ما أن يطأ الإنسان الأرض ويحلّ ضيفا على الدنيا، حتى يجد نفسه في متاهة لا يمكن الخروج منها بسلام ونجاح، ما لم يستدل على السبل الصحيحة التي تقوده بأمان إلى الأهداف المبتغاة، هذا الاستنتاج يحتّم على الإنسان أن يعيش دنياه كأنه في غربة لا يعرف شيئا...
(الخاسر هو من يقضي عمره في ممارسة أعمال يظنّها صالحة وما هي كذلك)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
ما أن يطأ الإنسان الأرض ويحلّ ضيفا على الدنيا، حتى يجد نفسه في متاهة لا يمكن الخروج منها بسلام ونجاح، ما لم يستدل على السبل الصحيحة التي تقوده بأمان إلى الأهداف المبتغاة، هذا الاستنتاج يحتّم على الإنسان أن يعيش دنياه كأنه في غربة لا يعرف شيئا، وهذا هو الواقع الذي يلزم الإنسان بطرح الأسئلة حول كل الأمور التي يجهلها، حتى لا يقع في فخ الجهل بالأشياء.
يقول النبيّ صلى الله عليه وآله لأبي ذر كي يدرأ عن نفسه الوقوع في غابات المجهول: «يا أبا ذر، كن كأنّك في الدنيا غريب...»، وحين يلازم الإنسان هاجس الغربة، فإنه لا يكف عن الاستفهام والاستعلام عن كل الأمور التي يجهلها، وليس صحيحا أن يتوقف (أي شخص غريب) عن طرح الأسئلة لكي يضمن النتائج السليمة، ولكن هنالك شرط مهم مفاده أن تُطرَح الأسئلة على المتخصص والمكلّف بالإجابة عنها، وليس على كائن من يكون!!
تُرى من هو المخوّل بتقديم الإجابات الناجعة والحلول الصحيحة للأسئلة التي تُخرج الإنسان من متاهة الدنيا بسلام؟، إن المخوَّلين بالتصدي لهذه المهمة معروفون، إنهم أئمة أهل البيت عليهم السلام، يجيبون عن كل ما يجهله غرباء الدنيا، من أحكام شرعية وسواها، فيأخذ المعلومات والإجابات الصحيحة من مصدرها الموثوق وليس ممن لا يفهم في هذه الأمور والأحكام الحساسة.
فهل يمكن لمن يجهل الأشياء أن يكون عليما بها؟؟
كما أن الإنسان (أي إنسان) بغض النظر عن شخصيته، أو مكانته، أو مركزه، يجب أن يعيش (الدنيا) كالغريب، حتى يلازمه هاجس المعرفة والاستعلام الدائم، لكي لا يسقط في فخ (الجهل بالأشياء)، مما قد يقوده إلى الوقوع فيما لا يُحمد عقباه.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (يا أبا ذر):
(كما أنّ الفرد الذي يعيش في بلاد الغربة، ويجهل قوانينها، ولا يعرف لغتها، يستعلم من الناس عمّا يحتاج إليه من إعداد المسكن والطعام، ويسأل أهل الخبرة والعلم عن كلّ شيءٍ يشكّ فيه، كذلك ينبغي أن يكون حال ابن آدم في غربة الدنيا).
أخذ الإجابات من مصادرها الصحيحة
لماذا يتوجّب على الإنسان أن يطرح الأسئلة؟، السبب في ذلك يكمن في كونه يجهل أصلا حبائل وفخاخ هذه الدنيا، كأنه يخوض في متاهة أو أرض غريبة، لذلك حتى يتجنب نتائج هذا التيه، عليه أن يستبق الأمور، فيسأل ويسأل، بل ويواصل طرح الأسئلة عن كل شيء لا يفهمه.
على أن يلتزم تمام الالتزام بأخذ الأجوبة من مصادرها الموثوقة، ومعظم الأسئلة التي تدرك الإنسان من السقوط في الخطأ، هي تلك التي تتعلق بالأحكام الشرعية وطبيعة مواردها، فهناك من يظن أنه يسير في الجادة الصواب بشأن هذا الأمر أو ذاك، يخص تعاملات الحياة المختلفة، لكنه لا يعلم بأن أعماله ليست صحيحة لأنه لم يسأل مسبقا، أو أنه يطرح الأسئلة على غير المؤهل بالإجابة عنها.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يشير إلى هذه النقطة في قوله:
(إن لم يعلم الإنسان أمراً، وجهل حكمه الشرعي، فعليه أن يتورّع عن الخوض فيه حتى يسأل أهل الخبرة والعلم، من أئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، إذ يجب أن يسأل هؤلاء عن السلعة المرغوبة في سوق الآخرة، فيحملها إليها من دار الدنيا).
