ناقش مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث موضوعا تحت عنوان (النقد والنقد الذاتي لدى الحركات الاسلامية)، وذلك بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والاكاديمية والاعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد كل سبت صباحا بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام.
افتتح الجلسة مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث الأستاذ حيدر الجراح بكلمة أوردها الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) قال فيها: (قد انتقلت الحساسية المفرطة تجاه النقد لتصبح ثقافة عامة، فترسَّخَ في الأذهان مفهومٌ سلبي عن النقد اختصره في مساحة الذم المحض، بعيدًا عن معايير التقييم الموضوعية). ويعرف الكواكبي الحركات الإسلامية بأنها (كل الذين ربطوا أنفسهم مصيرياً بالعمل الإسلامي ولو لم يحملوا بطاقات حزبية).
وقال الجراح: إن "الأحزاب (الإسلامية) في الحقيقة لا تمثل الإسلام، الا بقدر ما وصلت اليه من قراءة حركية له، اصابت قليلا واخطأت في الكثير من المواقف، حتى تلك الأحزاب والحركات بعد تجربتها في الحكم واستلام السلطة في عدد من البلدان، وفشلها في التجربة فشلا ذريعا، ولعل التجربة العراقية خير تمثيل لهذا الفشل، وتلك الحركات لا يرد في قاموسها مقولة (النقد الذاتي) نعم هي تمارس النقد، نقد المجتمع والاخرين، لكنها في منأى عن النقد الذاتي، لعدم اعترافها بالفشل، لان مجرد الاعتراف بفشل اشخاصها، يعني فشل الإسلام كما تتصور تلك الحركات، وهي التي يقوم خطابها الكلي على احتكار الحقيقة لها وحدها. وبالتالي لا يمكن في تصورها العام فصل الإسلام عنها أو فصلها عن الإسلام".
وتابع الجراح بان "لا تقوم أي عملية نقد للذات او للأوضاع الحياتية التي يعيشها افراد المجتمع دون تفكير نقدي.
والنقد الذاتي أولا: يقوم على بناء ذات واعية مدركة، ومتحركة ومتفاعلة مع ذوات أخرى في نفس الوعي والادراك، ولا يمكن بناء هذه الذات الا من خلال توفير البيئة المناسبة للتفكير النقدي.
والنقد الذاتي ثانيا: يقوم في لحظة من المراقبة والمراجعة، لجملة من التصورات والممارسة والتطبيق لهذه التصورات، فانه يكون ناجحا في تلك اللحظة، لكن نجاحه يبقى مرهونا بذوات أخرى لها علاقة بالذات التي مارست نقدها على ذاتها"
وأضاف الجراح "ما الذي يحدث في غياب التفكير النقدي، وغياب الصرامة في النقد وطغيان المجاملات؟ واللف والدوران حول المواضيع، والسكون في الخنادق الفكرية لكل ذات من الذوات، والنزاعات، والتبري".
"وللدخول إلى تفاصيل أكثر في هذا الموضوع تم طرح الأسئلة التالية:
السؤال الأول: هل أن حالة السكون المعرفي للحركات والأحزاب الإسلامية ساهم في بطء عملية التطوير والتحديث بالرغم من الانتشار الافقي للحركات والجماعات الإسلامية في الآونة الأخيرة؟
جواد العطار: الغياب المؤسساتي
عضو الجمعية الوطنية سابقا الحاج جواد العطار أوضح أن "أسباب غياب النقد في الحركات الإسلامية وعدم معرفتنا لما يحصل من نقد إن كان موجودا، يرجع السبب الأول لسرية هذه الحركات، وحتى داخل الحركات الإسلامية العراقية. النقطة الأخرى شخص القائد دخل الحركات الإسلامية له خصوصية، بالتالي أن المساس بالقرار، أو بالمسؤول نوعا ما يعتبر مساس بقدسية الحركة، وهذا مفهوم خاطئ وغير صحيح، النقطة الثالثة هي غياب او عدم وجود المؤسسات الواضحة. هذه العوامل كانت سببا لغياب النقد في ساحة الحركة الإسلامية، والشيء الاخر أن النقد غالبا ما يفهم أنه تنافس وصراع شخصي او مصلحي لذلك فان المعترضين في الغالب نتيجتهم الخروج من هذا الكيان او هذه المؤسسة، بالتالي النقد حتى لو مورس في دائرة الحركات الاسلامية هو لا يفضي الى الإصلاح، وإنما الى الشقاق.
