الرئاسية، فيما اعتزل قائد الانقلاب الحياة السياسية مؤقتا.
تجربة مماثلة في غينيا؛ بتاريخ 24 كانون الأول (ديسمبر) 2008، إذ بعد وفاة الرئيس لانسانا كونتيه قام المجلس الوطني للديمقراطية والتنمية، بزعامة موسى داديس كامارا بالسيطرة على السلطة في البلاد وأعلن أن سيتولى قيادة البلاد خلال فترة انتقالية، مدتها عامين بعدها تتم الانتخابات الرئاسية وعمليا التزم العسكريون بتسليم السلطة للرئيس المنتخب ألفا كونديه الفائز بالانتخابات عام 2010.
الاتحاد الإفريقي: لا شرعية للانقلاب
أدرك الزعماء الأفارقة أن لعبة الاستقواء بالخارج توشك على الانتهاء بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ما دفعهم إلى اعتماد موقف موحد رافض للانقلابات العسكرية التي تهدد مواقعهم في السلطة وبذلك تعهد أزيد من 40 رئيسا إفريقيا في القمة التي استضافتها الجزائر في تموز (يوليو) 1999، بإنزال أقصى العقوبات على الانقلابين حتى تضع حدا لمطامع العسكر في السلطة.
من المفارقات الغريبة في هذه القمة، أن أكثر من ثلث الرؤساء الذين اتخذوا هذا القرار التاريخي، وصلوا إلى السلطة بفضل انقلابات عسكرية، قامت بها جيوش نظامية أو حركات تمرد مسلحة
وزاد من رفض هذه الانقلابات داخل القارة السمراء، إعلان الاتحاد الإفريقي أنه لن يعترف بأي حكومة تصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري وقع على عاتقه مسؤولية الحد من هذه الظاهرة، التي يقع إجماع على أنها تربك خطى قارة تتلمس طريقها نحو المستقبل.
يعمل هذا الاتحاد الذي يضم أكثر من 50 دولة جاهدا على محاصرة هذه الظاهرة التي تنتعش في إفريقيا بعدما أفل نجمها في باقي القارات، وفرض القطيعة مع هذه الممارسات كما كان الشأن حين غيّر الاتحاد مكان قمته من مدغشقر إلى ليبيا في عام 2009، بعد الانقلاب العسكري الذي حدث هناك في 17 آذار (مارس)؛ ما أدى إلى تعليق عضويتها في الاتحاد بعدما أعلن أندريه راجولينا نفسه رئيسا للسلطة الانتقالية في البلاد، وسط إدانة واسعة للمجتمع الدولي لهذا الانقلاب، مع وقف للدعم المالي والاستثمارات لتسقط البلاد في براثن واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها.
أدت هذه الضغوط إلى إشراف الاتحاد الإفريقي على عملية إعادة الوضع السياسي في مدغشقر لوضعه الطبيعي، بعد رعايته لانتخابات رئاسية لنقل السلطة، وذلك في أعقاب موافقة الشعب على دستور جديد للبلاد عام 2010 السيناريو نفسه تكرر في انقلاب غينيا وموريتانيا، فلا شرعية ولا اعتراف بأي سلطة عسكرية في القارة السمراء ربما يكون قائد الجيش في زيمبابوي واعيا بهذه الحقيقة من خلال تأكيده؛ في البيان العسكري المتلفز، على أن المؤسسة العسكرية لا تقود انقلابا عسكريا، وستعود إلى وضعها الطبيعي حالما تنجز مهمتها وأي وضع طبيعي يكون في دولة غير طبيعية، لا يتغير موقعها في ذيل قائمة تقارير المؤسسات الدولية، وخير دليل على هذا مؤشر متوسط أمد الحياة الذي لا يتعدى 40 سنة.
