إن معرفة النموذج مهمة بل واجبة لكي تعرف مواصفات هذه الشخصية، وأفكارها، وعقيدتها، والقيم التي تؤمن بها، وسلوكياتها، إذ لا يقبل الإسلام أن يسير الإنسان وراء غيره مغمض العينين ومغلق البصيرة، لابد أن تكون ذا عقلية تحلل وتفكر وتدرس وتقارن، ثم تقتنع أو ترفض، لهذا علينا أن نسبر أغوار سيرة الإمام السجاد عليه السلام جيدا...
(من الكتب الجدير قراءتها كتاب «الصحيفة السجادية» للإمام السجاد)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
الأمم المتميزة على مستوى التاريخ، غالبا ما يخرج فيها شخصيات تأخذ على عاتقها التصدي لمسؤولية الإنقاذ والتطوير على المستويين المادي والمعنوي، عبر آليات التوعية وبث العلوم وشحذ الهمم ومساعدة العقول على تجديد أفكارها، وهذه الشخصيات غالبا ما يكون لها أدوار محورية في التحشيد الثقافي والفكري والعقائدي، مما يجعل من اختراق هذه الثقافة العقائدية أمرا أقرب للمستحيل.
هذا الكلام يجعلنا نبحث في شخصية الإمام السجاد (عليه السلام)، والدور العظيم الذي قاده في تطوير وتنوير الأمة، وكما هو معروف، علينا أن نختار النموذج الذي نقتدي به جيدا، وبالتالي لابد من معرفة سيرته وتاريخه والمحطات والأهداف التي تصدى لها وحقق فيها نجاحا منقطع النظير، فالإمام السجاد عليه السلام هو إمام معصوم، والإمامة تلزمنا بطاعته، وبالتالي فإن الإسلام يحكِّم العقل والقناعة لكي نؤمن بهذا الفكر وهذه العقيدة أو تلك، لهذا وجب علينا أن نعرف شخصية الإمام السجاد عليه السلام، ونطّلع على دوره العلمي العقائدي الكبير، وموجات الوعي المتلاحقة التي سعى (عليه السلام) إلى بثها بين الناس.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (نفحات الهداية):
(ههنا تساؤل قد يختلج في القلوب، وهو: ماذا كان دور الإمام زين العابدين سلام الله عليه في حياته الشريفة؟ وقد يتبادر إلى الذهن سؤال آخر وهو: لماذا يجب أن نعرف أدوار الإمام سلام الله عليه وسيرته؟، والجواب: لأن الإمام يعني من ينبغي لنا الائتمام والاقتداء به، يقول الإمام أمير المؤمنين علي سلام الله عليه: ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه).
إن معرفة النموذج مهمة بل واجبة لكي تعرف مواصفات هذه الشخصية، وأفكارها، وعقيدتها، والقيم التي تؤمن بها، وسلوكياتها، إذ لا يقبل الإسلام أن يسير الإنسان وراء غيره مغمض العينين ومغلق البصيرة وفاقد التفكير والعقل، لابد أن تكون ذا عقلية تحلل وتفكر وتدرس وتقارن، ثم تقتنع أو ترفض، لهذا علينا أن نسبر أغوار سيرة الإمام السجاد عليه السلام جيدا، وندرس تجربته العلمية، وتفاصيل سيرته المختلفة حتى يكون مثالنا وأسوتنا عن قناعة وفهم وإدراك، لأن القناعة شرط أساس لجدوى الإيمان.
إننا ملزمون بطاعة الإمام
وبعد عملية التدقيق والفهم والإدراك وسبر شخصية المقتدى به، ليس هنالك حق أن نختلف على هذه الشخصية بعد دراستها وفهمها جيدا، وبالتالي لابد من الالتزام بالطاعة التامة، والتطبيق المنهجي الدقيق لما يدعو له، كوننا آمنا به، وأدركنا أفكاره، وفهمنا القيم والعلوم التي درّسها لنا، وبالتالي فإننا ملزمون بالاتفاق على طاعته والسير في منهجه.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إذن يجب علينا معرفة سيرة الإمام لنهتدي بها ونقتدي به سلام الله عليه. وفي الحديث أيضاً - عن إمام الجماعة -: إنَّمَا جُعِلَ الإمامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلفُوا عَلَيْه. فَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا... وَ إذا سَجَد فاسْجُدوا).
ثم يتساءل سماحته، ما فائدة أن لا نعرف إمامنا، لاسيما أن الله تعالى أمرنا بطاعته، وهل يصح أن تطيع من لا تعرف سيرته ولا أفكاره ولا منهجه؟، إذا حدث ذلك فإنه يعني أننا نسير بطريقة عمياء وبلا إدراك، أما الفهم والاطلاع والتدقيق في السيرة فإنه يمنحنا القدرة على معرفة الإمام الذي نؤمن به ونسير في منهجه وخطواته.
