سعادتنا تكمن في إسعاد الآخرين، هذه الجملة قرأناها وسمعناها كثيرا في حياتنا، ومعناها أن الإنسان عندما يُسعِد غيره من الناس بكلمة طيبة، أو بعمل خير يُدخل في قلبه السعادة، فإن فاعل الخير نفسه سوف يشعر بسعادة حقيقية لأنه ساعد الآخرين وأسعدهم، وهذا الأمر يؤكد بأن سعادات الناس مترابطة فيما بينها...
(كل من صار موفّقاً في الدنيا صار موفّقاً في الآخرة)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
سعادتنا تكمن في إسعاد الآخرين، هذه الجملة قرأناها وسمعناها كثيرا في حياتنا، ومعناها أن الإنسان عندما يُسعِد غيره من الناس بكلمة طيبة، أو بعمل خير يُدخل في قلبه السعادة، فإن فاعل الخير نفسه سوف يشعر بسعادة حقيقية لأنه ساعد الآخرين وأسعدهم، وهذا الأمر يؤكد بأن سعادات الناس مترابطة فيما بينها، وأن السعادة عبارة عن سلسلة مترابطة تشمل الجميع إذا بادروا إلى عمل الخير المتبادَل.
فالدنيا كما عرفنا وقرأنا مزرعة الآخرة، أي أنها الأرض التي نُبذرُ فيها زرعنا، كي نحصده في الآخرة، فإذا كان زرعنا خيرا حصدنا خيرا، وإن كان على النقيض من ذلك، فإننا سوف نحصد ما زرعناه في كل الأحوال، وهذا يستدعي من الإنسان أن يزرع الطيب وأن يتحاشى زراعة الخبيث لأنه سيكون حصاده الوحيد يوم لا تكون في الآخرة لا زراعة ولا أي عمل آخر، بل هناك يحين يوم الحساب، فيتلقى الإنسان جزاء ما صنعت نفسه ويداه.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول في محاضرة قيّمة ضمن سلسلة نبراس المعرفة، عنوانها (خدمة توجِب الجنة):
(خدمة المجتمع فضيلة كبيرة، بأي نوع من انواع الخدمة. والدنيا جعلها الله تعالى مزرعة للآخرة، ويعني الزرع في الدنيا والحصاد في الآخرة، وكذلك في الأحاديث الشريفة ما يستفاد منها انّ الدنيا مزرعة لخير الانسان أيضاً. فالدنيا نِعم المكان لمن يستفيد منها).
وتوجد أمثلة فعلية كثيرة على أهمية زراعة الخير في الدنيا، وتقديم الخدمة الصالحة للآخرين، ولدينا أمثلة مذكورة في سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام، تؤكد أن فعل الخير يمكن أن يجعل القائم به من الفائزين بالجنة، وهل هناك مكافأة تفوق ذلك؟، فحين يقوم هذا الإنسان أو ذاك بعمل معين يستفيد منه الآخرون، سوف تعود نتائجه عليه بالخير والسعادة.
أهل البيت عليهم السلام زرعوا الدنيا خيرا
يحدث هذا الزرع والعمل الجيد في الدنيا، أما في الآخرة، فإن الجزاء الإلهي سوف يكون بانتظار الإنسان الذي يزرع خيرا، وهو خير الجزاء، لأنه يحصل بسبب العمل الصالح الناتج عن خدمة الإنسان للمجتمع، وهذا يدل على أن أئمة أهل البيت عليهم السلام، قدموا الأمثلة العملية التي تقرّب الصور الذهنية الدقيقة للإنسان كي يعتمدها ويعمل بها.
فكانوا عليهم السلام مدارس حية لتعليم المجتمع ونشر السلوكيات الصالحة بين الناس، منها هذا المثال الموثَّق في الكتب التاريخية التي ضمت بين دفّتيْها سيرة أهل البيت عليهم السلام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(في الحديث الشريف ان الامام السجاد كان احياناً راكباً ويسير الى مقصد ثم يرى اذى في الطريق فيوقف راحلته وينزل عنها ويميط الاذى عن الطريق ويدفعه الى جانب الطريق حتى ان المارة اذا كان في الليل أو كان غير ملتفت او كان لا يبصر كي لا يتعثر بهذا الاذى فيصيبه ألم أو يصيبه كسر او تصبه مشكلة، فكان الامام (صلوات الله عليه) يتكرر منه ذلك انه يوقف راحلته وينزل ويدفع الاذى عن الطريق ويميط الاذى عن الطريق ثم يركب ويواصل مسيرته).
إن هذا الفعل البسيط، قد يكون سببا في دخول الإنسان الجنة، فهل هناك صعوبة في إزالة ما يعيق السير عن الطريق، من أحجار أو عوائق صغيرة أخرى يستطيع الإنسان إزاحتها بعيدا عن المارة؟، لا توجد صعوبة كبيرة في إنجاز مثل هذه الأعمال الجيدة، لكن هناك بعض الناس حتى هذا العمل السهل يتكاسل عنه، ويغض الطرف، عجزا أو كسلا أو عدم اهتمام بما يفيد الآخرين، وهذا في الحقيقة كمن يضيّع فرص الربح من يديْه.
