القائد هو الانسان الذي يتصدى لمسؤولية القيادة والإدارة الناجحة لجماعة ما، وشرط النجاح ينبغي أن يبقى حاضرا على نحو دائم في القيادة، أما في حالة فشل القائد، فإنه في هذه الحالة لا يستحق هذا الموقع، وينبغي أن لا يُسمَح له بالبقاء في الصدارة، علما أن القيادة تخضع للكفاءة، والحنكة، والذكاء، والمهارة، بمعنى هناك شروط ومهارات مكتسبة لنجاح القائد، وأخرى متوارثة وموجودة أصلا في شخصيته، ولهذا يُنصَح دائما بأن يتخذ القادة، نموذجا متميزا لهم، حتى يضمنوا النجاح، في أداء المسؤوليات الملقاة على عاتقهم.
وكلامنا هنا يتعلق بـ (النمذجة)، وبأهمية اتخاذ النموذج القيادي الناجح، كدليل يساعد المسؤول السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي أو التعليمي، بل حتى قائد العائلة يحتاج الى النموذج كي يكون ناجحا في ادارته للعائلة، وتحقيق النتائج المطلوبة من مهمته القيادية والادارية معا، وطالما أن المركز السياسي، ينطوي على منصب كبير وحساس، كونه يدخل في صناعة القرار، ومن ثم يكون له تأثيره على الملايين من الناس سلبا أو إيجابا، لهذا ينبغي على القائد السياسي أن يحرص كل الحرص على إتقان النمذجة.
هذا يعني أن القائد السياسي على وجه الخصوص، ينبغي أن يكون لخ نموذج يجعله قدوة له، وعلى القائد أن يبحث على نحو دائم عن النموذج الذي يمكن أن يتأسى به كي يحقق الاهداف المتوخاة للقيادة، وعندما البحث عن النموذج سيجد القادة في الرسول الأكرم (ص) نموذجا للنجاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي وسواه.
إذ يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية): إن (النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، هو القدوة للإنسانية والأسوة الكاملة لمعاني الخير والفضيلة). ويضيف سماحته قائلا: (على المسلمين، بل العالمين، إن أرادوا لأنفسهم خيراً، الاقتداء بسيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، والتأسّي بأخلاقه صلى الله عليه وآله).
وخاصية (النمذجة) تنطبق تماما على شخصية الرسول الأكرم (ص)، كقائد ناجح لأمة المسلمين، حيث بنى في غضون عقدين من الزمن دولة كبرى، ونظاما اقتصاديا مكتملا، وحقق العدالة الاجتماعية على نحو متميز، واكتملت السمات القيادية في الرسول (ص) كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بالكتاب المذكور نفسه: (النبي صلى الله عليه وآله أكبر وأفضل شخصية خلقها الله تعالى، حتى أن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه عندما سئل: أنبيّ أنت؟ قال: أنا عبد من عبيد رسول الله صلى الله عليه وآله).
مثال أعلى للأمانة والإخلاص
ينبغي على القائد أن يتحلى بالذكاء، والكفاءة والدهاء، هكذا يقول المعنيون بالسياسة، حتى يكون قادرا على النجاح، ولكن هل تتعارض سمات الذكاء والكفاءة والدهاء مع الأمانة والاخلاص؟، في بعض الكتبات السياسية نقرأ آراء تقول أن (السياسة تنطوي على الخداع)، وهذا يستدعي من السياسي أن يكون (ماكرا!!)، لكن جميع القادة الناجحين على مر التاريخ كانوا على درجة كبيرة من الامانة والاخلاص والانسانية.
إذاً يمكن تفنيد الرأي الذي يقول أن القائد السياسي ينبغي أن يتمتع بالحيلة والخديعة!!، لأننا كما يجيء في الضوابط الاسلامية، نرفض مثل هذه الشروط الناقصة، لاسيما عندما نعود الى النماذج القيادية الخلاقة في تاريخ الاسلام، والتي تتحلى بصفات إنسانية كبيرة هي التي جعلت منها شخصيات قيادية خلّدها التاريخ الانساني، كما نلاحظ ذلك في قيادة النبي الأعظم (ص)، وقيادة الامام علي (ع) للمسلمين.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع تحديدا: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع حالاته مثالاً أعلى للأمانة والإخلاص، والصدق والوفاء، وحسن الخلق، وكرم السجية، والعلم والحلم، والسماح والعفو، والكرم والشجاعة، والورع والتقوى، والزهد والفضيلة، والعدل والتواضع، والجهاد).
