من الأمور اللافتة للنظر، أن بعض الرجال أو نسبة كبيرة منهم في مجتمعاتنا، يظنون أن المرأة لا حقوق لها عليهم، أو أن حقوقهم عليها غير محدودة بينما ينفي بعضهم الاعتراف بحقوق المرأة، ولا يرى أية أهمية لها، إلا بالكلام والإدّعاء، ولكن في الحقيقة أن كلا الطرفين الرجل والمرأة لهما حقوق على بعضهما، ينبغي احترامها والسعي لتنفيذها بحسب الضوابط الدينية والعرفية والأخلاقية وما شابه.
من الغريب حقا أن يتكلم مثقفون بهذه الطريقة عن الحقوق المتبادَلة بين الرجل والمرأة، ذلك لأنها في الحقيقة لا تختلف عن بعضها من حيث الأهمية والقيمة، فالمرأة لها حقوقها على الرجل، والرجل له حقوقه على المرأة، والطرفان ملزمان بتنفيذ هذه الحقوق بالتفاهم والانسجام، و وفقا للمتعارف عليه من الضوابط الدينية والعرفية والاجتماعية والأخلاقية وسواها، ولا يجوز للرجل أن يظن مجرد الظن انه أكثر حقوقا من المرأة وانه أفضل منها، وإنها ملزمة بتنفيذ حقوق الرجل عليها فيما هو في حل من لك، ولكن عندما نأتي الى مصادر التشريع أو الى تعاليم الدين في هذا الخصوص سوف نكتشف أن للمرأة حقوق على الرجل مثلما للرجل حقوق على المرأة.
كما يوضّح ذلك سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، إذ يقول سماحته في كتاب (من عبق المرجعية):
إن (حقوق النساء على الرجال مماثلة لحقوق الرجال على النساء).
ولكن هل يعني هذا أن الرجال جميعا ملتزمون بهذه الحقوق تجاه المرأة، وهل هناك فجوة كبيرة بين الأقوال والتطبيق الفعلي في الواقع؟ إن المشكلة التي تتعلق بحقوق المرأة تكمن في الأذى الكبير الذي تتعرض في الواقع، علما أن الكلام والشعارات جميلة كلها، وتقف الى جانب المرأة وتطالب بمساواتها مع الرجل، ولكن واقع الحال يقول غير ذلك تماما، حيث تتعرض المرأة الى شتى أنواع التجاوزات على كرامتها، من خلال تعريضها لمواقف لا تليق بها ولا تتوافق مع إنسانيتها، بالإضافة الى أنها أمانة لدى الرجل وينبغي أن يكون مدافعا عنها وحاميا لها لا متجاوزا عليها وعلى حقوقها، وهناك من ينشر الشعارات التي تقف الى جانب المرأة ولكن لا تعدو كونها كلمات خالية من التطبيق.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب تحديدا: (عندما نأتي الى قضية المرأة، نلاحظ أن الشعارات التي ترفع باسمها ليست سوى ظواهر وضجيج فارغ، فتحرير المرأة مثلا كلمة جميلة، ولكن عندما تنبش قلب هذه الكلمة لكي تعرف حقيقتها والواقع الذي تعيشه المرأة المعاصرة في ظلها تكتشف أن فيها تقييد المرأة وإذلالها وليس حريتها كما يزعمون).
الرجل والمرأة أحدهما يكمّل الآخر
في هذا الخصوص يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على العلاقة التكاملية بين الرجل والمرأة، ويرى أن أحدهما يقف الى جانب الآخر لكي يبدو الاثنان في بوتقة واحدة، وهو أمر نراه بالفعل في واقع الأسر الناجحة، لذا نلاحظ أن العلاقة بين الرجل والمرأة غالبا ما تكون ذات صيغة تكاملية، وتتسم بالتعاون والدعم المتبادل، لأن كلاهما بحاجة للآخر لإدامة الحياة على الصعيد الفردي او العائلي.
بهذا المعنى يصعب (إن لم يستحيل) على الرجل أن يشق طريقة في الحياة بعيدا عن المرأة ويصح القول نفسه بالنسبة للمرأة، أي أنها من الصعب أن تعيش وتواصل مشوارها في الحياة بعيدا عن الرجل، في هذا الإطار يرى سماحة المرجع الشيرازي أن العلاقة بين الرجل والمرأة متداخلة لدرجة لا يمكن الفصل فيما بينهما، فيؤكد سماحته:
(مثل الرجل والمرأة في الحياة مثل العظم والغضروف في بدن الإنسان).
