q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

ثالوث النجاح الإخلاص والنشاط والأخلاق الحسنة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

النجاح معنوي ومادي، نظري وتطبيقي، علم وعمل، اذا فقدنا العلم لا فائدة في العمل ويصح العكس، اذا نجحنا مادينا وفشلنا معنويا لا فائدة في النجاح، العالِم الذي يحقق ابتكارا، لا فائدة من ابتكاره اذا لم يكن قابلا للتطبيق العملي، العلماء الذين يبتكرون الجديد ويحصدون الجوائز بابتكاراتهم، لابد أن يتحقق عنصر التطبيق العملي للعلم في ابتكارهم، وبالنتيجة عندما يحصل هذا النوع من النجاح المزدوج، المادي الفكري، فإنه يمهد لنجاح الانسان في الاختبار الالهي، فينال مرضاة الله ورسوله (ص) وآل بيت الرسول الأئمة الأطهار (ع)، هذا هو النجاح الحقيقي الذي يعبر بالإنسان من الدار الأولى الى الأخرى بنجاح.

من الناحية العملية هناك ركائز مهمة تستند إليها قابلية الانسان وطاقاته الظاهرة والكامنة ايضا، لاسيما أن الله تعالى خلق الانسان في (أحسن تقويم) وأكرمه وميزه عن جميع الكائنات، وأودع فيه طاقة وقابلية كبيرة، فإذا تمكن من استخدامها بصورة صحيحة سوف يتمكن من تحقيق النجاح المطلوب.

كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) عندما قال في احدى كلماته القيمة الموجّهة للمسلمين: (إنّ الله سبحانه وتعالى أودع في كل إنسان، منتهى القابلية الكبيرة، والطاقة الكبيرة. وهاتان بحاجة إلى تفعيل، كالمعادن، مثل الذهب والفضّة، الموجودة في الصخور، فهي بحاجة إلى استخراج وتفعيل لكي تعرض للناس. وهكذا على الإنسان أن يفعّل ما أودعه الله تعالى فيه. فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم).

ان قضية تحريك الطاقات واستثمارها تحتاج الى مبادرات ذاتية متواصلة من الانسان نفسه، فهو المسؤول عن تفعيل هذه الطاقات الكبيرة التي اودعها الله في أعماقه، وتكوينه، فإذا نجح في مسعاه هذا يكون قد حقق أهم الأهداف في حياته، وهي مرضاة الله تعالى من خلال استفادة الانسان مما منحه له الباري عز وجل، ولكن ينبغي أن يفهم الانسان أن قضية تفعيل وتحريك الطاقات الكامنة له ليس بالأمر السهل أو الهيّن، بل ينبغي أن يتمكن الانسان من تحقيق الشروط والأمور التي تقوده الى النجاح.

فهناك ثلاثة أمور أوضحها سماحة المرجع الشيرازي في توجيهاته، بقوله: (إنّ تفعيل قابلية وطاقة الإنسان بحاجة إلى الأمور الثلاثة التالية: الأول: الإخلاص لله تعالى ولأهل البيت صلوات الله عليهم. فعلى الإنسان أن يتوكّل على الله تعالى في كل الأمور، ويبدأ من الله ومن أهل البيت، وينتهي إلى الله تعالى وإلى أهل البيت صلوات الله عليهم). وهناك أمر ثاني يتعلق بنشاط الانسان نفسه، كما يضيف سماحته في قوله: الأمر (الثاني: النشاط. يجدر بالإنسان أن يكثر من النشاط في عمله لله تعالى ولأهل البيت صلوات الله عليهم. فرغم كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والعائلية والصحيّة لا سمح الله، على الإنسان أن يلقّن نفسه بالنشاط دوماً. وإلاّ فالمشاكل تجعل الإنسان في آخر القافلة).

الاخلاق الحسنة

وثالث الأمور التي يتمكن الانسان من خلالها تحقيق النجاح المطلوب هو الأخلاق، وهذا يعني أن يتعامل الانسان مع اقرانه واهله واصدقائه والعاملين معه والناس عموما بأخلاق انسانية عالية تؤكد إنسانيته وتواضعه ومحبته للناس والتسامح معهم والتشجيع على التعايش والتعاون والتكافل ونشر قيم الخير والحرية والجمال، وكل القيم التي من شأنها تحسين حياة الانسان وتطويرها ومنحها الاستقرار اللازم للابداع في مجالات الحياة المتنوعة.

حيث يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي عندما يقول بوضوح في كلمته المذكورة نفسها: الأمر (الثالث: الأخلاق الحسنة. وذلك بمستوى ما يقوله القرآن الكريم: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) سورة المؤمنون: الآية96).

