تواجه أوربا حاليا تهديدا امنيا متصاعدا، وذلك على خلفية الإحداث الأمنية الأخيرة، المتمثلة باحداث شارلي ايبدو في فرنسا والاعتداءات التي وقعت مؤخرا في كوبنهاغن، حيث اثار الهجومان اللذان وقعا في كوبنهاغن واستهدفا الجالية اليهودية وموقعا يرمز الى حرية التعبير، صدمة جديدة في القارة العجوز التي تواجه أتون التطرف والارهاب الداخلي من جهة، ورمضاء عودة الارهابين من سوريا والعراق الى بلدانهم الاوربية.
إذ يرى الكثير من المحللين ان هذا التصعيد الأمني المضطرد في فرنسا، هو نتيجة لسياسة تخبط السلطات الاوربية في مواجهة الارهاب، مثل قرار دعم الحرب على الارهاب، فضلا عن تجنيد ودعم بعض المجاميع الإرهابية بصورة غير مباشرة في بعض الدول الساخنة أمنيا، إذ تظهر تلك الأحداث الأمنية المذكورة اعلاه، انقلاب الإرهاب على الذين يدعمونه بحسب وصف هؤلاء المحللين.
في الوقت نفسه يطرح هذا التصعيد الامني المضطرد داخل اروبا مؤشرات عدة، قد تدخل حداثة بوسطن تحت نظرية المؤامرة، خصوصا وان هناك صراعا سياسيا داخليا حادا حول الهيمنة والنفوذ السياسي، باستخدام أدوت محلية لتحقيق أجندات لقلب الطاولة السياسية، حيث تعكس هذه المعطيات آنفة الذكر عدة تساؤلات مثل: هل أن الهجوم إرهابا من الداخل أم الخارج؟، وهل ستشهد اوربا الأخرى مثل هذه الأحداث، وكيف ستتعامل السلطات الاوربية مع مثل هذا الخطر الامني المكلف؟، ولا يزال هناك الكثير من الاسئلة بدون اجوبة في هذه القضية شديدة الغموض.
في حين يرى محللون آخرون أن ظاهرة الهوس بمعاداة الإسلام أثرت بشكل مباشر على ضعف الاهتمام بقضايا المسلمين في أوربا، حيث ازداد البعد العنصري ضد المسلمين من خلال التحريض على الكراهية حيالهم، في ظل عدم الاندماج الذي أدى الى قيام معازل اجتماعية، فاستمرار مسلسل الانتهاكات الحقوقية المتمثلة بالعنصرية والتميز والإقصاء والحرمان في فرنسا وهولندا وبلجيكا، فضلا عن كون التعصب ضد الإسلام في الدنمارك، جعل كل هذه العوامل تسهم في رواج التطرف داخل المجتمع الاوربي.
فالملاحظ بأن قضية التطرف والارهاب المتنامي في اوربا بات يشكل ضغطا كبيرا داخل المعترك السياسي الاوربي، وربما تشهد الأوضاع السياسية والأمنية الاوربية صراعات جديدة، قد تزعزع الاستقرار الاوربي داخليا وخارجيا.
الفاشية الاسلامية
في سياق متصل تواصل الشرطة الدنماركية التحقيق حول منفذ الهجومين الذي قتلته قوات الامن وعرفت عنه وسائل الاعلام باسم عمر الحسين، وقد استخدم رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس لاول مرة تعبير "الفاشية الاسلامية" لوصف المخاطر المحدقة باوروبا، وقال فالس متحدثا لاذاعة ار تي ال انه "لمحاربة الفاشية الاسلامية، لانه هكذا ينبغي تسميتها، يتوجب ان تكون قوتنا في اتحادنا. يجب عدم الرضوخ للخوف ولا للانقسام"، وبعد اكثر من شهر على اعتداءات باريس التي اوقعت 17 قتيلا، كان لاعتداءي كوبنهاغن اللذين اسفرا عن قتيلين وقعا خاصا في فرنسا حيث عنونت صحيفة لو فيغارو: "اوروبا في مواجهة العدوى الاسلامية". بحسب فرانس برس.
وما زاد من وقع الحدث تعرض مئات المقابر للتدنيس في مدفن يهودي في سار-اونيون بشرق فرنسا ما اثار تنديدا شديد اللهجة من الرئيس فرنسوا هولاند ومن رئيس وزرائه الذي ندد ب"عمل شنيع".
وقتل الشاب البالغ من العمر 22 عاما والذي يشبه بانه منفذ الاعتداءين برصاص الشرطيين بعدما فتح النار عليهم في حي نوريبرو الشعبي، ووقع الهجوم الاول بالبندقية الرشاشة في مركز ثقافي كان يستضيف جلسة نقاش حول التيارات الاسلامية وحرية التعبير وكان يحضرها رسام الكاريكاتور السويدي لارس فيلكس الذي سبق ان تلقى تهديدات عدة وتعرض لهجمات منذ 2006، وقتل المخرج فين نورغارد (55 عاما) الذي كان بين الحضور اثر اصابته برصاصة في صدره، فيما تمكن المهاجم من الفرار بعدما اطلق عشرات الرصاصات، واصيب ثلاثة شرطيين بجروح حين حاولوا التدخل.