الدكتور علاء الحسيني: الجمود والاستبداد
الباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء المقدسة الدكتور علاء الحسيني قال: إن "مسالة المراجعة المعرفية في الحركات الإسلامية تتشابه في العراق سواء على المستوى السني أو الشيعي، وبالتالي هي غير معنية في مراجعة المنطلقات، لأنها تعاني من جمود تنظيمي وفكري وهناك الدكتاتورية التي تجثم على الحركات الإسلامية".
وأضاف الحسيني إن "هذه الصورة النمطية لهذه الحركات الإسلامية لن تتغير، وهي لا تؤمن بشيء اسمه الديمقراطية، وانما تؤمن بانه لابد أن تمارس عملها السياسي بغطاء ديني للوصول الى السلطة، ولذلك هذه الحركات الإسلامية لا مانع لديها أن تتنازل عن بعض مبادئها".
الاستاذ في كلية الادارة والاقتصاد والباحث في مركز الفرات الدكتور حيدر ال طعمه بين أن "الحركات الإسلامية والأحزاب السياسية هناك انتقادات فيما بينها، لذلك هناك توجيه داخل هذه الأحزاب الى ممارسة عملية الدفاع عن مكتسباتهم أمام الجمهور، خصوصا وأن المرحلة لا تسمح بارتكاب أخطاء جديدة".
الدكتور حسين احمد السرحان: ضبابية النظرية
رئيس قسم الدراسات الدولية في جامعة كربلاء والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية الدكتور حسين احمد السرحان علل إن "هناك مجموعة نقاط منها أن فكرة الإسلام السياسي تعاني من عدم وضوح، وضبابية نظرية الحكم وبالتالي تطرح هناك تفسيرات واراء مختلفة لطبيعة نظام الحكم، لذا هذه الانتقادات تغيب بسبب أن هذه التفسيرات هي من تسيطر على الجو العام داخل الحركة، بالتالي لا يهتم الكثير من عناصرها بقضية المراجعة والنقد".
وأضاف السرحان "الشيء الأخر أن الزعامات الروحية في تلك الحركات ينظر اليها على انها معصومة ولا تخطئ، بالإضافة الى ذلك بعض شخصيات تلك الحركات طالما هو محكوم ببعض المصالح والمكتسبات، بالتالي لا يستقيم هذا الامر مع نظرية النقد الذاتي والمراجعة، وهذه الأسباب تجعل من الحركات الإسلامية بعيدة عن هذا الإطار".
الباحث والكاتب في شبكة النبأ الدكتور ايهاب النواب قال: أن "مشكلة النقد تعاني منها حتى المذاهب الإسلامية فهي لا تقبل النقد والنقد الذاتي، والقضية الأخرى أن الأمر لا يعدو كونه سكون معرفي، بل هو سكون فكري، والحقيقة هنا بنيت على ما كان موجود من خلاف وصراع مذهبي، فاستندت اليه وانطلقت من خلاله".
وتابع علي " أن مد الحركات الإسلامية ما بعد (2003)، كان من الممكن أن يكون أفضل من ذلك اداؤها، لكن المجتمع هو من ساعد تلك الحركات على تحقيق برامجها".
الدكتور خالد العراداوي: لماذا تخلفنا
مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية الدكتور خالد عليوي العراداوي قال "هناك جانبان الأول فكري، والأخر على اعتباره أن المواطن يعيش تحت ظل حركات إسلامية. اما بخصوص المنحى الأول فاللحظة المشرقة الوحيدة في تاريخ مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة، هي عصر النهضة، الذي وجد فيه الطهطاوي ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وجمال الدين الافغاني وغيرهم".
