إن إخلاص العراق والعراقيين للشعائر، وتمسكهم بالانتصار المستمر للمبادئ التي نادى بها الإمام الحسين وثار من أجلها (ع)، يجب أن يحتل أولوية الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، كما أن الإنسان العراقي حتى يكون نموذجا عالميا يقتدي به الجميع، عليه أن يقدم كل ما في وسعه من الجانبين المادي والمعنوي دعما للشعائر وإسنادا للنهضة الحسينية...
(ليكن كل فرد من أبناء العراق اليوم نموذجا يقتدي به الآخرون)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
استنادا إلى تاريخ العراق العريق، ليس كثيرا عليه أن يكون النموذج الأفضل لدول العالم الأخرى، فهو عراق العترة الطاهرة، وهم أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهو عراق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهناك في أرض كربلاء الثائر الذي قهر السيف بالدم وأطاح بعروش الظلم والطغيان، ألا وهو الإمام الحسين (عليه السلام)، هذا التاريخ المضيء للعراق والعراقيين يساعد على تتويج هذا الوطن المكانة العالمية التي يستحقها.
هنا نحن لا نتكلم عن الموقع الجغرافي الجيوبولتيكي للعراق، ولا نتحدث عن الثروات الهائلة التي يحفل بها من معادن مختلفة وخيرات زراعية ومواد أولية وسواها، كما أننا لا نتكلم من ناحية الموارد البشرية التي يعج بها هذا البلد، بل نحن ننطلق أولا من العمق التاريخي له، ومن ثقافته المتجذرة في أعماق التاريخ.
فضلا عن كونه حظى بقادة عظماء وضعهم التاريخ في أعلى وأعظم قوائم الخلود، ألا وهما الرسول صلى الله عليه وآله، وأمير المؤمنين (عليه السلام)، هاتان الشخصيتان القياديتان اللتان حظيَ بهما العراق، كفيلتان بمنحه السمة النموذجية التي يتربع بها على قمة المجد الإنساني.
وقد يتساءل بعضهم، هل هناك مغالاة في أقوالنا هذه، أليس أرض العراق حظيت بهذه الخصوصية القيادية العظيمة، أو يستشهد الإمام الحسين (عليه السلام) في أرض العراق، أرض كربلاء، ويتخضّب دمه الطاهر في هذه التربة التي اكتسبت طهارتها من دم الحسين الطاهر، كلا ليست هناك أية مغالاة في هذا التوصيف والكلام، ولكن في الوقت على أبناء العراق أن يفهمون هذه الخصوصية وهذه المكانة النموذجية، وعليهم أن يسمون إلى هذه المرتبة العالية بين أمم العالم أجمع.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كلمة توجيهية قيّمة ألقاها سماحته ظهر يوم الخميس العاشر من شهر ربيع الثاني 1445 للهجرة (26/10/2023م)، وجاء فيها:
(العراق، عراق أمير المؤمنين وعراق الإمام الحسين وعراق مولانا بقيّة الله، وعراق العترة الطاهرة جميعاً صلوات الله عليهم أجمعين).
إذن هذه المكانة المتفردة تاريخيا وعالميا تتناسب مع ما يستحقه العراق وأبناء العراق، لهذه فإنهم مطالبون بأن يعوا الدور التاريخي لهم، لاسيما في تعظيم الزيارات والقيام بإحياء الشعائر الحسينية بالطرق والوسائل التي تجعل من العراق وأبنائه النموذج الأفضل للبشرية كلها، نعم العراقيون مطالبون بالإخلاص التام في قضية إحياء الشعائر، كما أنهم مطالبون بتقديم النموذج الذي يتطلع إليه العالم أجمع، في خضم واقع عالمي يغص بالظلم.
إن إخلاص العراق والعراقيين للشعائر، وتمسكهم بالانتصار المستمر للمبادئ التي نادى بها الإمام الحسين وثار من أجلها (عليه السلام)، يجب أن يحتل أولوية الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، كما أن الإنسان العراقي حتى يكون نموذجا عالميا يقتدي به الجميع، عليه أن يقدم كل ما في وسعه من الجانبين المادي والمعنوي دعما للشعائر وإسنادا للنهضة الحسينية التي هدفها تحرير الإنسان عالميا.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(يجب أن يكون العراق إنموذجاً فريداً لخدمة أهل البيت عليهم السلام وإنموذجاً فريداً للشعائر الحسينية المقدّسة ولسائر الشعائر المقدّسة لأهل البيت عليهم السلام حتى يقتدي الكل في أطراف العالم بأبناء العراق المؤمنين والمؤمنات).
الكوفة عاصمة الامتداد النبوي الشريف
وهكذا كان العراق محظوظا بقيادة الإمام علي (عليه السلام) له، وكانت سعته الجغرافية في حينها تقارب نصف الكرة الأرضية، ومن المؤمّل أن يظهر الإمام الحجة المنظر (عجل الله فرجه الشريف)، ويحكم العالم كله انطلاقا من العراق، هذا النموذج الذي ينتظره العالم للخلاص من الويلات والحروب والظلم المتفشي بين البشرية كلها.
