مراقبة النفس يجب أن تلازمنا في كل وقت، وعلينا أن نتدرب جيدا لأداء هذه المراقبة بالشكل الصحيح، ومن الأهمية بمكان أن نكتفي بمراقبة أنفسنا فقط، فهذا الأمر رغم جودته إلا أنه ليس كافيا بالنسبة للآباء وأولياء الأمور والكبار في التجربة والوعي والعقل والتفكير، إن هؤلاء الواعين مطالبون بحماية أنفسهم وأبنائهم...
(إذا صدقت نيّة الإنسان فالله تعالى سيأخذ بيد هكذا إنسان).
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
النيّة كما يفسرها العارفون المعنيون من علماء ومختصين، هي شيء متعلق بالإنسان وحده، لا أحد يستطيع أن يشاركه به، من حيث الصدق أو الكذب، ومن حيث الغش أو الأمانة، ومن حيث النقاء أو التلوّث، فالإنسان وحده يمكن أن يحدّد نيّته، وهو وحده يعرف إذا كانت نيّته صادقة أو كاذبة، صحيحة أو مخادِعة.
إذًا من هو الذي يعرف نيّة الإنسان، أو ما ينوي عليه من عمل من أي نوع كان، غير شخصه وذاته؟، إن الذي لا تُخفى عليه النيّات هو الله تعالى، وحده القادر على معرفة ما ينوي عليه البشر في تعاملاته مع هذا الشخص أو ذاك، في هذا العمل أو ذاك.
من الأمور ذات الحكمة الإلهية، إن الله تعالى على الرغم من معرفته نيّة السوء عند الانسان قد لا يمنعه عنها في لحظة الفعل أو قبله، بل يترك له الخيار فإن واصل الخديعة سوف تُحسَب عليه، وإن كفَّ عنها لأي سبب كان فلا يحسبها الله تعالى عليه.
إذا كانت نيّة الإنسان نقية، يعرفها الله تعالى، وسوف يُجزى عليها الإنسان، فيكون الله عونا وسندا لهذا الإنسان بسبب نقاء نيّته، فيأخذ بيده وينجيه من كل أمر قد يُلحق الأذى به، وقد منحنا الله تعالى ووهبنا شفاعة أهل البيت (عليهم السلام)، فهم وسيلتنا للتقرب إلى الله تعالى، وهم طريقنا إلى الأعمال والنيّات الصالحة النقية، بهم نتعلق، ومنهم نتعلم.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يذكر هذه القضية في إحدى محاضراته القيمة:
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (اسألوا الله بنيّات صادقة). فإذا صدقت نيّاتنا، وخطونا في طريق الله، وحاسبنا النفس كل يوم، فسيأخذ الله بأيدينا. والله تعالى قد جعل لنا أهل البيت صلوات الله عليهم، وخلقهم ليكونوا نجاة لنا، فنتوسّل بهم إلى الله سبحانه).
نجن نعيش في معترك غريب حقا، ففي هذا العالم وهذه الدنيا التي نعيشها، يقاسمنا الشيطان هذا المكان، ويسعى بكل ما يمتلك من سبل كي يطيح بنا، من خلال تلويث نيّاتنا، فإذا غاب النقاء عن نيّة الإنسان تلوّثت، وإذا تلوثت فإنها تضع صاحبها في طريق الشر، وبهذا يكون الإنسان قد انحدر إلى الدرك الأسفل، وسار في طريق الانحراف، لسبب واضح إنه سمح للشيطان بأن يلوّث نفسه ونيّته.
الاشتباك المستمر مع الشيطان
إذًا فالإنسان في حالة صراع واشتباك مستمر مع الشيطان، وهذا يستلزم منه التنبّه بذكاء للأحابيل والشِباك التي ينصبها الشيطان في طريقه كل يوم بل كل ساعة ودقيقة، لأنه يقاسمك تفكيرك ووجودك، لهذا يجب أن تكون في قمة الانتباه والحذر، وهذا يتطلب نقاء النيّة دائما، ومراقبة النفس بلا تعب أو ملل، ولا يكتفي الإنسان بحماية نفسه، بل عليه حماية المنتمين له، كالأبناء والأصدقاء والأخوة والمقرّبين.
دائما توجد لدينا فرصا كبيرة ومتوفرة للإفلات من قبضة الشيطان، والابتعاد عن طريقه وذلك بالتقرّب إلى الله تعالى بنيّة حقيقية صافية، والتمسك بأهل البيت (عليهم السلام) لأنهم وسيلتنا لردع الشيطان، وتحصين النفس وحماية النيّة الشخصية من التلويث الشيطاني.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول في هذه النقطة المهمة:
(يجب عليناّ، أن نجعل وقتاً، ولو لدقائق معدودة، كل يوم، نحاسب فيه أنفسنا، عن شهرنا الفائت وعن سنتنا الفائتة، وعن يومنا الفائت، حتى لعله بفضل الله تعالى وببركة أهل البيت صلوات الله عليهم، ننجوا في هذا المعترك الغريب من الشيطان ومن النفس الأمّارة بالسوء. فإذا صدقت نيّة الإنسان فالله تعالى سيأخذ بيد هكذا إنسان).