أي مستقبل للانقلابات العسكرية في إفريقيا؟
تعد قضية تداول السلطة في أفريقيا من أكثر القضايا المثيرة للجدل والتي تدور في فلكها كافة الأزمات التي تعاني منها دول هذه القارة منذ حصولها على الاستقلال في ستينيات القرن الماضي فقد انتشرت موجة من الانقلابات العسكرية اجتاحت القارة الأفريقية بطريقة مباشرة عبر الانقلابات العسكرية، كحالات موريتانيا ومدغشقر والنيجر ومالي، أو غير مباشرة عبر ترجيح طرف سياسي على آخر، كحالة كوت ديفوار ساحل العاج في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة في أكتوبر 2010م.
وخلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة أجبر ثلاثة وعشرون رئيسا وصلوا إلى السلطة عبر انقلابات عسكرية على مغادرة الحكم، من فرنسوا بوزيزي في افريقيا الوسطى إلى كارلوس غوميس في غينيا بيساو وعلى الرغم من أن القارة الأفريقية شهدت منذ منتصف الثمانينيات تجارب ناجحة في التداول السلمي على السلطة، تمثلت عبر إجراء انتخابات تعددية في عدد من الدول إلا أن هذه الإجراءات لم تؤد إلي انتشار الاستقرار في القارة.
الخبيرة في الشؤون الإفريقية أماني الطويل، تعتبر أن من أهم أسباب استمرار النهج الانقلابي للوصول إلى السلطة في دول القارة السمراء، يعود إلى " فشل النظام الحاكم في التنمية الاقتصادية، في قارة تسيطر عليها التباينات العرقية والدينية والثقافية بين الشعوب الأفريقية" من جانب آخر "تعاني دول القارة من أزمة الفساد المالي، الذي تستغله الشركات الأجنبية في الاستحواذ على الموارد الطبيعية لهذه البلدان، وهو ما يتجسد في حالة نيجيريا".
وغالبا ما يبرر الإنقلابيون عملهم باستشراء الفساد وانعدام الأمن وفقدان هيبة الدولة، ويقولون إنهم مضطرون إلى الوصول إلى مقاليد الحكم لتحقيق الأمن والاستقرار وهما الركيزتان الأساسيتان لأي تنمية شاملة ومع ذلك فإن الانقلابات العسكرية في أفريقيا لم تساهم في تحسين أوضاع الأفارقة واستقرار الأوضاع في القارة.
وتتجه الأنظار إلى دور المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، لوضع حد للانقلابات العسكرية كطريقة للامساك بالسلطة، الخبير الأمني والاستراتيجي ناجي ملاعب يرى أن هذه المهمة تقتصر أساسا على منظمة الاتحاد الإفريقي، باعتبار الانقلابات العسكرية قضية داخلية لا تستلزم تدخل مجلس الأمن، خاصة بعد المنحى الذي سلكه الاتفاق النووي الإيراني مع دول 5+1 والنجاح الدبلوماسي في تلافي الحرب العسكرية، وبقدر ما تطمح الشعوب الإفريقية إلى تحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعي، بقدر ما تبرز الحاجة الماسة لإشراك المواطن الإفريقي في التصدي لمنهج الانقلابات العسكرية، عن طريق تعزيز الثقافة الديمقراطية لتحقيق الحكم الراشد.
التحولات السياسية في القارة
التحولات السياسية في القارة الإفريقية وتأثيراتها السلبي شهدت إفريقيا مجموعة من التحوّلات السياسية والعسكرية التي ألقت بظلالها الغامضة على مستقبل القارة، ومن هذه التحوّلات الانقلاب العسكري في مالي، واحتلال قرية "هجليج" من قِبَل قوات جنوب السودان، وما تبعها من حرب بين شمال السودان وجنوبها، وانقلاب غينيا بيساو، وغيرها.
