ما يجب العمل به في شهر رمضان العظيم، تربية النفس إلى مستوى تزكيتها، وبمستوى الورع الذي له مراتب رفيعة. والثاني تبليغ الإسلام ونشره. أي الاسلام الحقيقي، لا إسلام الصلاة والحجّ والصيام وغيرها الذي كان في زمن بني أمية وبني العباس. فعن هذا النوع من الإسلام كتبت العديد...
(إظهار الإسلام الحقيقي واجب عيني على الجميع)
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)
مبادئ الإسلام معروفة وتعاليمه ناصعة البياض، فحين بدأ الرسول الأكرم (ص)، بإظهار الإسلام ونشره على الملأ، بدأت تلك المبادئ والتعاليم تنتشر بين أوائل المسلمين، وتمسكوا بها وغرسوها في نفوسهم وقلوبهم، وعملوا بها، وتمكنوا من خلالها دحر جميع أعداء الإسلام، رغم جبروت قريش والآخرين.
ونظرا لنصاعة الإسلام ووضوحه، كانت له قوة تأثير روحية هائلة على الناس، فانخرطوا فيه أفواجا، وتماسكوا فيما بينهم كالبنيان المرصوص، لكن الأعداء لم يستكينوا، ولم يتوقفوا عن المحاولات الدنيئة لتشويه الإسلام، فحاولوا بكل الوسائل والأساليب المتاحة والملتوية أن يحرفوا مسار الإسلام الحقيقي، ويزيّفوا ما جاءت به الرسالة النبوية المحمدية من مضامين وقيم عظيمة.
من هنا كان لزاما على المؤمنين، أن يتصدوا لتلك المحاولات التي كانت ولا تزال تستهدف روح الإسلام الحقيقي، ولعل شهر رمضان يمثل نقطة الانطلاق في هذا النوع من التصدي، لأن أعداء الإسلام لهم خبرة كبيرة في التزييف والتشويه، واعتمدوا في ذلك خطط وسياسات قامت بها حكومات قادت المسلمين لقرون متعاقبة مثل بني أمية وبني العباس.
إذاً هناك مهام يجب أن يتصدى لحملها المؤمنون، لاسيما في هذا الشهر الكريم، تبدأ بالذات أولا وتزكيتها، ومن ثم نشر الإسلام الحقيقي، وفضح المزيّف، ونعني به إسلام بني أمية وبني العباس، فأولئك الحكام لم يدّخروا جهدا لتقديم صورة مزيفة للإسلام أمام العالم، وهذا للأسف لا يزال موجودا حتى هذه اللحظة، فهنالك الكثير في العالم ممن لا يعرفوا حقيقة الإسلام ولا منهجه الحقيقي.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته التوجيهية المباركة:
(ما يجب العمل به في شهر رمضان العظيم، تربية النفس إلى مستوى تزكيتها، وبمستوى الورع الذي له مراتب رفيعة. والثاني تبليغ الإسلام ونشره. أي الاسلام الحقيقي، لا إسلام الصلاة والحجّ والصيام وغيرها الذي كان في زمن بني أمية وبني العباس. فعن هذا النوع من الإسلام كتبت العديد والعديد من كتب التاريخ).
التعسف والقمع والتعذيب سياسة الطغاة
إن الإسلام في زمن بني أمية وبني العباس كان ذا طابع شكلي، فالصلاة تُقام في ظل تلك الحكومات المجرمة، وتُقام الفرائض الأخرى، ولكن حين نبحث عن جوهر الإسلام الحق، لا نجده، فما كانت ترتكبه تلك الحكومات وحكامها لا علاقة له بالإسلام من بعيد أو قريب، بل كل تلك الأفعال تناقض الإسلام ومبادئه جملة وتفصيلا، فلا تُحسَب على الإسلام الحقيقي مطلقا.
وقد كُتبتْ آلاف الكتب والمجلدات التاريخية عمّا كان يجري آنذاك من قمع، ومن تفنّن في تعذيب الناس من قبل حكام بني أمية وبني العباس، لا لشيء إلا لكونهم أصحاب رأي مختلف ومعارض ورافض للقمع والظلم والانحراف، فكانت تلك الحكومات وحكوماتها تسمل عيون المعارضين، في بشاعة لا يمكن أن يرضى بها الإسلام، لكنهم أساؤوا للإسلام الحقيقي بمثل تلك الأفعال الإجرامية.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
لقد (كُتبت الألوف والألوف من الممارسات الظالمة التي وقعت في الدول الإسلامية بزمن أولئك (بني أمية وبني العباس). فأولئك كانوا يسملون أعين الناس وهم أحياء، وهذا ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وكتبه في إحدى رسائله إلى معاوية، حيث كتب له انّك تسمل عيون الناس).
أما بشاعة السمل فهي دليل حاسم على أنها تلتصق بالطغاة العتاة المجرمين، ولا يمكن إلصاقها في أي حال من الأحوال بالإسلام، لقد كانت هذه الجرائم التعذيبية الشنيعة تُرتكب بحق معارضين سياسيين في دول إسلامية، حكامها يقولون بأنهم مسلمون، وفي نفس الوقت كانت تُقام الصلاة والحج والزكاة في حكمهم، مع أن الإسلام الحقيقي لا يمكن أن يجمع بين جرائم السمل والقمع والقهر ، وبين الرحمة والعفو واللين التي يتسم بها.
