من القضايا التي عالجتها الزهراء عليها السلام، النظام الإسلامي الحقيقي، وأهمية الفرز بينه وبين الادّعاء المزيّف للانتماء للإسلام، فالإسلام الحقيقي هو إسلام الرسول الأعظم (ص) والذي بان وترسخ في سنوات حكمه للدولة، وإدارة شؤون المسلمين، وهو الإسلام الذي طبقه الإمام علي (ع) في سنوات حكمه القصير...
(إن مسؤوليتنا جميعًا تبيان النظام الإسلامي الحقيقي)
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)
فاطمة الزهراء عليها السلام نشأت وترعرعت في البيت النبوي العظيم، ونهلت من علمية هذه البيئة العميقة بنظرتها للإسلام وللحياة، وتعلمت الزهراء فنون اللغة والخطابة، وهضمت المعاني كلها، وأخذت جزالة وبلاغة اللغة من أبيها، ثم إنها انتقلت من بيئة العلم والمعاني والأفكار العميقة، إلى بيئة البلاغة العظيمة حين اقترنت كشريكة حياة بسيد البلغاء الإمام علي (عليه السلام)، فاجتمع حسن البيان وعمق اللغة وجزالتها وبلاغتها في جميع ما قالته وخطَّته فاطمة الزهراء (عليها السلام) من كلمات خالدة.
من القضايا التي عالجتها الزهراء عليها السلام، النظام الإسلامي الحقيقي، وأهمية الفرز بينه وبين الادّعاء المزيّف للانتماء للإسلام، فالإسلام الحقيقي هو إسلام الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي بان وترسخ في سنوات حكمه للدولة، وإدارة شؤون المسلمين، وهو الإسلام الذي طبقه الإمام علي (عليه السلام) في سنوات حكمه القصير.
لهذا ركزت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) على أهمية أن يقوم النظام الإسلامي على الأسس الصحيحة التي وضعها الرسول (ص)، وطبقها وسار فيها الإمام علي (عليه السلام) ومن بعده أئمة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، فالنظام الإسلامي الصحيح، هو ما يتبع ويطبق أنظمة ومبادئ وتعاليم أئمة أهل البيت جميعا.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، ذكر في إحدى محاضراته قولا كبيرا للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ورد هذا القول في إحدى خطبها الخالدة، حيث قالت مولاتنا الزهراء سلام الله عليها في خطبتها (وطاعتنا نظاماً للملة).
فقد ألزمت فاطمة الزهراء (عليها السلام) المسلمين بأهمية (طاعة أئمة أهل البيت) من قبل جميع المسلمين، وإن هذه الطاعة واجبة، كونها تحفظ النظام الإسلامي، وتمثل جوهر هذا النظام، وحماية للإسلام والمسلمين، وإن أي تلكّؤ في هذا الالتزام يضعف النظام الإسلامي، ويخلخل البني الفكرية والاجتماعية، ويؤدي إلى ثغرات تهدد التماسك بين المسلمين.
يقول سماحة السيد المرجع الشيرازي (دام ظله):
(مواضيع كثيرة قالتها الزهراء سلام الله عليها في أصول الدين والأخلاق وعلل الأحكام، وقالت كذلك في النظام الإسلامي هذه الجملة القصيرة، فالملة جمع ملل وهنالك العديد من الملل، كـ ملة اليهود وملة النصارى والملة الإسلامية، فإذا أرادت الملة الإسلامية نظامها فعليها طاعة أهل البيت واتباع أوامرهم والعمل بأقوالهم وسيرتهم حسب تعبير سيدتنا الزهراء صلوات الله عليها).
الالتزام بمبادئ أئمة أهل البيت
لذلك إذا أراد المسلمون حماية نظامهم، والمحافظة على إسلامهم، وأعرافهم، وتقاليدهم، ونظام حياتهم، ومنظومتهم الثقافية، فإنهم ملزمون باتباع تعاليم أئمة أهل البيت، وعدم الابتعاد عن هذا الخط القويم، والتمسك بسبل الاستقامة التي تقود الجميع إلى مرافئ الأمن والنجاح والتقدم والاستقرار، هذا هو معنى النظام الإسلامي.
حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) هذا المعنى بالقول:
(النظام الإسلامي ماذا يعني؟، يعني الطاعة للمعصومين الأربعة عشر سلام الله عليهم وإتباع نهجهم والعمل بسيرتهم).
هذا ما أكدت عليه فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها المهمة حينما قالت بوضوح وبصوت عال (وطاعتنا نظامًا للملّة)، بحيث لا يصح الخروج على هذا النظام، إذا أراد المسلمون حماية أنفسهم وحياتهم وثقافتهم ودينهم.
لذا فإن الجميع مسؤولون عن تثبيت هذا الهدف، وبلوغ هذه الغاية النبوية الإمامية، حيث بدأها الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأخذها من يديه أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن ثم جرت على أيدي أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بشكل متتابع.
