هدف كبير قرار حاسم يجب أن يتخذه الإنسان، لكي يبلغ مرامه، فمن دون العزم والحسم لا يمكن للأهداف العظيمة أن تتحقق، والأخلاق الكاملة يمكن للمرأة أن تبلغها إذا ما عزمت على ذلك، وجعلت هذا الهدف نصب عينيها، ووجهت إرادتها الصلبة نحو بلوغ الأخلاق التي تمنح المرأة شخصية متوازنة قوية...
(حُسنُ الخُلق أن يكون الإنسان صادقاً في الكلام، صابراً على المكاره)
سماحة المرجع الشيرازي (دامك ظله)
هدف كبير قرار حاسم يجب أن يتخذه الإنسان، لكي يبلغ مرامه، فمن دون العزم والحسم لا يمكن للأهداف العظيمة أن تتحقق، والأخلاق الكاملة يمكن للمرأة أن تبلغها إذا ما عزمت على ذلك، وجعلت هذا الهدف نصب عينيها، ووجهت إرادتها الصلبة نحو بلوغ الأخلاق التي تمنح المرأة شخصية متوازنة قوية ومحبوبة في نفس الوقت، سواء في البيت أو مع الأقارب أو في مكان العمل، فالعزيمة والقرار الشخصي له دور كبير في تحقيق الهدف المطلوب.
يحتاج اتخاذ القرار الفردي إلى العزم، وهو من العزيمة، لأن اكتساب الأخلاق الكاملة، ليس بالأمر السهل، إنه يحتاج إلى مصارعة النفس، وتحييد الرغبات، وكبح الشهوات، وتجميد الأهواء، وهذه الأمور كلها تمثل عملية صراع بين الإنسان وبين نفسه، فإذا عزمت المرأة بكلمة وقررت أن تقارع أهواءها، وتنتصر على رغباتها، فإنها تصل إلى ما تريد حتما.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يذكر ذلك في كتابه القيّم الموسوم بـ (المرأة والعائلة)، فيقول متسائلا:
(أما كيف يكون الإنسان حسن الخلق، فهذا يرجع إلى كلمة واحدة يمكن لكل واحدة من النساء أن تبدأ بالعمل بها من هذه اللحظة الى آخر حياتها. والكلمة هي ما ورد في حديث لمولانا الإمام الرضا سلام الله عليه حيث قال: «إنما هي عَزمة» والعزمة (بفتح العين) هي صيغة مبالغة ومعناها: العزم الأكيد).
فالأمر الأكيد أن المرأة إذا عزمت على الفوز بالأخلاق الحسنة، فإنها تحصل على ضالتها، ولكن ماذا يعني حسن الخُلق؟
هناك صفات محددة يجب أن تتوافر في شخصية الإنسان لكي يكون ذا أخلاق حسنة، من هذه الصفات أن يكون صادقا، فالكذب لن يمنح صاحبه سوى الخسارة والنبذ من قبل المجتمع، وعليه أن يكون بعيدا عن الكذب، وأن يصدق في جميع تعاملاته، وهكذا يجب أن تكون المرأة، إضافة إلى الصدق، يجب أن تتحلى بالصبر على المصاعب.
تأثير الحلم وبشاشة الوجه
أما بشاشة الوجه فهي من أهم صفات المرأة الخلوقة، بل من أهم صفات الناس طرّا، فيجب أن يكون بشوشا وطلق الوجه، وهذه الصفة التي تفتح له قلوب الآخرين، تسحبه إلى صفة أخرى وهي الحلم عمّن يسيء إليه، فالمرأة حين تواجه إساء من امرأة أخرى أو من شخص آخر، عليها بالحلم، وعدم ردّ الإساءة بمثلها.
وقد أكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) هذه الخاصية في المرأة فقال:
(أي امرأة عزمت عزماً أكيداً على أن تكون ذات خُلق حسن، فإنها تُوفّق لذلك. وحُسنُ الخُلق هو أن يكون الإنسان صادقاً في الكلام، صابراً على المكاره، يلقى الناس دائماً ببِشْر الوجه وطلاقته، ويحلم عمَّن يسيئ إليه).
يوجد أناس مسيؤون، فهناك من يسيء لغيره مرارا دون سبب واضح، ومع ذلك من الأفضل تحاشي هؤلاء الناس المسيئين، قدر الإمكان، من خلال ملَكة الحلم التي يمكن أن تكتسبها المرأة بالمران وتدريب النفس، وهذا يتطلب العزم والإصرار على بلوغ الهدف، فيؤدي بالنتيجة إلى ربح خير الدنيا والآخرة، المهم هنا أن يكون الإنسان حالما عمّن أساء إليه.