تمثّل هذه التحوّلات حلقة في سلسلة عدم الاستقرار في القارة الطامحة للنهضة، والانعتاق من ماضي التخلّف، والدمار، والحروب بالوكالة أصل المشكلة يبدأ من التقسيم الاستعماري للقارة، والذي جرى في مؤتمر برلين 1884م – 1885م، حيث جاء متناغماً مع مصالح المستعمرين ونهمهم، وسعيهم لاستغلال موارد القارة، بينما جاء هذا التقسيم متناقضاً مع الواقع الاجتماعي الإثني للمجتمعات الإفريقية، حيث أفرز هذا التقسيم الصناعي وضعين، شكَّلا فيما بعد الأساس للبُعد الإثني في الحروب الأهلية الإفريقية، فمن ناحية جمعت الخريطة الاستعمارية داخل الدولة الواحدة جماعات لم يسبق لها العيش معاً، ولم يسبق لها التفاعل بعضها مع بعض في إطار واحدٍ؛ مثلما هو الحال في أنجولا.
ومن ناحية أخرى فصلت الحدود السياسية المصطنعة "عُرى" التواصل بين جماعات عرقية واحدة، وجدت نفسها فجأة تابعة لكيانات سياسية مختلفة، وهو وضع شائع الحدوث في العديد من أنحاء القارة الإفريقية ثم مارس الاحتلال بعدها دوره الخبيث في الوقيعة بين الكيانات العرقية والإثنية غير المتجانسة؛ لضمان سيطرته وهيمنته، ترسيخاً لمبدأ "فرِّق تسد" والذي خلّف مواريث سلبية الأثر في علاقات الجماعات الإفريقية بعضها مع بعض، أسفرت بدورها عن ظاهرتين أُخريين عرفتهما دول القارة في مرحلة الاستقلال، هما: الانقلابات، والحروب الأهلية.
في مرحلة التحرير، وبرغم ما صاحبها من آمال، لم تحقّق إفريقيا الاستقرار المنشود، وإنما ابتليت بنوع آخر من الصراع لا يقل وطأة عن صور الصراع الأخرى، ألا وهو الانقلابات العسكرية التي أصبحت السمة الرئيسة للواقع السياسي في إفريقيا بعد الاستقلال، حتى أُطلق عليها "قارة الانقلابات العسكرية"، فقد شهدت القارة منذ الاستقلال في منتصف القرن العشرين الماضي ما يقارب من 83 انقلاباً عسكرياً، شهدت على إثره نحو 20 دولة عدة انقلابات عسكرية، بلغت في بعضها ستة انقلابات، مثلما حدث في نيجيريا، أوغندا، غانا، بوركينافاسو، وبينين، وموريتانيا، فيما شهدت نحو 13 دولة انقلاباً عسكرياً واحداً فقط وبذلك تصدّرت إفريقيا قائمة القارات الأكثر عرضة للانقلابات العسكرية، وهو الأمر الذي أثّر سلباً في مخططات التنمية في هذه القارة.
ووفقاً لدراسة أجراها معهد الأبحاث الدولية التابع لجامعة "هيدلبيرج" الألمانية؛ فإن عدد الانقلابات في العام الواحد تجاوز 20 انقلاباً في دول العالم، خلال الفترة من ستينيات القرن الماضي (تاريخ استقلال معظم دول العالم الثالث)، وحتى منتصف الثمانينيات، لكن هذا الرقم تراجع إلى الربع فقط (أي خمسة انقلابات فقط) خلال القرن الجديد.
وبالتطبيق على الشأن الإفريقي؛ فإن دول القارة شهدت تراجعاً في معدّل الانقلابات في حقبة الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن العشرين، في مقابل ارتفاع معدّلات الحروب الأهلية التي وصلت مداها خلال منتصف التسعينيات من القرن العشرين، حيث بلغ عدد الحروب والصراعات الأهلية بالقارة نحو 15 حرباً.
ومع مطلع الألفية الجديدة والقرن الحادي والعشرين خفتت حدّة الحروب الأهلية، لكن سرعان ما عاودت ظاهرة الانقلابات العسكرية البروز من جديد، حيث شهدت القارة 3 انقلابات خلال عامي 2008م و2009م، في كلٍّ من موريتانيا، وغينيا بيساو، ومدغشقر، علاوة على انقلاب مالي الأخير في 21 مارس 2012م، وتبعه انقلاب غينيا بيساو الذي وقع يوم 12 أبريل 2012م، وكأنّ قدر القارة التقلّب بين الحروب الأهلية والانقلابات.
