شرع ولي العهد السعودي، الذي ينتظر تولِّي الملك، الأمير محمد بن سلمان، في أولى جولاته الخارجية التي تشمل زيارة 3 دول، يتوقف فيها بالقاهرة ولندن ونيويورك، وتهدف إلى تقديم أوراق اعتماده بساحةٍ دولية متحفظة.
وحين يصل إلى لندن، الأربعاء 7 مارس/آذار 2018، سيُستقبَل ولي العهد السعودي كرأس دولة ينتظر تقلُّد الحكم، وسيسافر حسب تقرير صحيفة The Guardian البريطانية إلى قلعة ويندسور لتناول العشاء مع الملكة إليزابيث. وبصفته عضواً كبيراً داخل أهم شركاء بريطانيا التجاريين في الشرق الأوسط، سيصل بجدول أعمالٍ مزدوج: كرئيسٍ لبعثة تجارية مُربِحة، وكقائدٍ ينتظر الحصول على تصديقٍ بعد عامٍ أول متقلب في الشؤون الخارجية.
تأتي الجولة الدولية الأولى لولي العهد، البالغ من العمر 32 عاماً، عقب واحدةٍ من أكثر الفترات التي شهدها تاريخ البلاد الحديث استثنائية؛ فترة إجراء الإصلاحات في الديار وانتشار الاضطرابات بالمنطقة.
أدى الاستعراض المفاجئ للقوة إلى زعزعة الأعداء والأصدقاء على حدٍ سواء، ما جعلهم يتدافعون لفهم ما الذي يحرك الأمير بن سلمان، الذي منحه والده، الملك سلمان، صلاحية مطلقة لإصلاح تقريباً كل مجالات البلاد، التي اشتهرت -على مدار 40 عاماً- بإدارتها المُتصلِّبة ومقاومتها العميقة لكل التغييرات باستثناء الرمزية منها.
السعودية وخلافاتها الخارجية
حسب The Guardian فقد تورُّط الرياض في خلافاتٍ مع قطر، ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، إلى جانب الحرب الدائرة في اليمن والتي أودت بحياة ما لا يقل عن 10000 شخصٍ وكبَّدت الخزينة السعودية ما يُقدر بـ8 مليار دولار، كل هذا أدَّى إلى أنَّها أصبحت عالقة دون أي مخرجٍ واضح. وحتى الآن، لم تنجح سياستها الشاملة في ردع إيران عن تعزيز تجاوزاتها على العالم العربي، خاصةً منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وذلك حسبما ترى شخصيات كبيرة في العاصمة السعودية؛ بل وتراجعت إلى الوراء، بحسب تقدير بعض القادة الإقليميين.
قال أحد كبار أعضاء الأسرة المالكة: "يجب أن يتعلم أن الحديث عن شيءٍ لا يجعله يتحقق. إضافةً إلى ذلك، يحتاج لمعرفة أنَّه حتى عندما تقوم بتحرُّكٍ ما فلا بد من وجود استراتيجية حقيقية وجهد مُخطَّط لفريق يؤمن بما يفعله، وتمكينه من الاستمرار فيه حتى يكتمل".
وينتشر الولاء للقائد الجديد على نطاق واسع في أروقة السلطة بالرياض، "لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك ولاءً صادقاً"، على حد قول أحد الأعضاء البارزين في مركز بحثي سعودي. ويضيف: "سيصبح كذلك إذا تمكن الأمير من الوفاء بوعوده، إلا أنَّ هناك الكثير للغاية من الأمور التي تجري الآن ويجعل الناس غير متأكدين من التأثير الذي سيتركه عليهم".
لم يكن أي شخصٍ في مركز سلطة، وقليلون فقط بشوارع العاصمة، على استعدادٍ لإبداء أكثر من النقد الصامت تجاه برنامج الأمير محمد. عادةً ما تُصاغ الحرب باليمن في قالب أنَّها "حملة لمنع حزب الله من ترسيخ نفسه إلى الشرق منا". ورغم الطريق المسدود الذي وصل إليه في البلد المُدمَّر، والحصار الذي تقول الأمم المتحدة إنَّه ترك أكثر من 8 ملايين شخص على حافة المجاعة، يوجد دعم واسع للحرب، تماماً مثلما هو الحال مع جهود ردع إيران. يقول عبد الله شرفي (تاجر من الدمام): "إنَّهم يريدون السيطرة على الأماكن المقدسة، ولو لم يتدخَّل سموه لإيقاف ذلك، لكانوا اكتسحونا".
