q

الشعائر المعاصرة في زيارة الأربعين

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

زيارة الأربعين شعيرة عظيمة، بل لا نظير لها في العالم، هكذا يصفها سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله)، أما الأسباب التي تقف وراء عظمة هذه الشعيرة المقدسة، فهي كثيرة، لكن أكثرها تأثيرا هو قدرة هذه الشعيرة على مسايرة التطور والنمو الحضاري المعاصر...

(الزيارة الأربعينية الحسينية شعيرة عظيمة لا نظير لها في العالم)

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)

زيارة الأربعين شعيرة عظيمة، بل لا نظير لها في العالم، هكذا يصفها سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله)، أما الأسباب التي تقف وراء عظمة هذه الشعيرة المقدسة، فهي كثيرة، لكن أكثرها تأثيرا هو قدرة هذه الشعيرة على مسايرة التطور والنمو الحضاري المعاصر، حيث يمارس الزوّار الكريم مراسيم هذه الشعيرة بما يتوافق مع حداثة العقل والفكر والسلوك، والهدف من ذلك هو تطوير الإنسان عقلا وتفكيرا وسلوكا.

يقترن بأداء هذه الشعائر الكثير من الأهداف، أهمها وأوّلها تصاعد الوعي، وفهم القضية الحسينية بحذافيرها، ومن ثم إدراك العمق الحقيقي للنهضة الحسينية، وتوظيفها لصالح بناء الشخصية والمجتمع معا، لأن القيم والمبادئ التي قامت عليها عاشوراء سعت ولا تزال تسعى إلى تنقية العقل البشري من الشوائب الفكرية القديمة، وجعل المعاصرة والتحضر قرينا ملاصقا لهذه النهضة، حيث تتم تنقية الأفكار من الجوانب السلبية التي قد تعلق بها كالتعصّب والتطرف والكراهية وغيرها من الأفكار السوداوية التي لا تليق بالإنسان.

من هنا يتم التشديد والتأكيد على وجوب وحتمية الاهتمام الفردي والجمعي بإحياء شعيرة الأربعين في مراسيم معاصرة، تقوّم الفكر والسلوك معا، وترتفع بالناس إلى مستوى التحضّر المطلوب من حيث التعامل المتبادَل، وحفظ الحقوق، والكرامة، وتنزيه النفوس والقلوب، وحماية وترسيخ القيم التي أطلقتها عاشوراء في أو شرارة رافضة للظلم والاستبداد والجور، فالمعاصرة والحضارة لا يمكن أن تخضع للاستبداد وهذه هي أهم ميزة لشعيرة الأربعين.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، على حتمية الاهتمام القطعي و التام في زيارة الأربعين فيقول سماحته بتأكيد مكرّر حول هذه القضية:

(يجب أن نهتمّ ونهتمّ ونهتمّ في سبيل إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة، فهذا الأمر يؤدّي إلى تجلّيها واتّساعها أكثر وأكثر، وبالأخص شعيرة الأربعين الحسيني المقدّس).

ولا ينحصر هذا الاهتمام بشباب الداخل، أو بمن هم أقرب جغرافيا من الإمام الحسين (عليه السلام) بل جميع الشباب المسلمين يقع عليهم مهمة النهوض بمراسيم هذه الزيارة، لكي تصبح في متناول الجميع بعد تسهيل كل ما يتعلق بأداء مراسيمها، فالشاب المسلم الذي يعيش في مغارب الأرض أو مشارقها، في جنوبها أو شمالها، هو غير معفي من مسؤولية توضيح أهداف ومعاني هذه الشعيرة الحسينية المقدسة.

جهود حكومية ومدنية لدعم الشعائر

الجميع يجب ان يشمروا عن سواعدهم، ويحثّوا الآخرين على استثمار الزيارة الأربعينية بما يجعلها ذات أبعاد معاصرة، تنهض بالبشرية كلها عبر سلوكيات الفرد أو الجماعة، سواء وهم قادمون من المدن والبلدان البعيدة، أو أولئك الذين تكتظ بهم شوارع وساحات المدينة المقدسة والمواكب الحسينية التي تشيَّد وتُقام بالآلاف لكي تستقبل الزوار الكرام، أما شبابنا الآتون من دول الغرب أو الشرق المختلف والمتقدم، فتقع عليهم مهمة نقل كل ما يتعلق بهذه الشعيرة من أحداث معاصرة وقيم عالية إلى المجتمعات التي يعيشون فيها، لكي يعرفوا جيدا البعد الحضاري المعاصر لعاشوراء.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (يجب علينا من الآن أن نشمّر عن سواعدنا لها. حتى الشباب الأعزاء في الدول غير الإسلامية عليهم أن يخطوا لأجل تسهيل أمر الزيارة الأربعينية).

لا يكفي الجهد البشري الأهلي أو المدني الذي تقوم بها الأهالي في مختلف الصعد والمستويات، فالجهد الحكومي الرسمي يجب أن يدخل بقوة وتنظيم عال لدعم إقامة مراسيم هذه الشعيرة الضخمة، حيث يتدفق ملايين الزوار على أرض العراق وعلى مدينة كربلاء المقدسة، وصولا إلى المرقد والضريح الشريف للإمام الحسين (عليه السلام)، فهذه الأعداد الهائلة تحتاج إلى جهود تنظيمية كبيرة.

