q

يتزايد التوتر في كاتالونيا مع مضي قادة الاقليم في التحضيرات للاستفتاء حول الاستقلال رغم ان مدريد حظرته واعتبره القضاء غير دستوري، إذ اتخذت مدريد عدة خطوات أخرى لمنع اجراء الاستفتاء بينها التهديد باعتقال رؤساء بلديات الاقليم الذين يسهلون التحضيرات للاستفتاء المزمع اجراؤه في الاول من اكتوبر/ تشرين الاول المقبل.

وسبق ان حذرت المحكمة الدستورية بشكل مباشر عبر بريد الكتروني قادة وموظفي القطاع العام في كاتالونيا من انهم لا يمكنهم التعاون في تنظيم "استفتاء غير شرعي" لكن الانفصاليين الذين اعتمدوا في 6 ايلول/سبتمبر قانونا ينظم الاستفتاء تجاهلوا هذا التحذير.

وأقرت حكومة كاتالونيا الانفصالية بأن حملة التوقيفات والمداهمات التي قامت بها الشرطة في المنطقة سددت ضربة كبيرة للاستفتاء حول تقرير المصير الذي تحظره مدريد، فيما تجمع محتجون في برشلونة في يوم ثان من التظاهرات. وقال نائب رئيس الحكومة المحلية أوريول خونكويراس "لقد تبدلت قوانين اللعبة"، غداة توقيف الشرطة 14 من كبار مسؤولي حكومة كاتالونيا مشاركين في تنظيم الاستفتاء المقرر في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، وبينهم ذراعه الأيمن.

ونزل الآلاف في الاسبوع الماضي إلى شوارع المدينة المتوسطية التي تشهد انقساما شديدا حول موضوع الاستقلال عن إسبانيا. ووصفت الصحافة عملية الشرطة بأنها ضربة حاسمة سددت إلى عملية الاقتراع المقررة في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، رغم حظرها من المحكمة الدستورية.

وصادرت قوات الأمن حوالي عشرة ملايين بطاقة اقتراع ودعوات كان من المفترض توجيهها إلى مايقارب 45 ألف مشرف على سير عملية الاقتراع. كما فرضت وزارة الميزانية الرقابة على حسابات الحكومة الكاتالونية لمنع أي نفقات لا تحظى بموافقتها، غير أن السلطات الإسبانية لم تضع يدها بعد على صناديق الاقتراع نفسها.

والكاتالونيون منقسمون ما بين الاستقلاليين والمؤيدين لبقاء كاتالونيا ضمن إسبانيا. في المقابل، يود أكثر من سبعين بالمئة من الكاتالونيين البالغ عددهم 7,5 مليون نسمة، التعبير عن آرائهم في استفتاء. ويتابع البعض بغير اكتراث المواجهة الجارية بين حكومة ماريانو راخوي المحافظة والانفصاليين الذين يحكمون منطقتهم، والطرفان يدعيان الدفاع عن الديمقراطية. ويرفض راخوي أن يجري الاستفتاء، رافعا شعار احترام الدستور الضامن للديمقراطية ووحدة البلاد. في المقابل، يشدد رئيس كاتالونيا الانفصالي كارليس بيغديمونت على ضرورة تمكين الشعب الكاتالوني من تقرير مستقبله باسم "قانون مدني" لا بد منه في نظام ديمقراطي.

تعبئة دائمة

باشر آلاف المتظاهرين الاسبوع الماضي مرحلة جديدة من "التعبئة الدائمة" من أجل الحق في تقرير المصير الذي يطالبون به منذ 2012. واحتشدوا أمام محكمة الاستئناف الكاتالونية في برشلونة، مطالبين أيضا بإطلاق سراح الموقوفين الـ11 الذي اعتقلوا وما زالوا في الحبس الاحترازي، بحسب ما أفاد صحافي في وكالة الأنباء الفرنسية.

وقالت أنا روبريدو (57 عاما) المتحدرة من منطقة لا ريوخا (شمال) والمقيمة في كاتالونيا منذ أربعين عاما "سنواصل إلى أن يتوقفوا عن تهديدنا" فيما أعلن زوجها أنطونيو ريكاتشا "لا رجوع عن هذه التعبئة". وأكد وزير الاقتصاد الإسباني لويس دو غويندوس أن الحكومة "ما زالت تمد يدها" للانفصاليين "بشرط أن يحترموا القانون".

