الهدف الأهم في نشر الفضيلة هو تهيئة مقدمات الوجود، وتوفير مساحات صالحة وحقيقية للإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد، مع دعم الحريات وحمايتها، وبالتالي فإن الفضائل والأخلاقيات والقيم تبني دولة معاصرة قوية مستقرة ومتقدمة، سواء في مفاصل الدولة نفسها، أو على صعيد البناء الاجتماعي...
(الفتاة المؤمنة والمرأة المؤمنة هي دنيا من الطاقة)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
عند استجلاء الأوضاع الاجتماعية للمسلمين، سوف نجد الكثير من السلبيات تخترق علاقاتهم وأنشطتهم وسلوكياتهم، وهذا الاستجلاء يثير الكثير من التساؤلات، لاسيما أن الآيات القرآنية الكريمة، أوضحت للمسلمين جميع سبل العيش السليم، ووضعت خرائط طريق للإنسان كي ينجح في حياته ويجعل منها منطلقا لضمان سعادة الآخرة.
لكن واقع المسلمين يشير إلى غير ذلك، ولو أننا راجعنا البحوث والدراسات والكتب التي ناقشت واقع المسلمين في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، لعثرنا على الكثير من السلبيات التي تدعو للأسف والقلق في نفس الوقت، فأمة القرآن وأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كانت تتصدر الأمم في كل شيء إبان انطلاق الرسالة النبوية، وبناء دولة المسلمين النموذجية في العدالة الاجتماعية والمساواة والتكافل والفضائل والأخلاق.
هذا الواقع المؤلم والفوضوي للمسلمين، أثار الكثير من التساؤلات لدى العلماء والمهتمين بالشؤون المختلفة للناس، وجعلهم يفكرون بالأسباب التي تقف وراء انحدار السلوكيات، وتضاؤل الفضائل وضعف الأخلاق، مع أن هذه القيم زُرِعت في تربة الأمة الإسلامية، وغُرسَت فيها الفضائل، وتضافرت فيها الأخلاق لتصل إلى أعلى درجاتها، فما الذي حدث لكي تتهاوى أخلاقيات الدول الإسلامية وتنحدر سلوكياتها؟؟
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يتساءل في إحدى محاضراته القيمة الموجّهة للمسلمين:
(لماذا تجد السلبيات الكثيرة في الكثير من المسلمين والحكومات الإسلامية؟ ومن المسؤول عن ذلك؟).
إن طرح مثل هذا التساؤل جاء بسبب الواقع المزري القائم على الأرض، فالمسلمون لم يتمسكوا بمضامين السور والآيات القرآنية التي قدمت جميع الحلول الضامنة للمشكلات والتعاملات المختلفة بين الناس، لكنهم تباعدوا عن هذه الحلول، وأعطوا ظهورهم لخرائط العمل القرآنية، وضلوا الطريق إلى بناء الحياة السليمة بسبب ابتعادهم عن الفضائل.
والسؤال هنا من هو المسؤول عن تعديل هذا الواقع الشاذ وغير المناسب لأمة، صنعت أمجادها الخالدة بالفضائل والأخلاق والقيم النبيلة، ما الذي حدث لكي تنحرف الأمور وتبلغ هذه الدرجة الخطيرة من الانحدار؟؟
مسؤولية الشباب في نشر الفضيلة
هناك مسؤولية التصحيح التي لا مجال عن السعي لها، والسير في طريقها، وهناك مسؤولين عن وضع الخطط وتطبيقها لوضع الناس على الجادة الصحيحة التي تقودهم نحو الفضائل والأخلاق الرفيعة والقيم الصحيحة، إن المسؤولية عبارة عن أهداف، وبلوغ الأهداف لابد أن تكون فيه منافسة بين الناس أو بين المسؤولين عن التصحيح.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إنّ الكل مسؤول، كلّ بنسبته، وكلّ بحسبه. فحسب الاصطلاح العلمي، على الكل أن يرتّبوا مقدّمات الوجود، حتى يصل البشر، وبالخصوص المسلمون، إلى التنافس في الخير وفي الفضيلة وفي الأخلاق).
فإذا كان الجميع مسؤولين عن تحويل الأعمال والتعاملات من السلبية إلى الإيجابية، هنا شرط أكبر وأكثر صعوبة لتحقيق نجاح نشر الفضيلة بين الناس، وتحفيزهم للمنافسة على تحقيقها وترسيخها بقوة، هذا الشرط هو أن يبدأ كل مسؤول بنفسه أولا ويصلحها، ولا فائدة في تدعو إلى الإصلاح وهناك مشكلة فيك أو في نفسك وفكرك وسلوكك.
هذا الشرط يضاهي أهمية المسؤولية الجماعية لنشر الفضائل والأخلاق، وهو شرط البداية بالنفس وبالعائلة وبالبيت وبالمنطقة السكنية وبالمحلة والقرية والمدينة التي ينتمي إليها الشخص، بمعنى تبدأ تصلح نفسك، وتؤثر في أفراد أسرتك ثم صعودا إلى الجماعات الأكبر التي تنتمي إليها، وفي هذه الحالة سوف يكون هناك أمل بنشر الفضيلة والأخلاق.