مراقبة النفس يجب أن تلازمنا في كل وقت، وعلينا أن نتدرب جيدا لأداء هذه المراقبة بالشكل الصحيح، ومن الأهمية بمكان أن نكتفي بمراقبة أنفسنا فقط، فهذا الأمر رغم جودته إلا أنه ليس كافيا بالنسبة للآباء وأولياء الأمور والكبار في التجربة والوعي والعقل والتفكير، إن هؤلاء الواعين مطالبون بحماية أنفسهم وفي نفس الوقت وبنفس الدرجة عليهم حماية أبنائهم وكل من يكون قريبا منهم في صلة القرابة أو العمل أو العلاقات الإنسانية.
فأنت كأب وكإنسان واع وحكيم، تقع عليك مسؤولية مراقبة نفسك، وحمايتها من التلويث الشيطاني، لكن هذه المسؤولية ملقاة عليك أيضا تجاه أبنائك، وتجاه الشباب القريبين منك من الذين يحتاجون إلى التوجيه والتنبيه والرعاية الدينية والأخلاقية والثقافية، لذلك من المهم جدا أن يتنبّه الآباء والناس الكبار في التجربة والوعي إلى حماية الآخرين من التخريب الشيطاني للنفوس وللقلوب وللضمائر وللنيّات.
على أن يكون الأسلوب الذي يتَّبعه الآباء في التوعية غير قائم على أسلوب الأمر والنهي فقط، ولا بأسلوب القوة والإجبار، هنا يجب أن يكون لأسلوب المداراة واللطف واللين دوره في تنبيه الشباب إلى المخاطر الشيطانية التي تحيق بهم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(هذا الأمر – مراقبة النفس- بحاجة إلى اهتمام وتوجّه من كل واحد منّا. كما علينا أن نمسك بأيدي أولادنا، وشبابنا وفتياتنا، ونهديهم ونوجّههم، لا بالأمر والنهي فقط، بل بالمداراة والرفق واللين والعطف وبرعاية أكثر).
وإن أردنا الفوز والنجاة، علينا أيضا أن نسعى بإيصال كلمة الحق إلى الجميع، فهذه المساندة للحق، هي في الحقيقة مساندة لأنفسنا أولا وأخيرا، لأنها هي مساندة إلى كلام الله تعالى، ورسوله وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام).
اللين والمداراة في التوجيه والتوعية
أي أن الإنسان حين يوصل كلام الحق، فإنه بعمله هذا إنما يقوم بما يجب عليه القيام به، لاسيما في مجال التوعية والإرشاد والمراقبة الذاتية التي تنقذ الإنسان من مخاتلات الشيطان وشطحاته ومغرياته التي لا أول لها ولا آخر.
لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:
(علينا أن نواظب أكثر، وأن نوصل كلام الحق للجميع، وليس لأبنائنا ومن هم حولنا فقط. وكلام الحق هو كلام الله تعالى، ورسوله، وأهل البيت صلوات الله عليه وعليهم أجمعين).
ومن القضايا المهمة في مجال التوعية والتوجيه، أن لا يكتفي الأب، أو الإنسان الكبير في عقله وعلمه ومركزه وتجربته وثقافته، بقول الحق، أو بالرعاية اللفظة أو التنظيرية وحدها، بل من المهم جدا أن يقترن القول بالعمل والتطبيق، أي يقوم الناصح بتطبيق النصيحة عمليا أمام المنصوح، حتى يكون هذا درسا نظريا قوليا وعمليا فعليا للشباب أو غيرهم.
إن اقتران القول والإرشاد اللفظي بالجانب التطبيقي الفعلي له أثر كبير في نفوس وعقول الشباب، ويشجعهم كثيرا على الحذر من أحابيل الشيطان، ويجعلهم أكثر يقظة في حياتهم، ويحذرون السير في مسارات الانحرافات والمغريات الكثيرة، القول والتطبيق في حماية النيّة الصادقة ومراقبة النفس من أهم الضوابط التي يجب أن يتمسك بها الآباء والكبار تجاه الأبناء والشباب.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
علينا أن لا نكتفي بقول كلام الحق (بل يجب أن يقترن أو نقرنه بالبلاغ المبين. أي ان لا نقول للطرف المقابل بأن (واجبي هو أن أقول لك فقط) بل علينا أن نربّي الطرف المقابل، وخصوصاً أبناءنا وجارنا وزملاء عملنا ووظيفتنا، وزملاء السفر، وفي المسجد والحسينية، وفي كل مكان. وهذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
بهذه الأساليب الدقيقة من التوعية والحماية الأخلاقية والفكري والدينية، يكون الشباب أكثر وعيا وتنبّها لما يحيط بهم من مسالك منحرفة، وغوايات ومغريات خطيرة، يطرحها الشيطان أمامهم في كل لحظة وكل حين، التنبيه والتوعية والمراقبة والرعاية المستمرة، أساليب يجب أن تكون حاضرة على الدوام لإلحاق الهزيمة بالشيطان.
اضف تعليق