وأعرب الحزب الاشتراكي، أكبر أحزاب المعارضة، عن دعمه للمحافظين، طالبا الخميس من بيغديمونت العدول عن تنظيم الاستفتاء. وقالت رئيسة الحزب كريستينا ناربونا "نقف بجانب دولة القانون".

وأثار الرد القضائي على مطالب الكاتالونيين الكثير من الانتقادات في المنطقة. وأدان نادي برشلونة لكرة القدم وعدد من الجامعات الرسمية ومهرجان "بريمافيرا ساوند" الموسيقي عمليات الشرطة. وفي مسرح ليسيو الذي يرمز إلى البورجوازية الكاتالونية، أنشد الجمهور النشيد الكاتالوني، وفق مشاهد نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتصاعدت النزعة الانفصالية مع الأزمة الاقتصادية والإلغاء الجزئي في 2010 لنظام الحكم الذاتي الذي كان يمنح الكاتالونيين صلاحيات واسعة. ويملك الانفصاليون الغالبية في البرلمان المحلي منذ أيلول/سبتمبر 2015. وتم انتخابهم بناء على "خارطة طريق" تنص على إعلان الاستقلال عام 2017، ومن المحتمل أن يلتزموا بها حتى في حال عدم تنظيم الاستفتاء. وإقليم كاتالونيا الواقع في شمال شرق إسبانيا والذي توازي مساحته مساحة بلجيكا، يعتبر من أهم المناطق الإستراتيجية في إسبانيا، رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو. وهو يمثل 20% من إجمالي الناتج القومي الإسباني

انقسام في كاتالونيا

تشير استطلاعات الرأي الى انقسام حاد بين الكاتالونيين بشأن الاستفتاء وان كان سبعون بالمئة يؤيدون اجراء استفتاء قانوني. ورفضت ست من المدن الكاتالونية العشر الاكثر اكتظاظا بالسكان بينها برشلونة (1,6 مليون نسمة) المشاركة بشكل مباشر في تنظيم الاقتراع.

وتشهد كاتالونيا منذ مطلع 2010 صعودا للتيار الاستقلالي مرتبطا خصوصا بإلغاء جزئي للوضع الجديد للحكم الذاتي الذي كان يمنح المقاطعة صلاحيات واسعة ويعترف بها ك"امة" في الدولة الاسبانية. وخرج الملك الاسباني فيليبي السادس رئيس الدولة عن تحفظه قائلا انه متأكد بان "الدستور سيعلو فوق كل قطيعة للعيش المشترك".

لكن كارليس بيغديمونت، متجاهلا مدريد، أطلق تحديا جديدا في مواجهة الدولة عبر نشره على تويتر عنوانين إلكترونيين جديدين مخصصين للاستفتاء، فيما اعلن الحرس المدني للتو عن اغلاق موقع سابق. ووعد بان "الناس سيتمكنون من التصويت في 1 تشرين الاول/أكتوبر، فيما كررت حكومة ماريانو راخوي القول "ان الاستفتاء لن يحصل".

انفصال من طرف واحد

ولم يستبعد رئيس حكومة إقليم كاتالونيا، كارلوس بوتشديمون، احتمال انفصال الإقليم عن إسبانيا من طرف واحد، وذلك قبل أسبوع من موعد الاستفتاء على الاستقلال المرفوض من قبل مدريد. وقال بوتشديمون في حديث لقناة La Sexta بث الاثنين: " لا تنظر حكومة كاتالونيا اليوم في احتمال إعلان الاستقلال من طرف واحد، لكنني لا استثني مثل هذا التطور".

وأوضح أن حالة كهذه يمكن أن تظهر إذا عرقلت السلطات المركزية تنظيم استفتاء الاستقلال المقرر في 1 أكتوبر/تشرين الأول القادم، أو في حال سيتجاوز إلى حد كبير عدد مؤيدي انفصال الإقليم عدد الرافضين للانفصال. وأكد بوتشديمون أن مسألة الإعلان عن استقلال كاتالونيا عن مدريد سيكون موضع البحث في حال تقدم أي عضو من أعضاء حكومة الإقليم بهذا المقترح.