هذا هو الثالوث الذي ينبغي أن يستند إليه الانسان في جميع اعماله ونشاطاته (الاخلاص، النشاط، الأخلاق)، من أجل ضمان نتيجة مرموقة يتطلع إليها الجميع خلال حياتهم الطويلة، ومن يتمكن من التحلي بهذه الأمور الثلاثة فهو من الناس الموفقين، وهذا النوع من الناس يحتاجه المسلمون ليس في العراق وايران فقطـ وانما العالم أجمع يحتاج هذا النوع من الناس، لأن الاخلاص يعني أننا ازاء انسان نزيه غير أناني يحب الآخرين مثل نفسه او اكثر، بالاضافة الى انه قوي متعدد المواهب والافكار من خلال نشاطه، وكل هذا ضمن اطار أخلاقي عالي، حيث يتوفر ثلاثي الاخلاص، النشاط، والاخلاق في كيان الانسان، فيكون هو المطلوب في عالمنا الراهن الذي يبحث اليوم عن هكذا أناس تأخذ به الى بر الأمان والتعايش والسلام.

هذا هو الانسان الناجح، الذي يمتلك هذه الامور ويعتمدها في حياته، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (من تحلّى بتلك الأمور الثلاثة فهو إنسان موفّق. واعلموا ان العالم بأجمعه بحاجة إلى مؤمنين فعّالين، وليس العراق فقط أو ايران أو الخليج).

لا تركضوا وراء الماديات

وهناك سمة نجدها لدى الانسان الناجح المتوازن، يمكن توصيفها، بعدم اللهاث وراء الماديات، فعندما يتمكن الانسان من السيطرة على نفسه في هذا الجانب، فإنه سيكون انسانا متميزا، لأن الماديات هي أكثر الاشياء والاهداف التي تشغل الانسان المعاصر بسبب انتشار الاجواء المادية، والعلاقات التي تقوم على الفائدة المادية، وقلما نجد من يتنبّه الى أهمية الجانب الآخر غير المادي.

إن الرفاه وإن كان من حق الانسان، ولكن ينبغي أن لا يكون شغله الشاغل، ولا يصح أن يركض وراء هذا الهدف متناسيا الأهداف الأهم، بحجة أن العصر (مادي)، ويستدعي أن يلهث الناس وراء تحقيق الحاجيات والنواقص المادية، هذا الكلام ليس دقيقا، ينبغي الموازنة في هذا الجانب، فمثلما هناك لهاث (مادي) ينبغي أن يقابله لهاث في المسار الآخر (الروحي، الاخلاقي، المعنوي) ولابد للنسان أن يدعم جانب الايمان في أعماقه، قد يبدو هذا الهدف صعب التحقيق، ويحتاج الى جهود كبيرة خاصة في مجال ترويض رغبات النفس، ولكنه ممكن، إذ يتمكن الانسان من تحقيق هذا الهدف.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (على الإنسان، أن لا يركض دائماً وراء الراحة والرفاه بالماديات فقط، وأن لا يركض وراء كل ما يطلبه من ذلك، ولا يغتاض أو يتذمّر من عدم نيله ما يريد أو كل ما يريد. نعم هذا أمر صعب، ولكنه يسهل بالعزم).

وهناك أهمية خاصة تتعلق بالشباب، على المسؤولين والمعنيين الاهتمام بالشباب، ليس الشيعة فقط، بل شباب العالم اجمع من كل الديانات، المطلوب هو ارتباطهم بمدرسة أهل البيت (ع)، وهذا ليس بالمحال، بل يمكن تحقيقه من خلال نشر القيم الانسانية العظيمة لأئمة أهل البيت، وسيرتهم المليئة بهذه القيم، فالشباب متعطشون لمثل هذه القيم، ويحتاجون إليها، خاصة أنهم يعيشون في عالم مغرق بالماديات، وخال بصورة شبه تامة من القيم الانسانية التي يمكن أن تنقذ الشباب من الضياع والتيه في العالم (المادي) البحت، كما يحدث الآن الآن في معظم دول العالم، والمثال على ذلك (الغرب ومن يحاول تقليده من أهل الشرق)، لذا علينا الاهتمام بالشباب من هذه الناحية.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (علينا جميعاً أن نعمل أكثر وأكثر على ارتباط الشباب بأهل البيت صلوات الله عليهم، ولا أقصد شباب الشيعة فقط، أو المسلمين، بل حتى شباب الوثنيين وعبّاد الأوثان، وما شابههم).

اضف تعليق