فجّر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ رفضاً مطلقاً لسياسته من قبل سياسيين أمريكيين إلى جانب قطاعات مختلفة صناعية وتجارية ومالية، فيما يشكل هذا القرار، إلى جانب قرارات أخرى مثيرة للجدل، عقبة كبيرة بينه وبين أوساط الأعمال التي انحازت لوعوده في حملاته الانتخابية بـ "خفض كبير للضرائب ورفع القيود عن الأسواق المالية".
في تصريحات مختلفة، أكدت كبرى الشركات التجارية والصناعية في واشنطن، لوسائل إعلام عالمية، أنها أكثر التزاماً من أجل البيئة بعيداً عن قرار ترامب لأنها تهتم بخفض المخاطر، على حد وصفها.
انقسامات وتحالفات
وبعد قرار الانسحاب الذي أعلنه مؤخراً بدأ العديد من حكام الولايات ورؤساء البلديات الأمريكية بتشكيل تحالفات لمواجهة كافة قرارات ترامب، وهو ما ينبئ بحدوث انقسامات جديدة في الوسط السياسي الأمريكي إلى جانب الخلافات والانقسامات التي رافقت فوزه في الانتخابات الأمريكية الرئاسية.
وفي عشرات المدن والولايات الأمريكية يوجد اليوم تنظيم لحركة مقاومة لسياسة ترامب وحكمه تصر على "أن تواصل أمريكا التقدم على المستوى المحلي في اتجاه اقتصاد أخضر".
ووعدت مدينة لوس أنجليس بتولي قيادة هذه الحركة المقاومة "بالعمل بتعاون وثيق مع مدن عبر الولايات المتحدة والعالم"، وفق ما أكد رئيس بلدية كبرى مدن الغرب الأوروبي إريك غارسيتي.
وأعلن الحكام الديموقراطيون لثلاث ولايات كبرى هي نيويورك وواشنطن وكاليفورنيا، تمثل خمس سكان الولايات المتحدة، عن "تحالف من أجل المناخ".
وتعهد حاكم نيويورك أندرو كوومو بأنهم معا "مصممون على تحقيق الهدف الأمريكي بخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 26 إلى 28%" بالمقارنة مع العام 2005"، وفقاً لرويترز.
وتؤكد الولايات الثلاث أن التحالف سيشكل "منتدى من أجل دعم وتعزيز البرامج المتبعة لمكافحة التغير المناخي" و"تطبيق برامج جديدة لخفض انبعاثات الكربون".
على ترامب أن يراجع الجغرافيا
وفي الولايات الجمهورية مثل أوهايو وتكساس وإيوا؛ فقام رئيس بلدية مدينة بيتسبورغ التي ذكرها ترامب مثالاً على الأولوية التي يمنحها للأمريكيين، بالتنديد مباشرة بترامب، ليلقى خلال دقائق رواجا كبيرا على شبكات التواصل الاجتماعي ويصبح رمزا للمقاومة المحلية.
وكتب رئيس بلدية بوسطن مارتي والش على تويتر أن دونالد ترامب "يقول إن الولايات المتحدة تخرج من اتفاق باريس" مضيفا "يجدر به مراجعة الجغرافيا، لأن بوسطن لن تقوم بذلك".
شركات النفط تدين الانسحاب
وحتى كبريات شركات النفط الأميركية والتي يفترض أن تكون الخاسر الأكبر عند الانتقال الى وسائل طاقة مستديمة، أعربت عن عدم موافقتها وأكدت دعمها لاتفاق باريس الذي يهدف الى احتواء الاحترار المناخي، والذي يصفه ترامب بـ "الخدعة".
وواصلت "اكسون موبيل" الدفاع عن الاتفاق الموقع في العام 2015 من قبل 195 والذي يشكل "خطوة مهمة لمواجهة التحدي الدولي القائم على خفض الانبعاثات"، بحسب متحدث لوكالة فرانس برس.
واعتبرت الشركة أن الاتفاق بمثابة تسوية "حاسمة" لانه يشمل دولا ناشئة كبرى مثل الصين أو الهند.
وبعد دقائق على اعلان ترامب، سارع ماسك الملياردير الملتزم في مجال الطاقة الشمسية الى القول انه ينسحب من مختلف المجموعات الاستشارية للرئيس والتي كان مشاركا فيها، فيما لم ينتظر رئيس مجموعة "تيسلا" للسيارات الكهربائية الفاخرة إيلون ماسك طويلا قبل ان يقول في تغريدة ان قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب "ليس جيدا للولايات المتحدة او لسائر دول العالم".
من جهتها، أعلنت مجموعة "جنرال موتورز" العملاق الاميركي للسيارات ان موقفها من التغيرات المناخية "لم يتغير".
ونقلت وكالة فرانس برس عن متحدث باسم المجموعة قوله: "ندافع علنا عن العمل من اجل المناخ".
اما رئيس مجموعة "جنرال الكتريك" الصناعية جيف ايملت فعبر أيضا عن استيائه على تويتر وحث أوساط الأعمال الى قيادة الحملة من أجل البيئة للتعويض عن غياب السلطات.
