يردد العراقيون دائما كلمات وجُمَل من قبيل، إننا محرومون من العيش الكريم، مظلومون، ثرواتنا تذهب لغيرنا، يترفهون بها ونحن نعيش الفقر والفاقة بكل أشكالها وألوانها، حتى أصبح وصف الشعب (الغني الفقير)، ينطبق علينا تماما، فأرضنا المعطاء، فيها خيرات وثروات قادرة على أن تمنحنا العيش الكريم والرغيد، لكننا لم نرَ في هذه الدنيا سوى العذاب والألم بسبب موجات الفقر التي تضرب النسبة الأكبر من شعبنا، حتى عندما تخلصنا من الطغاة، لم نتخلص من الفقر والظلم.
فعندما جاء الثوار لكي يديروا العراق، توسمنا بهم خيرا، وتوقعنا منهم إدارة مختلفة عن الطغاة، تسير على خطى ادارة الرسول (ص) وادارة أمير المؤمنين (ع)، ديدنها العدل وعنوانها المساواة، وعدوّها اللدود الفقر، ولكن لم يحدث شيء من هذا، وكأننا محكومون بالفقر والفساد الى يوم يبعثون، فلا الثوار عندما تسلموا ادارة البلاد أنصفونا، ولا الطغاة من قبلهم حافظوا على كرامتنا، وهكذا ضاع العراقيون بين العهدين، عهد الطغيان وعهد الديمقراطية!.
لهذا بقي العراقي محاطا بالحاجة من كل الأصناف والأشكال، فأينما يتلفت يجد نقصا ما يحاصره، وأينما يوجّه البصر يجد مشكلة تتهدد كيانه، فبقي محتاجا لسد النواقص الكثيرة التي يعاني منها، وكم كان واهماً عندما تصوّر وتوقع أن الثوار القادمون من المنافي سوف يعوضونه عن عقود الظلم والألم.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية)، حول هذا الموضوع: (العراقي الذي عاش سنين متمادية في ظلام حالك، تطوّقه الاحتياجات الكثيرة من كل الجهات).
ويضيف سماحته أن العراق يحتاج (إلى إدارة لا تدع حتى النصراني العاجز أن يستعطي، إلى إدارة لا تدع العدوّ المدجج بالسلاح عطشاناً... إننا بحاجة إلى مثل هذه الإدارة، وأية إدارة لا تكون في عراق المستقبل بهذا المستوى فستكون أيضاً مقدّمة لسلسلة من المشاكل للجيل الصاعد والأجيال الآتية).
العراق بلد الخيرات
قديما كان العراق يسمى (أرض السواد) في إشارة الى كثرة الأشجار والبساتين والخيرات الزراعية في هذه البقعة التي وهبها الله نهرين هما (دجلة والفرات) وتربة طيبة، فكان خراجها خيرا وفيرا يعود الى الحكام، ولكن كان العراقيون يبقون على فقرهم، ومع تطور الصناعة، تم اكتشاف الذهب الأسود، وتبيّن، أن أرض العراق حبلى به، فشخصت عليه عيون الجشعين الطامعين من الدول الكبرى والدول الإقليمية، فشنوا الحروب عليه، وشغلوا شعبه بالفتن، ووضعوا النفط نصب أعينهم.
فعينوا الحكام التابعين وأنشأوا الحكومات العميلة، فصار الذهب الأسود من حصة (غير) العراقيين، وبقي العراق بلدا يعاني هو وشعبه من أشكال الفقر، ولم يحصل من ثرواته حتى على النزر اليسير، فالطبقة الحاكمة التابعة العميلة، تأخذ حصتها والباقي لأسيادها، وللشعب الفتات الذي لا يسد الرمق، والسبب هو الإدارة الفاسدة والتابعة والجشعة والظالمة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (إنَّ العراق بلد الخيرات، وهو بلد غني بكل شيء، وقد فضّل الله سبحانه وتعالى هذه المنطقة وهذه القطعة من الأرض معنوياً ومادياً، ولكن مع كل ذلك حدثت هذه المظالم وهذه المشاكل وصارت الإدارة بيد المجموعة الطاغية التي ترون، فتحوّل العراق، إلى بلد فقير يستورد كل شيء).
تُرى هل يحتاج العراقيون الوقوف معهم، وكيف يمكن تقديم المساعدة لهم، ثم لماذا يأتي البعيد الغريب كي يقف الى جانب العراقيين، فيما يتخلى عنه أهله والمقربون والقريبون، ألا يستحق العراق أن يقف معه المخلصون من أهله والمقربين منه، ليس صحيحا ترك العراق يعاني من المشاكل، او من الفقر، لاسيما أنه من أغنى بلدان العالم، لابد أن يحصل على إدارة شريفة، وأناس مخلصين له.
