نحن نحصل ببساطة على خريطة عمل واضحة المعالم، من شأنها أن تنقلنا إلى الأمم والشعوب المتحضرة المتقدمة، كل ما في الأمر أن نحول المضمون أو الفكرة الموجودة في الحديث الشريف إلى فعل أو عمل، على أن يتم هذا الشيء وفق برمجة واسعة وشاملة وتطبيق فردي وعائلي ومؤسساتي وجماعي يشارك فيه الجميع من أجل الجميع...
(ليحاول كل واحد منّا أن يعمل بهذا الحديث المتواتر: صِلْ مَنْ قَطَعَكَ)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
من القضايا اللغوية المهمة التي علينا التدقيق فيها كثيرا، أفعال الأمر، وحينما تصدر أفعال الأمر من شخصيات غيَّرت مسار البشرية وتاريخها، فهذا يعني أن تنفيذها لا يمكن أن يكون محل مناقشة، أولا كونه فعل أمر (صلْ)، وثانيا لأنه صادر من أهل البيت عليهم السلام، وهذا يعني أن الفائدة التي تكمن وراء تنفيذ هذا الفعل لا حدود لها، ولا غبار عليها.
وقد ثبت علميًّا أن صلة الرحم تطيل من عمر الإنسان، وتبني صحته النفسية بطريقة متناسقة وسليمة، ليس البناء النفسي وحده يتدخل فيه (شعار) أو حديث (صلْ من قطعك)، وإنما حتى التناسق والنمو البايولوجي يستفيد بنسبة كبيرة من تطبيق صلة الرحم.
أما على صعيد الاجتماع فقد ثبت علميا أيضا، أن المجتمع الذي يحترم هذه الصلة، ويواظب عليها، ولا يهملها، فهو مجتمع ناجح ومتحضّر بكل المقاييس، حيث تقوم صلة الرحم بتحسين العلاقات الثنائية والجمعية، كما أنها تذيب حواجز الجليد الفاصلة بين قلوب الناس ونفوسهم، ويتم عبر صلة الرحم صناعة حواضن اجتماعية نموذجية متعاونة.
فتكون نتيجة ذلك أمة صالحة متماسكة، أو شعب متنوّر متعاون متكافل، متحضّر، يمحو التطرف والكراهية من قلوب أفراده، ولا يبقى في هذه القلوب سوى المحبة والتكافؤ والتقارب والامتنان المتبادَل، لهذا ركز أئمة أهل البيت عليهم السلام على محاسن الكلام، والسعي لنشرها في أوسع نطاق اجتماعي ممكن.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في سلسلة نبراس المعرفة، محاضرة (صلة الرحم):
(ينبغي علينا نحن أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم ـ وهو أمر محتّم علينا ـ أن نعرض تأريخ أهل البيت للعالم بالطرق السليمة، فكلام الإمام الرضا يقول (اَلنَّاسَ، لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلاَمِنَا لاَتَّبَعُونَا)، يظهر أن محاسن كلامهم يجلب الناس لإتباعهم ولإتباع الحق ولإتباع الفضيلة، وبذلك يمكن صنع المدينة الفاضلة).
العصمة التي يتحلى بها أهل البيت تجعل كل ما يُطرح منهم في مجال الأفكار والقيم والعقائد والكلمات، ليس محل تشكيك، نعم علينا أن نفهم ما نقرأ أو ما نسمع أو ما نرى، فقد حبانا الله الحواس والقدرات التي تجعلنا قادرين على فهم ما نحسه أو نستشعره بحواسنا، ويمكننا تطوير هذه القدرات بالمران المستمر والتدريب المنهجي.
لماذا تحقق بعض العوائل نجاحا هائلا؟
فطالما ردَّد أهل البيت هذا الحديث الشريف، فحرّي بنا الالتزام، والتمسك، والتطبيق، لأن النتائج سوف تكون في صالحنا، وفي صالح كل ما يتعلق فينا من بشر أو من كائنات وأشياء أخرى، ولعل أقرب دليل على صواب صلة الرحم، نجاح أفراد العائلة التي تطبق مضمون الحديث في حياتها وفي علاقاتها، ولابد أننا لاحظنا وجود عوائل نجحت نجاحا كبيرا في حياتها بسبب التزامها بتطبيق شعار أو حديث (صل من قطعك).
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد هذه النقطة فيقول:
(إذا كانت أقوال أهل البيت عليهم السلام وسيرتهم وتأريخهم وأعمالهم هكذا، أليس حرِيّ بنا أن نتعلم منهم: (صِلْ مَنْ قَطَعَكَ).
وحتى نبني أسرة، أمةً، مجتمعًا، شعبًا، حيويا، متحضّرا فاعلا، علينا أن نجرب (صلة الرحم) بطريقة تطبيقية، ولنجرب من هذه اللحظة أن نحسّن علاقاتنا ونطورها ونعمقّها أولا مع الأهل والأقارب، عبورا، إلى الناس الآخرين الذين نعمل معهم في الدائرة الرسمية، المنظمة، المؤسسة، الجامعة، السوق، النادي الرياضي، وفي أي مكان كان.