لكن بالمقابل هنا بشر ينظر إلى مثل هذه الأعمال كالفرص الثمينة، فيسعى إلى إبعاد المعيقات عن طريق المارة، كي يكسب أجرا في ذلك، بالإضافة إلى أنه ينشر التعاون والرحمة والاهتمام بين الناس، فمثل هذا العمل البسيط، يدل على اهتمام الإنسان بغيره، وهذا يشجع على نشر العمل الجيد ويساعد على إقامة العلاقات السليمة والمتينة بين الناس، فتكون هناك بنية اجتماعية رصينة ومتماسكة ومتعاونة في نفس الوقت، وهذا الفعل البسيط قد يُدخل الإنسان الجنة.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان شخصاً دخل الجنة بهذا السبب، اي رأى في الطريق اذى فأماط الاذى فدفعه الى جانب الطريق، فصار سبباً ليدخله الله تعالى الى تلك الجنة. فالجنة على عظمتها قد تكون نتيجة هذا العمل الصغير الذي لا يستوجب جهداً، لا صرف مال ولا صرف وقت لمجرد انه خدمة للمجتمع وخدمة للناس وتسهيل للناس ودفع المشكلة عن الناس).
أعمال بسيطة لكنها كبيرة عند الله
وكما يكون إبعاد العوائق عن الطريق صدقة، وفعل خير، كذلك الكلمة الطيبة صدقة، بل وكل عمل يصب في صالح الناس يعد من الصدقات، لهذا تعد مثل هذه الأعمال وإن كانت سهلة وبسيطة لكنها كبيرة عند الله تعالى.
كذلك الكلمة التي تساعد الناس عند سماعها، فهي يمكن أن تشكل ثروة أخلاقية تتكاثر بين الناس وتجعل منهم متعاونين مع بعض متحابين فيما بينهم، فيسهمون في صناعة بنية اجتماعية قوة، يكمن رصيدها القوي في مثل هذه الأفعال الخيّرة والأقوال الطيبة.
سماحة المرجع الشيرازي يركز على هذه النقطة فيقول:
(الكلمة الطيّبة صدقة، واماطة الاذى عن الطريق صدقة، وكل عمل خير يعتبر صدقة. فعلى الانسان المؤمن والمؤمنة أن يستغلّ كل واحد منهما في حياته بما يمكنه وبما يعرفه من عمل الخير للآخرين حتى بهذه المستويات الصغيرة).
ويمكن هنا أن نصنع مقاربة بين العاملين في السوق من أجل كسب الأرباح، وبين العاملين في الدنيا من أجل كسب أو ربح الآخرة، فالتاجر أو صاحب رأس المال الذي يتصرف بدراية وجودة وخبرة سوف يحقق الأرباح ويحافظ على رأسماله بل ويزيد منه ويضاعفه.
أما من يفشل في استثمار رأسماله جيدا فسوف يفقد فرص الربح بسبب عدم إتقانه في قضية استثمار الأموال في السوق وفي الحركة التجارية، لهذا يفقد رأسماله بسبب سوء أعماله، كذلك الإنسان الذي لا يستثمر الفرص المتاحة له في الدنيا، فإنه يخسر رأسماله في الآخرة ولا يجد من يقدم له فرصا في ذلك المكان الذي يتوقف فيه العمل ويبدأ فيه الحساب.
لهذا لابد أن يستثمر الناس فرصهم في الدنيا، فيزرعون خيرا، ويستثمرون فرصهم بشكل جيد ويزرعون في مزعتهم الدنيوية أشجارا مثمرة وأعمالا صالحة، حتى تكون لهم سندا في الآخرة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(إنّ كون الدنيا خير وكون الدنيا مزرعة وكون الدنيا كما في بعض الأحاديث (الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون) هو انّ الذين يفتقدون رأس مالهم في السوق بسوء صنيعهم في التجارة، مثلهم مثل اولئك الذين يأتون الى الدنيا ويخرجون من الدنيا بدون عمل الخير).
وهكذا لابد على الإنسان أن يستفيد من أي فرصة تلوح له في الأفق الدنيوي، ولا يهمل أو يضيّع هذه الفرصة، لأنها سنده هناك في الآخرة، وإذا قام باستثمار الأعمال الصالحة في الدنيا فإنه يساهم في صناعة مجتمع صالح، لأنه بعمله يُسعد الآخرين، وهؤلاء سوف يسعدون غيرهم، وتصبح ثقاة إسعاد الآخرين ظاهرة اجتماعية مهمة جدا لبناء مجتمع ناجح.
لذا يجب أن يستفيد كل إنسان من الفرص ولا يهدرها، كذلك عليه أن يفهم بأنه يفيد نفسه أولا وذويه والمقربين منه، وفي نفس الوقت يفيد الآخرين ويستفيد ويساعد في صناعة نسيج اجتماعي منسجم ومتماسك وصالح في نفس الوقت.
من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(على الانسان ان يستفيد من فكرهِ ومن لسانهِ ومن عملهِ، فأي عمل خير لأي شخص يمكنه يعرفه او لا يعرفه، رحماً له او غير رحم، وإذا كان رحماً فهو أفضل، وبالنسبة للزوجين أفضل، وبالنسبة للخير الذي هو تعليم وارشاد وهداية فمراتب الفضل تكون مختلفة في ذلك).
هكذا تكون خدمتك للآخرين، مفتاحا مناسبا لفتح أبواب الجنة، ويمكنك دخولها بموافقة إلهية، تكافئ العاملين خيرا، والساعين إلى إسعاد الناس، والمساهمين في نشر القيم والسلوكيات التي تصنع مجتمعا متوازنا وسعيدا ومعتادا على فعل الخير وزراعة الدنيا بالعمل الصالح للفوز بالدار الأخرى.
اضف تعليق