q
ننتقل اليوم إلى الضلع الثاني والأهم وهو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد مسعود البرزاني، وهو الآخر له طريقته في تأليف التحالفات قد تتعارض مع مشروع السيد الصدر الداعي للأغلبية السياسية، إذ أن شعارات الصدر المتعلقة بإصلاح الوضع السياسي والاقتصادي في العراق ومحاربة الفساد و"التبعية"...

لم يكن حلفاء زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر على نفس حماسة الرجل في مسألة تشكيل حكومة أغلبية وطنية تستبعد الإطار التنسيقي الشيعي وتنصيب رئيس وزراء صدري خالص، مع تحمل التيار الصدري أي تبعات تترتب على هذه الحكومة التي يراد بها إصلاح الوضع السياسي والاقتصادي.

تحدثت في المقال السابق عن الضلع الأول من أضلاع مشروع حكومة الأغلبية وهو رئيس تحالف تقدم السيد محمد الحلبوسي وسياسته في نسج التحالفات التي لا تتسق مع مشروع السيد مقتدى الصدر راعي الأغلبية.

ننتقل اليوم إلى الضلع الثاني والأهم وهو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد مسعود البرزاني، وهو الآخر له طريقته في تأليف التحالفات قد تتعارض مع مشروع السيد الصدر الداعي للأغلبية السياسية، إذ أن شعارات الصدر المتعلقة بإصلاح الوضع السياسي والاقتصادي في العراق ومحاربة الفساد و"التبعية"، لا تجد لها أرضاً خصبة في السلوك والخطاب السياسي لدى الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه مسعود البرزاني.

السياسة العامة للحزب الديمقراطي الكردستاني ترتكز على تعزيز المكاسب الكردية في كل عملية تفاوض مع القوى الحاكمة في بغداد، ولا توجد مطالب بشأن إصلاح الوضع السياسي إلا فيما يتعلق بالقضية الكردية.

ومن أجل الحفاظ على مكاسبه السياسية وتعزيز مكانته وَضَعَ الحزب الديمقراطي الكردستاني ثلاثة مبادئ للتفاوض بشأن تشكيل الحكومة طوال السنوات السابقة وهي "الشراكة والتوافق والتوازن"، وهي نفس المبادئ المعتمدة في تشكيل الحكومة الحالية، إذ لا توجد أي مؤشرات على تغير في واحد أو جميع المبادئ الثلاثة للحزب الديمقراطي الكردستاني.

الشراكة مفهوم سياسي صاغه البرزاني خلال مدة تسنم نوري المالكي لرئاسة الوزراء، وما زال الحزب الديمقراطي الكردستاني يرفع ذات الشعار حالياً، وهو تعبير عن رغبة الكرد في أن يكون لهم دور في اتخاذ القرارات التي تصدرها الحكومة الاتحادية في بغداد، والهدف منه تحقيق مصلحة الشعب الكردي، وفي حال عدم تحقق هذه الشراكة فهناك بطاقة الانفصال المخبأة في كل عملية تفاوض.

أما التوافق فهو نقيض لمفهوم الأغلبية والمعارضة، ويعني اتفاق جميع القوى السياسية على طريقة معينة لتشكيل الحكومة.

والتوازن مفهوم تَعَرّضَ لعمليات التجميل ليعبر عن معنى المحاصصة التي تضمن للكرد رئاسة الجمهورية ونائب رئيس مجلس النواب للكرد مع بعض الوزرات السيادية والدرجات الخاصة.

هذه المبادئ لا تتفق مع مشروع الأغلبية السياسية الذي رفعه السيد مقتدى الصدر، إلا إذا كان مفهوم الأغلبية لا يشمل الحزب الديمقراطي الكردستاني، فهل يتسق مبدأ التوافق الذي يلتزم به الحزب الديمقراطي الكردستاني مع الأغلبية التي ينادي بها الصدر؟ إلا إذا كان التوافق الكردستاني مختلف عن المعنى الذي نفهمه، أو أن الأغلبية مختلفة عن المفهوم الذي نعرفه.

وهل يتسق مبدأ التوازن الذي يعبر عن المحاصصة مع الاغلبية السياسية التي تحارب المحاصصة؟ أم أن هناك فهم مختلف للمفهومين بحيث يتسقان مع بعضهما؟

التجربة السياسية أثبتت أن الكرد لا يؤمنون بالأغلبية لأنهم مكون قومي صغير تضرر من سيطرة الأغلبية العربية على القرار السياسي للعراق، وبعد اسقاط نظام صدام حسين، استطاع الكرد الحصول على مكاسب كبيرة من خلال مشروع التوافق.

أما الأغلبية فهي تمثل خطراً فعلياً على مشاركة الكرد في القرار السياسي الاتحادي، فهل يعقل أن الحزب الديمقراطي الذي ربح كل مكاسبه طوال السنوات السابقة من أجل مشروع سياسي يمثل خطراً على المصالح الكردية؟

فالقضية المركزية لدى الكرد تجاه العملية السياسية ليست إصلاح المنظومة الحاكمة كلياً، كما يحاول السيد الصدر في مشروعه الإصلاحي الشامل، إنما تتركز على تعزيز استقلالية الإقليم إدارياً، والتاريخ والحاضر يشهد على نشاطهم الانفصالي، وإذا حدثت مشكلات كبيرة في بغداد، فالحل الدائم لدى الكرد هو التهديد بالانفصال وترك السفينة العراقية في البحر تقودها الأزمات إلى حيث يشاء القدر.

لهذه الأسباب نجد أن ما حدث من تظاهرات ومطالب شعبية في البصرة والناصرية وكربلاء لم يكن له صدى لدى الديمقراطي الكردستاني باعتباره شأن يجب حله لأنه يهم مواطني هذه المحافظات، بل يتفاوض الحزب الديمقراطي بشأن مسألة التظاهرات والمطالب الشعبية الجنوبية لمنع تأثيرها على الموارد المالية لإقليم كردستان ومنع تمدد النشاط الاحتجاجي إلى شمال العراق.

وفي شأن حكومة الأغلبية السياسية اتضح عدم تحمس الحزب الديمقراطي الكردستاني لهذا الحراك السياسي، وكان يلمح دائماً إلى إمكانية مشاركة القوى الأخرى على عكس رغبة السيد الصدر، ليأتي اليوم الذي استقال فيه نواب الكتلة الصدرية، حيث بدا موقف مسعود البرزاني أكثر تحمساً في المضي بتشكيل حكومة توافقية ولم يبدي أي رغبة في الذهاب بعيداً مع السيد الصدر الذي بقي ثابتاً على قناعته، إما حكومة أغلبية أو الانسحاب.

لا يستطيع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني ولا رئيس تحالف تقدم محمد الحلبوسي القتال من أجل مشروع حكومة الأغلبية السياسية كما فعل السيد الصدر، فلم يكن ذهابهم مع الصدر رغبة في الأغلبية إنما محاولة لبناء تحالف سياسي جديد يعزز مواقعهم السياسية.

وتفاهمهم مع القوى السياسية المناوئة لمشروع الأغلبية الصدري ليس انقلاباً على الصدر، بل هو مسار اعتيادي لطبيعة أهدافهم السياسية وطريقتهم في التعاطي مع الحدث السياسي بشكل مختلف كلياً أهداف الصدر ذات الأبعاد العراقية الأكثر شمولاً.

اضف تعليق