q
ترشيح الموظف الحكومي إلى أحد مناصب الدرجات الخاصة (منصب بدرجة وزير، مدير عام، وكيل وزير، أو حتى مستشار)، يحتاج إلى جملة من المؤهلات التقليدية مثل الشهادة الجامعية والخدمة الوظيفية وبعض الوثائق الروتينية، لكنه يحتاج إلى ما هو أهم من كل هذه الأشياء ليكون قادراً على حيازة كرسي الإدارة...

ترشيح الموظف الحكومي إلى أحد مناصب الدرجات الخاصة (منصب بدرجة وزير، مدير عام، وكيل وزير، أو حتى مستشار)، يحتاج إلى جملة من المؤهلات التقليدية مثل الشهادة الجامعية والخدمة الوظيفية وبعض الوثائق الروتينية، لكنه يحتاج إلى ما هو أهم من كل هذه الأشياء ليكون قادراً على حيازة كرسي الإدارة.

المرشح إلى منصب من مناصب الدرجات الخاصة مطلوب منه جلب "التزكية"، وهي مصطلح متداول بين الأحزاب حيث يعرف الشخص المُزكى بأنه مؤيد لسياستنا (من جماعتنا).

فما هي معايير التزكية؟ وكيف يستطيع الشخص الحصول على شهادة التزكية السياسية؟

هناك شروط أساسية وأخرى ثانوية في الحصول شهادة التزكية فالشروط الأساسية تفرض أن تتبنى خطاباً سياسياً متماهياً أو منصهراً في الخطاب العام للحزب المالك للمنصب الحكومي، إن لم تملك ذلك الخطاب تحلم أن تحصل على المنصب، إذ لا يكفيك كونك محايداً وغير منضم لخصوم الحزب فقط، بل يجب أن تتبنى خطاب الحزب في مقالاتك ومجالسك الخاصة ومنشوراتك عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

أما الشروط الثانوية فيجب توافر بعض الشهادات الجامعية العليا، ولا يهم إن كانت رصينة أم لا، وحائز على منصب سابق أثبت عدم تقديمه خدمة مفيدة للمواطنين، حتى صار معروفاً لدى العراقيين أن من يفشل في أداء الوظيفة العام يحصل على ترقية لمنصب أعلى.

انصهر وروج وافشل واحصل على شهادة جامعية عليا، أنت الآن مؤهل للترقية، بالطبع ليست جميع الشخصيات التي تحتل مناصب عليا في الدولة من هذا النوع، نحن نتحدث عن الصفة الغالبة في التوظيف.

لكن لماذا تلجأ الأحزاب إلى إسلوب التزكية؟ وما هي تأثيراتها على الحزب نفسه؟

ببساطة القوى السياسية لا تثق ببعضها البعض، ولا تثق بالشعب، وتعيش حالة من الحرب الدائمة، وحالة الحرب التي لا تنتهي جعلتها لا ترشح للمناصب إلا من تثق بقدرته على حجز المقعد لصالحها لأطول مدة ممكنة، ولا نتحدث هنا عن حجز المقعد بشكل قانوني، إنما السيطرة عليه أولاً، واستمرار ولائه للحزب ثانياً، لأن هناك خيانات واستقالات لا تُعجب الفاعل السياسي.

الحزب يبحث دائماً عن المدير المطيع للقرار السياسي، نعم مطلوب منه انجاز الأمور المتعلقة بطبيعة عمله لصالح المواطنين لكن هذا ليس الجزء الاهم في المسألة، عليه ضمان المنصب للحزب.

وتتحجج القوى السياسية بأن ما تقوم به معمول في بلدان ديمقراطية متقدمة، وهي تضليل واضح، فتقاسم المناصب بالديمقراطيات المتقدمة يجري للمناصب السياسية فحسب، لا بالطريقة التي عبرت إلى المناصب الإدارية التخصصية التي لا تحمل صبغة سياسية بل عملها الأساسي إداري بحت.

ثم إن الحزب الملتزم بالقواعد القانونية لا يرشح للمنصب شخصية ثبت فشلها سابقاً، بينما نشهد في العراق عمليات تدوير للشخصيات وكأن البلاد قد توقفت عن إنجاب غيرهم.

تعقد الأحزاب والقوى السياسية أنها بهذه الطريقة تستطيع ضمان بقائها لأطول فترة ممكنة في السيطرة على مفاصل الدولة العراقية، بينما تقامر بتهديم النظام السياسي برمته.

إذ تخلق الطريقة الجارية في تقاسم المناصب فجوة في الثقة بين الشعب والسلطة الحاكمة، وهي في اتساع متسارع، حتى ان النظام فقد شرعيته الشعبية، وباتت الأحزاب لا تعتمد في وجودها إلا على قوتها المالية وتوظيف النفوذ الخارجي لصالحها.

هذه الأساليب في الحكم تجعلها معرضة للانهيار في أي لحظة، وتتسبب لها بأزمات مفتوحة تتوالد الواحدة من الأخرى، ففي رحلة بحث الحزب عن مراكز قوة جديدة يجد نفسه بحاجة إلى تعزيز قوته الاقتصادية وعلاقاته الخارجية وربما حتى العسكرية، وبينما تقوم جميع الأحزاب بهذه الأساليب تنهار أسس السلطة وتصبح عملية الحكم غير ممكنة.

التزكية السياسية حل آني لأحزاب فشلت في تأسيس قاعدة رصينة للحكم.

اضف تعليق