يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على حتمية تركيز الإنسان في شهر رمضان، على امتلاك التقوى، والصبر الحثيث لتزكية النفس، حيث يصف سماحته شهر رمضان بأنه ربيع التزكية، وفي كلمته التوجيهية، يحث سماحته، جميع الفضلاء والمبلغين على أهمية القيام بدور التبليغ التوجيهي الصحيح، وأن يعملوا ما بوسعهم لكي يصلوا بالأفكار...
(أيها الفضلاء والمبلّغون يجب عليكم أن تنيروا الطريق للناس)
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
كلّما أقبل علينا شهر رمضان المبارك، أزهرت القلوب وتفتحت الأرواح، وصار الجميع يلهجون بذكر الله ورسوله (ص) وأئمتنا الأطهار (ع)، وراح الكل يستذكر الأجواء الروحانية العالية التي يصطبغ بها الشهر الكريم من مبتداه إلى منتهاه، إذن فشهر رمضان الكريم يختلف عن كل الشهور الأخرى، بالأجواء الروحية والمعنويات العالية.
كما أنه شهر مختلف عن سواه فيكسر رتابة الزمن المتتابع، فالزمن يمضي كالنهر، منسابا رتيبا متشابها، وشهر رمضان هو الذي يكسر هذه الرتابة، فيصبح الزمن في هذا الشهر مختلفا متجددا فيه مزايا لا يمكن أن نجدها في حوزة شهور السنة الأخرى.
أما حين نبحث في أوجه الاختلاف فهي بالغة الأهمية كونها تتعلق بمعنويات الناس وإعلاء شأن البشر، لذا يعد شهر رمضان المبارك من أهم الفرص التي تتاح أمام الإنسان المسلم على وجه الخصوص، لكي يتمكن من خلق التوازن بين المادي والروحي في ذاته، وذلك من خلال استثمار الجوانب الروحية وتعميقها عبر الصيام.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة:
(على المرء أن يعي جيّداً كيف يقضي أيام شهر رمضان المبارك. وعليه أيضاً أن يستفيد من آثار ومعنويات هذا الشهر المبارك بأن يتحلّى ويلتزم بتقوى الله تبارك وتعالى وبالورع، كما أمر القرآن الكريم بذلك).
إن شهر رمضان الكريم يتميز بكسر الرتابة الزمنية على مدى الأيام والشهور المتتابعة، ويقدّم تزكية النفوس أولا، وذلك من خلال تدعيم التقوى في أبعادها كافة، ومنها أيضا إسهام المسلم الوعي في عملية الإرشاد، وزيادة وعي الناس في عموم مجالات الحياة وأنشطتها المختلفة، ابتداءً من فهم وهضم وإدراك التعاليم الدينية والشرعية والتمسك بها، وصولا إلى العمل بما يحفظ حقوق الجميع من التجاوز على الحقوق الذاتية المكفولة.
فالمسلم كما وصفه الحديث الشريف هو (من سلم الناس من لسانه ويده)، لذا على الإنسان أن يستثمر هذا الشهر الكريم لبناء نفسه أفضل البناء، مع مساعدة الآخرين لتحقيق هذا الهدف، خصوصا أن قيم وملَكات التقوى والتي تقود بدورها إلى تعضيد الإنصاف والتكافل وتزكية النفس وغير ذلك مما يعد من منتجات هذا الشهر الكريم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إن للتقوى أبعاداً متنوّعة ومختلفة، وأهمّها تزكية النفس، وممارسة التبليغ وإرشاد الناس. ولا شكّ أن تزكية النفس هو واجب عيني والجميع مكلّفون به. ولذا يجب على الإنسان أن يعدّ نفسه ويبنيها بشكل جيّد).
ردع الرغبات غير المشروعة
ليس الزمن وحده بما يتصف به من ديمومة أزلية، هو الذي يتسبب بالمشكلات للإنسان، فهناك التركيبة التكوينية للبشر، هي أيضا تشترك في صنع المشكلات والعقبات له، فالرغبات تدفع بالجسد الى ارتكاب ما لا يحمد عقباه، فالنفس تريد المزيد بلا توقف، لذا يشكل الوقوف أمام انفلات الشهوات السبيل الوحيد لخلاص الإنسان من الوقوع في حضيض الرغبة والخطأ الخطير، ويعد شهر رمضان من أنسب الأوقات لردع الشهوات بقوة مضاعفة، حيث يتمكن الإنسان من ضبط شهواته وتنظيف أدرانه وتصحيح أخطائه، وأعلى معدّل للتوبة وانتهاج الصواب يتم تسجيله في هذا الشهر لما تنطوي عليه أجواؤه من إيمان وتقوى وردع للنفس.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد قائلا:
(يجب على الإنسان أن يسعى إلى أن لا يزلّ أمام الشهوات، وأن لا يكون ممن لا تشمله الرحمة الإلهية الواسعة، وأن لا يكون من الملعونين، لا سمح الله، في هذا الشهر المبارك).
