سياسة يُقصد بها تحقيق مكاسب معيّنة من طريق تصعيد أزمة دولية ما، ودفعها إلى حافة الحرب النووية، بصورة خاصة، مع إيهام الخصم أنك تأبى التنازل أو الرضوخ ولو أدّى بك ذلك إلى اجتياز هذه الحافة الخطرة ويُعتبر وزير الخارجية الأميركية جون فوستر دالاس، الذي كان أول من استخدم هذا المصطلح، مبتدع "سياسة الحافة" وممثِّلها الأول.
ترامب وسياسة حافة الهاوية
لا شك أن الرئيس الأمريكي ترامب شكل نمطا غير مألوف أمريكيا ودوليا، سواء من جهة اسلوبه الخطابي أو من جهة أصوله الاجتماعية والوظيفية أو من جهة نظرته للإدارات الأمريكية السابقة وللعالم، ولا شك أيضا أنه أثار قلق ليس فقط حلفائه الأوروبيين ودول في الشرق الأوسط بل أيضا قلق وغضب فئات متعددة داخل المجتمع الأمريكي.
نعتقد أن التخوف مشروع ولكن هناك مبالغة في قدرة ترامب على إحداث تغييرات كبيرة، فحتى وإن كان راغبا في ذلك فالأمر يحتاج لوقت لأن ترامب رئيس للولايات المتحدة الامريكية، دولة المؤسسات السياسية العريقة والمركب الاقتصادي العسكري والمصالح الممتدة عبر القارات، وليس رئيس قبيلة أو رئيس دولة من دول العالم الثالث.
كما أن الحكم على سياسات زعماء الدول يكون بعد توليهم كرسي الرئاسة وليس من خلال حملتهم الانتخابية، ومن خلال الأفعال وليس الأقوال، وما هو خفي في السياسة أكبر بكثير مما يُقال أو يُفصَح عنه في الخطابات والتصريحات العلنية، دون أن ننسى أن ترامب مرشح الحزب الجمهوري ودوما كان الحزب الجمهوري على يمين الحزب الديمقراطي سواء في السياسة الداخلية أو السياسة الخارجية.
في ظن البعض ان ترامب وبالرغم من انتقاداته للإدارات الأمريكية السابقة وخصوصا إدارة أوباما إلا أنه سيوظف انجازات سابقيه وما تم تحقيقه وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت سيُحرر أمريكا الدولة من السلبيات والأخطاء الناتجة عن الإدارات السابقة ويلقي بها على مسؤولية الحزب الديمقراطي والرئيس أوباما الفرق بين ترامب وأوباما أن ترامب يوظف سياسة (حافة الهاوية) حيث يبدأ بالهجوم والتصعيد وصدم كل الأطراف ثم يتدرج بالتراجع والتنازلات، أما أوباما فقد بدأ بخطاب لين ومثالي ومتصالح مع الجميع ثم مارس عكس كل ما كان يقول وخصوصا فيما يتعلق بمشكلة الشرق الأوسط .
الجديد في شخصية ترامب وسياساته المتوقعة أنه أكثر واقعية وأكثر تحررا من تركة الحرب الباردة بتحالفاتها وأحلافها ومنظماتها الدولية، أو بصيغة أخرى إنه أبن زمانه، زمن المال والاقتصاد والواقعية السياسية لو تمحصنا بعض التصريحات والمواقف التي دفعت كثيرين للخوف من التوجهات السياسية لترامب لوجدناها تندرج ضمن سياسة حافة الهاوية وهي جزء من السياسة الواقعية.
1-ترامب ومقوله (أمريكا أولا)
ترامب لم يأتي بجديد، لأن كل دول العالم تنطلق من مبدأ المصلحة القومية أولا، حتى الإدارات الأمريكية السابقة كانت تتصرف على هذا الأساس فلا نعتقد أن إدارة أوباما عندما أرسلت جيوشها للشرق الأوسط وغيرها من المناطق ونشرت الفوضى والخراب الخ إنما للدفاع عن شعوب العالم ونشر الديمقراطية على حساب مصالحها القومية كل الإدارات الأمريكية السابقة كانت تعمل للحفاظ على مصالح واشنطن وحليفتها إسرائيل.
