ليس مستغربا ان يحتكر قطب العقارات الامريكي دونالد ترامب كل شيء لنفسه، فالانجاز الانتخابي الذي قيل انه تحقق بفضل مستشاره ستيفن بانون انكره الرئيس واقاله من منصبه، والاراضي الامريكية لا يحق لاحد دخولها الا اذا كان من ذوي البشرة البيضاء، وفي سلوك غير معتاد جعل ترامب منصبه مطية لتحقيق المزيد من الارباح لمؤسسته.
منذ ترشحه للانتخابات وحتى تسنمه منصب رئاسة الدولة الاولى في العالم، جعل ترامب لسانه ينفث كل انواع الكلمات "البذيئة"، والتصريحات المثيرة للكراهية، فيما اشعلت بعضها ازمات تزداد تعقيدا يوما بعد اخر، على غرار الحرب الكلامية مع كوريا وايران.
من ليندون جونسون إلى ريتشارد نيكسون مرورا بباراك أوباما، اعتاد الأمريكيون فكرة أن يتفوه رؤساؤهم بألفاظ خارجة، لكن ذلك الوصف الذي أطلقه دونالد ترامب قبل ايام على هايتي ودول أفريقيا أثار عاصفة من الاحتجاج. اذ وصف ترامب هذه الدول بـ"الحثالة".
نددت الدول التي تطاول عليها ترامب بتصريحاته ووصفتها جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان بالعنصرية، فالرئيس الأمريكي قال في نفس الجلسة أن أبناء النرويج، التي يغلب البيض على سكانها، مهاجرون مرغوب فيهم أكثر.
النخب تستنكر
كثيرون من السلك الدبلوماسي والأكاديمي بل وخبراء السلوك استنكروا ذلك، وقالت ديان جوتسمان مؤلفة كتاب (آداب السلوك الحديثة من أجل حياة أفضل) والتي توصي بعدم استخدام كلمات بذيئة سواء في أماكن العمل أو في الحياة العامة "الواقع هو أنه عندما تضطر للجوء إليها فإن ذلك يبعث برسالة من عدم الأمان".
لكن جوليان زيلايزر أستاذ التاريخ بجامعة برينستون والباحث في مجال دراسات الرئاسة يقول: "اعتاد الناس فكرة أن يتفوه الرؤساء بألفاظ نابية... لكني أعتقد على الرغم من ذلك أن الناس لا يزالون يتوقعون قدرا معينا من الشكليات في العلن".
فحش من نوع اخر
ضمن حملته الانتخابية وعد دونالد ترامب قبل عام بالابتعاد عن امبراطوريته العقارية وتسليم زمام "منظمة ترامب" لابنيه الاكبرين مع الاحتفاظ بملكيتها، في سابقة لرئيس أميركي.
لكن اليوم باتت نوادي الغولف التي يملكها في فلوريدا ونيوجرزي وأمضى فيها أكثر من 80 يوما العام 2017 جزءا لا يتجزأ من الرئاسة. كما يندد خصومه بلا هوادة، بما في ذلك أمام القضاء، بالعلاقات الملتبسة بين البيت الابيض و"منظمة ترامب".
ويرى كثيرون مثالا جليا على هذا الخلط الخطير بين العالمين في فندق ترامب الدولي في واشنطن القريب من البيت الأبيض.
فقبل فوز الملياردير بالرئاسة شكك كثيرون بان يحقق مبنى البريد السابق الذي حول إلى فندق فاخر، نجاحا. لكن غرفة ومطاعمه وقاعات مؤتمراته تعج اليوم بالدبلوماسيين الأجانب وممثلي مجموعات الضغط.
وأكد مدير منظمة "امريكان اوفرسايت" التي تهدف إلى كشف الانتهاكات الاخلاقية لدى إدارة ترامب أوستن إيفرز أن الفندق "أصبح ملحقا بالبيت الأبيض ويتيح، على كأس مرغريتا بـ27 دولارا كمعدل، محادثة أشخاص سيقابلون الرئيس في اليوم التالي (...) ويوفر طريقة للاتصال بمسؤولين في إدارة ترامب".