وأصر الزعيم الكاتالوني على أن الاستفتاء سيجري في الموعد المحدد، رغم الحظر الذي فرضته المحكمة الدستورية الإسبانية على إجرائه. وقال بوتشديمون إن "الرغبة في التصويت نزيهة، والتصويت سيجري، وسيتم إجراؤه مع ضمانات، ونتائجه ستترجم إلى الواقع".

وانتقد رئيس الإقليم ما تقوم به السلطات المركزية الإسبانية لمنع إجراء الاستفتاء، واصفا أفعالها بـ "غير لائقة لدولة ديمقراطية"، مضيفا أنه "يخضع لسلطة برلمان كاتالونيا". وأكد أن "الاستفتاء هو الطريق الوحيد الذي توصلنا إليه".

استطلاعات الرأي

تبين من استطلاع للرأي أجري مؤخرا أن 60% من سكان إقليم كاتالونيا يرون أن استفتاء الانفصال عن إسبانيا المزمع عقده في 1 أكتوبر، ليس له أي قوة قانونية للإعلان عن استقلال الإقليم.

وأظهرت نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز Metroscopia لدراسة الرأي العام أن 57% من سكان كاتالونيا يعترفون بأن الاستفتاء المرفوضة شرعيته من قبل السلطات المركزية في مدريد، غير قانوني من ناحية القانون الدولي، مقابل 38% يؤمنون بوجود مفعول قانوني للتصويت، فيما رفض بقية ممن شملهم الاستطلاع الإجابة على السؤال المطروح.

ويرى 82% من الكاتالونيين أن طريق معالجة الصراع القائم مع السلطات المركزية حول انفصال الإقليم هو إجراء استفتاء متفق عليه مع مدريد. ويعتقد 40% أن الاستفتاء سينظم في كافة أراضي كاتالونيا، فيما قال 20% إن التصويت لن يحصل أصلا.

وأشار غالبية المشاركين في الاستطلاع إلى أن سياسة الحزب الشعبي الذي يتزعمه رئيس الوزراء، ماريانو راخوي، تجاه كاتالونيا تسببت بتأزم الصراع بين مدريد وكاتالونيا وأدت إلى تزايد النزعة القومية في المنطقة. وأكد 65% أن قدوم حكومة جديدة إلى السلطة سيسهل إبرام اتفاق حول إجراء استفتاء الاستقلال.

ووفق استطلاعات الرأي السابقة، فإن نحو 41% من سكان كاتالونيا، وهو إقليم غني يتمتع بحكم ذاتي، يؤيدون الاستقلال عن إسبانيا، مقابل 49% يرفضون الأمر، في وقت يدعم فيه 80% فكرة إجراء استفتاء كهذا.

ولادة عضو جديد للاتحاد الاوربي

قال جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية إن إقليم كاتالونيا الإسباني، في حال استقلاله، سيحتاج لتقديم طلب انضمام للاتحاد الأوروبي وأضاف أن هذه السياسة ستنطبق على أي دولة جديدة. ومهد برلمان كاتالونيا الطريق لإجراء استفتاء على الاستقلال عن مدريد يوم الأول من أكتوبر تشرين الأول رغم أن المحكمة الدستورية الإسبانية علقت التصويت. ويدرس قضاة الآن ما إذا كان التشريع يخالف الدستور الإسباني.

وقال يونكر في تسجيل على موقع يوتيوب نشرته شبكة يورونيوز "إذا جاء التصويت لصالح استقلال قطالونيا فإننا سنحترم هذا الرأي. لكن قطالونيا لن تكون دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي في اليوم التالي لمثل هذا التصويت".

وقال مكررا موقف سلفه جوزيه مانويل باروزو إن أي دولة مستقلة حديثا يجب أن تتبع إجراءات العضوية نفسها التي تتبعها أي دول طامحة مشيرا على سبيل المثال إلى اسكتلندا وذكر مازحا بلده لوكسمبورج، وقال يونكر "إذا انفصل شمال لوكسمبورج عن الجنوب سينطبق عليه ذلك أيضا".

ومفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي صعبة وتشمل الالتزام بمعايير الاتحاد وقواعده والحصول على موافقة حكومات الدول الأعضاء. وهذا يعني أن إسبانيا يمكنها منع انضمام كاتالونيا إذا رغبت في ذلك. وكانت كرواتيا أحدث دولة انضمت للاتحاد الأوروبي في عام 2013 بعد أن تقدمت بطلب العضوية في عام 2003.

اضف تعليق