عرض وتحليل: الدكتور خالد عليوي العرداوي
مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
بقلم: ريناد منصور-مركز كارنيغي
ترجمة: هبه عباس

 

في اطار الاستعداد والتنبؤ بما ستؤول اليه تطورات الاحداث بعد معركة تحرير الموصل نشر الكاتب المتميز في (مركز كارنيغي) الأمريكي السيد (ريناد منصور) يوم الثالث من شهر تشرين الأول- أكتوبر الجاري مقالا بعنوان (المعارك السياسية في بغداد بعد معركة الموصل) قال فيه:

"في الحقيقة يفكر ويركز الجميع في العراق على المعركة القادمة لطرد الدولة الإسلامية في العراق والشام" داعش"، من مدينة الموصل العراقية، كما يستمر الكثير من المحللين في التركيز على التوترات الطائفية التي ستحدث بين السنة والشيعة والأكراد في مرحلة ما بعد" داعش" في العراق، وفي الوقت ذاته ظهرت معركة اخرى في بغداد بين الفصائل الشيعية الامر الذي يشكل خطراً وجودياً على الدولة العراقية، كما اطلق البرلمان العراقي مؤخرا حملة لمكافحة الفساد اذ اقال البرلمان العراقي وزير الدفاع خالد العبيدي السني ووزير المالية هوشيار زيباري الكردي ، المتواطئ كلاهما مع شكل من اشكال الفساد ، مثلما قالت النائبة في البرلمان العراقي حنان الفتلاوي" الجميع تقاسم الكعكة واصبح سعيداً ... جميعنا مستفيدون"، والسؤال المطروح هو لماذا في هذا الوقت؟ ولماذا هؤلاء الأشخاص؟

الجواب المتفائل هو ان اجراءات الفساد هذه هي تكملة ضرورية لمعركة حقيقية ضد " داعش"، اذ ان الحل العسكري لن يكون كافياً، وان هزيمة المجموعة بشكل كامل تتطلب اقناع الناس بأن الحكومة المركزية تتسم بالمسؤولية وتمثلهم. ووفقا لهذا الرأي، فإن الاجراءات البرلمانية الحالية تسلط الضوء على تنامي قوة الدولة العراقية، وبفعل الشكوى المستمرة للشارع العراقي من الفساد والفاسدين نلاحظ تحرك مؤسسات الدولة لأول مرة ضد الشخصيات الفاسدة التي هيمنت على الحكم منذ عام٢٠٠٣.

ضغط الحكومة

في الواقع تتسم الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء حيدر العبادي بالضعف، كما يواجه العراق ازمة امنية "داعش" فضلا على الأزمة الاقتصادية، ولا يوجد وزير دفاع ووزير داخلية ووزير مالية. ويستمر الضعف في الدولة بسبب عدم التوافق بين القوى الشيعية، فمنذ حكم النخبة الشيعية للبلد فإن الصراع الداخلي بينها يمثل أكبر تهديد للدولة، وبالنسبة لواضعي السياسة او صناع السياسة فإن عدد من الاجابات المتعلقة بمستقبل السياسة في العراق ما بعد "داعش" تكمن في ديناميكيات مثلث السلطة بين القوى الشيعية والدولة نفسها.

القوة الشيعية الأولى في العراق هي القوة التي يقودها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي فقد منصبه منذ عام ٢٠١٤ لكن بقي له تأثير، ولايزال يعمل بنشاط للتشكيك في ادارة العبادي على الرغم من انتمائه لنفس الحزب الذي ينتمي اليه العبادي "حزب الدعوة"، وتشمل هذه المجموعة كبار الشخصيات من قوات التعبئة الشيعية بما فيهم هادي العامري ومنظمة بدر، وقيس الخزعلي زعيم عصائب اهل الحق، وابو مهدي المهندس القائد السابق لكتائب حزب الله، وقد ادى القتال ضد" داعش" الى زيادة اهمية هذه الشخصيات التي استغلت فتوى اية الله السيد السيستاني لتجنيد الآف المقاتلين وادعاءهم الدفاع عن بغداد، ولايزالون يتسمون بالقوة وذلك بسبب الدعم المسلح الذي تقدمه ايران لهم ولا يزالون يقاتلون في الخطوط الأمامية ضد " داعش" وبدعم من الحكومة.