وأشار العرداوي إلى إن "هؤلاء انطلقوا من سؤال جوهري وهو (لماذا تخلفنا وتقدم الآخرون) وهذا بطبيعة الحال هو النقد والنقد الذاتي. المشكلة الحقيقية أن هذا التيار لم يستمر بل برزت إلى السطح أفكار أخرى، أيام ظهور حسن البنا وامثاله، الذين اعتقدوا أننا على حق والآخرون على باطل، بهذه اللحظة أصبحنا نمارس عملية المركزية الإسلامية بالتعامل مع الاخرين".
وأضاف العرداوي "أصبحنا نرى كل شيء نجح في الغرب، هو عبارة عن شياطين، ابتداءْ من الاختراع إلى الحرية، إلى النظم الاقتصادية والاجتماعية، لذا نحن اليوم نعيش حالة الانحطاط الفكري، وبالتالي وصل الامر بنا الى أن مرجع لا يحتمل مرجع، وتيار إسلامي لا يقبل بالآخر أخر، بل أن مسلما لا يتحمل مسلما".
ويكمل العرداوي "فضلا عن ذلك أن التجربة التي عاشها الواقع العراقي، ما بعد التغيير في ظل الحركات الإسلامية، يستنطق فينا سؤال هل هذه الحركات والتيارات دينية أم ليست دينية؟ وللإجابة عن هذا الاستفسار يمكن القول بأنها غير دينية، وأن حملت عناوين دينية، لأنه يقال أن كل تيار ديني أو حزب ديني يستند الى ثلاث قواعد وهي: التأكيد، الايمان، الهداية، بالتالي أن حركتنا الإسلامية هي بين بين، فهي طالبة سلطة بشعار ديني، لكنها عملت في السلطة بطريقة دنيوية".
احمد جويد: خارج سلطة النقد
مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات الحقوقي احمد جويد أشار إلى أن "تجربة الحركات الإسلامية في العراق تدعو الى الخجل، وهي لا تنسجم بأي حال من الأحوال مع موضوعة النقد والنقد الذاتي، الذي يعتبر نوع من أنواع المراجعة، او تصحيح المسار إلا أن اغلب النقد اليوم يكاد أن يشكل حالة جلد للذات، ولا يبحث عن حلول".
وتابع جويد "إلى جانب ذلك فإن التناقضات التي تحملها الحركات الإسلامية كثيرة، خصوصا وأنها لا تحمل الهم الدعوي كشعار بل تهدف للوصول الى السلطة، كما هو حال الأحزاب السياسية، وبالتالي تلك الحركات هي أحزاب سياسية، ارادت ان تتلاعب بمشاعر الناس، باسم الإسلام والمفاهيم الاسلامية، الشيء الآخر أن وضع الحركات الاسلامية في العراق يكاد أن يكون قائم على الولاء الى الرأس، وهو غير خاضع الى النقد وهو خارج سلطة النقد".
مدير مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية الأستاذ عدنان الصالحي أكد على أن "حقيقة كون غالبية الأحزاب العراقية، كانت في مصاف من تعاضد مرجعية محددة، كي تستمد منها الحصانة، والجانب الآخر التجهيل والجهل الاجتماعي فضلا عن ذلك الفقر، وكلاهما يمثل عنوانا لبقاء الدكتاتورية".
وأضاف الصالحي إن "النقطة الأخرى الوعي الجماهيري البسيط لا يمكن التعويل عليه كثيرا بقدر المسؤولية التي يمكن أن تتحملها النخب الثقافية والأكاديمية، بالتالي هناك تخلي عن المسؤوليات".
السؤال الثاني: هل يمكن وفقا لواقع الحركات الإسلامية في الحراك الاجتماعي، وكذا أداؤه السياسي أن يبشر بأفق زاهر دون مواكبة، وهل هذه التحولات للتنظير في الأسلوب وتجديد في الخطاب والمنهج؟
جواد العطار: الفكر والمعرفة
جواد العطار بين أن "منهجية الإصلاح والتجديد كانت والى وقت قريب، أيام الشهيد الصدر الأول (قدس سره) والسيد الشيرازي (قدس سره) وكتابات آخرين غيرهم كل هؤلاء أسهموا في عملية النقد. الملاحظة الثانية أن غياب حالة التجديد والنقد في الواقع العراقي، وذلك لابتعاد أهل الفكر والمعرفة عن إدارة وقيادة وهداية المؤسسات السياسية العراقية".
