يطرح سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) سؤالا مفاده: هل من الممكن أن يتصوّر أحد منّا أننا لسنا قادرين أن نفعل شيئاً حيال مستقبل العراق؟!. وحين تأتي الإجابة بالإيجاب وأن الجميع مستعد للقيام بدوره في حماية العراق، شيبا وشبابا، نساء ورجالا، فإننا سوف نصبح أمام مرحلة جديدة من البناء والاستثمار النموذجي...
(على أحبّتنا في العراق أن يلتزموا الصبر والتقوى والتوكّل على الله)
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)
أطلق بعض المراقبين على العراق تسمية بلد الأزمات، وهذا التوصيف لا يجافي الحقيقة، بل هو قريب كل القرب من الواقع، فما يعانيه الشعب العراقي من مشكلات متعددة الأذرع، ومعقدة، يجعل منه ساحة لمختلف الصراعات السياسية والاقتصادية وسواها، وهذا ما يتطلب بحثا جادا منظما وعلميا في إيجاد الحلول الملائمة لهذه الأزمات التي لم تفارق البلد منذ عقود.
وها أننا حتى هذه اللحظة، أي بعد الانتخابات النيابية في دورتها الأخيرة التي أجريت في العاشر من تشرين الأول الجاري، نلاحظ بوضوح مشكلات دقيقة سياسية في معظمها، لتنعكس على المجالات الأخرى، فيصبح البلد محاصر بالتشنّج ومحاط بالأزمات، كأنه لا يحتاج سوى شرارة صغيرة ليتحول إلى نار تحرق الأخضر واليابس، فهل يعي قادة النخب والسياسيون هذا الواقع؟
كثيرون أكدوا على أن إجراء الانتخابات المبكرة (التي أجريت قبل أيام)، ستكون بمثابة العلاج الناجع لكثير من مشاكل العراق والعراقيين، ولكن ما نلاحظه اليوم أن هذه الانتخابات نفسها تحوّلت إلى مشكلة، في ظل صراعات بين الكتل والتيارات والشخصيات التي شاركت في الانتخابات، فكل منها يرى الحق معه، ومنهم من يشكوا من خروقات طالت أصوات الناخبين، وفي كل الأحوال هناك أزمات معقدة.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتاب (من عبق المرجعية):
(في الوقت الحاضر تضاعفت الأزمة بالنسبة إلى كل فرد عراقي، والجميع يعلم سواء عن طريق وسائل الإعلام العامة، أو من طرقهم الخاصة، أن العراق يمرّ بأوضاع معقّدة جدّاً).
بالطبع الكلمات أعلاه قيلت في وقت مضى، مما يدل على أن العراق تتوالد فيه الأزمات، فما تكاد تنتهي أزمة لتولد أخرى، مما يستدعي من الجميع، لاسيما من يمتلك صناعة القرار، والقدرة على تصحيح المسارات، بالمبادرة إلى النظر لمشكلات العراق وأزمات بصورة جدية، ومن ثم كشف تفاصيل واسرار وتعقيدات هذه الأزمات والمبادرة الفورية بوضع الحلول اللازمة لها.
هذا يعني أن العراق بحاجة إلى الدعم بكل أشكاله المعنوية والمادية والفكري وكل المجالات الأخرى، أما الجهات المطالَبة بهذا النوع من الدعم، فإن الجميع تقع عليهم مسؤولية هذا الدعم، فكل من يرى في العراق داخل دائرة اهتمامه لابد أن يبادر إلى ذلك، فهذا النوع من الدعم يمكن أن يكون طريقا مناسبا لكبح الأزمات.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(العراق بحاجة إلى سيل من المعنويات الماديّة والفكرية والعلمية والصحيّة).
ما هي مهمة الحكماء في العراق؟
عندما ننظر جيدا في تعقيدات الواقع العراقي، فإننا نكتشف دون عناء، عن صعوبات حقيقية، اجتماعية وسياسية واقتصادية، كلها تعود إلى ضعف الإدارة للموارد البشرية والطبيعية، بالإضافة إلى مشكلات زعزعة الأمن وإيقاد الفتن النائمة، وهي فتن يتم زرعها لتفتيت لحمة المجتمع، ونشر الخراب والتصادم بين مكوناته، أو الصراع المتقد في المكوّن نفسه.
هذه هي مهمة الحكماء في هذا البلد كما يرى سماحة المرجع الشيرازي، حيث تقع عليهم مسؤولية تطويق الفتن وتهدئة الخواطر، وتصويب الأخطاء وتقديم الإرشاد للعقول التي تتغلب عليها العصبية أو التطرف، فطالما الحياة مستمرة فإن المشكلات قائمة، وتتطلب التصدي الدائم لها، وهذه هي مهمة الحكماء وأصحاب العقول الراجحة والقلوب المؤمنة والصابرة.
كما أن على العراقيين جميعا التحلّي بالصبر والحلم، فالتطرف والتسرّع لا يصب في صالح بناء علاقات اجتماعية متينة، قائمة على القيم الأخلاقية الرصينة، ويجب أن تكون مستمدة من الإرث الأخلاقي الكبير الذي ورثناه عن أئمتنا الأطهار (ع)، لنوظفه اليوم في مواجهة الأزمات التي لا خلاص منها إلا بالصبر والحلم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(من اللازم على جميع الأحبّة في العراق في هذه المرحلة الحسّاسة والعصيبة، التزام الصبر والحلم، كما أنه ينبغي تطويق الحكماء للفتن التي يراد إشعالها، والقضاء عليها في مهدها).
