ونحن نفكر ونخطط ونتحرك ونتكلم كي ننجز شيئا ما، فإن هناك من يقرأ أفكارنا، ويكتشف نيّاتنا ويعلم بمخططاتنا، ويرى حركاتنا ويسمع كلامنا، باختصار هناك من يرى ما نبطن ونظهر على حد سواء، واذا كان الظاهر معروفا، فإن الباطن كما نظن سيبقى خافيا، ولكن هنا من لا يخفى عليه شيء، إنه يرى من وراء (السطور)، فمن يمتلك مثل هذه القدرة على كشف بواطن الإمور؟؟، إنه المنقذ المخلص والحجة المنتظر (عج).
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في الكتاب الموسوم (من عبق المرجعية)، إن الإمام المهدي (عج): (يرى كلامنا وأجسامنا وكل ما يظهر منّا، ويرى كذلك ما وراء الكلام والسطور، ويرى الفكر والنوايا، فهو يرى الشيء الذي نفكّر فيها عندما نتكلّم أو نكتب).
وتأسيسا على هذا القول، تُثار تساؤلات عديدة في منتهى الأهمية، أهمها من له القدرة على رؤية ما يبطن الناس، ويتمكن من قراءة النفوس، ويعرف مسبقا ماذا تخطط العقول؟، ويحدد مسبقا مسارات الخير والشر لهذا الانسان او ذاك، انها اشبه بالمعجزة وهي خبة إلهية لا يمنحها الله تعالى إلا لمن يستحقها، ومن يحصل على هذه المكانة فإنه مخول بالارادة الإلهية للقيام بمهام عظيمة، منها نشر العدل في الارض، وتعويض الفقراء والمحرومين، ومقارعة الجبابرة والظالمين، تُرى من له كل هذه القدرات العظيمة، غير الامام المهدي (عج)؟؟.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب المذكور نفسه: (لنحاول في مناسبة مولد الإمام الحجّة عجّل الله فرجه الشريف تحصيل رضا الإمام فإنه رضا الله، ورضا الإمام هو في أن نعمل بواجبنا وعقائدنا.(
لقد اراد الله سبحانه، أن يرعوي الانسان، وأن يكون عادلا وفاعلا على الارض، فمع الحركة والانتاج وتقابل الارادات والمصالح والطموحات وحالات الجشع والطمع، هناك مبدأ عظيم اسمه العدل والمساواة، بغياب هذا العدل ينتشر الظلم، ويزداد الفقر، ويعاني أناس كثر من هذا الظلم، في حين تبقى أقلية طاغية تتنعم بحقوق الفقراء تجاوزا على ما يدعو إليه الله والاسلام والرسول الكريم (ص) وأئمة أهل البيت (ع)، علما أم الأنبياء الذين أرسلهم سبحانه الى الأمم كان الهدف دائما هو اصلاحهم ووضع اقدامهم على الجادة الصواب، واذا بقي هذا الهدف غير مكتمل، فإن الامام الحجة المنتظر (عج)، هو الذي سيقوم بدور الاكتمال التام لإرادة الله.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: )سيحقّق الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وكما وعد الله سبحانه، النتيجة النهائية التي أرادها الله تعالى من وراء بعثة الرسل والأنبياء كلهم، من لدن آدم حتى النبي الأعظم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
مضاعفة المطالعة العميقة
كيف يفهم الانسان العادي، هذه المهام المهدوية الكبيرة، وكيف يطلع على هذه الامور الكبيرة في جوهرها، إن عملية الاصلاحات سينهض بها الامام المهدي (ع) كبيرة وعظيمة وتحتاج الى معرفة كبيرة واستعداد وفهم كبير وعميق، ولذلك لابد أن يطالع جميع الناس المؤمنين بدور الامام المهدي المنتظر (عج) ويتدبروا هذا الأمر بصورة جيدة ومكتملة، كي يعرفوا ويطلعوا على طبيعة المهام التس يقوم الامام المهدي (عج)، بعد ظهوره، وما هي طبيعة التمهيد المطلوب في هذا المجال، فهناك كتب كثيرة وموثوقة تقدم مثل هذه المعلومات الكبيرة لجميع الناس، منها على سبيل المثال كتاب (لماذا الغيبة) لمؤلفه الفقيه المقدس السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته) وهو في عليين.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بالكتاب المذكور نفسه: (إنّ موضوع الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه من المواضيع العميقة والواسعة، والمتشعّبة الجوانب، والكثيرة الفروع، الأمر الذي يتطلّب منّا أن نزيد من مطالعاتنا، وبتدّبر، في هذا الموضوع الهام).