هذه هي صفات النموذج الذي ينبغي أن يقتدي به ساسة المسلمين وقادتهم في العصر الراهن، بل على جميع القادة والمسؤولين في مجالات الحياة كافة، أن يسعوا بصورة حثيثة عن النموذج، ويطلعوا على سيرة الرسول الأكرم (ص)، وكيفية تعامله مع السلطة وامتيازاتها، وما هي عناصر النجاح، وكيف تمكن في غضون سنوات قليلة ان يجعل من شعب عاش في الظلام، وتحول الى أمة قوية مستقرة ومتميزة في جميع المجالات.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله مجمع الفضائل والمكارم، ومعقل الشرف والكرامة، وموطن العلم والعدل، والتقوى والفضيلة، ومدار الدين والدنيا، والأولى والآخرة، ولم يأت مثل رسول الله صلى الله عليه وآله فيما مضى، ولا يأتي نظير له إلى الأبد).
صاحب خير منهج
يتضح مما تقدم، أن النموذج له تأثير كبير في صناعة النجاح للقادة والمسؤولين في اداء مهامهم، ليس هذا فحسب، إذ غالبا ما ترافق هذا النموذج شخصيات قيادية نموذجية، تتأثر به وتقف الى جانبه، ويستطيع القائد الأعلى أن يعتمد على هؤلاء القادة النموذجيين، وفي هذه الحالة، لا يربح القائد في بحثه عن نموذج له بصورة فردية فقط، إنما يستطيع أن يطلع من خلال السيرة، على كيفية صناعة قادة معاونين نموذجيين.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (اقرؤوا سيرة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله، لتلحظوا المئات من النماذج، التي لو جمعت وضمّت بعضها إلى بعض، فإن أي شخص غير مسلم، حتى لو كان متعصّباً، ما لم يكن معانداً، سيتأثّر بها، ويعتنق الإسلام).
ولطالما كانت حياة الرسول (ص) زاخرة بقادة نموذجيين، اعتمد عليهم، واستطاع (ص) أن يحقق أهدافه السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، بإسناد الادوار المتنوعة لهم، وهذا الدرس يمكن أن يساعد القائد في العصر الحالي، كي يتعلم صناعة القادة المعاونين له في اداء مهامه الصعبة بنجاح كبير.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (تزخر حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بالكثير من النماذج المؤثّرة، في العقل والنفس والروح).
لقد كانت شخصية الرسول الأكرم (ص)، نموذجية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، ويكفي أن قدرته القيادية، تمكنت من تحقيق التغيير الجوهري في أمة كبيرة، ويتمثل هذا التغيير بانتقال المجتمع العربي في الجزيرة من ظلام الجهل الى نور العلم، لتنبني اقوى دولة آنذاك بوساطة أقوى نموذج قيادي شامل، استطاع أن يقدم دولة ومجتمعا نموذجيا للعالم اجمع آنذاك.
ويكفي هذا النجاح الكبير والخالد، في القيادة، وفي بناء الدولة والمجتمع، لكي يجعل من النموذج النبوي المبارك، محط أنظار الساسة والقادة والمسؤولين كافة، لاسيما المسلمين، لأن الاطلاع على سيرة النبي الأكرم (ص)، كنموذج خلاق، تساعد وتسرّع في صنع شخصية قيادية نموذجية تستطيع أن تحقق ما لم تحققه شخصيات أخرى لم تهتم كما يجب بالبحث عن نموذج لها، يساعدها في السير بالاتجاه السليم.
واذا عرفنا أن الرسول الأكرم (ص)، كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي: (أفضل إنسان، وصاحب خير منهج، فمن ذا الذي لا يحبّ أن يتبع المنهاج الأفضل، أو ينتسب الى النظام الأمثل؟).!، لذلك لا تزال الفرصة سانحة لقادة اليوم كي يستفيدوا من (النمذجة) المتاحة لهم في سيرة النبي الأعظم (ص)، كي يستفيدوا الى أقصى ما يمكن من صفاته وخصاله وملَكاته، وطرق ادارته للدولة والمجتمع بنجاح باهر يشهد له التاريخ والحاضر.
اضف تعليق