وغالباً ما تظهر تداعيات هذه الانقلابات والحروب الأهلية سريعاً، من فقدان الأمن وانتشار النهب والسلب والقتل، والدول الإفريقية بطبيعة الحال تعاني وضعية أمنية متردية، فإذا أضيف لها الهرج والمرج الناتج عن الانقلابات وما يتبعها من اقتتال سندرك مدى تفاقم الأمور ومن ذلك على سبيل المثال زيادة عدد اللاجئين، حيث تضم إفريقيا النسبة الأكبر من اللاجئين في العالم، فهي تحتوي على حوالي ثلث عدد اللاجئين على مستوى العالم.
ثم ما يترتب على كلّ ذلك من انهيار الاقتصاد، وتدنِّي معدّلات النمو الاقتصادي، والمستويات العالية للفقر، وتفاقم الديون، حيث ذكر عاملون في مجال مكافحة الفقر أن حجم الديون المستحقة على الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى يُقدّر بنحو 230 مليار دولار، وتدفع الدول الإفريقية نحو39 مليار دولار سنوياً فوائد على تلك الديون، كما يترتب على ذلك تدنِّي متوسطات دخول الأفراد، وتدنِّي مستوى البنية التحتية، وتفكّك الأُسَر نتيجة للقتل والتشريد، وخطف الأطفال وتجنيدهم ومن ثم الرجوع إلى الخلف في مشاريع التنمية.
ويقدّم انقلاب مالي الأخير وما يترتب عليه من نتائج كارثية نموذجاً لما سبق، سواء لدولة مالي التي تعرّضت لمخاطر التقسيم، وتواجه احتمالات نشوب حرب أهلية، وتنتظر تدخّلاً عسكرياً من دول خارجية بدعوى استعادة الاستقرار، ومنع انفصال شمال مالي، ومواجهة القاعدة، أو على مستوى إقليم غرب إفريقيا الذي أصبحت دوله تترقب صعود جماعات جديدة مطالبة بالانفصال على غرار حالة الطوارق، أو تدخلاً عسكرياً دولياً لمطاردة عناصر القاعدة في الإقليم.
إعلان انفصال الشمال غير المدروس سيقود المنطقة إلى «صوملة» جديدة، سيكون المسلمون أول (لكنهم لن يكونوا آخر) مَن يصطلي بنارها ومما يزيد الأمر تعقيداً وجود أيد ومصالح ليست بخفية تحرّك هذه الصراعات لإحكام السيطرة على هذه الدول، وبصورة أوضح هناك تنافس بين أمريكا وفرنسا للسيطرة على هذه المنطقة الحيوية والغنية بالثروات الطبيعية (النفط، واليورانيوم)، إذ هي في الأساس تابعة للنفوذ الفرنسي، لكن دخلت أمريكا فيها بقوة تحت دعوى مكافحة الإرهاب.
ولنا أن نتساءل حينما نلاحظ أن النقيب "أمادو سانوغو" منفّذ الانقلاب قد حصل على تدريبات عسكرية بالولايات المتحدة، وشارك في عدة دورات تدريبية عسكرية ترعاها أمريكا، كما أن هذه المنطقة منذ مدة وهي مسرح لعمل المخابرات الأجنبية عامة والأمريكية خاصة، مع تزايد نموّ القاعدة، هل حدث هذا الانقلاب دون علم أجهزة هذه القوى المتنافسة؟! أليس هذا مما يثير الريبة!
