المقصود بمفردة الكيف في هذا المقال، هو الكيفية التي يؤدي فيها الإنسان أعماله، وما هي المدخلات وكيف يحضّرها لكي يبدأ عمله، ثم كيف ستكون نتائج هذه المدخلات، أي كيفية مخرجاتها، فلكل عمل مدخلات ونتائج أو مخرجات، ولكل عمل يقوم به الإنسان كيفية محددة يبديها الإنسان في عمله...
(الكيف هو أصعب ما يواجههُ الإنسان عشرات المرات يوميّا)
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)
المقصود بمفردة الكيف في هذا المقال، هو الكيفية التي يؤدي فيها الإنسان أعماله، وما هي المدخلات وكيف يحضّرها لكي يبدأ عمله، ثم كيف ستكون نتائج هذه المدخلات، أي كيفية مخرجاتها، فلكل عمل مدخلات ونتائج أو مخرجات، ولكل عمل يقوم به الإنسان كيفية محددة يبديها الإنسان في عمله، فهل هذه الكيفية صحيحة أو أنها مزيفة وخادعة؟
المخرجات سوف تأتي بحسب طبيعة المدخلات، والأهم من ذلك الكيفية التي أدار بها الإنسان عمله هذا أو ذاك، وهل كانت هذه الكيفية العملية صحيحة وضمن حدود الله، وخاضعة للاستقامة المطلوبة، أم أن كيفية العمل كانت خارج حدود الالتزام والاخلاقيات والاستقامة؟، المخرجات سوف تكون بحسب كيفية إنجاز العمل، فأما أن تكون في حدود الله، صحيحة جيدة صالحة، وأما يحدث العكس، وهنا لابد أن يكون هناك كيفية غير أخلاقية.
لقد قبض الله تعالى أرواح من سبقونا من البشر، ومنح لنا فرصة الحياة التي نتمتع بها اليوم نحن الأحياء، فهل هذا يعني إن الله لا يحب من قبضهم ويحبنا لأنه تعالى أبقانا اليوم على قيد الحياة، الجواب لا هذا ولا ذاك، لقد أعطى الله تعالى فرصة الحياة لكل البشر، للذين رحلوا إلى العالم الآخر، وأيضا أعطاها لمن جاء من بعدهم، والهدف هو الاختبار الإلهي للكيف البشري، أي كيف يعمل الإنسان؟، وهل سينجح في عمله أم لا؟
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (نفحات الهداية):
(إنّ الله تعالى لم يقبض أسلافنا لأنّه سبحانه كان ينظر إليهم نظرة سلبية، وأنّه تعالى لم يجعلنا خلائف في الأرض من بعدهم، لأنّ نظرته إزاءنا إيجابية، فلا أولئك أساءوا كافّة فاستحقّوا الإماتة ولا أننا أحسنّا جميعاً فأُعطينا الحياة من بعدهم، بل إنّ الله تعالى أعطى كلاًّ فرصة في هذه الحياة لينظر كيف نعمل).
في جميع الأحوال، ما يسترعي الانتباه والتركيز والدقة، هو كيفية أداء العمل، أي عمل كان، ومهما كان الطرف المقابل الذي نتشارك معه هذا العمل، فهناك أعمال يقوم بها الإنسان للإنسان، قد يكون صديقك أو قريبك أو أحد أفراد عائلتك، أو أحد الغرباء، والمهم هنا كيف يكون عملك معه، وهل سيكون صادقا صحيحا صالحا، يقع في طريق الاستقامة؟
ما الفرق بين الأعمال المتشابهة؟
كذلك هنالك أعمال يكون كيفها مع الله تعالى، ومنها مثلا أداء الصلاة، وقراءة القرآن، وما شابه، ثم كيف يتعامل الإنسان مع أحكام الله تعالى، أي ما هي الكيفية التي يؤدي فيها أعماله تجاه الله تعالى، وتجاه الدين، وتجاه أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، هذه الكيفية هي التي تحدد صحة عمل الإنسان من خطئها وعدم صوابها.
كثير من الأعمال قد تتشابه من حيث الظاهر، أي أنها تحمل نفس الجهد والحركة والنطق، ولكن ليس المهم أن تتشابه الأعمال في مظاهرها الخارجية، بل المهم الكيفية التي تؤدّى بها هذه الأعمال، هذا هو الذي يفرّق بين الأعمال المتشابهة ظاهريا، ونقصد بذلك كيف يؤدي الإنسان عمله المتشابه مع آخرين؟
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، يؤكد على هذه النقطة فيقول:
(الكيف هو المهمّ في العمل، وإلاّ فقد يتشابه عملان من حيث الظاهر، وهما مختلفان في الكيف اختلافاً فاحشاً).
