إسلاميات - المرجع الشيرازي

التواضع دليل العظماء

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

من تواضع لله رفعه، والتواضع دليل العظماء، وكل إنسان وراؤه حساب، وعليه أن يتواضع لله، وللجميع، قبل أن يفوت الأوان، وعلينا جميعا أن نتأسى بالأئمة الأطهار عليهم السلام، ونتواضع في حياتنا وفي تعاملاتنا كلها، وأن نربي عوائنا وأطفالنا على التواضع، ونكون لهم القدوة والأسوة...

(المعصومون (عليهم السلام) عرَّفوا أنفسهم للخلق لإتمام الحجة عليهم)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

لابد من المعلّم القدوة، والحجة على الناس، حتى لا يقولوا لا نعرف، أو لم نسمع بكذا وكذا، والأئمة الأطهار عليهم السلام، هم الحجة على الناس، ولهذا السبب كانوا يُظهرون شخصياتهم في بعض الأحيان، حتى لا يتركوا للناس فرصة تبرير ما يرتكبونه من معاصٍ أو خطايا، ولهذا السبب أظهر أئمة أهل البيت بعض المعلومات عن أنفسهم لكي يعرفهم الناس ويتخذوا منهم أسوةً حسنة، وأن يتواضعوا كما يتواضع أعظم الخلْق شأنا عند الله.

وطالما أن الأنبياء والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، حملوا الرسالة الإلهية وانطلقوا في متاهات الأرض الواسعة لهداية البشر، فلابد في هذه الحالة أن يعرفهم هؤلاء الناس، حتى يقتدوا بهم، وحتى لا يبقى لأيٍّ منهم أي عذر أو تبرير أو حجة لكي يخرج عن المسار الصحيح، وهو مسار الاستقامة الذي يجب أن يتوفر عند كل البشر الصالحين.

التواضع يفرض على الإنسان عدم التبجّح بأي شيء، فليس مقبولا من الإنسان أن يتبجح بنسبهِ، ولا مركزه الاجتماعي ولا الوظيفي، ولا بالأموال التي يمتلكها، ولا بالسلطة، وهذا ما فعلوه أهل البيت عليهم السلام، ولكن في حالات خاصة عرّفوا عن أنفسهم لهدف واضح تم ذكره سابقا.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في محاضرة التواضع وهي ضمن سلسلة محاضرات نبراس المعرفة:

(إن أولياء الله هم من أناس عاديين لا يريدون أن يعرفهم أحد في هذه الدنيا، لكنّ الأولياء المعصومين (صلوات الله عليهم) وكذلك الأنبياء (عليهم السلام) وجميع الذين اختارهم الله ونصبهم لهداية الخلق، هؤلاء عليهم أن يعرفوا أنفسهم للناس والخلق من جهة (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، سورة الأنفال، الآية 37، لا من جهة أنهم يحبّون أن يُبرزوا أنفسهم للناس، بل لإتمام الحجة عليهم).

ومع أن قضية التعريف كانت مهمة عندما يتعلق الأمر بأئمة أهل البيت، لكن مع ذلك سعى أئمتنا الأطهار إلى التخفي وعدم الاجهار ولا الاظهار، حتى لا يُحسَب الأمر بادرة من بوادر التبجح، ولهذا السبب أصرّ الأئمة عليهم السلام على التخفي، لكي لا يتم وصفهم بعدم التواضع، لاسيما أن أعدائهم في ذلك الوقت كثيرون.

المتواضعون أحباب الله

فالإمام علي (عليه السلام) في حكومته، كان يخرج سرّا تحت جنح الظلام، لا أحد معه مطلقا، يدور على البيوت وفي شتى المناطق، ليساعد المحتاجين، الذين كانوا لا يعرفونه أيضا، وهذه الأمور والأفعال كانت في وقتها غير معلنة ولا معروفة، ولكن التاريخ دوَّنها وثبَّتها بالأدلة والشهود والبراهين التامة، وذلك بعد استشهاده، فكانت مثل هذه المساعدات تتم بشكل سري تواضعا وخشية مما يبثّه الأعداء من تقوّلات وفتن لا علاقة لها بالصدق ولا بالواقع.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): 

(لقد أخفى المعصومون الكثير الكثير من الأمور التي ظهرت بعد استشهادهم، حيث إنهم كانوا يقومون بأعمال لا يطلعون الناس عليها عادةً، ومنها أن أمير المؤمنين (عليه السلام) في أيام حكومته كان يتتبع الفقراء والمساكين لوحده ويساعدهم في سواد الليل، ولم يكن أحد يعرف ذلك إلا بعد استشهاده).

كانت هناك جروح وكدمات في منكبيّ الإمامين الحسين والسجاد عليهما السلام، أي أن هذه الجروح موجودة في الظهر وليس في الصدر، فأثارت حفيظة أولئك الذين لا يثقون أو يشككون، أو بعضهم يريد أن يفهم، لماذا هذه الإصابات في الظهر وليس في الصدر مع أن الإمامين (الحسين والسجاد) حالهما كحال جميع الأئمة المعصومين، عندما يقالون الأعداء لا يدبرون، وتتم مواجهة أعدائهم بالصدور وليس بالظهور.