هذه الأهداف ينبغي أن يسعى الى تحقيقها كل من يحب العراق، ولا يصح إعطاء فرصة للغرباء والأعداء كي يجعلوا من حياة العراقيين مدججة بالمصاعب الأمنية والتعليمية والصحية والاقتصادية والخدماتية بوجه عام، هذا الشعب الصبور يحتاج الى من يقف معه ويعينه ويمده ماديا ومعنويا، وهذه مهمة الأشقاء المقربين منه، ينبغي أن يقفوا الوقفة الصحيحة المشرفة، التي تزيح الفقر عن كاهل العراقيين، وتعيد إليهم كرامتهم، وتمنحهم الأمان والعيش بسلام، في ظل إدارة حريصة ملتزمة مخلصة، لا يشغلها الطمع والجشع وتنسى واجبها الأهم في مراعاة العراقيين وتعويضهم عن أزمنة الجرمان التي أذاقتهم الويلات.
لذا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي في هذا الخصوص، ليقول: (لماذا ننتظر غير المسلمين ليقدّموا المعونة لأحبّتنا في العراق، ولماذا ندع الأغيار يساعدونهم، فعلى كل واحد وبحسب وسعه، أنْ يعمل في هذا المجال، شخص عنده فيعطي، والآخر ليس عنده فيشجّع هذا وذاك... علينا جميعاً أن نؤدّي مسؤولياتنا فـ (كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته).
مسؤوليتنا في بناء العراق؟
من هنا ينبّه سماحة المرجع الشيرازي الجميع على نقطة مهمة وجوهرية، عندما يطلب من الكل أن يتابعوا عن كثب كل ما يجري في العراق، حتى يكون هناك الاستعداد اللازم لمواجهة الأعداء وما يخططونه لهذا البلد وشعبه، كذلك حتى يكون هناك استعداد وتهيّؤ للمواجهة إذا ما تطلّب الأمر ذلك.
لذا يحذر سماحته بوضوح عندما يقول بالصوت الواضح: (ينبغي على الجميع الانتباه والالتفات لما يجري في العراق). هذه الإشارة بالغة الوضوح ولا تحتاج الى تفسير، بمعنى أن العراق بحاجة إليكم، وعليكم أن تقدموا الدعم التام له ولشعبه.
ويرى سماحة المرجع الشيرازي أن هنالك مسؤولية كبيرة ينبغي التصدي لها في هذا الخصوص، بحيث يتكلم سماحته بضمير الأنا، وليس بضمير الغائب او ضمير الآخر، فيقول المرجع الشيرازي في هذا المجال: (يجب علينا أن نقوم بدور مسؤولية بناء العراق، فإن مسؤوليتنا كبيرة وواسعة وبحاجة إلى جهود كثيرة وكثيرة، فكل إنسان من الممكن أن يكون شمعة في هذا المجال).
وكل من يتقدم خطوة في هذا الجانب، فهو بمثابة الضوء الذي ينير درب العراقيين اولا، ثم يشكل للآخرين حافزا كي يقفوا الى جانب العراق في مرحلة إعادة البناء والتنظيم، فسماحة المرجع الشيرازي لا يريد أن يشعر العراقيون بأنهم وحدهم في الساحة في مواجهة الأعداء بل هناك الألوف المؤلفة التي تقف الى جانبهم ضد كل من يريد بهم الشر والسوء.
كذلك ثمة نقطة مهمة جدا يؤكد عليها سماحة المرجع الشيرازي، وهي بمثابة حجر الزاوية في قضية الدعم المطلوب للعراقيين، هذه النقطة تتعلق بتقديم الدعم المعنوي والمادي للعراقيين على حد سواء، وهذا الدعم تتطلبه المرحلة الحالية المعقدة التي يحاول العراق أن يتعدّاها بسلام، ليس هذا فحسب، أي أن العراقيين سوف يحتاجون الى المؤازرة حتى عندما يتجاوزون المرحلة الراهنة، ففي المستقبل أيضا يحتاج العراق الى الدعم المتواصل، والنصح، والمؤازرة والإسناد والتفاعل، حتى يتمكن من درء الخطر القادم من الخارج، ومقاومة الفساد والخطر الداخلي في الإدارة التي ينبغي أن تتمتع بالحرص والعدل والإخلاص.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (العراق بحاجة إلى سيل من المعنويات الماديّة والفكرية والعلمية والصحيّة، في هذا اليوم هو بحاجة إلى كل ذلك، وغداً أكثر احتياجاً إليها).
اضف تعليق