لا حياة بلا مشاكل، هذا هو الوصف المختصَر لحياة كل الناس، الغنيّ منهم والفقير، الصغير والكبير، القوي والضعيف، الذكي والغبي، ليس هناك إنسان بلا مشاكل، وبعضها معقدة إلى درجة قد يستحيل حلها، فماذا يفعل الإنسان في هذه الحالة؟، الحل الوحيد هو أن تتقبّل المشاكل، مع استمرارية البحث عن الحلول...
(كلّ من في الدنيا مُبتلى بشكلٍ ما) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
لا حياة بلا مشاكل، هذا هو الوصف المختصَر لحياة كل الناس، الغنيّ منهم والفقير، الصغير والكبير، القوي والضعيف، الذكي والغبي، ليس هناك إنسان بلا مشاكل، وبعضها معقدة إلى درجة قد يستحيل حلها، فماذا يفعل الإنسان في هذه الحالة؟، الحل الوحيد هو أن تتقبّل المشاكل، مع استمرارية البحث عن الحلول.
هذا ما أكده أحد المفكرين حين قال، إن الحياة عبارة عن سلسلة متواصلة من المشاكل، فأما أن تهزم الإنسان فيستسلم ويندحر، وأما أن يهزمها فيدخل في قائمة العظماء، إذن لا الرجل مستثنى من المشاكل ولا المرأة، الجميع يحصلون على حصتهم من الابتلاء، وقد ورد في قول شريف للإمام علي عليه السلام: (المؤمن مبتلى)، هذا هو عنوان الدنيا، زما على الإنسان سوى أن يتقبل هذه الحقيقة ويتعامل معها بعيدا عن الاستسلام لها.
توجد معادلة تقول كلّما تحرك الإنسان ونشط أكثر تعرّض للمشاكل أكثر، وهو أمر طبيعي، فمن ينشط أكثر يخاطر في صحتهِ وأمواله وأولاده وحتى بنفسه، ومنْ منَا بلا أهداف في هذه الحياة الدنيا، رزقكَ يحتّمُ عليك النشاط والحركة وربما المخاطرة، وعقيدتك تتطلب ذلك، وإيمانكَ، ورزقك أيضا، ومن يجلس في بيته بلا عمل لن يجدَ ما يسدّ به رمقه، لا هو ولا عائلته، كل هذه المسببات تجعل من الإنسان في دائرة المشكلات، وما عليه سوى التعامل معها بإيجاد الحلول.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، أكد في محاضرة توجيهية قيّمة، قائلا: (كل من في الدنيا مبتلى، كلٌ بشكلٍ ما، فأهل العلم مبتلون، والتاجر مبتلى، وهكذا الموظّف، والحاكم، والمحكوم، والرجل والمرأة).
بعض المشكلات من صنع الإنسان إذا لم يُحسن التدبير، لكن المشكلة المعقدة نوع من الابتلاء، وهي وسيلة يُقاس من خلالها ثبات الإنسان على طريق الحق، وحِفاظه على حدود الله، فمن يؤمن بعقيدة أهل البيت عليهم السلام ويسير في خطّهم، عليه أن يستعد لتحمّل أعباء الإيمان بهذه العقيدة، والتاريخ البعيد والقريب يُظهر لنا الكثير من القصص العظيمة للموالين الذين قدموا كل ما يملكون ويمتلكون من أجل دينهم وعقيدتهم، المخاطرة من أجل حماية العقائد مطلوبة.
بعض الوظائف قد تصبح نوعا من الابتلاء، فالموظف الكبير والصغير قد تسنح له فرصة الاستئثار بأموال الناس من خزينة الدولة، وهذا اختبار عظيم للإنسان وفرصة بإمكانه أن يستثمرها لصالحه بكّفِ يده عن المال، وقد تكون ضدّه إذا ضعف إزاء نفسه واستطاب المال الحرام ومدّ يده إليه، فالشيطان لم يبتعد عن حياة الناس، وما يلبث أن يغريهم على مدار الوقت، فمن ينجح في كبحه بالإيمان فاز بالاختبار، ومن يضعف وينهار، سوف يسقط في الاختبار.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (إنّ الله تبارك وتعالى هو الذي جعل الدنيا محفوفة بالبلاء، وذلك ليختبر الناس ويمتحنهم، حيث قال تعالى: (لننظر كيف تعملون). والله تعالى هو الذي خلق الشيطان، وهو تعالى يعلم بأن الشيطان ماذا سيفعل بالإنسان، ولكن خلقه ليتبيّن من يتّبع الشيطان ومن يرفضه).
قُدْ نفسك ولا تترك لها الزمام
الصراع الأكبر هو ذلك الذي يدور بين الإنسان ونفسه، فإذا انصاع لها أدخلته في حبائلها وأضاعت عليه فرصة الإفلات من فخاخها، وقد خلق الله تعالى هذه النفس في الإنسان، حتى يكون جاهزا للاختبار وجديرا بالجزاء العظيم إذا نجح فيه، فمن كان قويّا في التعاطي مع نفسه، وتسلّمَ قيادتها ومنع عنها قدرة القيادة له، هنا سوف يحصل على ثوابٍ عظيم، وما هي إلا لحظة يقرر فيها الإنسان هل يرتكب الحماقة أم ينجو منها، فالأمر منوط به، وعليه أن يواجه مشاكله بحكمة ومطاولة وصبر، وينتصر عليها.