وان الهدف من هذا التحالف في نهاية المطاف هو الظهور على الساحة السياسية في مرحلة ما بعد "داعش" في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة والانتخابات البرلمانية عامي 2017 و2018، واصبح هذا جلياً عندما حاول نوري المالكي انشاء كتلة انتخابية تمكنه من المنافسة في الانتخابات المقبلة، وفي الوقت ذاته ستواصل المجموعة استخدام حلفاء من البرلمان مثل هيثم الجبوري الذي يرأس لجنة مكافحة الفساد لاستهداف المعارضين المحتملين، بما في ذلك الحزب الديمقراطي الكردستاني" زيباري" وبعض زعماء السنة" العبيدي" والتيار الصدري، وسوف يسعى الى تشويه سمعة العبادي ومن المحتمل ان يتم استجوابه.

والقوة الثانية هي الحركة المحتجة ضد حكومة العبادي منذ اكثر من سنة، القوة التي يقودها رجل الدين الشيعي الأكثر شعبية مقتدى الصدر، اذ يدعو الصدر الى اقالة الوزراء القدامى والاستعاضة عنهم بوزراء تكنوقراط ، وقد ظهرت سلطة الصدر في شهر نيسان عندما قاد آلاف لاقتحام المنطقة الخضراء والبرلمان، وقد اجبر نفوذ المجموعة العبادي على اجراء ثلاث تعديلات في شهر نيسان/ابريل، وللأسف كان يفشل في كل مرة بسبب تأثير قوة التعبئة الشعبية، لكن على الرغم من هذا تمكن من تعيين وزراء تكنوقراط في ست وزارات، ووفقا لقول زعيم التيار الصدري فإن الحركة الشعبية لديها اسلحة واموال اقل من التي تملكها قوة التعبئة الشعبية لأنها تعارض النفوذ الإيراني في العراق، لكن لديها القدرة على حشد الملايين الأمر الذي يجعلها تشكل خطراً على ادارة العبادي.

تتنافس كلا القوتين غير الحكوميتين من اجل السيطرة على السلطة التي يقودها السياسيون الشيعة، ويعود هذا العداء الى عام ٢٠٠٨ الوقت الذي هزم فيه نوري المالكي جيش المهدي في عملية" صولة الفرسان"، وبعدها حاول الصدر لكنه فشل في الإطاحة بالمالكي عام ٢٠١٢ وذلك باستخدام حجب الثقة في البرلمان.

السيطرة على الدولة

في الوقت الذي يختلف فيه هذان الفصيلان المتنافسان في نواحي كثيرة، لكن لهما الاهداف نفسها في مرحلة ما بعد "داعش"، الا وهي السيطرة على مؤسسات الدولة وتعزيز قوة وسلطة الدولة، والخطوة الثانية هي ادارة انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات البرلمانية القادمة. يحسب المالكي ان الفوز في هذه الانتخابات سوف يؤدي الى تشكيل كتلة انتخابية تتألف من فصائل قوة التعبئة الشعبية التي يعدها معظم العراقيين قوة ذات شأن ولا يمكن المساس بها بخلاف اي شخصية سياسية او دينية في العراق، ويحرم انتقادها بسبب التضحيات التي بذلها افرادها في المعركة ضد "داعش"، وان لم يتمكن من القيام بذلك، فمن المرجح ان يتحول الى الحلفاء الشيعة الآخرين مثل عمار الحكيم الذي تم تنصيبه مؤخرا رئيساً للتحالف الوطني العراقي.

وحتى لو لم تتمكن جماعة المالكي من الوصول الى السلطة، سوف تواصل العمل خارج الدولة بشكل مباشر او غير مباشر لإقامة هياكل سياسية موازية للضغط على الحكومة واضعاف منافسيهم، على سبيل المثال يرغب العديد من قادة قوة التعبئة الشعبية في الاقرار والاعتراف بقوتهم شبه العسكرية كجزء دائم او مستقل في الحكومة العراقية، كما ودعا البعض بما فيهم نوري المالكي الى انشاء مؤسسة مماثلة للحرس الثوري الإيراني، وعلى اية حال ستحاول هذه المجموعة اسكات التيار الصدري بمساعدة حليفها القوي ايران، ومن المرجح ان تستمر في استخدام نفوذها في البرلمان لاستهداف المعارضين.