ويعزّز من هذا الرأي سعي أمريكا منذ 2007م ليكون لها موطن قدم في هذه المنطقة؛ لتنفيذ مشروعها لإقامة مقر القيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا (أفريكوم AFRICOM) التي يفضلها البنتاغون، لكن وقف رفض هذه الدول حجر عثرة أمام طموح أمريكا بإنشاء أكبر قاعدة عسكرية لها في إفريقيا، ولم يعد من خيار أمام الحكومة الأمريكية سوى إدارة هذه القيادة، وقد كان مخططاً لها أن تضم في حدود 3000 جندي وضابط من قاعدة عسكرية أمريكية في مدينة شتوتغارت الألمانية.
فهذه الأحداث والاضطرابات تمثّل التربة الخصبة للتدخل الأمريكي؛ تحت ذريعة مواجهة إرهاب القاعدة، وإعادة الأمن والاستقرار للمنطقة وهكذا، يتضح مما سبق أن المشهد الراهن في إفريقيا يتسم بحالة من الضبابية، وأن كلّ السيناريوهات محتملة، والصورة المستقبلية لهذه المنطقة توحي بأنها مرشَّحة لتكون مسرحاً لصراعاتٍ لن تنتهي، خصوصاً بعد تسرّع القاعدة والطوارق بإعلان انفصال الشمال غير المدروس، والذي سيقود المنطقة إلى "صوملة" جديدة، سيكون المسلمون أول (لكنهم لن يكونوا آخر) مَن يصطلي بنارها، وكأنّ الأمر يتكرر بعناية فائقة، ومخطّط مدروس، وخطوات مرسومة، وهو ما يترجم مشروع أمريكا التي بشّرت به العالم، وهو انتشار الفوضى الخَلاقة في العالم الإسلامي.
الانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية في الألفية الجديدة
-أفريقيا الوسطى – 15 مارس 2003م
قاد فرانسوا بوزيزي تمردًا ضد الرئيس آنج فيليكس باتاسيه الذي كان في زيارة للنيجر، ولم تتمكن طائرته من الهبوط نتيجة لسيطرة قوات بوزيزي على المطار في عام 2004م تم الاستفتاء على دستور جديد للبلاد وسط موافقة من الشعب جعلت بوزيزي يتراجع في وعده بعد الترشح في الانتخابات الرئاسية في 8 مايو 2005م فاز بوزيزي بالانتخابات الرئاسية ليصبح رئيسًا للبلاد، حتى تمت الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 2013م.
-موريتانيا – 3 أغسطس 2005م
قام القائد العسكري علي ولد محم فال بالإطاحة بحكم الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في انقلاب عسكري سلمي في أعقاب أزمات سياسية كبيرة بالبلاد، تولى قائد الانقلاب السلطة في البلاد مع وعد بتسليمها لرئيس منتخب، وهو ما تم يوم 19 أبريل 2007م؛ حيث تم تسليم السلطة للفائز بالانتخابات الرئاسية محمد ولد الشيخ عبد الله قائد الانقلاب فضل اعتزال الحياة السياسية بعدما قام بتسليم السلطة، لكنه عاد مجددًا ليعلن ترشحه للرئاسة عام 2009م بعد اتفاق سياسي بين القوة السياسية المتنازعة.
-موريتانيا – 6 أغسطس 2008م
قاد الجنرال العسكري محمد ولد عبد العزيز رئيس أركان الحرس الرئاسي انقلابًا عسكريًّا للإطاحة بحكم الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله جاء هذا الانقلاب بعد صدور قرار رئاسي بإقالة رئيس الأركان وثلاثة من العسكريين البارزين بسويعات قليلة، حيث قام هؤلاء بتأسيس المجلس الأعلى للدولة برئاسة قائد الانقلاب ورغم المعارضة الداخلية والخارجية للانقلاب إلا أن كفة المؤيدين كانت أكبر.
اعتقل الرئيس المنتخب والوزير الأول ووضعا تحت الإقامة الجبرية، حيث وجهت لهما تهم بالفساد واستغلال المنصب حدث اتفاق بين القوى المتنازعة على إجراء انتخابات رئاسية مع منع كل من كان له منصب عسكري خلال فترة الانقلاب من الترشح تمكن قائد انقلاب عام 2005م من الفوز في الجولة الأولى للانتخابات التي تمت يوم 18 يوليو 2009م.