ومن الامثلة على دوافع الشكوك اقامة وفدين سعودي وماليزي في الفندق، أو استضافته مؤتمر ممثلي مجموعات ضغط ترويجا للسيكارة الالكترونية قبل أن تلغي إدارة ترامب عددا من القوانين المتعلقة بها.
زيارات مفاجئة
يتركز الانتباه على ممتلكات الرئيس كلما قام، على ما فعل قبل انتخابه وما زال، بزيارات مفاجئة إليها وسط ترحيب الزبائن، وقال ديفيد، النزيل الاسترالي، في تقييم على الانترنت أجراه مؤخرا لفندق ترامب في واشنطن "الجائزة كانت في حضور الرئيس والسيدة الأولى إلى جانبي وزوجتي".
رغم ذلك لا تعني الرئاسة بالضرورة نموا لمجموعة ترامب، هكذا تقول بعض الصحف الامريكية، ففي مقابلة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا اكد إريك ترامب الذي يدير مع شقيقه دونالد الابن أعمال والدهما، الامتناع أثناء ولاية ترامب عن اطلاق مشاريع جديدة لتفادي الجدل والايفاء بالوعد المقطوع في كانون الثاني/يناير في هذا الصدد.
في نيويورك تخلت المجموعة مؤخرا عن فندق في حي سوهو الراقي بعدما قاطعه عدد من المشاهير بعد الانتخابات.
وتحدثت وسائل إعلام أميركية عن نفور الزبائن من أكثر من ملكية للمجموعة في معاقل الديموقراطيين على غرار نيويورك وشيكاغو، في المقابل أعلنت منظمة ترامب اواخر 2016 إطلاق سلسلة فنادق "سايون"، التي خلا اسمها استثنائيا من اي اشارة الى ترامب، وتستهدف زبائن أقل ثراء.
خدمات غير معلنة
من المقرر أن يفتح أول فنادق السلسلة أبوابه في 2018 في كليفلاند، في ولاية ميسيسيبي (جنوبا) الجمهورية الولاء، في المشروع الجديد الوحيد المعروف للمجموعة منذ تولي ترامب الرئاسة.
لكن تحقيق نمو أو عدمه ليس المشكلة بحسب منتقدي الرئيس. اذ يكفي احتمال ان تفيد اعمال ترامب من رئاسته وتأثير حكومات أجنبية عليه من خلال أعماله، لإثارة مواضيع لا تحصى تتصل بتضارب المصالح بحسب إيفرز.
في حزيران/يونيو رفع السناتور الديموقراطي ريتشارد بلومنثال و200 عضو في الكونغرس شكوى قضائية عددت أمثلة على "خدمات" قدمتها حكومات أجنبية إلى منظمة ترامب، على غرار تسجيل علامات تجارية في الصين بعد الانتخابات كانت المجموعة تطالب بها منذ سنوات.
وأشار بلومنثال إلى ضرورة إخضاع أي عائدات أو عقود تنالها منظمة ترامب من حكومات أجنبية "لموافقة الكونغرس الذي يسيطر عليه (ترامب) قبل القبول بها"، عملا ببند في الدستور الأميركي حول "المخصصات".
واكد السناتور ان رفض الرئيس، الذي لطالما رفض كذلك نشر تصريحاته الضريبية، "يثير تساؤلات جدية عما يحاول التستر عليه".
وليست منظمة ترامب ذات الملكية العائلية وغير المدرجة في البورصة، ملزمة إعلان نتائجها.
غير ان وثائق نشرها "مكتب أخلاقيات الحكم" التابع للحكومة الاميركية في حزيران/يونيو افادت ان ترامب تلقى بين 600 و650 مليون دولار كعائدات لأصوله في العام المالي الأخير. كما سجلت عائدات منتجع مارالاغو المخصص لفئة من الأثرياء والذي يملكه في فلوريدا وبات بمثابة "البيت الأبيض الشتوي"، زيادة من 30 الى 37 مليون دولار.