كما أن هذه التدخلات لم تكن بلا ثمن بل كانت بثمن باهظ تدفعه الدول المتلقية (للمساعدات)، مثلا الدول الخليجية اشترت بمئات مليارات الدولارات صفقات أسلحة كما تدفع هذه الدول نفقات القواعد العسكرية الأمريكية القائمة على أراضيها أيضا السيطرة على النفط والتجارة الخارجية والاستفادة من تريليونات الدولارات الخليجية الموظفة في الاقتصاد الامريكي.
2-ترامب والدعوة لعزلة الولايات المتحدة
تاريخيا هناك جدل داخل الحزب الجمهوري بين دعاة الانغلاق ودعاة الانفتاح ويبدو أن ترامب من دعاة الانغلاق ولكن ليس الانغلاق الكامل، لأن طبيعة التكوين الاجتماعي للولايات المتحدة الامريكية وما وصل له اقتصادها من نمو لا يسمحان بذلك لذا لا يمكن للولايات المتحدة الامريكية أن تعزل نفسها عن العالم لعدة أسباب أهمها الاقتصادية، حيث قوة الاقتصاد الامريكي وحالة الرخاء فيها مرتبط بسياستها الامبريالية بحيث يمكن القول بأن امبريالية أمريكا هو ضمان وجودها واستمرارها كدولة عزل أمريكا عن العالم يعني انهيار المركب العسكري الاقتصادي الركيزة الأساسية للاقتصاد الامريكي، وهذا المركب يعتمد على الهيمنة الامبريالية لواشنطن.
3-القول بأن ترامب يعزز الشعوبية والنزعات اليمينية
هذا قول صحيح ولكن، الشعوبية ظاهرة عالمية سابقة لترامب وتتجاوز حدود الولايات المتحدة الشعوبية واليمين المتطرف كان وراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهذه النزعة ممتدة في كثير من دول أوروبا، وفي الولايات المتحدة الامريكية نفسها فإن اليمين المحافظ واليمينيين الجدد صعدوا إلى مواقع قيادية في الإدارة الأمريكية منذ الثمانينيات، وترامب نتيجة أو خلاصة لهذه التوجهات الشعوبية ستثير إشكالات داخل الولايات المتحدة بسبب التركيبة السكانية فيها وهذا هو الخطر من شعوبية ترامب وليس تداعياتها على السياسة الخارجية .
4-الموقف من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي
قبل أن يثير ترامب هذا الموضوع فإن جدلا كان يثور داخل أوروبا حول دور ووظيفة هاتين المؤسستين اللتين من مخلفات الحرب الباردة وكانت وظيفتهما مواجهة الخطر الشيوعي الاتحاد السوفيتي سابقا وكان دعم واشنطن لهما من هذا المنطلق، أما اليوم فترامب رجل الاقتصاد يُدرك أن الصراعات القادمة ستكون حول المصالح الاقتصادية وهو يرى أن الخطر على الولايات المتحدة في هذا السياق لا تمثله روسيا بل الصين وبالتالي على الاتحاد الاوروبي وحلف الأطلسي التكيف مع هذه المتغيرات.
5-ترامب والشرق الأوسط
أثار ترامب غضب وخوف دول المنطقة عندما انتقد صفقة الاتفاق النووي مع إيران وهدد بإلغائها، كما انتقد طريقة تعامل واشنطن مع دول الخليج متهما الإدارات السابقة بأنها تحمي هذه الدول دون مقابل، وعلى هذه الدول دفع مقابل الحماية الأمريكية لها وقد بينا أعلاه عدم صحة هذا الزعم، ولكنه يريد المزيد كما وعد بمحاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة بلا هوادة، ونعتقد أن وراء هذا الموقف من هذه القضايا يكمن حرصه على إسرائيل ومواجهة كل مصادر تهديدها، أيضا العداء للإسلام والمسلمين.