-غينيا – 24 ديسمبر 2008م
بعد وفاة الرئيس لانسانا كونتيه بفترة قصيرة قام المجلس الوطني للديمقراطية والتنمية بزعامة موسى داديس كامارا بالسيطرة على السلطة في البلاد، وأعلن أن سيتولى قيادة البلاد خلال فترة انتقالية مدتها عامين بعدها تتم الانتخابات الرئاسية رأى موسى كامارا أن هذا الانقلاب ضروري بسبب “اليأس العميق” بسبب الفقر في البلاد قام هؤلاء العسكريون بتسليم السلطة للرئيس المنتخب ألفا كونديه الفائز بالانتخابات عام 2010م.
-مدغشقر – 17 مارس 2009م
البداية كانت مع حركة المعارضة السياسية التي قادها رئيس بلدية “أنتاناناريفو” أندريه راجولينا سعيًا نحو الإطاحة بحكم الرئيس مارك رافالومانانا يوم 17 مارس أعلن الرئيس نقل سلطة الحكم إلى مجلس عسكري وهربه من البلاد إلى جنوب أفريقيا، يوم 21 مارس أعلن أندريه راجولينا نفسه رئيسًا للسلطة الانتقالية في البلاد وسط إدانة واسعة للمجتمع الدولي لهذا الانقلاب ووصفه بأنه غير دستوري، مع وقف للدعم المالي والاستثمارات لتسقط البلاد في براثن واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها.
أشرف الاتحاد الأفريقي نتيجة لذلك على عملية إعادة الوضع السياسي في مدغشقر التي تمثلت بشكل أساسي في إقامة انتخابات رئاسية لنقل السلطة، وذلك في أعقاب موافقة الشعب على دستور جديد للبلاد عام 2010م.
-النيجر – 18 فبراير 2010م
قام مجموعة من الجنود بمهاجمة القصر الرئاسي بالعاصمة نيامي حيث اعتقلت الرئيس مامادو تاندجا الذي أدى لأزمة سياسية كبيرة في البلاد عقب إعلانه نيته التمديد لفترة رئاسية جديدة بالمخالفة للدستور، فقام بحل الجمعية الوطنية وأنشأ المحكمة الدستورية التي مكنته من عمل استفتاء جديد لدستور يعطيه صلاحية التمديد لفترات رئاسية جديدة، والذي يحول النظام السياسي في البلاد من نظام شبه رئاسي إلى نظام رئاسي؛ مما يعني المزيد من السلطات للرئيس.
قام الإنقلابيون بإعلان قيام المجلس الأعلى لإعادة الديمقراطية برئاسة قائد الانقلاب سالو دجيبو قام قادة الانقلاب بتسليم السلطة لرئيس منتخب يوم 7 أبريل 2011م، ليصدر بعدها قرار من الجمعية الوطنية بالعفو عن قادة الانقلاب، وذلك يوم 19 مايو 2011م.
-غينيا بيساو – 12 أبريل 2012م
قام الجيش باعتقال رئيس الوزراء السابق والفائز بالمركز الأول في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية كارلوس غوميز، تلك الانتخابات التي نظمت في أعقاب وفاة الرئيس السابق مالام باكاي قام الجيش أيضًا بالسيطرة على المقر الرئيس للحزب الحاكم والإذاعة الرسمية بعد وساطات أفريقية قام الجيش بتسليم السلطة لرئيس البرلمان بغرض قيادة البلاد في الفترة الانتقالية، كما قام الجيش بالإفراج عن كارلوس غوميز.
