شبكة النبأ: في ملتقى النبأ الاسبوعي قدم الدكتور خالد العرداوي ورقة حملت عنوان (المعارضة السياسية بين نظامين وتحدي البديل العراقي) جاء فيها:
ايران والسعودية نظامان رئيسيان في منطقة الشرق الأوسط الإسلامي، بينهما عناصر تقاطع كثيرة، ويتقاسمان عداوة تاريخية ممتدة، لكنهما يتفقان بشكل كبير في عدم تحملهما لوجود المعارضة السياسية، فنظام الحكم في إيران لا يتردد عن إلحاق أبشع النعوت بمعارضيه، كالفرقة المنحرفة، والعمالة للغرب، ويتضح ذلك في ما نشره الموقع 598 التابع لتيار المحافظين في النظام ضد مرجعية السيد صادق الشيرازي في قم، بل وربما دفع ضغط النظام الداعية الإيراني دانشمند إلى إعلان براءته من التيار الشيرازي بالقول : "انه جندي من جنود الثورة الإسلامية "، وانه " لن يقف بوجه النظام وقائده السيد علي الخامنئي"، كما حرصت بعض وسائل الإعلام المرتبطة بالنظام على تشويه صورة معارضيه بأرخص صورة، ومثال على ذلك ما قام به علاء رضائي مذيع قناة الكوثر بوصفه بعض المعارضين بأنهم رؤوس الحمير وقرون الشيطان وعملاء الأجانب، ووصل الأمر إلى حد أن من يجرؤ على المعارضة والنقد للنظام حتى ولو بصورة بسيطة يتعرض للجلد والاهانة والنفي ( مهند الحديدي مصداقا) أو التحقيق والاعتقال ( محكمة رجال الدين والموقف من حسن الشيرازي مصداقا) أو الإقامة الجبرية ( الشيخ منتظري ومهدي الكروبي وغيرهم مصداقا)، ولا يسمح بتشكيل الأحزاب المعارضة للنظام، وتمنع بعض المكونات من حقوقها اللغوية والثقافية على الرغم من وجود تأكيد عليها في نصوص الدستور الإيراني النافذ.
أما نظام الحكم في السعودية، فعلى الرغم من اختلافه عقائديا وبنيويا مع النظام الإيراني إلا أنه أيضا لا يحتمل المعارضة السياسية ، فيمنع مكونات مهمة من شعبه من ممارسة طقوسها بحرية (الشيعة مصداقا)، ويقيد حقوق وحريات شعبه بشكل صارم ( الموقف من المرأة ، الموقف من الأحزاب السياسية)، ويلصق أبشع الصفات بمعارضيه ( رافضة، شعوبيون، عملاء الخارج، الفرقة الضالة، مخادعون..)، وينفق الأموال بسخاء لتضخيم أجهزة قمعه، وتتبع معارضيه وتصفيتهم، حتى وصل الأمر إلى توظيف القضاء بشكل سافر لمصلحته ، ومثال ذلك الحكم الأخير بإعدام الداعية الشيعي المعارض الشيخ نمر باقر النمر.
إن تحليل النظامين في إيران والسعودية يبين أنهما يتقاسمان المشتركات الآتية:
1- في كلا النظامين يوجد ادعاء باحتكار الحقيقة المطلقة دون بقية الناس.
2- في كلا النظامين يزعم الحاكم بأنه امتداد لحكم الله في الأرض تحت مسميات ولي الأمر أو الولي الفقيه.
3- في كلا النظامين يوجد ادعاء بالولاية على العالم الإسلامي.
4- في كلا النظامين يوظف التاريخ بشكل يقطع القدرة على النقد الموضوعي .
5- في كلا النظامين تدور السلطات حول دور الحاكم وغياب مقصود لحرية إرادة الأمة في تقرير مصيرها.
6- في كلا النظامين تقهر المعارضة وتستباح وينكل برجالاتها وتشوه صورهم.
7- في كلا النظامين لا يمكن الحديث عن إدارة عادلة للثروة، ويتم السكوت عن الفساد المالي والإداري المتفشي طالما انه يتحرك في ظل النظام.