ليس هناك فائدة من مواصلة السير في طريق نجهله، ولا نعرف رموزه المختلفة، هنا يتوجّب الاستعلام المسبق لكي يدرأ الإنسان عن نفسه مجاهل المسالك المحفوفة بالمخاطر، بعضهم يقوم بعمل يظن أنه بعيد عن الخطأ، وأن الشبهة لا تقرب منه، والمشكلة أن هذا الشخص يصل إلى هذا الاستنتاج نفسه بنفسه، ولا يأخذ الحلول والأحكام الصحيحة من منابعها.
يوجد مثل هؤلاء الأشخاص، قد يقضي عمره في أداء الأعمال الخاطئة دونما تعمّد منه، وإنما بسبب الجهل بها، لكن هذا لا يشفع للخطّاء أخطاءه، لأن الأصح هو أن يسأل ويبحث ويسعى إلى الاستعلام عن أي عمل يقوم به، ويجب أن يكون مصدره الأول أهل الخبرة والفقهاء ممن يستقي علومه من أئمة أهل البيت عليهم السلام.
لماذا يجب على الإنسان أن يتمسك بهذه الخطوة؟ نقصد خطوة الاستفسار قبل العمل أو الإجراء أو السلوك الذي يقوم به؟، أولا لكي يتجنب الخطأ بعد معرفة الصحيح من المصدر المعترَف به والمخوّل بذلك، وثانيا حتى لا تضيع جهوده وأعماله هباءً، فما فائدة أن تقوم بأعمال تظنّها صالحة وهي ليست كذلك؟
بين أيدينا خارطة طريق مبدئية وافية
ثم هل فكر أمثال العاملين دون استفسار وسؤال، كم يلحقون الأذى بالآخرين وبأنفسهم، نتيجة لقيامهم بأعمال يظنون أنها جيدة ومقبولة ومشرَّعة وهي ليست كذلك، هناك أناس يوغل في الخطأ، ليس لأنه يتعمد ذلك، وليس لأنه معتد بنفسه ولا تعنيه إلا قناعته، كلا ليس الأمر هكذا، لأن السبب الأول هو عدم الاستفسار المسبق عن صحة العمل والإجراء قبل القيام به!!
لدينا خارطة طريق مبدئية عقائدية شرعية كافية وافية واضحة البنود والمضامين والمعالم، فإن أردنا أن نجنب أنفسنا والآخرين، من تداعيات ونتائج ما نجهله من أعمالنا، فأمامنا علوم وسِيَر أئمة أهل البيت عليه السلام، فهي تمثل السبل الصحيحة الموثوقة، والطرق المعلومة للسير فيها نحو ما نبتغيه من أمور ونتائج وأهداف.
لذلك من غير المجدي حقا أن يصر الإنسان على الأعمال التي يجهل نتائجها، ويجب أن نتخلى عن القناعة الفردية الحاسمة، والاعتماد على ما نراه صحيحا وهو ليس كذلك، لأننا لم نشرك الآخرين فيما نعلمه أو نخطط له، كما أننا ربما نبلغ من النرجسية أننا لا نسأل أحداً عما يجب القيام به في هذا الشأن أو ذاك، وهل هو صحيح أو خاطئ، مشروع أم ممنوع؟؟، الحل يكمن في الالتزام بخارطة الطريق المرسومة في مبادئ أئمة أهل البيت عليهم السلام.
وها ما يؤكده سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) بقوله:
(واقع الأمر يؤكّد ضرورة أن تكون جميع أعمال المؤمنين محطّ تأييد ورضا أهل البيت سلام الله عليهم، وأنّ الخاسر هو من يقضي عمره في ممارسة أعمال يظنّها صالحة وما هي كذلك لأنّها لا تحظى برضا الربّ المتعال في الدار الآخرة، ولم تكن موضع تأييد المعصومين عليهم الصلاة والسلام).
ويضيف سماحته (دام ظله): (إنّ الله تعالى جعل رسوله المصطفى وأهل البيت سلام الله عليهم طرقاً مضيئة إلى إنجاز أعمال الخير والصلاح، وهؤلاء لا انفصام بينهم، إذ لابدّ من الالتزام بأوامرهم جميعاً لممارسة الدين).
بالنتيجة قد يتساءل بعضهم عن جدوى ما طرحناه من أفكار في هذا الموضوع، فالإنسان الذي يُخطئ يتحمل ما ينتج عن لك، نعم هذا القول صحيح، لكن المشكلة أن الذي يرتكب الخطأ لم يعش وحده في صحراء أو عالم معزول، إنه يعي ويتحرك بين آخرين، وهناك تداعيات تحدث لهم نتيجة أخطاء بعضهم على بعضهم، فالإنسان لا يعيش بمعزل عن الآخرين، وأخطاءه لا تخصه وحده، لذا فإن تجنب الخطأ قبل حدوثه يجنب الآخرين نتائجه، وهذا ما أوجب الاستفهام والاستعلام والسؤال قبل الشروع بالعمل أو الأحكام.
اضف تعليق