لابد من وجود أسباب تقف وراء الاساءة، لمقام النبي الكريم صلى الله عليه وآله، مصدر هذه الاساءات التي تأتي بأشكال وسبل عدة، أناس لا يعرفون الاسلام جيدا، ولم يطلعوا عليه بصورة جوهرية، بل تأثروا بما هو محرَّف او منحرف من تاريخ الاسلام، الذي أساء له زمرة من الساسة والمؤرخين، ساسة متغطرسون كذّابون وسفاحون، يعاضدهم مؤرخون مزيفون محرِّفون، هذا الطرفان إلتقيا لكي يوجها أكبر الاساءات للاسلام، ولنبي الرحمة ومقامه الكريم، وعندما نطلع على الحكام الذين حكموا المسلمين بعد النبي الاكرم وقبل وبعد الامام علي بن ابي طالب عليهم الصلاة والسلام، سنصل الى يقين تام بأنهم أسسوا الزيف والزور، وعملوا على الاساءة للاسلام ورموزه العظمى بصورة ممنهجة وعن سبق الاصرار.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمته التي وجهها للمسلمين مؤخرا، حول الاساء لمقام الرسول الاكرم:
(إنّ من أهم أسباب الإساءة إلى مقام وشخصية مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، في الغرب وغيره، يعود إلى أمرين: الأول: هناك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أكْثَرَ من روايته العامّة والخاصّة بطرق مختلفة لدرجة قد تبلغ حدّ التواتر، من أنه صلى الله عليه وآله قال: «كثرت عليّ الكذّابة وستكثر» وفي بعضها بزيادة: «بعدي». والمقصود بالكذّابة على رسول الله صلى الله عليه وآله الذين يختلقون الأحاديث وينسبونها له، أو يلصقون بسيرته صلى الله عليه وآله ما ليس من سيرته).
وهذا أمر يمكن ملاحظته بصورة واضحة لمن يدقق في الروايات والاحاديث المختلَقة والمنسوبة زيفا وزورا الى نبي الرحمة، فهناك كتب كثيرة حملت في بطونها ما لا يتفق مطلقا مع شخصية الرسول صلى الله عليه وآله، وبما لا يتفق اطلاقا مع سلوكه الانساني العظيم، وهناك أمر آخر يؤكده سماحة المرجع الشيرازي قائلا:
أما الامر الثاني: (لقد أعلن الإمام الحسين صلوات الله عليه في واقعة عاشوراء أنه يسير بسيرة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسيرة أبيه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. والسبب في قول الإمام - أسير بسيرة أبي- هو لأن الذين جاءوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وقبل أمير المؤمنين صلوات الله عليه وبعده، كانوا قد شوّهوا صورة الإسلام بتصرّفاتهم وأسلوب حكمهم وإجرامهم وفسادهم وإفسادهم).
خلفاء لا يستحقون هذا الشرف
اذن من أسباب الاساءة، أولئك الساسة الذي اطلقوا على أنفسهم خلفاء للمسلمين، وهم لا يستحقون هذا التشريف من بعيد او قريب، لسبب بسيط، أنهم لا يستحقون ذلك بسبب اعمالهم وافعالهم التي يندى لها الجبين، والتي لا تمت للاسلام بصلة، فمن هؤلاء البعض ممن اصبح حاكما على رقاب المسلمين من انتهكوا حرمة الناس باسم الاسلام وقتلوا الابرياء من شيوخ مرضى ونساء حوامل وأطفال.
إذ يقول عنهم سماحة المرجع الشيرازي في كلمته المذكورة: (بعضهم سمّى نفسه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله، ومنهم معاوية، الذي قام وخلال يوم أو يومين أو ثلاثة وعبر مبعوثه بسر بن أرطاة إلى اليمن، بذبح أكثر من ثلاثين ألفاً من الأبرياء في اليمن، كان فيهم الرضّع والشيوخ والحوامل والأطفال. وقد قتل هؤلاء الأبرياء لا في حرب بل لأنهم كانوا يعتقدون بعليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه بأنه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله فقط).