هذا التداخل والتعاون والتقارب في الدورين، دور الرجل ودور المرأة، لا يعني أنهما متشابهان في كل شيء من الناحية الجسدية أو النفسية وسواها، فالواجبات المخصصة للرجل تختلف عن واجبات المرأة ولكن هذا لا يمنع التعاون بينهما، بل إن هذا الاختلاف يحتّم التعاون بينهما من اجل تحقيق التكامل المنشود.
وربما لهذا السبب تأتي رؤية سماحة المرجع الشيرازي لتوضح طبيعة هذه العلاقة المترابطة بين الطرفين والمختلفة من حيث المهام تبعا للصفات التكوينية الجسدية والنفسية للمرأة والرجل، والتي حتما ستنطوي على بعض الاختلاف، ولكن هذا لا ينفي إمكانية التعاون التكميلي بينهما. إذ يؤكد سماحته قائلا في الكتاب نفسه:
(من الطبيعي أن تختلف واجبات المرأة عن واجبات الرجل، بسبب الاختلاف الموجود في طبيعتهما، فكما تختلف واجبات الغضروف عن العظم في بدن الإنسان، حيث استقامة البدن بالعظم، وحركته بالغضروف، ولو أردت أن تساوي بينهما فمعناه انك شللت البدن).
ما هي قيمة المرأة في الإسلام
الإجابة عن هذا التساؤل نستطيع أن نأخذها من النصوص القرآنية، ومن الأحاديث النبوية الشريفة، وكذلك من أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام، التي تتعلق بهذا الموضوع، فلم يسبق لفلسفة أو فكر أو مبادئ في أمة من الأمم أنصف المرأة كما فعل الإسلام معها، من حيث حرية الفكر والمساواة، إذ تشهد جميع الوقائع الفرق الكبير بين واقع المرأة العربية قبل البعثة النبوية، فكلنا على إطلاع بحالات الوأد التي كانت تتعرض لها البنات الوليدات من لدن الآباء القساة في المجتمع الجاهلي، فنزلت في ذلك آيات قرآنية منعت تلك العادات المتجنية على المرأة والمسيئة لها من دون وجه حق.
وقد نظّم الإسلام الواجبات والمهام التي يمكن أن تخصص للمرأة بما يتناسب وقدراتها الجسدية، والشيء نفسه يتم مع الرجل أيضا، أما في حالة التوزيع الخاطئ لهذه الواجبات، كما يحدث في العالم الغربي، فإن الخلل والارتباك والتداخل بين الحقوق والواجبات بالنسبة للمرأة سوف يبدو جليا للمتابع.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله الواضح: (إذا أردنا أن ندخل النساء المعامل الثقيلة او نسكن الرجال البيوت للقيام بالمهام المنزلية، فكلا الفرضين شلل للحياة، والدليل على ذلك ما نلاحظه في الحياة الغربية).
ونتيجة لهذا الخلط الغربي الخاطئ بين مهام المرأة والرجل، أي تكليف المرأة بواجبات الرجل وبالعكس، واجه المجتمع مشكلات لا تعد ولا تحصى، ومن أبرز هذه المشكلات التفكك الأسري والانحلال وغياب الاستقرار النفسي للفرد وللمجتمع في وقت واحد، قد يتقدم الغربيون في الفضاء ولكن من ناحية أخرى تفتلك بهم ظاهرة الطلاق وتهز مجتمعاتهم.
يشير سماحة المرجع الشيرازي الى هذا الأمر بقوله:
(العلم يتقدم بالبشر الى الفضاء، ولكن مشاكله تتقدم به الى الطلاق، وتهدّم الأسرة، وتفكك العائلة، والمشاكل الزوجية، لماذا؟ لأن كلا من الرجل والمرأة تخلى عن بعض واجباته وقام بواجبات الآخر، مع أنه ليس كفئا لها، والحياة حياة الأكفاء).
وأخيرا يوجد لدينا أدلّة كثيرة تثبت أن الإسلام منح المرأة الحق في اختيار حياتها مع الرجل المناسب لها كي يشاركها وتشاركه رحلة الحياة الصعبة، أي أن الاختيار ليس حصرا بالرجل كما يُشاع، فمن حق المرأة أن تتخلى عن الرجل الذي لا نجد فيه أهلا لها.
حيث نقرأ في الكتاب نفسه قولا لسماحة المرجع الشيرازي يقول فيه: (لم يتجاهل الإسلام كرامة المرأة واختيارها حتى في مجال الطلاق، فقد ترك لها الإرادة كاملة قبل الزواج، والحرية في ألا تتزوج بشرط أن تكون وكيلة عن الزوج في الطلاق، فيصبح لها هذا الحق كما للزوج).
اضف تعليق