8- في كلا النظامين يوجد حرص على توظيف ساحات الآخرين للصراع وتصفية الحسابات وإبقاء ساحتاهما آمنة إلى حد ما.
وعلى الرغم من العداوة المعلنة والصراع على النفوذ بين النظامين، فان كلاهما يحقق فائدة كبيرة من وجود الآخر في تعبئة الأتباع ، والامتداد لمناطق نفوذ جديدة، وإسكات المعارضين وتخوينهم، ومنع الحديث عن القضايا الملحة لوظيفة أي دولة كحق الإنسان فيها بالتمتع بحقوقه وحرياته، ووجود نظام الحكم العادل، والعدالة الاجتماعية في توزيع الدخل والثروة، وتحييد المؤسسات العسكرية والأمنية، والاختيار على أساس الكفاءة لا الولاء، ومحاربة الفساد والمفسدين.. وطالما أن النظامين ينطلقان من نظرية الحكم الإسلامي، ولكن من رؤيتين مختلفتين ، فالأسئلة التي تطرح نفسها هي:
1- هل إن نظام الحكم في الإسلام يقيد المعارضة السياسية ابتداء ويحجم دورها لمصلحة الحاكم ونظام الحكم أم أن ما يحصل في النظامين تجاوز مقصود للتشريع الإسلامي في العمل السياسي ؟.
2- إذا كانت مخرجات الصراع بين النظامين تصب في مصلحة الحكام على حساب المحكومين ، فما هي السبل لتجاوز هذا الصراع وتحييد تأثيراته السلبية ؟.
3- إذا كانت المعارضة السياسية مؤذية لكلا النظامين ، فهل هناك اتفاق ضمني بينهما على تصفية المعارضة فيهما على الرغم من الاعتراضات الإعلاميـــــــــــة والسياسية المعلنــة ؟.
4- هل من مصلحة العالم الإسلامي أن يتجسد نموذج الحكم الشيعي بإيران ونموذج الحكم السني – الوهابي بالسعودية.
5- هل ستستمر هذه اللعبة بين النظامين بشكلها الحاضر الآمن عليهما أم أن تداعيات غير متوقعة سترتد على مركز النظام في كليهما وتطيح به في وقت ما ؟ .
العراق والفرصة التاريخية
على الرغم من كل ما يجري في العراق من محن ويلاقيه من تحديات، فان نظام الحكم فيه بعد 9 / 4 / 2003 كان ولازال يمتلك فرصة تاريخية في طرح بديل سياسي لنظام الحكم يكون أكثر انفتاحا على المعارضة، وأكثر إيمانا وثقة بالناس على اختلاف هوياتهم وانتماءاتهم، وأكثر فاعلية في العمل والأداء و توزيع الدخل والثروة، وأكثر خضوعا لمراقبة ومحاسبة صاحب الولاية الحقيقي أي الأمة، ويمتلك قدرة اكبر على الانتقال السلمي للسلطة مما يعزز فرص ومقومات البقاء في المستقبل.
نعم إن النظام عجز لحد الآن عن اغتنام هذه الفرصة، لأسباب عدة منها ما يرتبط بطبيعة القيادة التي أمسكت بزمام الأمور بعد التاريخ أعلاه والتي كانت في الخط العام دون المستوى في الاستجابة للتحديات وخلق الرؤية الستراتيجية المشتركة لبناء وتنمية بلدها وتحفيز واستنهاض شعبها ، فضلا عن أرث الدكتاتورية والاستبداد المقيت، والثقل الثقافي التاريخي الذي تنوء بحمله جميع المكونات العراقية بسبب انغلاقها الثقافي وتمحورها السيئ حول نفسها، وغير ذلك من الأسباب الداخلية، ولكن عند تحليل ما يجري في العراق في إطار التحليل للنظامين السعودي والإيراني سنكتشف أن خراب العراق وفشل نموذجه في الحكم يخدم كثيرا كلا النظامين، لأنه يمنع إيجاد بديل ثالث يتحدى أطروحاتهما الفكرية – الأيدلوجية وممارساتهما السياسية في الحكم ، فلو وجد هذا البديل ونجح يعني أن نظرية الدومينو المعروفة ستترك ارتداداتها السلبية عليهما، ولتحركت ساحتاهما السياسية بقوة تفوق قوة داعش الهدامة اليوم في العراق .
