(الشباب اليوم بحاجة إلى اهتمام ورعاية وإرشاد)، بهذه الكلمات الواضحة والدقيقة، مهَّدَ سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، لكلمته التوجيهية اثناء زيارة عدد من الشخصيات والشباب من الذين يقيمون في أمريكا لسماحته، حيث يوجد في امريكا وبلدان غربية اخرى ملايين الشباب يعانون من التيه والضياع، بسبب عدم تحصينهم فكريا وعقائديا، الأمر الذي يتطلب سعيا جادا من المعنيين لانقاذ الشباب من هذا الواقع العصيب.
ان الأخذ بأيدي الشباب، ووضع أقدامهم على الجادة الصواب، ونقلهم من الشك والضياع الى اليقين والايمان، مهمة ينبغي أن يتصدى لها المعنيون من اهل العلم والدين والثقافة والخطباء، وكل من يستطيع أن يساعد الشباب على رؤية الحياة بصورة صحيحة، وعدم الانزلاق في سبل الانحراف، وهذا يتطلب عدم انشغال المربين بالبحث عن الرفاه لأنفسهم، وترك الشباب ومن يحتاج الى التوجيه في مهب الافكار المريضة والثقافات المسيئة، لذلك علينا أن نبذل ما يكفي من الجهود في مجال توعية الشباب واحتضانهم، وترك البحث عن الرفاه بأنانية مفرطة.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (في عالم اليوم، وفي كل مكان منه، يواجه الملايين والملايين من الشباب، الضياع والتيه. فيجب أن نأخذ بأيديهم، نحن وأمثالكم وأمثالنا، ونرشدهم ونربّيهم. وهذا يحتاج إلى أمر مهم جدّاً، وهو أن لا نسعى في حياتنا إلى الراحة والرفاه فقط، ولا نصبّ جلّ اهتمامنا ومسعانا على الراحة والرفاه فقط(.
إن هذه الدعوة التي وجهها سماحة المرجع الشيرازي الى من يهمهم أمر الشباب، لا تعني عدم البحث عن الرفاه، او منع الناس من السعي نحو تحقيق الرفاه، ولكن ينبغي أن يتم ذلك على حساب الشباب واهمالهم، والانشغال بالبحث عن الراحة والرفاهية فقط، انما المطلوب هو اعطاء الشباب الاهتمام المطلوب لحمايتهم من الانحراف.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله: (لا أقصد أن لا يعيش الإنسان براحة ورفاه، بل أن لا يجعل همّه وهدفه الأول والأخير هو الراحة والرفاه، وأن لا يركض وراء ذلك فقط. بل عليه أن يتبع معتقداته ويعمل بها، وهذا أمر صعب لا شكّ).
نعم هناك مصاعب كبيرة تعترض طريق كل من يسعى في هذا الطريق، ويعمل من اجل انقاذ الناس، ولكن هذا هو الطريق الصحيح الذي ينبغي أن نسعى فيه لمساعدة كل من يحتاج الى التوعية، وعدم الاندفاع نحو الافكار السطحية، والجماليات الشكلية الفارغة من المضامين الجيدة التي تخدم الانسان والانسانية.
التركيز على رعاية الشباب الشيعة
للجميع حق الحصول على الوعي والثقافة، حتى يفهم الحياة، ويستطيع أن يمضي في سبل الخير بلا خوف أو تردد، ومع ذلك من المستحسن أن يتم تركيز الرعاية على الشباب الشيعة، فهؤلاء يستحقون أن نتعب من أجلهم، ويستحقون أن نرعاهم وأن نفتح أمامهم آفاق الخير وفرص التفكير السليم والوعي العقائدي والعمل من اجل تحسين حياتهم، وحمايتهم من المد الفكري المغرض الذي يهدف الى إبعادهم عن سبل الحياة القويمة، لذا يعد هذا الهدف من أهم الأهداف التي ينبغي ان نسعى الى تحقيها.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (على الإنسان أن يصمّم على العمل في هذا المجال، اي صناعة الإنسان وتربيته، قدر ما يتمكّن، حتى لا يتحسّر في الآخرة على قلّة ما عمله في هذا الصدد. وأؤكد على العمل بهذا الخصوص، على الشباب، والاهتمام بهم، ورعايتهم، وبالأخصّ شباب الشيعة).
إن الأمراض الفكرية والثقافية لا تختلف عن الامراض المعدية والسارية المعروفة للجميع، ومنها ما ينتقل عبر الفايروسات مثل مرض (انفلونزا الطيور) او سواه، فهذه الامراض التي تصيب الناس، لا تختلف كثيرا عن الأمراض الفكرية، فالمرض الذي يصيب الجسد يشل حركته بطبيعة الحال، والمرض الذي يصيب العقل يشل الجسد ايضا، لذلك قد يصاب الشباب بالأمراض الفكرية، ولابد أن نفعل كل شيء من اجل حمايتهم من هذه الامراض.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذه النقطة: (إنّ مجتمعات العالم تصاب بأمراض مختلفة وعديدة، وبعضها قاتلة، كأنفلونزا الطيور، وما شابهها وغيرها. والكثير من الناس يصابون بها بغير إرادتهم وبدون اختيار منهم. كذلك تصاب المجتمعات الإنسانية بأمراض فكرية وعلمية وعقائدية، ويصاب بها الكثير لا إرادياً وبلا اختيار منهم، ومنهم الشباب).
