طالما كنا نسمع جملة جميلة نكررها دائما (لا يصح إلا الصحيح)، ولا زلنا نحن وغيرنا نكرر هذه الكلمات عن ايمان وتجربة، فالصحيح يتقدم على كل شيء، ويشمل القول والسلوك، بمعنى عندما تنطلق الكلمات من القلم بمضامين معينة فإن درجة صحة هذه الأفكار هي التي ستجعلها في الصدارة او تلقي بها نحو الحضيض تبعا لدرجة صحتها، وكذلك السلوك، فالناس دائما تجعل صاحب السلوك الصحيح في المكانة المحترمة التي يتصدر بها الجميع.
من هنا فإن صاحب المنطق المقبول والصحيح يكون في المقدمة وفي مكانة القبول والرضا، ويجعله الناس محط اعجابهم ومحبتهم، كونه ينطلق من أساس فكري عملي اخلاقي صحيح، وهذه هي صورة الخط الشيعي اليوم عبر العالم، كونه بات فكرا انسانيا يعترف به الجميع وبدأ ينتشر عبر العالم وبين مجتمعات كبيرة وكثيرة بسبب انسانية هذا الفكر ومنطقه الصحيح والقريب من المنطق الانساني المتقارب من المضامين الانسانية الراقية.
لهذا بدأ الفكر الشيعي مرحلة جديدة من النهوض، وكأنه آخذا بالتثاؤب، استعدادا لكي ينطلق من النوم والنهوض بقوة والانطلاق بسرعة للانتشار عبر العالم، مستفيدا من وسائل العولمة الحديثة.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمة توجيهية للمسلمين: (إن الانسان يتثاءب مرّتين، فمرّة يتثاءب للنوم، ومرّة للنهوض من النوم. والتشيّع اليوم يتثاءب للنهوض. وإنّي متفائل، بل إن استنتاجي هو ان التشيّع في طريقه نحو العالمية والعولمة، لأنه صاحب المنطق المقبول والصحيح).
فالركيزة الاولى لانتشار الفكر الشيعي متوافرة وراكزة وقوية ومؤثرة، ولكن هناك عوامل مساعدة تعمل على استمرارية هذا الفكر وتصاعده، واقبال العقول والقلوب والنفوس عليه، ومن ثم الايمان به والعمل في ضوئه، ومن ثم المساهمة الفعالة في نشره بكل السبل.
ومن الوسائل الاخرى المساعدة ايضا، رفض التنازع بين الشيعة والقضاء على الفتن ومعرفة مصادرها، فالاعداء يتربصون شرا بالشيعة في عموم العالم، وهذا يؤدي الى اثارة الصراعات والمنازعات فيما بينهم، وهذا يستدعي التكاتف ضد خطط ومآرب الاستعمار، الذي يسعى بكل ما يستطيع كي يزرع الفرقة بين الشيعة، ويثير النزاعات فيما بينهم، حتى يشغلهم بهذه النزاعات ويصل الى أهدافه التي يخطط لها من أزمنة منذ بعيدة، لذا وجب الانتباه لذلك.
كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (على الشيعة كافّة أن لا يتنازع بعضهم مع بعض، بل عليهم أن يتحمّلوا بعضهم بعضاً. فالاستعمار وأذنابه الصغار كالتكفيريين، يسعون وبكل الطرق وبمختلف الأساليب، إلى زرع النزاع والتخاصم بين الشيعة).
الصبر طريق النصر
الاهداف العظيمة لا يمكن الوصول إليها إلا بأفكار عظيمة، والأخيرة لا يمكن الوصول إليها بلا عقبات ومشاكل، وبناء الدول لا يمكن أن يتحقق إلا بقادة عظماء لهم أفكار قادرة على ادارة شؤون الدولة، ولديهم أساليب خاصة بهم تنتمي الى عبقرية الفكر والسلوك والانسانية القائمة على الاعتدال، والابتعاد عن اساليب القوة والعنف، إلا اذا استدعت الحاجة الى ذلك.