فيما بعد عُرِفَتْ الأسباب للجميع، المتسائل الصادق والمشكك، فهذه الكدمات والجروح الملتئمة الموجودة في ظهريّ الإمامين، ليست نتيجة المعارك، لأنهما لا يدبران، وإنما السبب هو حملهما للجراب ليليا والدوران والتجوال الليلي على الأبواب والبيوت وتوزيع الإعانات والأغذية للمحتاجين، ونتيجة لثقل هذه المعونات تكونت الجروح والكدمات.

تواضع الأئمة عليهم السلام، جعلهم يخفون ما يقدمون للناس، وحتى لا يقعون تحت صفات هم أسمى وأعلى منها كثيرا، فكانوا يقضون ساعات طويلة من الليل يدورون على الأبواب لتوزيع الإعانات بشكل سري.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول عن هذه النقطة:

(لقد سألوا أحد الائمة المعصومين (صلوات الله عليهم) عن الإمام الحسين (عليه السلام) وعن الإمام السجاد عليه السلام، لماذا كان خلف ظهره في منكبه جراحات كبيرة، مع أن الإمام الحسين (عليه السلام) في الحروب كبقية الأئمة المعصومين لا يولون ولا يعطون ظهورهم للعدو، وما كان يصيبهم من السيوف والسهام يأتي من أمامهم؟، فأجابوهم إنه أثر الجِراب الذي كان يحمل فيه الإمام الحسين (عليه السلام) المساعدات والغذاء للفقراء والمحتاجين).

لا تحقّروا ولا تستصغروا أحداً

في بعض الأحيان قد نرى إنسانا بسيطا في مظهره الخارجي، فربما يكون ملبسه عادي، ولم يركب سيارة من طراز حديث، ولا يحمل موبايل ماركة، بل هو إنسان كل شيء فيه يدل على أنه إنسان عادي أو بسيط، فهل يجوز الانتقاص من شخصه، والتقليل من شأنه وقيمته؟

كلا، لأن مثل هذا الفعل ليس صحيحا، بل هو مرفوض بشكل قاطع، فقد يكون هذا الإنسان البسيط أكثر قيمة عند الله من إنسان آخر متبجح وغير متواضع ومغرور بأمواله وسلطته، لكن بعد نهاية الدنيا لا تبقى قيمة للسيارات الفارهة والأملاك وناطحات السحاب، القيمة الحقيقية تبقى لمن قدم الخير للناس ولنفسه، لذلك كان الأئمة الأطهار (عليهم السلام) قلّما يعرَّفون بأنفسهم، إلا عند الضرورة.

هذا ما يؤكده سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:

(علينا أن لا نستصغر أحداً من الناس ولا نحكم عليه بظاهره البسيط، فلعله ولي من أولياء الله، (إِنَّ اَللَّهَ أَخْفَى وَلِيَّهُ فِي عِبَادِهِ)، حتى الأئمة عليهم السلام كانوا لا يُظهرون شخصياتهم للناس إلاّ بمقدار الضرورة وما يُحتم عليهم الواجب لتتم الحجة على الناس). 

لذا مطلوب من كل إنسان أن يتحاشى استصغار الآخرين، أو احتقار شخص يبدوا بسيطا أو فقيرا، فربما يكون هذا الإنسان الفقير وليا صالحا سوف تحتاجه في يوم الحساب الذي لا يشفع لك فيه إلا هؤلاء الذين ميَّزهم الله عن غيرهم بقبول شفاعتهم لم أغرته الدنيا، لذا عليكم أن تتجنبوا احتقار الناس أو استصغارهم.

غالبا ما تتيح لنا دنيانا اللقاء بمثل هؤلاء الأشخاص الذين يحبهم الله تعالى، هؤلاء الأولياء الصالحون، فالمطلوب منا أن نستثمر هذه الفرص للتقرب من هؤلاء، والتعامل معهم بالحسنى وكسب مودّتهم، وعدم الإساءة لهم ولو بكلمة واحدة، لأنهم أعظم شأنا من أن يُساء لهم، إنهم أولياء الله وأحبابه، وهم الشفعاء الحقيقيون في يوم الحساب.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(على الإنسان أن يلتزم بالخلق الرفيع فلا يستصغر أحداً ولا يحقر أحداً، فقد ينكشف له في يوم القيامة أنه شخص مهم، وهو الذي يحتاج إلى شفاعته، فكيف يستشفع به وقد احتقره وأهانه؟).

وأخيرا.. من تواضع لله رفعه، والتواضع دليل العظماء، وكل إنسان وراؤه حساب، وعليه أن يتواضع لله، وللجميع، قبل أن يفوت الأوان، وعلينا جميعا أن نتأسى بالأئمة الأطهار عليهم السلام، ونتواضع في حياتنا وفي تعاملاتنا كلها، وأن نربي عوائنا وأطفالنا على التواضع، ونكون لهم القدوة والأسوة في هذا الجانب، فالتواضع كما يقول العلماء وأهل الشأن دليل العظماء.

اضف تعليق