وما يؤكد ذلك موقفه من المسلمين الأمريكيين، وطقوس تنصيبه حيث ألقيت كلمات رجال دين مسيحيين ويهود، مع أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة يفوق عدد اليهود نعتقد أن سياسة إدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط ستُبنى على انجازات سابقيها من الإدارات الأمريكية حتى وإن كان ترامب راغبا بمحاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة وإيران فسيحتاج للدول العربية، ومن هنا نلاحظ مواقف عربية مرحبة بفوز ترامب مثل مصر والسعودية ولكن ما نخشاه أن ترامب سينقل فوضى الربيع العربي لدول أخرى كإيران وتركيا والسعودية.
6-ترامب والصراع الفلسطيني الإسرائيلي
تصريحات ترامب حول هذا الموضوع وخصوصا رغبته بنقل مقر السفارة الأمريكية للقدس، بالإضافة إلى خلفيته السياسية أثارت غضب وقلق ليس فقط عند الفلسطينيين بل عند كثير من قادة العالم، لأن إقدامه على هذه الخطوة سيترك تداعيات خطيرة على مجرى الصراع وعلى عملية التسوية السياسية وقرارات الشرعية الدولية التي تؤكد جميعا بأن القدس الشرقية جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن دولة فلسطين، ومن جهة اخرى فإن الإقدام على هذه الخطوة سينهي عملية التسوية السياسية التي ترعاها واشنطن.
وفي هذا السياق يجب أن لا نستبعد أن يكون في جعبة ترامب رؤية لتسوية سياسية جديدة تقصي القدس وقضية اللاجئين، ويريد تمريرها من خلال التصعيد أو الهجوم المبكر على العرب والمسلمين ليصدمهم أولا ثم يفرض العودة لطاولة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين انطلاقا من رؤيته الجديدة الأكثر انحيازا لإسرائيل، وليس انطلاقا من النقطة التي توقفت عندها المفاوضات.
نقل السفارة أمر خطير، ولكن ترامب سيستفيد في تمرير قراره من أوضاع خلقتها الإدارة الامريكية في عهد اوباما، فهذه الأخيرة سكتت على عمليات الاستيطان والتهويد في القدس وكامل الضفة الغربية، واستعملت أو هددت باستعمال حق الفيتو في وجه كل مشروع قرار يُدين الممارسات الإسرائيلية في القدس باستثناء قرار 2334 ولم تعترف بالدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى ما الحقته من خراب ودمار في العالم العربي تحت مسمى الربيع العربي، مما أضعف قدرة العرب على مواجهة أي خطوات تصعيدية كقرار نقل السفارة الامريكية أو حتى قرار ضم إسرائيل لجزء من الضفة الغربية.
ترامب وطهران وسياسة حافة الهاوية
يتابع العالم أجمع تصاعد وتيرة الخطاب السياسي والتهديدات المتبادلة بين النظام الإيراني والرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث تقترب التهديدات من مظاهر الحرب الباردة التي سادت طيلة عقود خلال النصف الثاني من القرن العشرين بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق.
ويمكن رصد مظاهر التصعيد هذه من خلال نبرة الخطاب المتبادل، فالرئيس ترامب حذر، نظيره الإيراني ودعاه مباشرة إلى الحذر في كلامه، وذلك ردا على تصريحات قال فيها الأخير إن أي شخص يهدد الإيرانيين سيندم، وقال ترامب موجها حديثه إلى الرئيس الإيراني "احترس من فضلك".
يحلو لبعض المراقبين القياس على النموذج الأشهر تاريخيا للحرب الباردة في بناء استنتاجات تخص العلاقات الأميركية الإيرانية، وهذا صحيح جزئيا ولكن هناك جوانب اختلاف عميقة بين الحالتين، أبرزها أن الإيرانيين ليسوا في خبرة وحنكة نيكيتا خروشوف، ولا ترامب في هدوء وخبرة جون كينيدي كما أن فارق القدرات سواء في موازين القوى العسكرية أو في الثقل والمكانة الدولية بين إيران والولايات المتحدة الآن ليس في صالح الأزمة المتصاعدة، فهناك فارق هائل وبيّن في القدرات العسكرية، وهذا الفارق يعدّ سلاحا ذا حدين؛ فإما أن يقود طهران تحديدا إلى تحكيم لغة العقل والمنطق، وإمّا يغريها بالتهور والاندفاع تحت ضغط فكرة الخوف والقلق من انتظار ضربة مفاجئة من الطرف الآخر.