وتابع العطار "عندما تريد تجديد ونقد وتغيير يفترض أن يكون أصحاب لواء التغيير موجودين وفاعلين، لكن ذلك لا يمنع بأن هناك ممارسات، وأن هناك عملية نقد، لكن صداها وانعكاسها على مسيرة الحركة الإسلامية كان ضعيف، الشيء الاخر أن الحركة الإسلامية ابتليت بالسلطة، وبالتالي هي ابتعدت عن اداء دورها الاساسي".
الدكتور علاء الحسيني: تكميم الافواه
الدكتور علاء الحسيني قال إن "عملية التغيير على المسار الاجتماعي أو السياسي بالنسبة للحركات الإسلامية، الأمر أصبح مستبعدا، لأنها انخرطت في العمل السياسي الى النخاع وانخرطت في ملذات الحكم، أضف الى ذلك هي تغلغلت في مفاصل الدولة عبر الكثير من عناصرها، وباتت تتحكم في الموارد والقرار في بعض المفاصل، وهي ليست مستعدة للتخلي عن هذه المكاسب".
وأضاف الحسيني "وهي بعيدة عن مبادئ الإسلام، وحتى قبل أن تلج السلطة، الى جانب ذلك هل تتقبل الحركات الإسلامية أن أحدا ينتقدها بشكل علني؟، وهذا غير وارد في سجل تلك الحركات، والهدف هو تكميم الافواه، وأن القادم لا يبشر بخير، كون عملية التغيير عنوان غير وارد في مفاهيم تلك الحركات".
إيهاب علي أشار إلى إن " تلك الحركات ومهما أعطيناها من تصنيفات، تبقى هي حركات إسلامية من الإلف الى الياء، اما بخصوص النخب الثقافية والأكاديمية فهناك عملية منسقة لأضعاف النخب المثقفة، وبالتالي لا يمكن أن تنجح تجربة الدولة المدنية في ظل الحركات الإسلامية".
حمد جاسم قال: "ان الحركات والأحزاب الإسلامية هي حركات سياسية، وليست دينية، اما بالنسبة لعملية الإصلاح فهي مستمرة في البلد، والدليل على ذلك حالة الانشقاقات الجديدة في النشاط السياسي".
الدكتور خالد العرداوي بين إن " التجديد كالطعام تحتاج إليه عندما تكون جائع، وهذه الأحزاب حاليا لا تمتلك الرغبة بالتجديد، خصوصا إذا ما اخذنا بنظر الاعتبار أن كل الحركات، وما يقابلها من أطوار الدولة، حيث تبدأ من الصبا والشباب، وبعدها القوة ومن ثمة حالة ضعف وانهيار، هذه طبعا تطبق على الأفكار، كما تطبق على بناء الدولة".
وأضاف العرداوي إن " الحركات الإسلامية لم تنجح في ممارسة التجديد، بل هي في حالة انحدار شديد، وهي تعيش حالة الاحتضار، بسبب أن المجتمعات أصبحت رافضة لهذا الوجود".
احمد جويد أشار إلى إن "الأحزاب الإسلامية تعاني من وعكه صحية، وهي تحتاج للمراجعة من اجل إعادة انتاجها مرة أخرى، وخير مثال على ذلك التشكيل الجديد المسمى (تيار الحكمة)، أيضا هناك تنافس وانفتاح شديد على الشباب، وعلى العنصر النسائي، والكفاءات من قبل الحركات والتيارات الاسلامية".
عدنان الصالحي أوضح إن "تلك الأحزاب هي أحزاب سلطة، وليست قاعدة وجماهير، وهي تحاول أن تجد لنفسها صيغ قانونية جاهزة، كي تبقى في منظومة الحكم عبر مفوضية الانتخابات، وبالنتيجة تستولى على الأموال لديمومة بقائها في السلطة".
اضف تعليق