-مالي – 22 مارس 2012م
بعد تمرد عسكري من قبل مجموعة من العسكريين الماليين، قاموا بالاستيلاء على القصر الجمهوري في العاصمة باماكو وحاصروا الرئيس وعائلته كما اعتقلوا عددًا من الوزراء، هذا الانقلاب جاء على خلفية عدم استجابة الحكومة لمطالب زملاء هؤلاء العسكريين بتسليحهم في مواجهة "المتمردين الطوارق" في شمال مالي، وتعرضهم لهزائم متكررة نتيجة لذلك احتج الآلاف من الماليين في شوارع العاصمة منددين بسلطة الانقلاب ومطالبين بعودة النظام الديمقراطي رغم وعود قادة الانقلاب بنيتهم إعادة السلطة لحكومة منتخبة حدثت إدانات دولية واسعة لهذا الانقلاب وسط تجميد لعضوية مالي في الاتحاد الأفريقي، ونتيجة لهذه الضغوط تنحى العسكريون عن السلطة وقاموا بتسليم السلطة لحكومة مدنية نتيجة للفراغ الأمني بعد الانقلاب استغل الطوارق في الشمال هذه الظروف وقاموا بإعلان دولة أزواد المستقلة.
-أفريقيا الوسطى – 24 مارس 2013م
تمكن ميشيل دجوتوديا قائد تحالف متمردي السيلكا ذوي الأغلبية المسلمة من السيطرة على العاصمة بانغي ليستولي على السلطة في البلاد بعد الإطاحة بالرئيس المسيحي فرانسوا بوزيزي، ويتم إعلانه رئيسًا للجمهورية بعد أدائه للقسم كأول رئيس مسلم للجمهورية في يناير 2014م فرانسوا بوزيزي تناصره ميليشيات مسيحية تسمى "مناهضو بالاكا" وهي مدعومة من فرنسا
لم يتمكن الرئيس الجديد من السيطرة على الأوضاع الأمنية في البلاد مع تزايد أعمال العنف الطائفي، خصوصًا بعد التدخل الفرنسي وتحريضها للسكان المسيحيين ضد المسلمين ليضطر إلى الاستقالة والإقامة في بنين كبلد للمنفى.
-مصر – 3 يوليو 2013م
وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي يطيح بأول رئيس مدني منتخب، وهو المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي يوم 3 يوليو 2013م، ويعلن تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسًا مؤقتًا، رغم إعلان قائد الجيش عدم طمع الجيش في السلطة فإن عبد الفتاح السيسي أصبح رئيسًا لمصر بعد انتهاء الفترة الانتقالية عبر انتخابات رئاسية اقتصرت المنافسة فيها عليه وعلى حمدين صباحي عام 2014م.
محاولات للحد من ظاهرة الانقلابات في أفريقيا
وقع على عاتق الاتحاد الأفريقي مسئولية الحد من هذه الظاهرة التي عصفت بالقارة، هذا الاتحاد الذي يضم 53 دولة، فقد بُذلت مجهودات في هذا الصدد كانت واضحة حين غير الاتحاد مكان قمته من مدغشقر إلى ليبيا في عام 2009 بعد الانقلاب العسكري الذي حدث في مدغشقر مما أدى إلى تعليق عضويتها كما حدث نفس الشيء في انقلاب غينيا وموريتانيا.
كذلك من أجل وضع نهاية لهذه الثقافة المتجذرة في القارة، قامت مجموعة (إيكواس) المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بفرض عقوبات اقتصادية على الدول التي يحدث بها انقلابات عسكرية، بالاشتراك مع مجموعة تنمية اقتصاد الجنوب الأفريقي (سادك) والاتحاد الأفريقي، وقد تم تطبيق هذا على الدول الثلاث آنذاك مدغشقر وموريتانيا وغنيا.
أسفرت هذه المحاولات إلى تطور في السياسية الأفريقية ونظم الحكم في العقد الأخير، أدت إلى أن تشهد القارة العديد من الانتخابات في السنوات الأخيرة كالتي حدثت في موريتانيا ومدغشقر وغينيا بيساو والصومال والنيجر وتوجو وساحل العاج وروندا وزيمبابوي والكاميرون وزامبيا خلال عامي 2009 و201 مما يشكل تطورًا في العقلية السياسية الأفريقية.