اعتبرت صحيفة الأندبندنت البريطانية أن ترامب سيشعل حربا مع إيران وأن هذه الحرب تصبّ في مصلحة تنظيم داعش، مشيرة إلى أن ترامب ربما يستلهم سياسات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل عام 1940 في تعامله مع إيران لكن الصحيفة لفتت الانتباه إلى جزئية مهمة وهي أن ترامب مهتم بمطالعة كتب التاريخ ودراستها أكثر من اهتمامه بالأحداث الجارية خلال العصر الحالي.
وقالت إن منطقة الشرق الأوسط "تتسم بأنها ساحة قابلة لاشتعال المعارك بشكل أكبر من أي منطقة أخرى في العالم وإن الأخطاء التي ترتكب خلالها تكون كارثية ولا يمكن إصلاحها" ونصحت الصحيفة الرئيس الأميركي بألّا يعمل على الانضمام إلى صفوف القادة الغربيين الذين تعرضوا لخسائر فادحة بسبب قراراتهم الخاطئة في الشرق الأوسط.
وأشارت إلى أن هزائم هؤلاء القادة لم تكن بسبب تفوّق الطرف الآخر عليهم عسكريا، بل لأسباب أخرى أخلاقية وإنسانية مثلما حدث لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق أنتوني إيدن خلال أزمة السويس بمصر عام 1956 وذكّرته أيضا بتجربتي كارتر في أزمة الرهائن الأميركيين في طهران عام 1979، والتدخل الأميركي في الحرب الأهلية اللبنانية خلال عهد الرئيس الأسبق رونالد ريغان عام 1983.
تحليل الأندبندنت يتعلق بالأساس بتوجيه ضربة عسكرية أميركية إلى إيران، وهذا أمر مستبعد إلى حدّ كبير ولكن الإشكالية الأخطر في وجود احتمالية عالية لوجود حالة من سوء الإدراك المتبادل تؤدّي بدورها إلى نشوب حرب عن طريق الخطأ، أو الاستدراج إليها، أو حرب الأمر الواقع والأخطاء في حالات التوتر الشديدة قائمة وموجودة، بل كادت تتسبب في حرب عالمية ثالثة إبان أزمة الصواريخ الكوبية.
الواضح أن التصعيد الكلامي المتبادل بين النظام الإيراني وإدارة الرئيس ترامب كان يستهدف في البداية جسّ نبض كل طرف للآخر، وكان ذلك من الوضوح إلى درجة أن واشنطن حذرت طهران من جسّ نبض الرئيس الجديد ويبدو أن الأمر انتقل إلى استنساخ أزمات سابقة مرت بها علاقات البلدين واتُّبِعت خلالها سياسة حافة الهاوية، التي يفضلها النظام الإيراني ويجيد التعامل وفقها، ويمارس خلالها استراتيجية مستمدة من موروث الخبرات التفاوضية التي يستمد بعضها من فنون حياكة السجاد المتجذرة في الثقافة الإيرانية، ويستمد بعضها الآخر من تجارب دول أخرى أهمها كوريا الشمالية، التي سبق أن خاضت، ولا تزال، تجارب مماثلة مع الولايات المتحدة.
أغلب الظن أن الإدارة الأميركية الجديدة تتجه إلى إحكام طوق حصار جديد حول النظام الإيراني، وقد بدأت هذه الاستراتيجية بالفعل من خلال حظر دخول الرعايا الإيرانيين إلى الولايات المتحدة ورغم تجميد هذا الحظر قضائيا، فإن ترامب يتجه إلى تنفيذه عبر آليات أخرى، كما تقوم إدارته بدراسة إدراج الحرس الثوري الإيراني ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، في سابقة هي الأولى، لكونها المرة الأولى التي يتم فيها تصنيف مؤسسة رسمية في دولة ما ضمن هذه اللائحة، وسيكون القرار النهائي لإدارة ترامب في هذا الشأن مؤشرا قويا على نواياها المستقبلية حيال إيران، ولا سيما أن هذه الخطوة قد تعجّل بالصدام بين الطرفين نظرا إلى قوة تأثير الحرس الثوري في السياسة الإيرانية.