من المؤكد ان الذين يطلعون على تاريخ قادة من هذا النوع وهم لا يعرفون الجوهر الحقيقي للاسلام، سوف يتصورون ان الاسلام يتمثل بهؤلاء المسيئين له، مثلما حرّفوا الاحاديث ونسبوها الى شخص الرسول الكريم، وهو حاشاه لم يقلها ولم يعمل بها، ولكن كتبهم ومؤلفاتهم في التحريف والتزييف حملت مئات، بل آلاف الروايات والاحاديث التي نسبوها لشخص النبي الاكرم، مما يشكل إساءة متعمدة، أصبحت في العصر الراهن منطلقا لإساءات متواترة تجرّأ على اطلاقها وإلحاقها بشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، نفر ضال كونهم لم يطلعوا على التأريخ الحقيقي للاسلام ولا على السيرة النبوية الحقيقية وأبعادها الانسانية المعروفة، ولا شك أن التحريف والصاق التهم الكاذبة بالرسول الكريم يدفع الاخرين للنفور من الاسلام والابتعاد عنه.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (وربّ سؤال يطرح وهو: لماذا ابتعد الناس عن الإسلام وتنفّروا منه؟ والجواب الحقّ على ذلك هو: أسلوب وتعامل بني أمية وبني العباس، هو الذي أدّى إلى ذلك. فقد ذكرت كتب العامة بأن آخر سلطان من سلاطين بني أمية الذين كانوا يسمّونهم بخلفاء الله وخلفاء رسوله، وهو مروان، قد غضب على رجل، فطلبه، وأحضروه عنده، فقام (مروان) بقلع عيني ذلك الرجل بأصابعه).
ماذا نعرض للناس من نماذج؟
إنها كما يتضح للجميع أعمال وأفعال وأفكار يندى لها جبين الانسانية، فهي من الاسلام براء، ولا تمت للانسانية بصلة، بل ان سلوكيات الحكام الامويين والعباسيين تمثل عارا على اصحابها، وهي لا علاقة لها بتأريخ الاسلام المشرق، الذي نقل الناس من ظلام الجهل الى فضاءات النور الواسعة، ومما يثير العجب والأسف في نفس الوقت، أن اولئك الحكام لم يتركوا للناس ما يمكن أن يفخروا به، فتأريخ اولئك الحكام يغص بالظلم والوحشية، ولا يمكن لأحد أن يفتخر للانتساب له.
وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي قائلا في كلمته نفسها: (هل هناك ما يستحقّ أن نعرضه للعالمين؟)، ويضيف سماحته متسائلا: (هل نعرض عليهم ونعرّف لهم حكومة معاوية أم يزيد أم حكومة بني مروان أم هارون، أم المأمون، أم البهلوي، أم صدام، أم القذافي؟ فإذا عرّفنا للعالمين أيّ حاكم ممن حكموا في البلاد الإسلامية، عدا النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فسيكون ذلك مدعاة على العار والخجل).
إنه للأسف تأريخ مخز، لا يشرف احد للانتساب إليه او التحدث عنه والاستشهاد به، كما انه لا يمكن أن يكون إلا وسيلة طاردة للناس عن الاسلام، ولابد أن من يطلع على هذا التاريخ الذي يغص بالجرائم يولّي هاربا من الاسلام، لأنه يظن أن هؤلاء هم من يمثل الاسلام، في حين أن الاسلام الحق هو اسلام محمد صلى الله عليه وآله، وهو اسلام أئمة أهل البيت عليهم السلام، هؤلاء هم أهل البيت، وهم الأدرى بما يمثله دين جدهم، أما الآخرون الذين لم يعرفوا عن الاسلام سوى السلطة والتمتع بمزاياها من حكام أمويين وعباسيين، فهؤلاء وسيرتهم وتاريخهم المنحرف لا يمكن أن يمثلوا الاسلام الحق، كما أن التحريف الذي ادخله المؤرخون والكتَبَة التابعين لهم، لا يمكن أن يمثل روح الاسلام وجوهره، إنما هو تلفيق وتزييف وتحريف ألصق بالنبي الاكرم صلى الله عليه وآله زورا وبهتانا.
لذا يدعو سماحة المرجع الشيرازي جميع المسلمين الى أهمية الاطلاع على تاريخ وسيرة اهل البيت لكي يطلعوا على الاسلام بجوهره الحقيقي، لكي بقوم المسلمون بدورهم في التصحيح ورفض التزييف لاسيما الشباب منهم، ودعوة الآخرين للنظر الى الاسلام الحقيقي عن طريق اهل البيت عليهم السلام، وليس عن طريق اعدائهم واعداء الانسانية جمعاء.
ويرشدنا سماحة المرجع الشيرازي الى هذا الطريق القويم قائلا: (يجب على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، بالأخصّ جيل الشباب، أن يقوموا بمطالعة ومعرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله من التاريخ الذي كتبه أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، لا مما كتبه غيرهم، فأهل البيت أدرى بمن فيه، كما قيل).
اضف تعليق