خلط التجارة بالسلطة السياسية
في أماكن أخرى، كالدوائر الإقليمية والدبلوماسية، وُصِف احتضان الأمير بن سلمان لدونالد ترامب وصهره المحاصَر غاريد كوشنر، بأنَّه "غلطة مبتدئ"، أدَّت إلى تقويض الجهود المبذولة لمواجهة إيران.
وقال دبلوماسي كبير: "يرى الأمير محمد، كوشنر وترامب يظهران ويخلطان الأعمال التجارية الكبرى بالسلطة السياسية، مُستخدِمَين مركزَيهما في تحقيق مكاسب تجارية، ويرى أسلوباً لممارسة الأعمال التجارية مألوفاً لدى الناس في هذه المنطقة. والأمير محمد ليس لديه الخبرة الكافية ليعرف أنَّ كليهما في وضعٍ خطر، وأنهما لا يُمثِّلان نموذجين مُعبِّرَين عن أميركا".
وقد اعتبر أعداء السعودية، منذ فترةٍ طويلة، إيَّاها وكيلةً لأميركا لن تتحرك بصورةٍ أحادية في أي نزاع، مُفضِّلةً أن تقوم واشنطن بعملها بدلاً منها، في حين وظَّفت هي أدواتها الموثوقة، المتمثلة في الإجبار والمال. وعندما استدعى الأمير محمد، رئيسَ الوزراء اللبناني الحريري إلى لبنان، في أواخر العام الماضي (2017)، وطلب منه أن يستقيل من منصبه كرئيسٍ للوزراء، أرسل القادة الإقليميون المنزعجون مبعوثين في مهماتٍ محمومة إلى واشنطن وباريس ولندن، وهم الذين حثوا جميعاً ولي العهد على التراجع.
كانت بريطانيا تشعر بالذعر الشديد إزاء احتمال تفاقم الخلاف المتعلق بالحريري إلى حد الاشتعال، وهو ما قد يجرُّ إيران وإسرائيل -وحتى السعودية نفسها- لدرجة أنَّها أرسلت وفداً من كبار مسؤولي جهاز الاستخبارات البريطاني (MI6) والدبلوماسيين إلى الرياض لتقديم المشورة.
قطر ترفض الإذعان
ولتصحيح تلك التجربة، استقبل الأمير محمد والعاهل السعودي الملك سلمان، الحريري في الرياض يوم السبت 3 مارس/آذار 2018، قبل يومٍ من مُغادرة الأمير إلى مصر، أولى المحطات في جولته. لكنَّهما لم يفعلا ذلك إلا بعدما اقترب الحريري، الذي فَقَد الطرف الراعي له، من الفلك الإيراني في مشهد لبنان السياسي المعقد.
في الوقت نفسه، لا تُظهِر قطر إشارات تُذكَر على الخضوع في وجه الحصار الذي بدأته السعودية على خلفية مزاعم بأنَّ علاقات الدوحة مع إيران والإخوان المسلمين كان لها أثرٌ تخريبي.
وبعد 9 أشهر، لا تزال جارة الرياض ترفض الإذعان لقائمة المطالب الطويلة. وقال المسؤول السعودي بالمركز البحثي: "لا نظهر أقوياء بسبب ذلك. أصبح الخروج من هذا الأمر مهماً لولي العهد. إنَّه يريد أن يُبرز القوة، لكن إذا ما أمعنوا النظر فينا، فلن نبدو أقوياء".
وأضاف: "المشكلة هي أنَّ القضية الإيرانية حقيقية للغاية وكل الجبهات الثلاث تعكس ذلك. ولا يمكننا فقدان هذه الرواية. آمل أن يحصل على بعض النصائح الجيدة".
اضف تعليق