الجميع، من علماء وحوزات وأكاديميين ومفكرين وكتّاب، كل منهم مطالَب بتدعيم النظام الإسلامي وفقا لركيزة واضحة أطلقتها السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها، تلك الركيزة العظيمة التي تشكل قاعدة حياة منتظمة لجميع المسلمين وهي (وطاعتنا نظام للملة)، والمعني بها جميع المسلمين ولا يوجد استثناء في ذلك.
هذا النظام الإسلامي هو الذي أسس له الرسول (صلى الله عليه وآله)، وسار في هديه الإمام علي (عليه السلام) وأدامه الأئمة الأطهار جميعا، بحيث استشهد الجميع بدءًا برسول الأمة (ص) ثم أمير المؤمنين، فالحسن والحسين وباقي الأئمة الأطهار (عليهم السلام) قدموا أنفسهم فداءً لتثبيت أركان النظام الإسلامي الحقيقي والحفاظ عليه وإبقائه قويا.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إن مسؤولية الجميع من علماء وحوزات علمية وجامعيين وكتاب، كل حسب امكانياته، تبيان أن هذا النظام الإسلامي الأصيل هو الذي استشهد لأجله النبي صلوات الله عليه واستشهدت لأجله مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها وطُبر لأجله رأس أمير المؤمنين سلام الله عليه وتفتت لأجله كبد الإمام الحسن سلام الله عليه وذُبح الإمام الحسين سلام الله عليه لحفظه وبقائه).
مسؤولية الحفاظ على الإسلام الحقيقي
ويؤكد سماحته (دام ظله) على: (إن مسؤوليتنا جميعًا تبيان النظام الإسلامي الحقيقي الذي حكم من خلاله الرسول الأعظم صلى الله عليه واله لمدة عشر سنوات وحكم من خلاله أمير المؤمنين سلام الله عليه لمدة خمس سنوات). ولهذا فإن النظام الإسلامي الصحيح مأخوذ من تجربتين عظيمتين في تاريخ الحكم الإسلامي، ويجب أن يكونا نموذجا لقادة المسلمين اليوم، وللحكومات التي تعلن انتماءها للإسلام، فعليها أن تقتدي بهاتين التجربتين النموذجيتين.
علْما إن الإصلاح السياسي، وقيادة المسلمين الصحيحة، والحفاظ على حقوقهم، ونشر العدالة الاجتماعية فيما بينهم، تنعكس على جوانب الحياة كافة، وكل هذه المشكلات المستعصية التي تعصف بالمسلمين في الدول الغنية والفقيرة والمتوسطة، سوف تزول في حال الالتزام بالنظام الإسلامي الذي أسس له الرسول (صلى الله عليه وآله).
كما أن تأكيد السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) على حتمية تطبيق (طاعتنا نظاما للملة)، يؤكد أن على المسلمين عدم التراخي في تطبيق مضمون هذا المبدأ بشكل عملي مستمر، فإذا سار المسلمون وفق هذا المبدأ (طاعة أئمة أهل البيت)، من خلال تطبيق تعاليمهم ومبادئهم، فإن نجاح المسلمين سوف يكون مضمونا.
أما مبررات هذا النجاح فإنها تتأتى من صلاحية النظام الإسلامي المستنسخ من النظام الذي سار عليه الرسول (ص)، ومن ثم طبقه الإمام علي (عليه السلام)، فتحقق بذلك أعظم نموذجين للحكم في التاريخ الإسلامي. وإن أي شعار أو مفهوم أو مبدأ يتعارض مع (طاعتنا نظاما للملة)، يعني الدخول في شرك الانحرافات المتناسلة التي يتورط بها المسلمون ولا يتخلصون منها، لأنها تتنافى مع مبدأ طاعة أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
لذا فإن نموذج الحكم النبوي، رفض القصاص ممن أساء للرسول (ص) وللمسلمين سواء من قريش أو من غيرهم، ويؤكد لنا التاريخ عدم وجود سجين سياسي واحد في عهد حكومة الرسول (ص)، وهذا ما سار عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وما يجب أن يسير عليهم قادة وحكومات المسلمين اليوم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(عشر سنوات حكم فيها الرسول الأعظم صلى الله عليه واله بعد سنوات من الظلم والقهر الذي مورس عليه وعلى المسلمين عمومًا من قريش، هل ترون له بعد أن حكمَ سجين سياسي ولو واحد فقط!، قولوا للعالم ذلك).
هذا ما أكدت عليه السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) في خطبتها، وفي حال تمسك المسلمون بمبدأ (طاعتنا نظاما للملة)، فإن الفلاح والصلاح والنجاح سوف يكون مضمونا لهم، كونهم تمسكوا بالنظام الإسلامي الحقيقي.
اضف تعليق