ووقع الهجوم الثاني خارج الكنيس الكبير وادى الى مقتل دان اوزان (37 عاما) وهو يهودي كان يقوم بالحراسة لحماية عشرات المدعويين الى حفل ديني يهودي، كما اصيب شرطيان، واعلنت الشرطة في بيان "تم التعرف على هوية المنفذ المفترض للهجومين، انه شاب في الثانية والعشرين من العمر من مواليد الدنمارك ومعروف لدى الشرطة لتورطه بجنح تتضمن حمل سلاح واعمال عنف"، واضافت "كما انه معروف لارتباطه بعصابات جانحين".
وذكرت صحيفة اكسترا بلاديت الدنماركية ان الرجل كان خرج من السجن قبل اسبوعين بعد قضاء عقوبة بعدها هاجم بالسكين شابا في التاسعة عشرة من عمره في محطة كوبنهاغن للقطارات بدون سبب واضح.
نتانياهو يدعو يهود أوروبا للهجرة إلى إسرائيل
من جهته دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان يهود أوروبا للهجرة إلى إسرائيل، قائلا "إسرائيل تنتظركم بذراعين مفتوحتين"، وذلك بعد مقتل شخص في الهجوم على الكنيس اليهودي الرئيسي في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن.
وقال نتانياهو مخاطبا يهود أوروبا: "إسرائيل هي موطنكم. نحن مستعدون لاستيعاب هجرة جماعية من أوروبا". وبحسب نتانياهو، فإن "إرهاب الإسلام المتطرف ضرب مجددا في أوروبا، مرة أخرى قتل يهودي أوروبي لمجرد أنه يهودي وهذا النوع من الهجمات سيستمر"، وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي أن حكومته ستقر خطة لتشجيع هجرة يهود فرنسا وبلجيكا وأوكرانيا تبلغ قيمتها 180 مليون شيكل (45 مليون دولار أمريكي). بحسب فرانس برس.
وقال رئيس منظمة "مجلس الأمن اليهودي للدول الشمالية" ميكائيل غيلفان إن مراسم دينية كانت تجري داخل الكنيس عند وقوع الهجوم، موضحا أن "الشاب" الذي قتل كان يراقب مداخل المبنى.
رد هولاند
في المقابل اكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ان اليهود "لهم مكانتهم في اوروبا وعلى الاخص في فرنسا" وذلك على اثر دعوة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو يهود اوروبا للهجرة الى اسرائيل، وقال هولاند "لن اقبل (...) بتصريحات تصدر في اسرائيل تبعث على الاعتقاد بان اليهود لم يعد لهم مكانتهم في اوروبا وعلى الاخص في فرنسا" مضيفا "لكن علينا ان نضمن لكل يهود فرنسا وبشكل اوسع لكل مواطني فرنسا الامن والاحترام والاعتراف والكرامة". بحسب فرانس برس.
في الوقت نفسه طمأن رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس الفرنسيين اليهود بعد أعمال تدنيس استهدفت مدافن لهم قرب ستراسبورغ (شرق فرنسا) كما انتقد بنيامين نتانياهو الذي دعا يهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل.
"عندما يغادر يهودي واحد فرنسا، كأن قطعة صغيرة من هذه الأرض أصبحت تنقص". هكذا علق رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس على دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو يهود فرنسا وأوروبا للهجرة إلى وطنهم الأم إسرائيل بعد أعمال تدنيس وتخريب استهدفت مقبرة يهودية في بلدة "سار إنيون" قرب مدينة ستراسبورغ في شرق فرنسا.
وعبّر مانويل فالس عن "أسفه وحزنه العميقين" حيال أعمال التدنيس هذه وأكد أن التحقيق سيكشف عن المتورطين وسيتم محاسبة أولئك الذين أزعجوا رقاد الأموات". وأضاف: يجب أن تكون الجمهورية قوية وصارمة حيال أعمال نبش المقابر اليهودية والاعتداءات التي استهدفت معبدا يهوديا في الدانمارك مثلما كانت إزاء اعتداءات مجلة "شارلي إيبدو" في يناير/كانون الثاني الماضي.
الغاء كرنفال في المانيا بسبب تهديد ارهابي
الى ذلك اعلنت الشرطة الالمانية ان مدينة براونشفيغ (شمال) الغت كرنفالا كان مقررا الاحد بسبب "تهديد محدد بوقوع هجوم اسلامي"، وقالت الشرطة في بيان ان العرض الذي كان مقررا اعتبارا من الساعة 11,20 تغ الغي اثر معلومات قدمتها "مصادر جديرة بالثقة في جهاز امن الدولة"، وافاد البيان ان "الشرطة تطلب من جميع المشاركين عدم التوجه الى موقع انطلاق الكرنفال وعدم التوجه الى مدينة براونشفيغ". بحسب فرانس برس.
وقال المنظمون ان الحدث السنوي في المدينة الذي يؤشر الى بدء صوم الفصح لدى الكاثوليك والبروتستانت يعد من اكبر الكرنفالات التي تنظم في شمال المانيا خلال شهر شباط/فبراير، وكان قرار الالغاء اتخذ من قبل رئيس بلدية المدينة اولريخ ماركورت والمسؤول عن الكرنفال غيرهارد بولر، ولم يعرف على الفور ما اذا كان هناك اي رابط بالهجومين اللذين وقعا السبت في كوبنهاغن بعد شهر من الهجوم الاسلامي الدامي في باريس على مجلة شارلي ايبدو الساخرة الذي اوقع 17 قتيلا، والشهر الماضي كان منظمو اهم عرض كرنفالي في المانيا منعوا من استخدام تصميم لتكريم رسامي الكاريكاتور الذين قتلوا في الهجوم على شارلي ايبدو لدواع امنية.
اضف تعليق