في أعقاب الانتخابات التي جرت مؤخرا، حدثت مشكلات وأزمات متعددة، هدفها واضح، فهي ليست وليدة اليوم، كما أنها ليست جديدة، فغالبا حين يصبح العراقيون أمام استحقاق مهم يجمع بينهم، نجد الخلافات والتصادمات تشتعل هنا وهناك بعل فاعل، مما يتطلب الوقوف في صف واحد لجمع كلمة المؤمنين ورؤيتهم.
نبذ الخلافات القبلية والفئوية
هناك من يريد أن يفرّق بينهم، ويضعف تلاحمهم، واليوم بعد انتهاء استحقاق الانتخابات النيابية مؤخرا، يحاول بعض المغرضين تأجيج المشكلات، وإذكاء نار الخلافات، وهو أمر يجب أن يتنبّه له قادة وحكماء العراق، كي يتصدوا له بوحدة الموقف والكلمة، ولا يفسحوا المجال لإحداث خلل أو ضعف في العلاقات الاجتماعية التي يجب أن تبقى وتكون رصينة ومتماسكة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(من أهم ما يجب اليوم على الجميع في العراق، جمع كلمة المؤمنين، وذلك بنبذ الخلافات القبلية والإقليمية والفئوية، وغيرها، ورصّ الصفوف، وجمع شمل الشعب العراقي الواعي والنبيه، وعدم فسح المجال للرؤى المختلفة، لكي تتسلّل وتوجد الانشقاق والفرقة، وتمزّق وحدة الصفّ والكلمة).
إذا يجب تفويت الفرصة من المتربصين بالعراقيين، وتحويل منجزهم الجيد إلى العكس تماما، فما جرى في الانتخابات الأخيرة، نسبة الجودة فيه أكثر من النقيض، لكن الذين لا يريدون مصلحة العراق يسعون لتأجيج الأوضاع، وتصوير كل منجز جيد على أنه رديء أو مسيء، لكن في واقع الحال أثبتت الانتخابات أن العراقيين قاموا بفعالية انتخابية عبّرت عن إرادتهم في الاختيار.
وليس أمام هذا الشعب الذي قدم الكثير وضحى بالكثير إلى خيار الحرية، لكي يتجنب الوقوع ثانية بين فكيّ الدكتاتورية والفردية المتسلطة التي عانى منها عقودا طويلة وثقيلة، فالتمسك بخيار الحرية وبالانتخابات دليل على وعي الفرد والشعب، كي يتم غلق الأبواب أمام الدكتاتورية إلى الأبد.
بالإضافية إلى إمكانية صيانة استقلال وسيادة البلد على أفضل وجه، والسعي المتواصل لإخراج القوات الأجنبية من العراق، والعمل الجاد على ترصين وحدة البلد واستثمار ثرواته الطبيعية والبشرية على أفضل وجه.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يركّز على هذه النقطة فيقول:
(من المردودات الإيجابية للانتخابات، وصول الشعب العراقي إلى حقوقه المشروعة، ومنع قيام أنظمة دكتاتورية تضطهد الشعب، كما أنها الطريق إلى خروج القوات الأجنبية واستقلال وسيادة العراق).
كل الجوانب التي تمّ التطرق إليها فيما تقدّم، تصب في صالح بناء العراق شعبا ودولة، وليس هناك أي شك في ذلك، فهل يمكن تحقيق هذه الأهداف الواضحة حول التمسك بالديمقراطية، ونبذ الديكتاتورية؟؟
وهنا يطرح سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) سؤالا مفاده:
(هل من الممكن أن يتصوّر أحد منّا أننا لسنا قادرين أن نفعل شيئاً حيال مستقبل العراق؟!). وحين تأتي الإجابة بالإيجاب وأن الجميع مستعد للقيام بدوره في حماية العراق، شيبا وشبابا، نساء ورجالا، فإننا سوف نصبح أمام مرحلة جديدة من البناء والاستثمار النموذجي لقدراتنا وثرواتنا.
وهنا يتم التركيز على الشباب، فهذه الشريحة يجب أن تأخذ دورها الكبير في هذه المرحلة، لاسيما في قضية التغيير الذي يجب أن يحدث في السياسية وفي البنى الأخرى، وهذا لا يمكن تحقيقه من دون أداء الشباب لدورهم المتميز على أتمّ وجه، خصوصا ما يتعلق بالبناء والتطوير وحماية الديمقراطية من خلال التمسك بخيار الحرية والانتخابات التي تحفظ العراق وتحفظنا من الانقلابات والدكتاتوريات.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(على الشباب في العراق أن يسعوا لإعمار العراق اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً، فهو وطنهم وحبّ الوطن من الإيمان).
ما نخلص إليه بالنتيجة، أن العراقيين خرجوا من تجربة الانتخابات النيابية في العاشر من الشهر الجاري، أقوى وأصلب عودا، وأنهم تحلّوا بالوعي الجيد، واليوم هم مطالبون بتفويت الفرصة على من يريد الإساءة لبلدهم وحاضرهم ومستقبلهم، وعلى العراقيين أن يثبتوا للجميع أنهم مع الحرية والانتخاب، وضد القمع والدكتاتورية.
اضف تعليق