دورنا في إيصال الإسلام الحقيقي
إنها خطط لتشويه الإسلام، وتزييفه، وتقديم إشارات غير نزيهة عنه، فالآخرون يظنون أن الإسلام هو ما قام به الحكام الظالمون من بني أمية وبني العباس، بينما الإسلام الحقيقي هو إسلام أهل البيت عليهم السلام، إسلام العدل واللين والرحمة والإنصاف وكل القيم النبيلة، فالمعارضة حق مكفول في الإسلام المحمدي، وهكذا في حكومة الإمام علي عليه السلام، لكن في حكومات الظلم والقمع الأموي والعباسي، لا يوجد حق لمن يختلف معهم، ولا مكان للرأي السياسي المعارض.
فكان هؤلاء الحكام الطغاة يأمرون بسمل عيون السياسي المعرض لهم، والسمل يعني استخراج فصوص العيون من المحاجر في عملية متوحشة، لا تمت للإنسانية بصلة، ورغم ادعاء الحكام وحكوماتهم بأنها إسلامية، إلا أن هذا الفعل المتوحش، يثبت بأنهم لا ينتمون إلى الإسلام الحقيقي.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(سمل العيون تتم بإحماء حديدة أو سيف، ويقرّبونها من عين الضحية بعد تقييده وتكتيفه حتى لا يمكنه الحركة، ثم يخرجون بها عين الضحيّة. وهذه الممارسات كانت تحدث في دول تسمى بالإسلامية، وكانت تقام فيها صلاة الجمعة، وصلاة الجماعة، وكان إمامهم أمثال معاوية ويزيد. فكم سملوا من العيون في زمن بني أمية وبني العباس؟ ومن الذين كانوا ضحايا هذا التعذيب؟ لقد كان الضحايا من كانت له مشكلة سياسية فقط مع بني أميّة وبني العباس).
بهذه الأفعال المتوحشة، والتفنن في أساليب التعذيب، كان حكام بنو أمية وبنو العباس يواجهون من يختلف معهم سياسيا، فلا مجال لحرية الرأي، ولا تسامح مع من يدلّهم على أخطاءهم، وغير مقبول معارضة الحاكم وقراراته، حتى لو كان الظلم يقطرُ منها، فأما الصمت أمام الجرائم الشنيعة، وأما القتل وسمل العيون في حالة الاعتراض والرفض لمثل هذه الأساليب القهرية.
أساليب التكميم والقمع والمطاردة والقتل، شاعت في التاريخ السياسي الأموي والعباسي، والمؤرخون دوّنوا الكثير من حوادث القهر والتعذيب التي أمر بها حكام بنو أمية وبنو العباس ضد كل من يرفض ظلمهم، وكل من يعترض عليهم، ومع أعمال الترهيب والتعذيب كانت تُقام الصلاة والفرائض الأخرى، وهكذا يجمع هؤلاء الحكام الظالمون بين الإسلام الشكلي وبين التسلط السياسي الأرعن، في حين أن الإسلام المحمدي غاب عن بصائرهم وقراراتهم وسياستهم.
يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على أن:
(بنو أمية وبنو العباس شوّهوا صورة الإسلام. ومثل هذه الممارسات حدثت في زمان هشام بن عبد الملك، الذي أمر بسمل عين أحد الشيعة، وكذلك حدثت في زمن المتوكّل العباسي ومن قبله في زمن هارون والمأمون، ومعاوية ويزيد ومروان وبنيه. وهذا النوع من الإسلام هو الذي تعرفه الدنيا، لا الإسلام الحقيقي).
الأمم الأخرى في العالم كانت - ولا يزال قسم منها حتى الآن- تظن بأن الإسلام هو إسلام الحكام الأمويين والعباسيين، يحدث هذا بسبب التقصير الإعلامي الكبير الذي يجب أن يتصدى لهذه الظاهرة، ويعيد الأمور إلى نصابها، ويعيد الجوهر الحقيقي للإسلام، كي يعلم العالم كله الفارق الكبير بين الإسلام (الأموي العباسي المزيَّف)، وبين الإسلام الحقيقي.
وهذه المهمة تقع على عاتق الجميع، إنها واجب عيني لا يُستثنى منه أحد، لاسيما في ظل تطور وسائل الإعلام بشكل هائل، ووجود مواقع التواصل الاجتماعي، فاليوم يمكن استثمار هذه الوسائل بشكل مثمر وفعال لفضح الإسلام المزيف، وتوضيح الإسلام الحقيقي للعالم أجمع.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إذن على الجميع، ومن الواجب العيني، لا الكفائي، أن يقوموا بمسؤولياتهم بهذا الخصوص، ويعملوا على رفع التهمة والاتهام عن الإسلام الحقيقي وعن القرآن الكريم، وعن نبيّ الإسلام والأئمة الهداة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، لأنّه لا يوجد اليوم من فيه الكفاية).
في شهر رمضان الكريم، تتضاعف مسؤولية نشر الإسلام الحقيقي، ولا يصح للمؤمن الصائم أن يفوّت فرصة توصيل الإسلام الحقيقي للآخرين، بكل وسائل الإعلام والتوصيل المتاحة، يتم ذلك بشكل منظّم عبر خطط مدروسة، وكذلك هناك دور للجهد الفردي عبر العلاقات الثنائية، فمهمة توضيح حقيقة الإسلام وجوهره واختلافه عن إسلام الطغاة المجرمين، تقع على الجميع دون استثناء.
اضف تعليق