هنالك النقل، والإطعام، والراحة والمنام والاغتسال وكل الجوانب الأخرى التي يحتاجونها ضيوف سيد الشهداء عليه السلام، فإذا كان الجهد التنظيمي الحكومي منظّما ومستمرا على قدم وساق، سوف يؤتي أُكُلُه حتما، وسوف يظهر الجانب الناصع الحضاري لهذه الشعيرة، وما يتم فيها من أنشطة فكرية وسلوكية وأخلاقية وثقافية كلها تصب في صالح بناء العقل الجمعي المعاصر والمتطور في نفس الوقت.

من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على هذا الجانب فيقول:

(وبهذا الخصوص يجب على الحكومة في دولة العراق، أن تبدي التسهيلات في كافّة الجهات ومختلفها، كأن يكون في مجال إصدار جوازات السفر وتأشيرات الدخول أو في مجال الحمل والنقل والإسكان بشكل مجاني وغيرها، وأن تبدي التعاون وتقدّم الخدمات. فإن كثرت المتابعة واستمرّت بلا تعب وملل، فلا شكّ ستعطي النتيجة المتوخاة).

هكذا يحثنا سماحة المرجع الشيرازي، ويؤكد مرارا وتكرارا على عظمة هذه الشعيرة المقدسة، ويدعو لاستثمارها حضاريا وفكريا وثقافيا، في نشاطات فردية وجمعية معاصرة، تركز على الجانب الحضاري المتطور لما تتمخض عنه نشاطات هذه الزيارة سواء على مستوى النشاطات الثقافية كالأعمال المسرحية، أو معارض الكتب الراقية، أو إقامة المؤتمرات الضخمة التي تستثمر وجود ملايين العقول لكي يتم الارتقاء بها بما يتناسب والبعد الحضاري المتميز لزيارة الأربعين الحسيني.

أعمال وجهود تستحق الثواب

هكذا تقع على مناصري الإمام الحسين عليه السلام، أولئك الذين يلتزمون بنهجه ومبادئه وثورته، تقع عليهم تنمية هذه الشعيرة، وتطويرها، والالتزام بتوسيعها لكي تبلغ أمكنة وعقول بعيدة من حيث البعد الجغرافي، فالمطلوب أن يعرف الجميع لماذا تتدفق ملايين البشر إلى الإمام الحسين، وماذا يريد هؤلاء ولماذا هذا الإصرار على إحياء مراسيم الزيارة الأربعينية؟

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(الزيارة الأربعينية الحسينية المقدّسة، شعيرة عظيمة ولا نظير لها في العالم إلى اليوم، فيجب أن نسعى إلى نموّها واتّساعها وتسهيل أمور تأديتها).

وهناك قضية لابد أن نعرفها جيدا، ونحسب حسابها، فكل عمل جيد نقوم به لدعم الشعيرة المقدسة، سوف يقابله ثواب يوازيه بالحجم والمشاركة، وعلى العكس من ذلك هناك عقاب على الفعل الرديء أو المضاد، لهذا من الأهمية بمكان أن نتقن المهمة الملقاة على عاتقنا، لاسيما في إضفاء البعد المعاصر على هذه الشعيرة من خلال أفكارنا وتصرفاتنا.

هذا ما يؤكده سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حين يقول:

(إنّ لأعمالنا وتصرّفاتنا نحن وغيرنا بالنسبة إلى القضية الحسينية المقدّسة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، لها آثار حسنة أو عواقب سيئّة والعياذ بالله. فمن يخطو في سبيل نصرة وإعانة الشعائر الحسينية المقدّسة، ولو خطوة صغيرة، فباليقين سيرى ثمراتها، وعكسها يصدق أيضاً).

كذلك علينا أن نستوعب جميع المشاركات التي تصب في مسار إحياء مراسيم زيارة الأربعين، حتى لو شارك في ذلك أناس عليهم مؤشرات غير مشجعة، فلا يصح منعهم من المشاركة، بل ندعهم يقومون بما يرغبون في إطار خدمة زوار الحسين (عليه السلام)، فربما يتأثر أحدهم بالمظاهر الجيدة المتحضرة حين يختلطون بمن هم يخلصون للإمام الحسين عليه السلام، خدمة وعقيدة وفكرا وسلوكا، وبهذا نربح إنسانا أصلح نفسه بالاحتكاك مع مناصرين حقيقيين لعاشوراء وللإمام الحسين (عليه السلام).

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(قبل عدّة أيّام جاء شخص من العراق للقائي وقال أنّه في مدينته يشارك بعض الأشخاص من أصحاب السمعة غير الجيّدة في مراسيم الحسينيات. وطلب منّي الواجب تجاه ذلك، وأنّه هل يمكن السماح لأشخاص كهؤلاء أن يدخلوا الحسينيات؟ فقلت له: من المحتّم عليكم أن تسمحوا لهم وتستقبلوهم، فلعله يتأثرّ أحدهم بالمجالس ويهتدي بواسطة الإمام الحسين صلوات الله عليه وتصلح أعماله).

وهكذا فإن أياما ليست بعيدة تفصلنا عن ليلة الأربعين، وعن شعيرة الزيارة الأربعينية العظيمة، وما علينا إذا كنا مخلصين للإمام الحسين (عليه السلام) قلبا وسلوكا، إلا أن نلتزم كل الالتزام بما خرج من أجله الحسين، وطالب به وقارع المنحرفين من أجل تحقيقه، وقدم نفسه وروحه وأرواح ذويه وصحبه الأطهار حتى يستعيد الإسلام اصالته وقيمه الحقيقية الصادقة التي تحرص على الإنسان كقيمة عليا، لا يجوز امتهانها مطلقا.

اضف تعليق