يعلم الله تعالى ما تشكله النفس من خطر على البشر، لاسيما من يتبوّأ مركزاً فيه أموال أو أي نوع من حقوق الناس، ولكن هذه النفس وانضباطها أو سوءها هو من يحدد درجة النجاح والفشل في الاختبار الإلهي الذي جرى ويجري الآن لمئات الملايين من البشر، فهل يعي المسلم أين مكانه وقدراته في المواجهة التي يخوضها مع نفسه، وهل يعرف حجم الاختبار ونتائجه؟، هذا ما ينبغي أن نفكّر به بعمق وأناة كي نقوّي إيماننا ونردع أنفسنا عن الدفع بنا إلى قعر الجحيم، لاسيما من تتوفر أمامه فرص التعامل مع حقوق الآخرين كالمناصب السلطوية.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد على أن (الله تعالى هو الذي خلق في الإنسان النفس الأمّارة بالسوء، وهو تعالى يعلم بأنه ماذا ستفعل هذه النفس الأمّارة بالسوء بالإنسان الضعيف، وكم ستوقعه في المعاصي والذنوب، ولكن خلقها ليمتحن الإنسان بها).
صعبة ومعقدة بعض المشاكل التي تواجه البشر، وغالبا ما ينتج عنها آلام كبيرة، وتضع الإنسان تحت سطوتها، ولكن ليس ثمة سبيل لإلغائها أو محوها كليّا، وليس هناك طريق أمام الإنسان سوى مواجهتها والتعامل معها بطريقة الصراع والغالب والمغلوب، وعلى أساس نتائج صراع الإنسان مع المشاكل الكثيرة التي تواجهه، ستكون النتيجة ويكون حجم الثواب أو العقاب، فأما يحصل على المرتبة العظيمة التي يتمناها كل إنسان، أو العكس فيما لو أخفق البشر وسلّم زمام القيادة لنفسهِ وجعلها متحكمة به وليس العكس.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد على أن: (المشكلات والمشاكل صعبة ومؤلمة وتضع الإنسان تحت ضغوط كثيرة، ولكن جعل كل ذلك لأجل معرفة مدى تحمّل الإنسان، وعلى هذا الأساس تعطى المرتبة للإنسان، ويعطى الجزاء للإنسان).
يجب مواصلة الحياة بوجود المشكلات
قد يتساءل البعض، هل هناك سبل محددة لهذه المواجهة، وما هي الدروس التي يمكن أن نحصل عليها ونستفيد منها لصالحنا، بالطبع الإنسان مطالَب بمواجهة المشاكل وإيجاد الحلول لها والحد من تأثيرها عليه، وهي كثيرة متعددة تحصل في جميع المجالات والأنشطة، ولا يمكن وأدها بشكل نهائي، لأن المشاكل تتناسل على نحو دائم، وعلينا التعامل معها على أنها داء مزمن، لابد أن نتعامل معه بحكمة ودراية لنخرج من هذه الدنيا بقلوب وأيدٍ نظيفة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (على الإنسان أن يسعى لرفع المشاكل وإزالتها، سواء كانت مشاكل اجتماعية، أو سياسية، أو عائلية، وغيرها، وفي الوقت نفسه عليه أن يعلم بأن المشاكل إما لا تُرفَع أصلاً، أو إذا رُفعَتْ فستحلّ محلّها مشاكل أخرى. وهذا كلّه امتحان للإنسان).
كما قلنا في الاستهلال، ليس هنالك حياة بلا مشاكل، وهذا يشمل الجميع، ولا استثناء فيه، فالغني قد تكون حياته أكثر تعقيدا من الفقير، والقوي كذلك قد يواجه مشكلات تفوق ما يواجهه الضعيف، لكن الأمر المحسوم هنا هو مدى استعداد البشر لمواجهة المصاعب التي تواجهه في رحلته الدنيوية المحفوفة بمخاطر الزلل وأنواع الحرام، أما الأفضلية فهي من حصة الناس الصابرين المحتسبين المجدّين، الذين لا تدفعهم المشاكل نحو الاستسلام للشر واليأس وارتكاب الحرام، مواصلة الحياة مع وجود المشكلات مع توخي الحذر من الفشل هو الهدف الأهم.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد هذه النقطة فيقول:
(إنّ مفاد الدرس المقصود من وجود المشاكل، هو أن يتبيّن - الله تعالى- من الذي تتعبه المشاكل ومن لا تتعبه، ولذا على الإنسان أن يستمر في حياته ويداوم حتى مع وجود المشاكل).
خلاصة ما تقدم، أننا نعيش في مجتمعات كثيرة وكبيرة، وأن تداخل المصالح وتضاربها، قد يجعل من حياتنا مليئة بالمشاكل، وهو أمر حتمي، لهذا على الإنسان أن يستعد لمجاراة مشاكله مع السعي والعمل على حلّها، لذلك كلّما كبرت مسؤولية الإنسان الاجتماعية والدينية والوظيفية، أصبح على المحك أكثر من غيره، وعليه أن يحذر السقوط في دوامة المشاكل التي قد تدفع به نحو الانحراف، فمن يحل مشاكله دون انحراف هو من ينجح في الاختبار الدنيوي العصيب.
اضف تعليق