كما انتقدت مؤسسات قطاع التكنولوجيا الملتزمة تقليديا حماية البيئة قرار ترامب مؤكدة انه "يشكل انتكاسة للريادة الاميركية في العالم بحسب مركز "انفورميشن تكنولوجي سنتر" الذي يضم خصوصا آبل وغوغل وإيباي.
أحمق احفوري
وفي نيسان/ أبريل الماضي احتشدت أعداد غفيرة من المحتجين على القرار، وحمل الكثير منهم لافتات كتب عليها شعارات مختلفة مثل "البحار ترتفع وكذلك نحن" وعلى مقربة من البيت الأبيض حيث يقيم ترامب حمل محتجون آخرون لافتات مكتوب عليها: "لا تكون أحمقا احفوريا"، وقرب فندق يعود له هتفوا: "العار.. العار".
كاذب ويستحق السجن
كما تظاهر آلاف الاميركيين في الولايات المتحدة، في وقت سابق، لمطالبة دونالد ترامب بـ "الحقيقة" بشأن تدخلات روسية في الانتخابات الرئاسية.
وردد المتظاهرون أمام البيت الأبيض اهازيج مناهضة لترامب وطالبوا بتشكيل "لجنة مستقلة وشفافة" للتحقيق في صلة محتملة بين مسؤولين روس ومقربين من ترامب اثناء الحملة الانتخابية في 2016.
وفي نيويورك تجمع نحو ثلاثة آلاف متظاهر في جنوب مانهاتن مرددين صيحات "خائن" و"كاذب" و"اسجنوه".
ورفعت لافتات كتب عليها ما ردده رئيس فرنسا الشاب إيمانويل ماكرون في وقت سابق عقب اعلان انسحاب أمريكا من اتفاق باريس للمناخ: "استعادة عظمة الكرة الارضية".
كلينتون من جديد!
هذه الاحتجاجات الشعبية، واستياء المسؤولين الأمريكيين، لم تأت كرد على قرار الانسحاب من اتفاق فرنسا فقط، بل هناك رفض لقرارات أخرى كثيرة كالتمييز و اجراءات الحد من الهجرة وغيرها، وهذا ما أعاد المرشحة الديمقراطية المهزومة في الانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون إلى الساحة مجدداً لمقاومة ترامب، حيث اشادت عبر سلسلة من التغريدات بعمل المنظمات التي تحارب التمييز أو تدعم الحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية التي ستجري العام القادم.
وشكلت كلينتون منظمة "إلى الأمام معاً" وشجعت المجتمع الأمريكي على المشاركة فيها لمقاومة ترامب وسياسته في إدارة البيت الأبيض.
وتقول هذه المجموعة، بحسب موقعها، أنها تهدف إلى الترويج للقيم التقدمية، وجمع الناس لمقاومة التخويف والكراهية والأكاذيب والانقسام.
ووعدت كلينتون في رسالة عبر البريد الالكتروني بتمويل هذه المجموعة، وقالت: "في بعض الحالات، سنقدم تمويلا مباشرا لهذه المنظمات ومساعدة الآخرين في تعزيز عملهم (...) وزيادة حجم جمهورهم وتوسيع قدرتهم على الوصول إلى المزيد من الأشخاص".
وكثيراً ما توجه كلينتون هجوماً لاذعاً لترامب خلال القائها كلمات في مناسبات متفرقة، وكانت قد انتقدته مؤخراً بطريقة مبطنة في حفل تخرج في كلية ويلزلي الذي دعت خلاله المتخرجات إلى الانخراط في السياسة، وقالت لهنّ:"انتن تتخرجن في زمن يشهد هجوما كاملا على الحقيقة والعقل".
وأضافت ملمحة الى ترامب الذي اتهم الاعلام بإساءة تقدير الحشود في حفل تنصيبه: "البعض حتى يتجاهلون أشياء نراها بأعيننا، مثل حجم الحشود".
وتابعت "عندما يخترع الناس الذين هم في السلطة حقائقهم الخاصة، ويهاجمون الذين يشككون بهم، فان هذا يشكل بداية نهاية المجتمع الحر".
ووصفت أيضاً مشروع موازنة ترامب بأنه "هجوم بوحشية غير متخيلة على الفئة الأضعف بيننا"، بسبب "خفض التمويل بشكل حاد" عن قطاعات مثل التعليم العام والصحة العقلية ومكافحة الادمان، وأيضا تهدد مقترحات الموازنة بزيادة مشكلة التغير المناخي سوءا.
وشارك في وقت سابق نحو 500 محتج في مسيرة بوسط مانهاتن في نيويورك وأمام مكاتب بنكي ويلز فارجو وجيه.بي مورجان وألقي القبض على 12 منهم، لمطالبتهم بوقف تمويل منشآت احتجاز المهاجرين، بعد فوز ترامب برئاسة البيت الأبيض.
اضف تعليق