من الصعب استدراج الرئيس الأميركي إلى حرب لا ترغب فيها بلاده، ولكن من المؤكد أنه صارم وحازم بخلاف سابقيه، والفارق بينه وبين سلفه الرئيس السابق باراك أوباما كبير، ومن الوارد أن يقع الإيرانيون في سوء تقدير لهذا الفارق، ومن ثمّ يفرضون على الرئيس ترامب حربا لا يرغب فيها، وهذا احتمال قائم، ولكن بدرجة ضعيفة.
ترامب سياسة العزلة وحافة الهاوية
مع انعقاد أعمال المؤتمر العام للحزب الجمهوري في مدينة كليفلاند واختيار دونالد ترامب مرشحا للحزب في سباق الانتخابات الأمريكية الرئاسية لا يزال الجدل يتسع بشأن ترامب وسياسته الخارجية بما في ذلك العلاقة المقبلة مع الاتحاد الأوروبي، واليابان وتعاطيه مع قضايا مختلفة من شرق آسيوية إلى الشرق الأوسط في حال توليه كرسي الرئاسة.
ويعود ذلك إلى تصريحاته السابقة قبل ترشيحه بشأن هذه القضايا ومن بينها تلك التي تتعلق بوجوب أن تقلل دول كثيرة اعتمادها التقليدي على مساهمات الولايات المتحدة على الصعد العسكرية والأمنية والمالية وكان ترامب قد أكد في كلمة شرح فيها سياسته الخارجية على وقف ما سماه انتشار "التطرف الإسلامي" والذي سيكون أولوية إدارته في حال فوزه بمنصب الرئيس.
ويشعر كبار الساسة في الداخل الأميركي بالقلق إزاء صعود نجم ترامب ودخوله البيت الأبيض، حيث سيكون بحسب الإيكونوميست إحدى المخاطر الدولية العشرة العظمى مما يجعل العالم أقل استقرارا خاصة في تعاطيه بشكل عنصري ومعادي للمهاجرين وبخاصة "المسلمين" ومنعهم من دخول الولايات المتحدة الأميركية ومع رفع ترامب شعار أميركا أولا، ينظر إلى ترامب إلى أنه سينتهج سياسة انعزالية مع العالم وانتهاج سياسة مغايرة مع الحلفاء، مع ميله لعقد صفقات مع روسيا والصين سيما وأن "الصين تمنح ترامب مزايا ملموسة على الجبهة الاقتصادية، وهو يمنحها حرية حركة أكبر في شرق آسيا."
كان المرشح الجمهوري قد قال إن "احتواء انتشار التطرف الإسلامي هو أحد أهم أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة وكذلك العالم" متعهدا أن يكون شعار "أميركا أولا" محرك سياسته الخارجية، مطالبا حلفاء بلاده بالمساهمة في الأمن العالمي بشكل أكبر وأكد ترامب بالقول "أميركا أولا ستكون الفكرة الأهم والمهيمنة في إدارتي".
وفي مقابلة مع أحد الصحف يقول الدكتور جون اسبوسيتو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون إن سياسة ترامب الخارجية لم تتضح بعد بسبب عمومية تصريحاته الفضفاضة، مشيرا إلى أنه رغم تصريحاته المتكررة بمحاربة الإرهاب ودحر داعش إلا أنه لم يحدد أي خطة دقيقة يمكن أن ينتهجها، لذلك فإن السياسة الخارجية بالنسبة له لا تزال غامضة.
وأوضح جون بولتون الدبلوماسي الأميركي أن صعود ترامب رغم فقره السياسي كان بسبب النقمة الشعبية على الأوساط السياسية، إلا أنه يشكل قيمة مضافة في ذلك الأمر من خلال عقد تحالفات والوصول إلى استراتيجية مشتركة ضد الإرهاب في المنطقة وفي العالم وأضاف اسبوسيتو " أعتقد أن ترامب ليس لديه أي خبرة في مجال السياسة الخارجية، كما أن خبرته في الإدارة الداخلية محدودة، والأمر يتوقف على مستشاريه وحاشيته من حوله".