وحين تعزم المرأة الطالبة على أن تكون حسنة الخلق، فإنها سوف تصبح عالمة وعارفة بما تحتاجه هي أو غيرها من صنوف المعارف والعلوم التي تفتح لها آفاق الحياة الناجحة، لكن الأمر ليس سهلا، بل يتطلب إرادة قوية، وتخطيطا، وصبرا، وذكاءً، بالإضافة إلى الركيزة المهمة في شخصية المرأة وهي أن تكون حالمة، فتصل إلى ما ترغب الوصول إليه.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(اذا انتقصكِ شخص ما فعليك أن تحلمي لتحصلي على خير الدنيا وخير الآخرة، وهذا بحاجة إلى العزم وهذه سُنة الحياة. فطالبةُ العلم إذا عزمتْ على أن تكون حسنة الخُلق فستصبح عالمة، والزوجة إذا عزمتْ على ذلك ستكون محبوبة عند زوجها).
وهذا يعني أن ما تتمناه المرأة من مكانة متميز عند زوجها، سوف يكون متاحا لها عبر تحصيل الأخلاق الحسنة، وهذا هدف ممكن، في حال تميزت المرأة بالصفات التي تجعلها قادرة على أن تكون حالمة وعالمة في نفس الوقت.
أفضلية رد الإساءة بالإحسان
أما المزايا التي يمنحها حُسن الأخلاق للمرأة وللإنسان بشكل عام، فهي كثيرة وكبيرة، وأهمها إنه يكون محبوبا من الله تعالى، كذلك يكسب حب الناس الذين يحتك بهم في العمل أو في أي مكان يتشاركه معهم، لكننا إذا تساءلنا هل يجوز للمرأة أو للرجل ردّ الإساءة بالإساءة؟، الجواب نعم هذا ممكن شرعيا، لكن هنالك سلوك أفضل منه، وهو ردّ الإساءة بالإحسان.
أي من الممكن أن تغض البصر عمّن يسيء إليك، ومن الأفضل أن ترد إساءته بالإحسان، مع أنك من الممكن أن ترد إساءته بمثلها، لكن بماذا تتميز المرأة المُساء لها إذا ردت الإساءة بالإساءة؟، بالطبع لن يكون لها ما تتميز به عن الناس المسيئين، لكن عدم رد الإساءة هذا يمثل ميزة كبيرة للمرأة، ويرفع من شأنها، وتصبح ذا مكانة عالية في المجتمع وفي المحيط الأصغر الذي تنشط فيه كالعائلة أو المدرسة أو سواها.
من هي المرأة التي يمكنها أن ترد الإساءة بالإحسان؟، الجواب: إنها المرأة التي تتحلى بالحالم والرويّة والعفو واللين، وهذه صفات النساء القويات الكبيرة مكانة ومعنويات، حيث يتمتعن بشخصيات محبوبة وكريمة تكتسب مكانتها العالية بأخلاقها الكبيرة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إنّ حسِن الخُلق يكون محبوباً عند الله تعالى وعند الناس كافّة. ومن الخطأ التصور بردّ السيئة بالسيئة وإن كان هذا في نفسه جائزاً في الحدود الشرعية كما في قوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ). لكن من كانتْ تريد التوفيق وخير الدنيا وخير الآخرة والمحبة عند الله عزّ وجلّ وعند الناس، فلتردّ السيئة بالإحسان والحلم).
هكذا يمكن للمرأة أن تحصل على مرامها، من خلال الأخلاق الحسنة، وهذا بدوره يتطلب تمهيدا واشتغالا متواصلا على الذات، فالمرأة يجب أن تتفرغ لمراجعة أنشطتها اليومية المختلفة، ومواقفها، وأقوالها، وكل أعمالها، وعليها بمحاسبة نفسها، وتكتشف أين أخطأت، في أي موقف أو كلمة أو قول معين، ثم تتدرب على هذه المحاسبة يوميا، وتقوم بعملية معالجة الخطأ بشكل مستمر، تكتشف الأخطاء يوميا وتعالجها باستمرار.
هذه المحاسبة تضاعف من أخلاق المرأة، وتجعلها أكثر قدرة على الالتزام الأخلاقي والإنساني، والأهم من هذا كله، تصبح المرأة في هذه الحالة قريبة من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فيسبغون عليها لطفهم وشفاعتهم وبركاتهم.
هذا ما يؤكده سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حين يقول:
(ينبغي على المؤمنات أن يتفرّغن في كلّ يوم أو ليلة ولو لدقائق ويراجعن ما قدّمن خلال الأربعة والعشرين ساعة الماضية، من قول أو عمل صدرا منهنّ ويحاسبن أنفسهن على كلّ صغيرة وكبيرة. فكلما التزمت المرأة بمحاسبة نفسها في كل يوم، كانت أكثر قرباً من أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين).
إذًا فإن أبواب النجاح مضمونة للمرأة التي تتحلى بأخلاق إسلامية عالية، وهي حين تسعى إلى اكتمال أخلاقها، إنما هي تسعى إلى تحقيق التميّز والنجاح في الدنيا التي تصبح نقطة انطلاق لها نحو سعادة الآخرة، فضلا عن كونها عنصرا فاعلا ومفيدا في المجتمع الكبير، وفي مجتمعها الأصغر أسرتها أيضا.
اضف تعليق