لذا يطالب سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (الكلّ بأن يبدأ من نفسه، وكلٌ يبدأ من داره، وكلٌ يبدأ من عائلته، ومن محلّته، ومن قريته ومن مدينته) لترسيخ الفضائل بين الناس.
إذًا مسؤولية نشر الفضائل وتثبيت أركان الأخلاق الحميدة تقع على الجميع، ولكن يتعلق حجم هذه المسؤولية بطاقة الإنسان وحجمها، وهذا يعني أن الشاب مسؤول أكثر من غير في هذه المهمة، لماذا؟، لأن طاقته أكبر وأكثر من المراحل العمرية الأخرى، ولا تقتصر هذه المسؤولية على الشباب من الذكور، بل الفتيات المؤمنات يقع عليهنّ جزء مهم من مسؤولية تدعيم المنظومة الأخلاقية في المجتمع.
تثبيت أركان الأخلاق الحميدة
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد هذه المهمة بقوله: )الشباب المؤمنون خصوصا، والفتيات المؤمنات، هؤلاء مسؤوليتهم أكبر لأنّ طاقتهم أكبر، ولأنّه في إمكانهم ترتيب مقدّمات الوجود أكثر من غيرهم. أي الشباب على جميع الأصعدة، في الجامعات والأسواق، والطلبة والطالبات، وشباب العشائر). ويضيف سماحته تأكيدا على دور الفتيات باعتبار الفتاة والمرأة المؤمنة (دنيا من الطاقات)، قائلا:
(كذلك الفتيات، في كل مكان، في البيوت، وغيرها. فالفتاة المؤمنة والمرأة المؤمنة هي دنيا من الطاقة).
إنها قضية المنافسة الإيجابية التي يجب أن تسود الجميع في رفع مستوى الأخلاق، واعتماد الفضائل كأساليب ومعايير في علاقاتنا وتعاملاتنا الاجتماعية، فالشاب، والرجل، والمرأة، والفتاة، كل هؤلاء مسؤولين للتصدي لمهمة تعزيز الفضائل في المجتمع، وهذا ما ينصح به القرآن الكريم، وهو من ضمن التوجيهات الإلهية لمن يريد أن ينجح في حياته ويضمن المكان اللائق به والذي يتمناه في آخرته.
المهم مواصلة المنافسة والعمل الجاد، والمثابرة دونما كلل أو ملل، والمنافسة هنا في نشر الفضيلة والأخلاق عن طريق التعامل الحقيقي بهما مع الآخرين، وليس التعامل الظاهر الشكلي الذي يتحول إلى مراءاة غير مقبولة، بل على الشاب والرجل والمرأة والفتاة، على هؤلاء جميعا أن ينمّوا الفضائل في أنفسهم، وأن يعتمدوا الأخلاق الحميدة في تعاملاتهم، ليس لأنها مطلب إلهي ديني إنساني فحسب، وإنما لأنه الطريق الذي يحقق لهم النجاح.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(وهكذا هو أيضاً الشاب المؤمن، والرجل المؤمن. فيحاول كل واحد أن يتنافس في الفضيلة وفي الأخلاق، وفي تنمية الفضيلة، وتصعيد الفضيلة، وينمّي نفسه أكثر ممن يعيش معهم. وهكذا بالنسبة لغيره وغيره).
الهدف الأهم في نشر الفضيلة هو تهيئة مقدمات الوجود، وتوفير مساحات صالحة وحقيقية للإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد، مع دعم الحريات وحمايتها، وبالتالي فإن الفضائل والأخلاقيات والقيم تبني دولة معاصرة قوية مستقرة ومتقدمة، سواء في مفاصل الدولة نفسها، أو على صعيد البناء الاجتماعي.
اعتماد الفضيلة والأخلاق تهيّئ لبناء دولة صالحة ومجتمع ناجح مع استمرار الزمن، من خلال تحمل مسؤولية الناس والشباب بالأخص مهمة اعتماد الفضيلة والأخلاق، والتأكيد على الإصلاح السياسي والاقتصادي مع ضمان حرية الرأي والحريات الأخرى.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(إذا حاول الكل في تهيئة مقدّمات الوجود لذلك، فستصلح البلاد شيئاً فشيئاً، وشيئاً فشيئاً يكون البلد في تقدّم في الاقتصاد وفي السياسة وفي الحريّة وفي الصحّة، وفي جميع الفضائل).
لهذه الأسباب التي ذكرناها في أعلاه، على الجميع أن يتنافسوا في نشر الفضيلة والقيم الخلاقة، والأخلاق الرفيعة، لأن هذه الأعمدة الصلبة يمكن أن يستقر فوقها بناء الدولة وبناء المجتمع، وهذا يعني بلوغ ما يحلم به الناس في العدالة الاجتماعية، وفي العيش الكريم الذي يمهد لضمان الحقوق المكفولة، وبالتالي نجاح الإنسان في الدارين الأولى والثانية.
اضف تعليق