المثال الحي للقائد الذي غير وجه التاريخ بارادته واخلاقه وسلوكه الانساني المعتدل هو الرسول الكريم (ص)، فعلى الرغم من كل حالات الاذى والكذب والخداع التي تعرض لها، وعلى الرغم من كل حالات العدوان، إلا انه (ص) لم يلجأ الى القوة ولا لاسلوب العنف، بل كان الاعتدال والجنوح الى السلام سبيله الدائم نحو أهدافه، فهم لم شكُ يوما من أحد، ويحاول دائما أن يتقرب ممن يعاديه ويؤذيه أملا في تغيير موقفه وكسبه، وهذا ما كان يفعله مع المشركين والمنافقين وهو يعرفهم بالاسماء، لكنه لم يتعامل القوة ضدهم املا بكسبهم، فضلا عن ايمان الرسول (ص) بصحة منهج السلام والاعتدال والصدق والانسانية، وبهذه السياسة بنى أعظم دولة، ومن هذه المبادئ العظيمة استمد شيعة أهل بيت النبوة أفكارهم ومنهجهم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته المذكورة في اعلاه: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله، قد تعرّض للأذى الكثير، وللكثير من المشاكل، من المشركين والكفّار ومن المنافقين ومن الجهلة، لكنه صلى الله عليه وآله لم يشكو من أحد منهم أبداً).
وثمة ايضا اسلوب الكذب، فقد كذب كثيرون بحق النبي (ص) لدرجه أنه صرح قائلا (كثرت عليَّ الكذّابة)، وهو القائد الأعلى ويمتلك السلطة الأقوى ومع ذلك لم يلجأ الى منطق القوة، بل الى اسلوب الصبر والتوعية والتراحم والتقارب، وهذا ما ساعد وسرَّع من بناء الدولة الكبرى للمسلمين، وصارت هذه السياسة اليوم منهج عمل لساسة نجحوا في بناء دولهم، لذا ينبغي أن يكون منهج الشيعة مستمدا من جذوره النبوية الأولى، وهو كذلك فعلا، فمنهج الشيعة هو منهج أهل البيت (ع)..
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (كما قال صلى الله عليه وآله: (كثرت عليّ الكذّابة)، ومع هذا كلّه لم يذكر صلى الله عليه وآله اسم حتى واحد منهم أبداً، أي من الكذّابة. فيجب علينا أن نتعلّم مثل هذا التعامل الفريد والفاضل من مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله).
وحدة الشيعة هي حجر الزاوية
عود على بدء، ثمة حجر زاوية لتعضيد الخط الشيعي يتمثل بوحدة كل من يؤمن بهذا الخط، فأتباع أهل البيت (ع) ينبغي أن يكونوا ارادة واحدة ويد واحدة، يمتلكون وحدة الفكر والعمل، وأداتهم الشباب، نعم الشباب، فهؤلاء هم المحرك الحقيقي لتفعيل الفكر وتحويله الى مادة مجسدة على الارض، لهذا فإن حجر الزاوية هو وحدة الشيعة والقضاء على الفتن، ومحاربة المشاكل، ورفض اسلوب النزاعات فيما بينهم حتى يتفرغوا لما هو أهم وأشمل.
كل ما تقدم يصعب تحقيقه من دون الاهتمام بالشباب الشيعة، فهؤلاء هم قادة في مضمار العمل ومستقبلا هم قادة في الجانبية العملي والفكري لهذا الخط الانساني الممتد من آل بيت النبوة عليهم السلام، لذلك فإن رعاية الشباب الشيعة والاهتمام بهم أمر ينبغي أن يتصدر اهتما من يعنيهم الأمر ومن يتعلق بهم الأمر.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حو هذا الموضوع المهم في كلمته المذكورة نفسها: (علينا بالشباب. فالشباب هم صنّاع المستقبل، فيجب الاهتمام بهم، ورعايتهم رعاية خاصّة، لتربيتهم تربية وفق عقائد وأخلاق أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين. فصناعة الشباب وتربيتهم أمر مهمّ جدّاً).
اذاً هناك نقطي ناو ركيزتين تقودان الشيعة نحو النجاح، وهاتان الركيزتان هما وحدة الصف الشيعي، والاهتمام بالشباب الشيعي، وبهاتين الركيزتين نستطيع أن ننشر الفكر الشيعي مبادئ واخلاقا وافكار وانسانية وأفعالا في ربوع العالم اجمع مستثمرين على هذا الطريق احدث وسائل العولمة خدمة لتوصيل الفكر الشيعي الى ابعد نقطة في الأرض وسوف يتلقى الناس هذا الفكر برحابة صدر كونه انساني النهج والمضمون.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (اعلموا ان الوصول للمسألتين المذكورتين آنفاً (وحدة الشيعة والاهتمام بالشباب)، فيها مشاكل، ولكن هذه المشاكل هي جسر للعبور إلى النجاح والموفقية. فالمشاكل تصنع الإنسان).
ويضيف سماحته أيضا: (علينا نحن الشيعة كافّة أن لا نفتح المجال أو نوجده للاستعمار وأذنابه لكي يزرعوا النزاع بين الشيعة).
اضف تعليق