إن هذه القراءة لدور العراق المفترض في هذه المرحلة التاريخية المهمة التي تمر بها المنطقة تلقي عبئا كبيرا على العراقيين حكاما ومحكومين للخروج بسرعة من فوضى الإرباك والاستقطاب المسلطة عليهم، للنظر بايجابية أكثر وقدرة أقوى على الفعل في الحاضر والمستقبل، وتوظيف كل الإمكانيات والظروف لمنع ضياع الفرصة التاريخية التي يحرص جميع الشركاء الإقليميين على ضياعها منهم، واستثمار جسامة الخطر المحدق حاليا وتداعياته المهددة لجميع المكونات لإنتاج مخرجات تعزز التعايش السلمي والثقة المتبادلة والعدل والعدالة الاجتماعية والشفافية والكفاءة والحكم الرشيد، هذا ما يحتاجه العراق، وما تحتاجه جميع شعوب المنطقة، فهل هناك من يستطيع الإمساك بهذه الفرصة التاريخية بقوة وحكمة ورؤية إستراتيجية ثاقبة؟.
بعد الانتهاء من الورقة بدأت المداخلات حول، وكانت اولى المداخلات لرئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام مرتضى معاش الذي بدأ بقوله: الصراع السعودي – الايراني اصبح شديد القسوة الان، انهما يلجآن الى المعادلة الصفرية، اما ان نربح كل شيء او نخسر كل شيء، وقد بدأت السعودية حرب تخفيض الاسعار للنفط لغرض ضرب الاقتصاد الايراني من الداخل، وبضمن ذلك استهداف روسيا ايضا نتيجة لمواقفها مما يجري في سوريا، مما ادى في هذه المرحلة الى انخفاض سعر الروبل الروسي، لكن هذه المعادلة الصفرية يراها معاش اشبه باللعب بالنار ومن يلعبها سوف يحترق فيها.
وراى في قضية الشيخ النمر انها ليست استهدافا شخصيا له بل هي لغرض التحشيد الطائفي بين السعودية وايران، بسبب ما تراه السعودية استحواذا ايرانيا متواصلا على مناطق نفوذها.
ينتقل معاش بعد ذلك الى نقطة اخرى تطرقت اليها الورقة، ويرى ان هناك ربطا تعسفيا بالاسلام في كل ما يجري من حولنا، ويجب التفريق بين النظرية الاسلامية ومجالات تطبيقها من قبل الافراد او الحكومات او النظم السياسية، اضافة الى انه ليس كل شيء يستدعي مجيء تشريع لاجله، فهناك قضايا عقلية لاحاجة لمجيء تشريع لاجلها، لانها قضايا مربوطة بالعقل، مثل الظلم قبيح، والكذب قبيح، وبالتالي فان مسائل مثل التعددية والتداولية والمعارضة، هي من الاشياء الطبيعية الحسنة، لكن ماجعلها تعيش في غربة عن حياة المسلمين ولايستطيعون التعرف عليها، هو مافعلته الممارسات السلطوية في العهود الاسلامية الاولى، ومارسخته سياسات معاوية، من قبل مصادرة اراء الاخرين وقتل المعارضين له، وهو مايرتبط براي معاش، بعقلية الحاكم القائمة على تحقيق مصلحته الشخصية ومصلحة الحاشية المحيطة به.
ويربط ذلك بما يقوم به النظامان الايراني والسعودي، وكيف ان كل نظام يعمل وفقا لما تقتضيه المصالح الشخصية للحاكمين، فهناك بين السعودية وايران جماعات تتلاقى مصالحها وهناك جماعات في صراع بسبب مصالح الحاكم على مساحة النفوذ.