وعلى النقيض من ذلك، يعمل التيار الصدري من اجل ضمان عدم تسلم المالكي وحلفاءه من قوة التعبئة الشعبية مواقع مؤسسية في الدولة، وقد أصدر الصدر مؤخراً مرسوما يحذر قوة التعبئة الشعبية من الانضمام الى العملية السياسية، وبدلاً من ذلك يريد من قادة هذه القوة المتحالفين مع المالكي اما الخضوع للحكومة او مواجهة طردهم من العراق.

في الطليعة: السياسة الداخلية الشيعية في بغداد

العبادي عالق في الوقت الراهن بين هاتين القوتين التي تسعى كل منهما الى ابقاء نفوذها في الدولة، وتسببت في الحد من قدرة رئيس الوزراء في الحفاظ على مجلس الوزراء في هذه الأوقات الخطيرة. ولاتزال هذه القوات غير التابعة للدولة منبوذة، ومن غير المرجح ان تجري تحقيقات فساد ضد المالكي الذي يشاع انه استولى على المليارات من الدولة وليس الملايين التي تمت مقاضاة العبيدي وزيباري عليها، وما يزال الصدر فوق سيادة القانون فعندما نظم اعتصاما في المنطقة الخضراء قام الجنرال المسؤول عن الأمن بتقبيل يده بدلاً من تأنيبه.

في مرحلة ما بعد "داعش" في العراق خاصة بعد الانتخابات الرئيسة المقبلة عام ٢٠١٧ و٢٠١٨، سوف يتحول الانتباه صوب الصراعات السياسية الداخلية في بغداد، وستكون لهذا الصراع الشيعي الداخلي على السلطة آثارا على عملية تشكيل الحكومة عام ٢٠١٨ ومستقبل بناء الدولة العراقية، وسوف يواجه العبادي صعوبات خطيرة لحماية رئاسته من هذه القوى التي تتسم بالقوة. وستكون عملية تشكيل الحكومة جزء اساسيا من الانتصار السياسي اللازم لاستكمال النصر العسكري على "داعش" لضمان تحقيق الانتصار في الحرب الأوسع ضده، وستستمر بغداد بمتابعة العملية السياسية التي ستضمن مشاركة جميع الطوائف العراقية فيها، واذا استمر فشل الحكومة سوف تستمر جماعات مثل "داعش" والقاعدة سابقاً بالظهور مرة اخرى، ويجب على صناع السياسة الغربيين ان يفهموا الصراع الداخلي على السلطة في العراق للتأكيد واثبات عدم ظهور" داعش"-الذي يعتمد على فشل الدولة-بشكل اخر بعد بضع سنوات في المستقبل".

نظرة تحليلية

ان هذا المقال هو في غاية الاهمية بالنسبة الى صناع السياسات والمحللين العراقيين وغير العراقيين، وعلى الرغم من التحفظات على بعض فقراته الخاصة بالعلاقة الشيعية-الايرانية وتحميله الشيعة لوحدهم مسؤولية المشاكل التي تعاني منها بغداد، الا ان تحليله واقعي بشكل كبير خاصة فيما يتعلق بكون القوى الشيعية تتحمل مسؤولية كبيرة في الحفاظ على بناء الدولة العراقية وتطوير تجربة الحكم في هذا البلد لو ارادت ان تفعل ذلك بعيدا عن تقاطعها في المصالح والولاءات.

كذلك تبرز اهمية المقال من تركيز الكاتب على طبيعة الصراعات التي ستجري في بغداد خلال السنتين القادمتين بعد تحرير العراق من داعش، تلك الصراعات التي يمكنها ان تهدد نفوذ الحكومة بقيادة السيد العبادي، وتعرضها الى حملة تسقيط متعمدة من اجل اضعافها والاستيلاء فيما بعد على السلطة. وهذه الصراعات لا تهدد عملية تشكيل الحكومة القادمة، وتعطيل ملفات مهمة كملف مكافحة الفساد، واعمار العراق، وتنظيم علاقاته الخارجية، بل انها تهيئ الارض الخصبة لإعادة انتاج نسخة جديدة من داعش في المستقبل. فهل ان النخبة السياسية العراقية مستعدة لتحمل مسؤولياتها والتخلي عن صراعاتها لمصلحة بناء الدولة والاستفادة من الاخطاء وعدم تكرارها؟

هذا ما ستكشف عنه الشهور القادمة بالتأكيد.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

...............................

http://warontherocks.com/2016/10/the-political-battles-in-baghdad-after-the-battle-for-mosul/

اضف تعليق