لذا من المهم جدا أن نطلع على السيرة المختصرة للإمام، ونعرف شيئا من تاريخها ومنجزاتها، وما تحقق من أهداف تجعلنا مؤمنين بالإمام وسائرين في نهجه، ومتمسكين بمنهجه، لأن الإسلام يطالبنا بمعرفة الطريق الذي نسير فيه خصوصا إذا كان دينيا أو عقائديا أو علميا، حتى تكون القناعة والفهم دربنا ودليلنا.
لهذا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:
(ما الفائدة في أن يكون السجاد سلام الله عليه إماماً لي ولك ولا نعرف عن سيرته شيئاً؟! من الضروري إذن، أن نقرأ ولو مختصراً من سيرة أهل البيت سلام الله عليهم لتعلّق إسلامنا وإيماننا بمعرفة من أمرنا الله تعالى بطاعتهم).
لقد اشتهر الإمام السجاد بتعلقه بالحقوق الإنسانية، ولهذا وضع منهجا حقوقيا فريدا من نوعه، تضمنته رسالته الحقوقية (الصحيفة السجادية) التي تبدو كتيّبا صغير في حجمه، لكن ثقل المضامين الحقوقية الواردة في فيه جعلته يقف في صدارة الأفكار والأحكام والمناهج التي تم طرحها لمناصرة حقوق الإنسان في تاريخ البشرية.
التدبّر في الصحيفة السجادية
ولهذا أفنى الكثير من العلماء والمهتمين أعمارهم في الغوص بمضامين الصحيفة السجادية وسعوا إلى دراستها بعمق وتدبّر كبير، حتى ينهلوا منها المناهج الحقوقية الضامنة لحقوق الإنسان سواء حق الإنسان على نفسه أو حقوق الآخرين عليه وحقوقه عليهم.
من هنا فإن كل من ينتمي إلى منهج أهل البيت عليهم السلام، ويعلن انتماءه لهم، عليه أن لا يتردد قيد أنملة في تفحّص صحيفة الحقوق السجادية، ومعرفة تفاصيلها، كونها تقدم منهجا ودليلا تفصيليا للكيفية التي تجعل الإنسان ضامنا لحقوقه، وأمينا على حقوق غيره.
ولعل الثراء الذي تتميز به الصحيفة السجادية يكمن في شقين أو جانبين، الأول حقوق عامة يدين بها الإنسان للآخرين، ويدينون بها له، وكذلك في الجانب الذاتي هناك حقوق الإنسان نفسه لنفسه وأعضاء جسده، أما الحقوق غير الذاتية فهي تشمل الجميع بمن فيهم الأب والأم والأخ والصديق وغير ذلك من الشخصيات التي نرتبط بها في حياتنا.
يقول المرجع الشيرازي (دام ظله):
(من الكتب الجدير قراءتها كتاب «الصحيفة السجادية» للإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين سلام الله عليهما - هذا الكتاب الصغير الحجم العظيم المحتوى الذي بذل العلماء أعمارهم من أجل سبر أغواره وكشف معانيه ومازالوا- حقيق بأن يقرأ بتدبر وإمعان ليُعرف من خلاله من هو الإمام زين العابدين سلام الله عليه، ومن هم أهل البيت سلام الله عليهم).
وفي مجال الإجابة عن دور الإمام السجاد وما قام به من جهود كبيرة، فإنها متعددة الأهداف والمقاصد والمعاني، حيث بادر عليه السلام في أول خطوة له إلى شراء العبيد من مستعبديهم ومن ثم تعليمهم وإطلاق سراجهم لوجه الله، مما عزز من انتشار الإسلام في ربوع الأرض على الرغم من ظروف القمع والاستبداد الذي كان سائدا في أيام الإمام السجاد عليه السلام.
ومن الأدوار الكبيرة الأخرى التي تصدى لها الإمام السجاد عليه السلام، تعليم الناس الأحكام والقضايا الشرعية ومضامين الأدعية ومدى تأثيره في النفوس والقلوب وصقل إيمان الفرد، أما الدور الثالث والمهم للإمام عليه السلام، فهو القيام بتربية الخواص من أهله وذويه والمقربين منه على منهج الجهاد والكفاح ضد الاستبداد والتجهيل وبث الوعي وإضاءة مصابيح العلم في عقول المسلمين.
هذا ما يؤكده سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(أما الجواب على السؤال عن دور الإمام السجاد فهو أنه سلام الله عليه قام بالأدوار الثلاثة التالية: 1 ـ شراء العبيد وتربيتهم تربية إسلامية ثم عتقهم بعد ذلك. 2 ـ تعليم الناس المسائل الشرعية والأدعية. 3 ـ تربية الخواص من أهل بيته وأصحابه على الخط الجهادي).
هذه بعض الخطوط المختصرة لسيرة الإمام السجاد عليه السلام، ولدوره الكبير في بث الوعي، وترسيخ العلم، وتربية الناس على كيفية مواجهة الجهل، وإحاطة العقل بنور الأحكام والأدعية والبنود الشرعية الضامنة لحقوق الإنسان، سواء تتعلق بالحقوق الذاتية للإنسان نفسه، أو حقوق الآخرين التي تترتب عليه.
اضف تعليق