ويعتقد معاش ان سبب ذلك يعود الى فقدان الشرعية التي يحاول النظام ان يجسدها لنفسه، ويكرسها من خلال اقصاء المعارضة والمختلفين معه ضمن طائفته، فالنظام الايراني يتعامل مع المعارضين له من نفس المذهب بقسوة اشد مما يتعامل به مع الاخرين، خوفا على تلك الشرعية التي هي على المحك.
وفي المثال السعودي تبرز قضية الاخوان المسلمين في مصر وكيف عملت السعودية على اسقاط تجربتهم بسبب النزاع على شرعية تمثيل المسلمين السنة في العالم.
حول الواقع السياسي حاليا يتطرق نمعاش الى المحاور الفاعلة ععلى الساحة وهي ثلاثة محاور: المحور السعودي – المحور الايراني – المحور القطري / التركي، وهي محاور لايمكن لها ان تجتمع او تلتقي.
ويرى معاش ان داعش ترتبط بالمحور القطري – التركي، وهي ليس لها علاقة بايران او السعودية، فداعش فكرة بريطانية بتمويل قطري ومساعدة لوجستية تركية، وهي مثلها مثل القاعدة لضرب المصالح الامريكية.
وكلا المحوران (السعودي – الايراني) مرتبطان بالعجلة الامريكية، لكن امريكا تبدو حتى اللحظة عاجزة عن التوفيق بين المحورين بسبب جماعات النفوذ المتصارعة بين النظامين، ويضيف معاش، ان ملامح التوافق الايراني - السعودي قوية رغم شدة التقاطع بينهما، وقد تبينت نتائج ذلك في العراق من خلال ابعاد المالكي عن الولاية الثالثة، وفي لبنان من خلال الاتفاق على رئيس الوزراء، وفي سوريا سيتبين ذلك من خلال رحيل بشار الاسد ومجيء شخصية من نفس النظام. ويكمل معاش، سيبقى هناك صراع بين النظامين لكن بوجود توافق، لان داعش هو الخطر الذي يتهدد الطرفين.
حول العراق يعتقد معاش انه باغلبيته الشيعية، سيكون المحور الاكبر في المرحلة القادمة، لكن الخوف الاكبر عليه هو من الشيعية السياسية القادمة من ايران، والتي يمثلها الان السياسيون المرتبطون بايران والذين يعتبرون هم الاقوى في بغداد.
ويضيف: يجب التركيز على الشيعية الدينية وفك الارتباط بين الشيعي والسياسي، ليكون العراق مكانا للتعايش.
يبدأ الناشط السياسي جواد العطار مداخلته حول الافكار الواردة في الورقة بوجوب تحديد المعيار وهو النصوص الاسلامية (القران – السنة – ماصح من التجربة).
فمرحلة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) تجربة اسلامية، وحكم الامام علي (عليه السلام) تجربة اسلامية، والتجربة الايرانية تجربة اسلامية رغم الاختلاف معها.
في التجربة النبوية، قام النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بتوقيع معاهدات مع اليهود في المدينة وهي ماعرف ب(وثيقة المدينة)، والتي نصت على احترام الاقليات.
في التجربة الثانية، وهي تجربة الامام علي (عليه السلام) لم يرفع امير المؤمنين السيف بوجه مخالفيه الا بعد ان رفعوا سيوفهم بوجه النظام ونقضوا البيعة، رغم الحرية التي اتاحها لهم للمعارضة والتعبير عن اراءهم.
حول قضية الشيخ النمر يرى العطار انه من مدرسة مخالفة لمنهج الحكم في ايران، مثله مثل الشيعة في السعودية وهم محافظون يتبعون مرجعية النجف، وقد تم استغلال قضيته وتجييرها من قبل الايرانيين، في صراعهم الطائفي مع السعودية.
ويرى العطار ان الخروج من حالة الشد الطائفي بين السعودية وايران لا يمكن له ان يتحقق الا بتحويل السنة الا راس حربة في المطالبات للاصلاح والتغيير، كي تاخذ المطالبات بعدا سعوديا وطنيا.
اضف تعليق