وبات ترامب معروفا لدى الأوساط الدبلوماسية الأميركية والخارجية بافتقاره إلى السياسة الخارجية، ليصبح وجبه رئيسية للتندر في المناسبات الدبلوماسية ففي إحدى اللقاءات، استغل الرئيس باراك أوباما الفرصة لانتقاد دونالد ترامب بالقول "المؤسسة الجمهورية ميالة للشكل درجة أنه هو ترامب أبرز مرشحيهم المحتملين".
وتعالت الضحكات عندما قال أوباما: "يقولون إن دونالد يفتقر للخبرة اللازمة ليصبح رئيسا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لكنه وللإنصاف أمضى سنوات في لقاءات مع زعماء من أنحاء العالم ملكة جمال السويد وملكة جمال الأرجنتين وملكة جمال أذربيجان" مشيرا إلى منافسات ملكة جمال الكون التي كان ترامب سابقا أحد ملاكها.
العراق وسياسة حافة الهاوية الامريكية
في اقل من اسبوعين على مجيء ترامب الى البيت الابيض، كانت الاشارات الصادرة عنه وعن ادارته تكفي للكثيرين في عالمنا ليتيقنوا ان عهدا امريكيا صادما بدأ يترك ظلاله الثقيلة على العلاقات الدولية، فالأسلوب الفج في التعبير عن المواقف والتهديدات المبكرة لإيران، والتناقض في ترسيم استراتيجية القضاء على منظمات الارهاب بين توسيع التدخل العسكري وبين التساهل مع دول وقوى كانت توظف هذه المنظمات لأغراض توسيع النفوذ واحداث تغييرات سياسية لصالحها.
كل هذه الاشارات تدل على ان منطقة الشرق الاوسط ستكون ساحة ساخنة لتجارب الادارة الامريكية الجديدة، وبطبيعة الحال سيكون العراق متأثرا حكما بهذه السياسات لدرجة تحتاج الى تحوطات على مستوى ادارة العلاقات الخارجية وعلى صعيد ادارة الامن والسياسة الداخلية، فالصراع الامريكي الايراني المتصاعد وان لم يصل الى حالة الحرب لكن اثاره ستكون كبيرة على الاستقرار السياسي في العراق، فايران تنظر الى الوجود العسكري الامريكي في جوارها، اي في العراق وافغانستان، بمثابة تهديد مباشر ستتعامل معه وفق اساليبها الاستنزافية وعن طريق اصدقائها الذين لا يخفون عدائهم لأمريكا وتماهيهم مع الموقف الايراني، هذا يعني ان الضغط الامريكي سيتوجه تلقائيا الى قوى محددة داخل العراق على قاعدة تقليص النفوذ والتأثير الايراني تحت يافطة منع التدخل الايراني في المنطقة والذي تتعامل معه ادارة ترامب بعصبية وبتوافق واضح مع اسرائيل والسعودية والامارات.
في سياق ردود الفعل الاولى من كل الاطراف المنخرطة في هذا الصراع المتأجج تبدو واشنطن قد ضمنت الفاتورة المتوقعة من هذه السياسة، فالسعودية والامارات وقطر مستعدة لدفع التكاليف المالية التي هي المفتاح السحري للتفاهم مع ساكني البيت الابيض الجدد، وسيصبح التبرع السخي والاستثمار المباشر او التوجه نحو مستوردات السلاح هو أحد اهداف سياسة حافة الهاوية الامريكية، فإدارة ترامب لم تكن تمزح عندما اعلنت انها ستقايض الحماية والامن في منطقة الخليج بدفع المال.
ومثلما توجهت اليابان وكوريا الجنوبية المستفيدتان من المظلة العسكرية الامريكية للإعلان عن خطط استثمارية هائلة داخل الولايات المتحدة ربما تتجاوز النصف تريليون دولار؟ فان السعودية وقطر والامارات بدت مستعدة لفتح صناديقها السيادية رغم الضائقة المالية الحالية للاستثمار المباشر في مشاريع ترامب لتجديد البنية التحتية الامريكية، وهذه نتيجة سريعة لمبدأ ترامب الجديد القديم في السياسة الخارجية، انه التلويح بالعصا الغليظة وممارسة سياسة حافة الهاوية وربما شن حروب سريعة وضربات استباقية لتأكيد سطوة امريكا كقوة اولى في العالم هدفها تأمين الرفاه والتفوق العسكري وضمان الامن القومي الامريكي ومجالاته الحيوية المتعددة.