ومع أن الناس في حالة تباين بشأن قدرتهم على ضبط النفس وتحجيم الرغبات، إلا أن البشر بحاجة دائمة للسيطرة على نفسه وليس العكس، مع الأهمية القصوى لتعميق التقوى واعتماد الزهد كأسلوب أوحد في الحياة العملية اليومية للإنسان، فكل له إرادته ودرجة سعيه، وكلما كان ساعيا بجد في هذا الاتجاه سيقترب كثيرا من درجة النجاح والتميّز، بحسب قوة الإرادة وصلابتها ووقوفه إلى جانب الصواب.
يدعم سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) ذلك فيقول:
(نعم كل إنسان يختلف عن غيره في مجال تزكية النفس وتهذيبها، فكل إنسان يحصل على ملكة التقوى ويرتقي الدرجات العالية في هذا المجال حسب إرادته وسعيه).
شهر رمضان فرصة الإنسان للنجاح
من القضايا المهمة التي ينبغي أن يتشبث بها الإنسان والصفات التي يجب أن يتحلى بها، هما المطاولة والصبر، لأن طريق التقوى طويل وشاق ويتطلب صبرا متواصلا، وأي تلكّؤ يحدث قد يطيح بالإنسان في الحضيض، وهناك أمثلة كثيرة تؤكد تراجع التقوى لدى نفوس كانت قوية ولكنها تعرضت للضعف فسقطت في وحل الانحراف.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لقد ذكر القرآن الكريم والروايات الشريفة قصصاً عن بعض الناس الذين انتهت عاقبتهم إلى الخير، وبعضهم انتهت عاقبتهم بالسوء).
وقد تكون الشهوة من أخطر ما يمكن أن يتعرض له الإنسان، وقد يسقط في الرذيلة.
لذا يضيف سماحته قائلا:
(إن الشهوات بمثابة ذئب مكشّر عن مخالبه وأنيابه للافتراس، حيث يمكن تشبيه شهوة الأموال، والقدرة، والجاه، والمقام الاجتماعي وأمثال ذلك بمخالب الذئب وأنيابه. فحريّ بكل واحد منّا أن يسأل نفسه: إن خلت أعمالي وتصرّفاتي وسلوكي من التقوى، فكيف ستكون عاقبتي؟).
لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على حتمية تركيز الإنسان في شهر رمضان، على امتلاك التقوى، والصبر الحثيث لتزكية النفس، حيث يصف سماحته شهر رمضان بأنه ربيع التزكية، وفي كلمته التوجيهية، يحث سماحته، جميع الفضلاء والمبلغين على أهمية القيام بدور التبليغ التوجيهي الصحيح، وأن يعملوا ما بوسعهم لكي يصلوا بالأفكار السليمة للناس كي يتسنى لهؤلاء تصحيح مساراتهم في الفكر والعمل.
يتوجّه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) إلى الملغين فيقول:
(أنتم أيها الفضلاء والمبلّغون يجب عليكم أن تنيروا الطريق للناس وتهدوهم إلى السبيل الواضح والجادّة المستقيمة، وأن تزيلوا الشبهات والانحرافات التي يتعرّض لها أفراد المجتمع).
وقد يتباطأ احدهم في الاستزادة من التقوى، والصلاح، وعمل الآخر الى اجل غير مسمى، على أمل أن العمر لا يزال مفتوحا أمامه، ولكن هذا التصوّر خاطئ تماما، فالإنسان لا يعلم أبدا متى وأين يلقى حتفه، لهذا عليه التزوّد من التقوى والإيمان والعمل الجيد في عموم أيامه وسنوات عمره بغض النظر عن كونه شابا او كهلا او شيخا طاعنا في السن، لأن الجميع عليهم أن ينتهزوا فرصة الحياة من اجل التقرب الى الله تعالى، ورمضان المبارك هو الفسحة الزمنية الأنسب لتحقيق هذا الهدف.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(يجب على الإنسان الذي لا يعرف كيف ستكون عاقبته ومصيره، ولا يعرف أين ومتى يأتيه الأجل المحتوم، يجب عليه، بل ومن الأفضل له، أن يلتزم بتقوى الله تعالى دوماً، وليس في شهر رمضان المبارك فقط).
حريُّ بنا فهم شهر رمضان جيدا، والإقرار بيننا وبين أنفسنا، بأنه شهر مختلف بكل شيء عن سواه من الشهور الأخرى، ليس في طقوسه وأجوائه فحسب، إنما في كونه الفرصة التي تحقق للناس تراكما معنويا هائلا، وتصاعدا روحيا إيمانيا متواصلا، وهذا ما ينبغي أن نديمه في أنفسنا وقلوبنا، وبذلك نكون قد دخلنا شهر رمضان وخرجنا منه ونحن محمّلين بقوى روحانية ومعنوية تجعل منا مختلفين على نحو أفضل بكثير عما كنّا عليه من قبل.
اضف تعليق