لو أننا جئنا لأداء الصلاة، فحين تؤدّى من قبل طرفين، سواء كانا رجلين أو جماعتين، فإن عملهما هذا سوف يكون متشابها من حيث الأداء الشكلي أو الظاهري، لكن حتما سوف يكون هناك فارق في هذا الأداء، وعلى أساس هذا الفارق يكون الجزاء الإلهي، ولهذا فإن الأعمال لا تُقاس على أساس شكلها المرئي أو الظاهري، وإنما لها جانب آخر خفي أو باطني غير مرئي، وهو ما يسمى بالكيف.
كيف يؤدَّى هذا العمل، وهل كان مستوفيا لدرجة القبول، أم أن الكيفية الشكلية التي تم أداءه بها، غير كافية، ولا تصلح لمنح هذا العمل درجة القبول؟
هنا يضرب لنا سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) مثلا تاريخيا معروفا، للتفريق بين عملين متشابهين ظاهريا، ومختلفين جوهريا، حيث يقول سماحته:
(خير مثال على ذلك البون الشاسع بين صلاة أصحاب الإمام الحسين عليه سلام الله في يوم عاشوراء وبين صلاة عمر بن سعد وجماعته عليهم لعائن الله، فإنّ بينهما ما لا يُحصى من الدرجات).
الناس بين الصدق والخديعة
ولهذا السبب فإن الكيف هو أصعب ما يواجهه الإنسان في حياته، لأن الكيف (كيفية أداء العمل) أما أن يكون سببا في قبول هذا العمل والإثابة عليه، أو رفضه والمعاقبة بسببه، وشتّان بين الإثابة والعقوبة، لكن الكيف هو الذي يحدد ذلك، لذا على الإنسان أن يركّز على هذا الجانب، ويفهم بأن الشكل الخارجي للعمل الذي يؤدي لا يكفي، بل عليه أن يؤدي لك العمل بكيفية جوهرية تجعله عملا مستقيما صالحا ومفيدا للجميع، ومقبولا.
يلتقي الإنسان يوميا بأطراف أخرى كثيرة، يتعامل معها في هذا الأمر أو ذاك، ويمكنه أن يخدع ويغش الآخرين، عبر كيفية عملية كاذبة وخادعة، قد تمر على الطرف الثاني، ولكنها لا تمرّ على الله تعالى، ثم أن مخرجات الكيف الخاطئ تلحق ضررا فادح بالإنسان، لذا حين يتعامل مع الناس (أقرباء كانوا أم غرباء) عليه أن يلتزم بالكيف العملي الصحيح.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(الكيف أصعب ما نواجهه يومياً عشرات المرات. فالإنسان يواجه عائلته وأقرباءه وأصدقاءه وأعداءه وأساتذته وطلاّبه، وهو يواجه المال أيضاً ولكلّ منها كيفية في التعامل، كما يختلف بعض الناس عن بعض في كيفية إنفاق المال، وكذلك صرف الوقت).
نكرّر القول، أن تشابه الأداء الخارجي لعمل ما، ليس هو الذي يحدد قبوله ورفضه، وإنما الذي يحدد ذلك كيف يتم أداء ذلك العمل، فقراءة القرآن الكريم قد لا تختلف بين شخص وآخر من حيث الأداء، ولكنها حتما سوف تختلف في الكيفية التي تتم فيها.
وقد ضرب لنا سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) مثلا آخر قريبا من واقعنا حين قال سماحته:
(قد يكون هناك شخصان يقرآن القرآن الكريم في آن واحد لكن يوجد بينهما بون شاسع من حيث الكيف، فالأوّل يقرأ ليختمه، بينما الثاني يقرأه لينتبه من غفلته، ولا شكّ أنّ بينهما فرقاً كبيراً مع أنّ كليهما يقرآن القرآن).
هكذا يمكن أن يكون الكيف معيارا حاسما لقبول الأعمال أو رفضها، فالعمل يمكن أن يكون صالحا في جوهره، وهذا هو المهم للناس حين يقومون بأعمالهم المختلفة في الحياة، ليس العبادية وحدها، وإنما حتى الأعمال الحياتية الأخرى، كالتعاملات بين الناس، تجارة، بيع وشراء، تبادل منفعة وغير ذلك، هذه الأمور كلها يجب أن تخضع إلى الكيف السليم، وهي مهمة صعبة بل عصيبة على الإنسان، إلا أولئك الذين يؤثرون العمل الصالح على سواه.
اضف تعليق