ولأن الله تعالى أوكل مهمة الاصلاح الأبدية الى الامام الحجة المنتظر (عج)، فهذا يعني أن الامام يرى أعمالنا ويعرف ما في نفوسنا وإن لم نعلن او نُظهر ذلك، فكل الأعمال التي نقوم فيها على وجه البسيطة بأدق تفاصيلها ظاهرة للامام المهدي (عج) ويعرفها بالتفاصيل.
يقول سماحة المرجع الشيرازي عن هذا الجانب: (إن الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله فرجه الشريف يرانا ويرى أعمالنا، كما ورد في تفسير قول الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
الإمام مؤيّد بروح القدس
إن الامام الحجة (عجل) مؤيد بروح القدس، ولذلك له قدرات كبيرة منحها الله تعالى له، كي يقوم بالدور الاصلاحي الذي يكون قادرا على تحقيق ما عجز عنه قادة البشر، فمبدأ الاصلاح يحتاج الى العدل والمساواة والقدرة على استبطان ما تضمره النفوس والعقول والقلوب من افكار ونوايا وأعمال، لذلك يرى الامام في كل ساعة بل في كل لحظة، ادق التفاصيل ويسمع الكلام ويقرأ ما في اعماق الانسان.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا المجال: (الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف، وكما في الروايات، مؤيّد بروح القدس، وبينه وبين الله عزّ وجلّ عمود من نور يرى فيه أعمال العباد، وكل ما يحتاج إليه، فهو يرى كلامنا وأجسامنا وكل ما يظهر منّا، ويرى كذلك ما وراء الكلام والسطور، ويرى الفكر والنوايا، فهو يرى الشيء الذي نفكّر فيها عندما نتكلّم أو نكتب، وفيما إذا كانت نيّاتنا وأفكارنا لله؟ أو لكي يقول الآخرون عنّا أننا نجيد الكلام أو الكتابة وأن مواضيعنا أفضل من غيرنا؟ هذه الأمور يراها الإمام أيضاً.. يراها منّا في كل ساعة وفي كل لحظة).
لهذا على الانسان المؤمن أن يستعد لدوره في الحياة بصورة جيدة، وعليه أن يبتعد عن التجاوزات والمحرمات، وأن يسهم في صناعة الحياة التي ترتكز على مقومات الخير والسعادة وكل القيم التي ترضي الله ورسوله وامام العصر الحجة المنتظر (عج)، ولا يوجد أحد غير مشمول بهذه الواجبات المهمة، فطالما يبلع الانسان المسلم سن التكليف، فإنه يدخل ضمن الناس المشمولين بالواجبات التي وضعها الشرع، وارادها الله تعالى ورسوله، وأكد عليها أئمة أهل البيت (ع).
أما دور الامام الحجة المنتظر فهو رؤية ما هو مخفي من الافكار والنوايا والأعمال، ورؤية ما وراء السطور، فلا شيء يقوم به الانسان ويبقى طي الكتمان، فلابد أن يظهر ويخضع للحساب، لذلك على الانسان المسلم أن يفهم هذا الأمر جيدا، ويستعد الاستعداد التام ليوم الحساب، فضلا عن أن الامام المهدي (عج) يرى أعمالنا حتى ما نخفي منها، ويقرأ سطورنا التي لا تظهر للآخرين، لذلك علينا الالتزام بالعمل الصالح الذي يرضي الله ورسوله وأئمة أهل البيت والامام المهدي (عج)، لكي ننال رحمتهم في الدنيا والآخرة، ولكي نسهم في بناء حياة متطورة لعموم المسلمين.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (على كل شخص مكلّف أن يتعلّم ويعرف ما هي الواجبات والمحرّمات عليه وعلى الآخرين للعمل بها وتعليمها والأمر بها حتى الوصول إلى حدّ تتحقّق فيه الكفاية، فهذه هي المسؤولية، وهذا ما يسرّ مولانا الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه ويجعله يرضى عنّا، فإن من أدّى مسؤوليته بصورة صحيحة كان مرضياً عند الإمام، أما من لم يؤدّ مسؤوليته فليس بمرضي عنده صلوات الله عليه).
اضف تعليق