اذاً هناك تشابه واضح في الاصابة بمرض الجسد ومرض الفكر، فعندما يصاب الانسان بمرض جسدي لا يحدث هذا بإرادته وانما يتعرض له من دون أن يعلم، كذلك يمكن أن يتعرض لمرض ثقافي او فكري دون أن يتنبّه لذلك، وهكذا فإن الشباب المصابين بمثل هذه الامراض، يصابون بها من دون أن يعرفوا ذلك، وفي هذه الحالة فإنهم لا يرغبون بهذه المعصية ولا يقصدونها، انما هي مرض يصيبهم من دون أن يعلموا بذلك، لذلك تقع علينا مسؤولية حمايتهم.
حول هذا الجانب يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إذا رأيتم شابّاً مصاباً بانحراف فكري أو عقائدي أو علمي، وخصوصاً من مجتمعنا الشيعي، فهذا يعني أنه قد أصيب لا إرادياً وليس باختياره، و بعبارة أخرى: انه اصيب بالجهل، وليس مقصّراً، ولا معانداً، أي ليس كالذي يعلم ولكنه يجحد. فالشباب الذين نراهم اليوم بعيدين عن الدين، هم ليسوا بمقصّرين ولا معاندين، بل يجهلون الدين).
ينبغي أن نصغي للشباب
لذلك عندما نلاحظ شبابا معاندين، في أي مجال كان، لا ينبغي مواجهتهم بقوة، ولا يصح أن نعلن ضدهم موقفا حاسما، فهؤلاء في الأصل ليسوا معاندين، وانما لم تصل إليهم الافكار السليمة والعقائد الراقية كما يجب، أي هناك خلل في المعنيين بانتشال هؤلاء الشباب وزرع الوعي السليم في عقولهم والايمان في نفوسهم، وعندما يتحقق هذا الهدف، نجدهم قد تغيروا نحو الأفضل، واصبحت رؤيتهم للحياة سليمة جدا، وتعاونهم مع المجتمع بدرجة ممتازة، لذلك علينا أن نصغي لهؤلاء الشباب بكل ما نمتلك من صبر.
(أمثال هؤلاء الشباب، يجب علينا أن نصغي إليهم، ولا تصدر منّا ردّة فعل أو استنكار لما يصدر منهم من قول وشكّ وشبهات أو تصرّف غير مقبول، كتركهم للصلاة مثلاً، أو التشكيك بوجود الله تعالى، وغيرها. بل يجب أن نصغي إليهم جيّداً وبكل وجودنا، ولا نفارقهم، ونهتمّ بهم، ونصاحبهم، ونجلس معهم كثيراً وكثيراً، ومن ثم، ورويداً ورويداً، وشيئاً فشيئاً، نحاول ونسعى إلى تصحيح ومعالجة ما أصيبوا به من أمراض فكرية وعقائدية وعلمية).
وهكذا علينا أن نتعامل مع الشباب بصبر كبير، وعلينا أن لا نتعب في هذا الطريق، وليس أمامنا إلا بذل المزيد من الجهود لتخليصهم من الأمراض الفكرية التي علقت بهم، بسبب تركهم وعدم الاعتناء بهم، مما جعلهم هدفا للأفكار غير السليمة، وللأمراض والثقافات التي لا تنسجم ومجتمعنا ومبادئنا.
ولا شك أننا نحتاج الكثير من الجهود والمزيد من التعب، وعدد مضاعف من الأيام والشهور وربما السنين، لكي نساعد الشباب على التخلص من تلك الأمراض الفكرية التي أصبوا بها في غفلة منا نحن الذين قد نعد مسؤولين عنهم، ومعنيين بانتشالهم من هذه الامراض الخبيثة التي داهمتهم وهم في في ديار الغربة، او اخذتهم منا وهم يسكنون بيننا ولكننا لم نقم بما ينبغي من أجل رعايتهم والاهتمام الفكري والتوجيهي بهم، لهذا مسؤوليتنا الأهم والأكبر أن نبذل ما في وسعنا من أجل مساعدتهم وانقاذهم من تلك الامراض الدخيلة، وهو أمر ممكن عندما نتعب بما يكفي ونبذل ما يكفي من الجهود لانجاز هذا الهدف.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي: (بعبارة أخرى: يجب أن نتعب عليهم كثيراً وكثيراً، ونتحمّل ذلك كثيراً، ونصرف الكثير والكثير من الوقت والأيام، ولا نملّ أو نجزع. وهذا لا شكّ ستكون فيه النتائج الإيجابية والمطلوبة).
اضف تعليق