العراق ليس لديه اموال ليدفعها الى واشنطن بل هو محتاج اليها عسكريا واقتصاديا ومادامت ادارة ترامب تدعي ان امريكا انفقت ثلاثة تريليونات في تدخلها العسكري في العراق وان ايران توسع نفوذها فيه على حساب النفوذ الامريكي، لذلك من المتوقع ان تطور مستشارية الامن القومي الامريكي المتشددة ازاء ايران، استراتيجية للتدخل في الشأن العراقي يكون حجر الزاوية فيها استقطاب القوى المناوئة لإيران ليكون حضورها السياسي فاعلا وضاغطا، وهذا من شأنه ان يؤجج مناكفات سياسية وصراعات طائفية وحزبية ستشتد مع اقتراب الانتخابات النيابية وبعد الانتهاء من تحرير الموصل، علاوة على تزايد رغبة قوى كردستانية لإعلان الاستقلال وطموح قوى عربية سنية لتأسيس اقليم في شمال غرب وغرب العراق.
سنحتاج الى مهارات سياسية وخطاب سياسي معقول وقدرة على التواصل والتفاهم مع الادارة الامريكية قبل ان تشتط السياسات الامريكية وتسبب كوارث عراقية داخلية. الوقت يمر بسرعة وتطمينات السفارة الامريكية لا تكفي لوحدها للركون الى نوايا صانع القرار الامريكي.
السعودية ورّطت نفسها في سياسة "حافة الهاوية"
أشارت صحيفة ناشيونال إنترست إلى أن تكلفة الحرب في الـيَـمَـن تأثرت بالسلب على الاقتصاد السعودي، وأكدت أَن الرياض تتكبد يومياً 200 مليون دولار نتيجة لعملياتها العسكرية في الـيَـمَـن وهي التكلفة التي لا يستطيع الاقتصاد السعودي المتردّي تحملها في الوقت الراهن.
وأضافت الصحيفة أَن ارتفاعَ فاتورة العُـدْوَان السعودي سيدفع آل سعود إلَى الخروق من المأزق الـيَـمَـني الذين وضعوا أنفسهم فيه، مشيرة إلَى أَن هناك مثالاً موازياً يكمن في الإنفاق العسكري المرتفع للولايات المتحدة أثناء حرب العراق والذي بلغ إجْمَالاً 2 ترليون دولار بما يعادل 4.75 % من الناتج المحلي الإجْمَالي الأَمريكي في عام 2011م.
في نهاية المطاف فقد اختارت الولايات المتحدة الانسحاب، ويمكن للمرء أن يتساءل هنا إذا ما كان هناك مصير مماثل ينتظر السعوديين في الـيَـمَـن وأشارت إلَى أَن دولة العدو تحاول الظهور عسكرياً في المنطقة إلَّا أنها لا تقوم بإنتاج أية أسلحة كبيرة أَوْ منظومات للأسلحة، ورغم ذلك تعتمدُ على استيراد المعدات العسكرية الأجنبية، من طائرات مقاتلة متعددة المهام إلَى صواريخ موجهة، ما جعلها المستورد الأَكْبَر للأسلحة في العالم في عام 2014م، بمجموعِ نفقات دفاعية بلغ 64 مليار دولار، وخلال الفترة بين عامي 2011م إلَى 2015م، ارتفعت النفقاتُ العسكرية للرياض بنسبة 275 % بالمقارنة بالسنوات الخمس السابقة.
هذا هو جزء من الاتجاه العام لشراء الأسلحة في بلدان الشرق الأوسط التي شهدت ارتفاعاً في مبيعات الأسلحة بنسبة 61 % خلال نفس الفترة، وقالت الصحيفة يبدو أن المملكة السعودية قد ورّطت نفسَها في سياسة حافة الهاوية التي يصعب التراجع عنها ولكن محاولتها إظهار وكأنها القوة العسكرية المتفوقة في المنطقة والمسيطرة على الشؤون الإقليمية قد تنتهي في وقت قريب.
اضف تعليق