ردة إلى الخلف
شكلت الانقلابات العسكرية التي حدثت في مصر في عام 2013 وبوركينا فاسو في 2014 ردة إلى عصر الانقلابات العسكرية، فبعد أن تهيأت القارة لنسيان عصور تدخل الجيوش بالسياسية، عادت من جديد لتشهد انقلابين في أقل من عامين، مما دق جرس الإنذار في شتى الدول الأفريقية والتي لا تتمتع باستقرار سياسي حتى هذه اللحظة.
فيما حمل بعض المحللين للشأن الأفريقي المسئولية للاتحاد الأفريقي الذي غض الطرف عن الانقلاب في أكبر دولة أفريقية كمصر، من حيث وزنها الإقيلمي والسياسي؛ مما يشجع على هذا السلوك في الدول الأقل وزنًا هذا وقد وقع انقلابًا عسكريًا في مصر في الثالث من يوليو في العام 2013 بعدما أطاح وزير الدفاع المصري آنذاك الجنرال "عبد الفتاح السيسي" بالرئيس المنتخب حينها "محمد مرسي" ووضعه في السجن.
فقد عقد مجلس السلم والأمن (PSC) التابع للاتحاد الأفريقي اجتماعًا طارئًا في 5 يوليو، وقرر خلاله أن الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا لا تتفق مع الأحكام ذات الصلة من الدستور المصري، ولذلك يعتبر هذا الإجراء تغييرًا غير دستوري للحكومة، وقرر المجلس تعليق مشاركة مصر في أنشطة الاتحاد الأفريقي حتى استعادة النظام الدستوري.
كان هذا هو الموقف الأولي للاتحاد الأفريقي إزاء ما حدث في القاهرة، لكن ثمة تغير مفاجئ قد حدث تجاه الأزمة التي لم يتم حلها حتى الآن في القاهرة، فبعد عدة زيارات للجان روتينية شكلها الاتحاد الأفريقي لبحث الوضع في مصر وسبل لحل الأزمة، أتت بعد ذلك توصية من رئيس مجلس السلم والأمن الأفريقي "بول لولو بولس" بعدم إرسال بعثة أفريقية لمراقبة انتخابات الرئاسة المصرية والتي كان من بين مرشحيها الجنرال السيسي الفاعل الأول في الإجراءات الغير الدستورية التي تمت في الثالث من يوليو.
ولكن المفاجأة أتت برفع العقوبات عن مصر واستمرار نشاطها بالاتحاد الأفريقي وهو ما وصفه البعض بفتح لنافذة الانقلابات العسكرية في أفريقيا مغلفة بشكل ديكوري للانتخابات فسر البعض ذلك أن الاتحاد الأفريقي رضخ لضغوطات إقليمية خليجية وعدت بفتح مجال أكبر للاستثمار في أفريقيا مقابل التغاضي عن الإجراءات المتخذة ضد مصر.
وهو ما قد يندم عليه الاتحاد الأفريقي فيما بعد، وقد ظهرت بوادره بالانقلاب العسكري الذي تم في دولة بوركينا فاسو، حيث أعرب الاتحاد الأفريقي عن قلقه بشأن الإجراءات التي تمت هناك من قبل الجيش، فقد أطيح برئيس بوركينا فاسو من قبل قائد الجيش بعد نيته تعديل الدستور للترشح لمدة رئاسية أخرى، ثم قام ضابط بالحرس الجمهوري بتنصيب نفسه رئيسًا للبلاد، رافضًا تولي رئيس الأركان للحكومة في مشهد يعيد إلى الأذهان عقود الانقلابات الأفريقية المتكررة؛ وهو ما يواجهه الاتحاد الأفريقي الآن بعد رضوخه للضغوطات الخارجية بتغيير موقفه من انقلاب الجيش في مصر، فلم يعلق الاتحاد الأفريقي عضوية بوركينا فاسو حتى الآن، رغم تشابه الموقف في مصر لكن حسابات أخرى تحسم الأمور في الاتحاد الأفريقي لم يعلن عنها بعد.
اضف تعليق