تداعيات استفتاء الانفصال الكردي عن العراق لا تزال ترهق كاهل المواطن الكردي والسلطات الحاكمة على حد سواء، تظاهرات شعبية غاضبة تطالب بتحسين الاوضاع المعيشية، كشفت عن ضعف شعبية حكومة الاقليم التي كانت قبل اشهر ترفع راية النصر لمواطني الشمال بعد اجراء استفتاء غير دستوري.
الاوضاع الجديدة تهدد الثنائية المسيطرة على شمال العراق منذ سنوات (البرزانية_الطالبانية)، وتجعل من تدخل الحكومة المركزية عملية اسهل بكثير من السابق، لا سيما اذا كانت الجماهير مؤيدة لخطوات من هذا النوع.
متظاهرون في محافظة السليمانية اضرموا النار في مقار حزبي الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني (الذي اسسه جلال طالباني) والاتحاد الاسلامي. حيث تاتي التظاهرات تعبيرا عن عدم ثقة الشارع الكردي بالاحزاب السياسية التي تهيمن على الاوضاع منذ عقود، ويطالبون بحل الحكومة ومحاربة الفساد في الاقليم الذي يعاني تداعيات الاستفتاء على الاستقلال الذي نظم في ايلول/سبتمبر الماضي.
ويتفق الكثير من المتابعين مع هذه النظرة للأوضاع المتوترة في الاقليم اذ قال المحلل السياسي عصام الفيلي ان "التظاهرات تستهدف جميع السياسيين لان الناس يشعرون انهم يعيشون تحت ظلم السياسيين". وأضاف الفيلي في تصريح لوكالة فرانس برس ان "هذه المرة الاولى، لخروج تظاهرات ضد شخصيات ورموز كردية واعتقد ان كردستان مقبلة على تغيير جذري" وذلك "لعدم وجود طبقة سياسية قادرة على ادارة الملف السياسي ولا معالجة مشاكل الموطن".
اما رئيس الحكومة حيدر العبادي فاستغل التظاهرات لتجديد اتهامه لحكومة الاقليم بالفساد، ملقيا اللوم عليها في عدم صرف رواتب المواطنين الكرد، ويقول العبادي في مؤتمره الصحفي الاسبوعي إنه "لا يمكن صرف جميع رواتب الموظفين في إقليم كردستان بسبب وجود فساد". ودعا العبادي سلطات كردستان، إلى "احترام التظاهرات السلمية"، مؤكدا ان حكومته ستتخذ الاجراءات المناسبة لحماية المواطنين الكرد قائلا: "لن نقف مكتوفي الأيدي في حال تم الاعتداء على أي مواطن في إقليم كردستان".
وترى حكومة بغداد ان "هذه هي نتيجة السياسيات الخاطئة لحكومة الاقليم والكتل السياسية الحاكمة في الاقليم". بحسب تصريح للمتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي.
وأضاف الحديثي لوكالة فرانس برس ان "الرغبة في اتخاذ قرار منفرد بعيدا عن بغداد وتصدير النفط بشكل منفرد بدون الاتفاق معنا ، والعمل بدون شفافية وعدم السيطرة على النفقات والايرادات هي السبب في عدم قدرة الاقليم على تلبية حاجات المواطنين".
ورغم إقرار حكومة إقليم كردستان العراق بأن المحتجين لهم "حق مشروع" في التظاهر إلا أنها قالت إن الهجوم على مقار الحكومة والأحزاب في محافظة السليمانية غير مقبول. وقالت حكومة الإقليم في بيان إنها تشعر بقلق بشأن التصرفات "غير المتحضرة والعنف" في عدد من المدن والبلدات بأنحاء كردستان.
كما حذرت من أن السلطات المعنية ستتدخل للحيلولة دون وقوع المزيد من الأضرار وذلك بعد إصابة عدد من الأشخاص وحدوث أضرار في الممتلكات.
نقطة التحول الجماهيري ضد السلطات الكردية بدأت عندما سيطرت الحكومة المركزية على غالبية المناطق المتنازع عليها بين بغداد واربيل، بما في ذلك محافظة كركوك الغنية بالنفط الامر الذي ادى الى انخفاض عادات نفط الاقليم، كما اغلقت الحكومة المركزية المجال الجوي الخارجي للاقليم واغلقت مطاراته امام الرحلات الخارجية، ودفعت هذه الاجراءات بعدد كبير من الشركات المحلية والاجنبية الى غلق ابوابها.
تقارير صحفية اكدت ان القيادات الكردية المعارضة لمسعود البرزاني ترى ان "الوقت الحالي هو الأنسب لعزل البرزاني كحالة سياسية من جهة، وتقسيم الإقليم إلى اثنين، أربيل والسليمانية". بحسب ما تنقل صحيفة الاخبار اللبنانية عن مصادر حكومية.
وتؤكد الصحيفة ان معقل "الطالبانيين" (نسبةً إلى الزعيم الراحل جلال الطالباني) "مفصولة عمليّاً" عن "الإقليم" الكردي. هذا "الفصل" تراه بعض القوى الكردية، ضرورياً لأن يكون مستقلّاً عن إدارة أربيل، ما يعني عزل "البرزاني" وجماعته أكثر، وإرغامهم على تقديم المزيد من التنازلات لمصلحة بغداد.
وتختتم صحيفة الاخبار تقريرها بالقول: "وبين قدوم العبادي إلى السليمانية كـ"مخلّص للأكراد" من سطوة البرزاني، ومحاولة بغداد والقوى الكردية عزله أكثر من خلال "تعديل خريطة الإقليم"، فإن الحديث عن المفاوضات بين بغداد وأربيل يبدو معلّقاً، مع ورود معطياتٍ تتحدّث عن تأجيلها حتى بداية العام المقبل، ما يتيح للعبادي تنفيذ أجندته في "الإقليم"، محقّقاً بذلك مقولة "كلّما اقترب الأكراد من تحقيق حلمهم، كبرت مأساتهم"؛ والحديث هنا عن تقسيم "إقليمٍ" سعى الأكراد طوالاً إلى توحيده وتوسعته، في "هزّةٍ ارتدادية" جديدة إثر "زلزال" الاستفتاء.
اضف تعليق