q

كما كان متوقعا، ترامب المرشح والرئيس ليس قويا وغير قادر على تنفيذ وعوده، فمنذ توليه منصب رئاسة الولايات المتحدة الامريكية ولحد الان يتضح الارتباك على قراراته وتعكس حالة الفوضى والمرض الذي بدأ يأكل جسد الدولة العظمى الاولى في العالم _ اقتصاديا وعسكريا وسياسيا. وقد صبت قرارته الزيت الذي اشعل نيران الغضب في الداخل والخارج وزادت من معاناة دولته اكثر مما اعادتها الى هيبتها كما يحاول هو ان يجعلها بحسب تصريحاته.

اول واقوى قرار اتخذه الرئيس الامريكي دونالد ترامب هو منع استقبال المواطنين من سبع دول اسلامية بعد توقيعه أمرا تنفيذيا يوم الجمعة 27 يناير/كانون الثاني يحظر دخول أي مواطن من العراق وسوريا وإيران والسودان وليبيا والصومال واليمن، إلى الولايات المتحدة مدة 90 يوما.

القرار غير سليم وفق الحسابات السياسية والاقتصادية والامنية فعلى المستوى السياسي زاد هذا القرار من حدة التوتر على المستويين الداخلي والخارجي، فقد شهدت الولايات المتحدة تصاعد موجات التظاهرات المناوئة لسياسات ترامب، والاخطر هو اعلان السلطات في كاليفورنيا أنها أجازت لحملة تطالب باستقلال الولاية البدء بجمع التواقيع اللازمة لاجراء استفتاء يقرر فيه الناخبون ما إذا كانوا يريدون البقاء أو الانفصال.

اما على المستوى الخارجي فقد تصاعدت وتيرة الرفض والاستنكار لقرارات الادارة الامريكية الجديدة، وخاصة من قبل الدول الاوربية، اذ أعرب الملك البلجيكي فيليب، عن الأسف لكون المملكة المتحدة مع خروجها من الاتحاد الاوربي، والولايات المتحدة بانتخابها دونالد ترامب إنما "تعملان على ما يبدو على قلب مسار التاريخ"، عبر "التقوقع على نفسيهما".

اما في بريطانيا الصديق الامبراطوري لامريكا فقد وقع اكثر من مليون بريطاني على عريضة تطالب رئيسة الوزراء تيريزا ماي، بإلغاء دعوتها التي وجهتها الى دونالد ترامب لزيارة بريطانيا، في الوقت الذي اعتبره الاتحاد الأوروبي خطرا عليه، بسبب سياساته العنصرية تجاه المسلمين، وقراراته بمنع مواطني دول إسلامية من دخول أمريكا.

اقتصاديا استنكر مدراء شركات أمريكية قرار الرئيس دونالد ترامب، بشأن اللاجئين، محذرين من آثاره على الاقتصاد الأمريكي، حسبما نقلته صحيفة "ماشابل"، الأحد 29 يناير/كانون الثاني. ومن "أبل"، و"غوغل"، و"فيس بوك"، إلى "مايكروسوفت" وغيرها من شركات وادي السيليكون، كان الموقف واحدا، وهو أن الحد من الهجرة يضر بالموظفين وبالابتكار. كما تعهدت شركة ستاربكس بتوظيف عشرة آلاف لاجئ في مختلف أنحاء العالم خلال السنوات الخمس المقبلة، ردا على قرار ترامب.

اما على المستوى الامني فالقرار غير مفهوم بالمرة، فالمدة المحددة للقرار هي 90 يوما وعلل ترامب هذه الثلاثة اشهر بتطبيق اجراءات جديدة كفيلة بمنع الحوادث الارهابية، فهل هي كافية لكي يحدث ترامب اجهزته الامنية لمواجهة الاخطار القادمة من هذه الدول الممنوع على مواطنيها دخول الولايات المتحدة الامريكية، والامر الاكثر اثارة، هل ان الارهابيين يتدفقون من هذه الدول حقا؟ بالتاكيد ان هناك دولا يتدفق منها الارهابيين اكثر من هذه الدول مجتمعة فلماذا لم تكن موجودة على هذه اللائحة؟ فقد كان 15 من أصل 19 شخصا كانوا خلف هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة، كانوا سعوديين، كما هو الحال بالنسبة لأسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة، والعقل المدبر للهجمات، فيما يحمل المهاجمون الأربعة الآخرون جنسيات لبنان ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة. بالاضافة الى ذلك فان الهجمات الارهابية التي حدثت في اوربا او الولايات المتحدة في السنوات الاخيرة قام بها مواطنون ولدوا في الدول الاوربية ولا علاقة لهم بهذه الدول التي منع مواطنوها من دخول الولايات المتحدة.

نقطة اخرى مثيرة هي الانتقائية في هذا القرار فالمسيحيون واليهود من هذه الدول مسموح لهم دخول الولايات المتحدة، وهذا البند فاضح وفيه من التمييز ما يحطم كل صور الديمقراطية الامريكية ان بقيت لها صورة اصلا.

ترامب لا يريد من قراره فرض الامن كما يدعي، وهو يعرف جيدا هو وفريق مستشاريه ان الامن لا يفرض بهذه الطريقة، لكن غايته من هذا القرار هو اظهار نفسه بانه شخص التزم بوعوده الانتخابية ونفذها بسرعة البرق، كما انه يريد اثارة المزيد من الضجيج من اجل ابقاء نفسه في الاضواء. لكن الدول العظمى لا تقاد بهذه الطريقة حتما. والقرارات التي يصدرها ترامب تضر الولايات المتحدة قبل غيرها، لكنها قد تفيد ترامب وحده.

امريكا التي عودتنا بانها دولة براغماتية مع ترامب اصبحت ابعد عن براغماتيتها، وهي ابعد عن ديمقراطيتها، وهي بالتاكيد سوف تكون ابعد عن عظمتها، والعملاق الصيني يستفيد من هذه الاحداث ليقضم الوقت المتبقي من عمر الولايات المتحدة من اجل تسنم منصب الريادة الاول في العالم.

هذه ابرز مخاطر القرار الامريكي على امريكا نفسها، وهو بكل تاكيد قرار بعيد عن مبادئ الديمقراطية وعنصري ويحاول جذب اكبر عدد من المسيحيين واليهود المتشددين من خلال استثنائهم من القرار، الا ان الدول الخليجية قد افلتت من ترامب ونراه اقل تشددا معها وهي ايضا باتت تغازله بتصريحات مسؤوليها، فهل هناك صفقة جرت بين الطرفين؟ هذا ما سوف نتناوله في المقال القادم.

اضف تعليق