الكوفة عاصمة أمير المؤمنين، منها أدار دولة المسلمين، وقدم من خلالها النموذج الحكومي الأفضل عبر معايير العدالة التي سادت بين الناس، قويّهم وضعيفهم، غنيّهم وفقيرهم، فلا أحد أفضل من أحد إلا بتقواه وعمله.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لقد حكم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من العراق وبالتحديد من الكوفة المشرّفة وخلال خمس سنوات، قرابة نصف الكرة الأرضية. وسيحكم مولانا الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف عند ظهوره الشريف، العالم من العراق ومن الكوفة بالذات).
وهكذا سوف تكون مسيرة الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، امتدادا مباركا لحكومة الإمام علي (عليه السلام) والتي شكّلت أيضا امتدادا باهرا ونموذجيا لحكومة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولذا فإن المسلمين والبشرية كلها، على موعد مع حكومة العدالة والإنصاف، والقيم العظيم، وهي أيضا حكومة الانتصار للمظلومين والمسحوقين والمتعففين، حيث يسود العدل في أرجاء وأصقاع الأرض كلها، بعد أن عانت البشرية من أسوأ الأنظمة، وأردأ النماذج الحكومية الفاشلة.
أما أسباب الرداءة فهي معروفة و واضحة للجميع، حيث غاص العالم كله في ظل الحداثة وما بعداها والعولمة وما بعدها في نظام مادي متوحش، سيطر على كل شيء وهمّش الجوانب الروحية والمعنوية، وركز على الاستهلاك المادي والاحتكار وكنز الأموال وحصرها بيد شركات معدودة وأفراد لا يتعدون نسبة 1% من البشرية، هؤلاء هم اليوم يتحكمون بالعالم كله عبر النظام الرأسمالي المادي المتنمّر.
لهذا سوف تكون حكومة الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف هي الحل، وهي الخلاص، بعد أن يتم القضاء على الفساد بكل أشكاله، ويسود الإصلاح، والتعايش، وتحل القيم الصحيحة بدلا من القيم غير المنصفة التي نشرها النظام المادي الاستهلاكي المريض في عموم أرجاء العالم.
بانتظار حكومة العدل والإنصاف
الحل هي حكومة عادلة، تأتي بنظام عالمي بديل، ينشر العدل بين الجميع، وينصف الناس، ويحترم قيمة الإنسان، ومكانته وكرامته و وجوده، حيث يعيش الإنسان اليوم في ظل أسوأ الأنظمة وأردأ القيم، مما جعل من العالم عبارة عن ساحة حرب مستعرة وقودها الفقراء والمغلوبين على أمرهم، مما سيجعل ظهور الإمام الحجة عجل الله فرجه حالة إنقاذ للعالم أجمع، كونه سيشكل امتدادا لحكومتي الرسول صلى الله علية وآله وأمير المؤمنين (عليه السلام).
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله) يقول:
(سوف يسير مولانا الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف عند ظهوره على سيرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام التي هي سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله نفسها، كما ورد في الأحاديث الصحيحة، ومنها: أنّه عجّل الله تعالى فرجه الشريف في حكومته، يسير بسيرة جدّه رسول الله وسيرة جدّه أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما).
هذه الحكومة المتوقّع ظهورها في العراق، عرق الأئمة عليهم السلام، تستوجب أن يستعد كل أبناء العراق لهذا الظهور المبارك، وأن يكون كل شخص منهم نموذجا للآخرين، في الفكر والسلوك والتدين والأخلاق، حتى يشكلون الأرضية الصحيحة والمناسبة لبزوغ هذه الحكومة العالمية العادلة التي تنشر العدل بين البشرية كلها.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(ليحاول كل فرد من أبناء العراق اليوم، كل رجل وامرأة، وكل شابّ وفتاة، بمقدار ما يمكنهم، أن يكون انموذجا فريداً ليقتدي به الكل في العالم كلّه وهذا يكون إن شاء الله وببركة الله عزّ وجلّ وبدعاء مولانا وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله).
هكذا يمكن للعراق أن يحتل المكانة العالمية الكبرى التي تليق بتاريخه وانتمائه وثقافته، فالوطن الذي ينتسب لآل محمد صلى الله عليه وآله، والأئمة الأطهار يتوزعون أرضه المقدسة، هذا الوطن يمكنه بالفعل أن يكون النموذج الأصلح لجميع دول العالم، ولكن هذا الهدف العظيم يستوجب تضحيات واستعدادات كبيرة وهائلة، تقع على عاتق العراقيين من دون استثناء، وعليهم التصدي بجدارة لهذه المسؤولية القدرية الأعظم.
اضف تعليق