وقال بلومنثال "كل شيء يوحي اننا ما زلنا نجهل الكثير، وان ما نجهله هو على الارجح الأكثر خطورة".
تضارب مصالح
وقالت مجموعة مراقبة سياسية في تقرير إن 64 جهة منها مجموعات تجارية وحكومات أجنبية فضلا عن مرشحين جمهوريين وغيرهم أقاموا أو نظموا مؤتمرات ومناسبات في عقارات مرتبطة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال عامه الأول في السلطة.
وقالت مجموعة بابليك سيتيزن وهي مجموعة غير حزبية في التقرير إن هذه الترتيبات مثلت "تضارب مصالح غير مسبوق" لأن ترامب يشرف على الحكومة الاتحادية ولم يتخل عن العقارات التي يملكها أو التي تحمل اسمه.
ورفض البيت الأبيض التعليق على تقرير بابليك سيتيزن، الذي استند إلى وثائق لجنة الانتخابات الاتحادية الأمريكية وتقارير صحفية، وأحال الأمر إلى مؤسسة ترامب. ولم يستجب متحدث باسم المؤسسة على الفور لطلب التعليق.
وقال التقرير إن ممثلين عن أربع حكومات أجنبية هي الكويت وماليزيا والسعودية وتركيا أقاموا مناسبات في فندق ترامب الدولي في واشنطن. ويقع الفندق على مسافة قريبة من البيت الأبيض.
وانضمت بابليك سيتيزن إلى 17 محاميا ديمقراطيا في مقاضاة إدارة الخدمات العامة الأمريكية بسبب وثائق تتعلق بتأجير مؤسسة ترامب عقارات للحكومة الأمريكية في عام 2013.
وتظهر تسجيلات لجنة الانتخابات الاتحادية، التي تقضي لوائحها بضرورة الإفصاح عن أوجه الإنفاق على الحملات فيما يزيد على مئة دولار، أن 24 مجموعة تدعم مرشحين للكونجرس عقدت مؤتمرات أغلبها لجمع المال في عقارات تخص ترامب. وجميعهم كانوا جمهوريين مثل ترامب.
ترامب قد يُحاكَم
التدخل الروسي لا يزال يطارد ترامب، اذ نشرت تكهنات تفيد بامكانية استجواب الرئيس الامريكي من قبل المحقق الخاص روبرت مولر. لكن البيت الابيض رفض تأكيد أو نفي لقاء مرتقب بينهما في إطار التحقيق بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016. وكان ترامب قد أكد مرارا وتكرارا أنه لم يحدث "أي تواطؤ" لفريق حملته مع روسيا.
وجاء في بيان لمحامي ترامب تي كوب أن "البيت الأبيض لا يعلق على الاتصالات مع مكتب المحقق الخاص احترما لمكتب المحقق الخاص وسير عمله".
ويجري مولر، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، تحقيقا مستقلا حول صلات ممكنة بين حملة ترامب وروسيا للتأثير على سير الانتخابات الرئاسية التي كسبها الملياردير الجمهوري أمام منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون في تشرين الثاني/نوفمبر 2016.
كما يحقق مولر في إمكانية أن يكون ترامب والحلقة الضيقة اللصيقة به قد حاولا عرقلة العدالة، ما أثار تكهنات حول إمكانية خضوع الرئيس نفسه للاستجواب.
وفي أيار/مايو، أقال ترامب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي على خلفية التحقيق المرتبط بمسألة التدخل الروسي في الانتخابات. إلا أن هذه الخطوة جاءت بنتيجة عكسية إذ دفعت بوزارة العدل إلى تعيين مولر مدعيا خاصا. وألمح ترامب إلى أنه قد يتحدث إلى مولر، رغم المخاطر السياسية والقانونية العديدة لاستجواب رئيس البلاد من قبل محقق خاص.