إذا مددْنا معهم جسور التلاقي الصادق، وتشابكت معهم قلوبنا ونفوسنا، في نيّات نقية وصافية، فإن المخرجات سوف تكون مثل اللآلئ التي تُخرَج من أعماق البحر، فتضفي على واقعنا نورا وجمالا وتدفقا في العلاقات الإيجابية، فكل كلمة جميلة هي مكسب للجميع، وكل بشاشة وجه هي خطوة في طريق التفاهم والارتياح، وكل مطالسة كفّ هي لبنة تُضاف إلى البناء الاجتماعي الرصين، نحصل على كل هذا حين ننفتح على الآخرين ونحبهم.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يحثنا على أن نجعل من هذا الحديث الشريف شعارا نعمل به فيقول:
(علينا أن نعود إلى من حولنا من أرحام وأصدقاء وجيران ومن نتعاون معهم في السوق والمسجد والحوزة والجامعة أو أي مكان نحاول أن نعزم عليه، لنحاول أن نقوم بذلك بأي مقدار ونسبة ممكنة، وليكن عشرة بالمئة أو خمسين بالمئة أو أكثر من ذلك أو أقل).
قد يتردد بعض الناس من الإقدام على التواصل مع بعض الناس لأسباب معينة، فمثلا إذا كان هناك شخص لا يحرّم الحرام، فكيف في هذه الحالة نصلْهُ وهو لم يرتدع، ولم يتورّع، بالطبع هذه حالة خاصة، لا يمكن تعميمها، فالكلام هنا عن عموم المجتمع، وعموم العلاقات القوية التي يجب أن تسود بين أفراده.
برمجة التكافل الاجتماعي
نفسيا لا يمكن لإنسان أن يتواصل مع الناس الذين لديهم مشاكل معينة، ولكن مع ذلك لابد أن يحصل هؤلاء على النصح، لأنهم أولا وأخيرا جزء من هذا المجتمع، و وجودهم فيه بلا إصلاح يجعل منهم عبئا على الناس، فالأفضل التواصل معهم من باب تقديم النصيحة والرشد، عسى ولعلّ يعودون من غيّهم إلى جادة الصواب.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(علينا أن نحاول ونعزم على ان نصل من قطعنا وهذه فضيلة من حيث المبدأ ولا إشكال في بعض الموارد التي تترتب عليها عناوين ثانوية لا تستوجب ذلك، بمعنى إذا اصبحت تلك العناوين مصاديق للمحرمات حينئذ لا تصبح فضيلة).
المجتمع الذي يضع هدف التماسك والتحضّر هدفا له، لابد أن يخطط ويبرمج مكوناته المختلفة وفق شعار (صل من قطعك)، فهذا هو الحل العظيم الذي يخلص الناس من مشاكلهم وأزماتهم التي تعيش معهم مثلا ظلّهم، نعم هناك أمم ومجتمعات لم تذق طعم الراحة من كثرة المشاكل بسبب العلاقات الاجتماعية الشائنة.
الجار مختلف مع جاره، وصاحب العمل عينه على المحل المجاور له، يحسده في كل شيء، حتى الأطفال قد يعيشون في بيئة كلها تشاحن وتوتر، فيعتاد الطفل على الأجواء العدائية، وتناله تنشئة قاسية، ويتعلّم قلبه على الجفاف والقسوة، وهكذا يصبح المجتمع كله في حالة من التوحش والعزلة الذاتية المريضة.
لذا ليس هنالك حل غير التقارب والتواصل والتعاون والتكافل، ومد الكفوف والأذرع إلى بعضها، وإشهار شعار (صل من قطعك)، وتطبيقه فعليا باعتباره صادرا من الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار، لذا على الجميع إطلاق ما يكفي من محاولات التواصل المستمر بدءا بأفراد العائلة وصولا إلى أبعد الناس.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقدم نصيحته قائلا:
(ليحاول كل واحد منّا أن يعمل بهذا الحديث المتواتر (صِلْ مَنْ قَطَعَكَ) الصادر عن رسول الله وعن أئمة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين، ولنعمل بهذا الحديث شيئاً فشيئاً، ولنجعل هذا الحديث شعارنا في أعمالنا وفي نفوسنا وعلى ألسنتنا).
الخلاصة نحن نحصل ببساطة على خريطة عمل واضحة المعالم، من شأنها أن تنقلنا إلى الأمم والشعوب المتحضرة المتقدمة، كل ما في الأمر أن نحول المضمون أو الفكرة الموجودة في الحديث الشريف إلى فعل أو عمل، على أن يتم هذا الشيء وفق برمجة واسعة وشاملة وتطبيق فردي وعائلي ومؤسساتي وجماعي يشارك فيه الجميع من أجل الجميع.
اضف تعليق