وفي تشرين الأول/أكتوبر، أقر مساعدان لترامب في حملته الانتخابية بالإدلاء بإفادة كاذبة والكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن اتصالاتهما المتكررة مع وسطاء يعملون لحساب السلطات الروسية، وقد وافقا على التعاون مع المحققين. وينفي ترامب وجود أي تواطؤ بين حملته الانتخابية وروسيا.
مغضوب عليه في سويسرا
وفي الشان الخارجي اطلقت منظمة سويسرية للحملات والتعبئة عريضة الكترونية تهدف للحؤول دون حضور الرئيس الاميركي دونالد ترامب منتدى دافوس الاقتصادي العالمي. وجمعت العريضة التي اطلقت يوم الاربعاء، الماضي عند التاسعة صباحا (8:00 ت غ) على موقع كامباكس () بعنوان "ترامب، لست مرحبا بك، ابق بعيدا عن دافوس!"، نحو 2500 توقيع بحلول الثالثة بعد الظهر (14:00 ت غ).
وقال اندرياس فرايميولر رئيس منظمة كامباكس "نأمل الحصول على مزيد من التواقيع. سنكون مسرورين بالوصول الى عشرة آلاف او 30 الف توقيع". بحسب وكالة فرانس برس.
واضاف فرايميولر "اذا كنتم ضد التمييز العنصري او ضد التمييز على اساس الجنس لن تحبوه (ترامب)".
وكان البيت الابيض اعلن سابقا ان الرئيس الاميركي يعتزم حضور منتدى دافوس الاقتصادي الذي يعقد بين 22 و 26 كانون الثاني/يناير في سويسرا، حيث يتسابق سنويا كبار الشخصيات ومدراء الشركات لبحث شؤون السياسة والاقتصاد والاعمال.
وكان بيل كلينتون اخر رئيس أميركي يحضر جلسات المنتدى العام 2000. وقد تجنب بعض الرؤساء الاميركيين حضور المنتدى السنوي الراقي خشية أن يبدوا غير ملمين بشكل كاف بموضوعات الاقتصاد المطروحة خلال الحدث الذي يشارك فيه حكام وزعماء الكثير من الدول.
ويؤكد موقع كامباكس ان "الرئيس الاميركي دونالد ترامب على وفاق تام مع العنصرية، وكراهية الاسلام، ومعاداة السامية، والتمييز على اساس الجنس، وكراهية النساء، والعدوانية، ونكران التغير المناخي، وانتهاك حقوق الانسان، والسياسة التي تزيد الفقر واللامساواة".
وتضيف المنظمة التي تندد بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ "يجب علينا ان نقاوم سياسة ترامب غير الانسانية، نريد ان نضع +العالم أولا+ وليس +أميركا أولا+".
وخلال زيارته بروكسل قال مساعد وزير الخزانة الاميركي ديفيد مالباس لفرانس برس انه يتوقع في دافوس من الرئيس الاميركي ان "يدلي بتصريحات داعمة للعمال الاميركيين وان يشرح كيف ان رئاسته تعطي الاولوية لمصالح الاميركيين".
ولا يبدو ان حضور ترامب المنتدى الذي يعقد سنويا في منتجع التزلج الراقي في جبال الالب، والذي تحيطه قوات الشرطة والجيش بحماية امنية قصوى، يخيف السلطات.
وقال فالتر شليغل قائد شرطة كانتون غراوبوندن لوكالة الانباء السويسرية "لقد تفاجأت قليلا بـ(قرار) مجيئه". واكد شليغل انه "لن يكون هناك تعديلات كبيرة" في الاجراءات الامنية، مذكرا بان الرئيس الصيني شي جينبينغ شارك في المنتدى العام الماضي.
واضاف شليغل ان مجيء ترامب يعزز ارجحية تنظيم تظاهرات في سويسرا وقال "يجب ان يكون هناك تعاون وثيق بين اجهزة الشرطة، وفي هذا السياق، من الضروري التخطيط بشكل جيد"، وتسعى كامباكس الى تنظيم تظاهرة في محيط مطار زوريخ تزامنا مع وصول ترامب، بحسب ما اوضح فرايميولر.
اضف تعليق