هناك من يستكثر على العراق قدرته على إصلاح الآخرين، لكن الأمر سبق وأن تمّ، ولا أحد يستطيع إنكاره، فمن هذه الأرض بزغ نجم الحرف الأول، وفي هذه الأرض انطلقت الرسل بالتبشير، وهذه الأرض أيضا تزيّنت بأهل البيت (ع)، وتوهجّت بمبادئهم وسيرتهم في الإصلاح وترسيخ القيم العظيمة...
(الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة هو دنيا من الطاقات)
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)
أيةُ أهمية كبرى يكتسبها العراق، وأيةُ مكانة عظيمة بين دول العالم؟!، فهذا البلد الذي يمكنه التأثير في دول المنطقة والعالم، سلباً أو إيجاباً، من أين واتتهُ هذه الميزة، وكيف يمكن أن يُصلَح الجميع إذا حصل العراق على فرصة الإصلاح؟؟
أسئلة كثيرة تُطرح في هذا الإطار، وتدفع نحو التفكير والتخطيط الجاد، لكي يصبح العراق نقطة انطلاق للإصلاح الإقليمي والعالمي، فليس كثيرا على بلد وتاريخ وأرض هي مهبط الرسل، والأنبياء، وأئمة أهل البيت (ع)، أن تتبوّأ هذه المكانة وتحصل على هذه الأهمية المتفرّدة، فكيف السبيل إلى خطوة البداية؟
الإصلاح كلمة واضحة في معناها، وسهلة النطق والفهم، لكن المشكلة تكمن في إنجازها وتطبيقها، فما يظهر من سهولة في لفظها ودلالتها، لا ينطبق مع السعي إلى تحقيقها، حيث تظهر الحاجة إلى شروط ومستلزمات كبرى، قد لا تتوفر لكل من يفكر فيها، أو يتمناها، فالإصلاح له رجاله، ويستلزم العقول والإرادات التي تستحق أن تتصدى إلى هذه المهمة التي ترتقي بالأرض والإنسان!!
نقطة الشروع بالإصلاح تبدأ من الإنسان أولا، ومنه تنطلق شرارة التفوق والإنجاز، وقد ينظر العراقيون إلى أنفسهم، على أنهم عاجزون عن القيام بمهمة الإصلاح الذاتي والإقليمي وحتى العالمي، ولكن هذا ليس كثيرا ولا كبيرا على تاريخ بلد الأنبياء والأئمة الأطهار، فالجذور القوية يمكنها أن تمنح التجدد الدائم للأشجار، وغالبا ما يوصف العراق بالعنقاء التي تنهض من بين الرماد!
المهم في الأمر، أن يعقد العراقيون العزم على تحقيق الإصلاح (الذاتي أولا)، ومن ثم التوجّه إلى إصلاح الآخرين (المنطقة والعالم)، على أن يؤمن الجميع بأن طاقة الإنسان الفرد، والجماعة، كبيرة، حيث يتميز بها العظماء الذين يصنعون أنفسهم بأنفسهم، واعتماداً على طاقاتهم.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة:
(الإنسان الواحد، سواء كان رجلاً أو امرأة، هو دنيا من الطاقات. والعظماء لم يولدوا عظماء، بل استفادوا حتى من الذرّات الصغيرات من فهمهم وطاقاتهم، فصاروا عظماء).
العظماء هم أولئك الذين لم يهدروا جهداً بمقدار ذرة، ولم يضيّعوا وقتا بمقدار لحظة، ولم يبخسوا قدرة أيّاً كان حجمها أو نوعها، فتراكم الذرات (الخبرات، الطاقات، الفرص)، والحفاظ عليها واستثمارها تُعدّ من صفات ومزايا العظماء.
هناك من يستكثر على العراق قدرته على إصلاح الآخرين، لكن الأمر سبق وأن تمّ، ولا أحد يستطيع إنكاره، فمن هذه الأرض بزغ نجم الحرف الأول، وفي هذه الأرض انطلقت الرسل بالتبشير، وهذه الأرض أيضا تزيّنت بأهل البيت (ع)، وتوهجّت بمبادئهم وسيرتهم في الإصلاح وترسيخ القيم العظيمة، وإسناد حقوق الإنسان.
العراق ولحظة الإصلاح المحورية
إذاً هذا البلد وفي هذه اللحظة المحورية، هو مركز الإصلاح الإقليمي والعالمي، ولا مبالغة في ذلك، ولهذا السبب نلاحظ تكالب أعداء الإنسانية عليه، والمحاولات اليائسة لتدمير شبابه وحرفِهم وحرمانهم من دور إعادة الاعتبار للبشر، لأن الإنسانية إذا صلحت، لن يبقى وجود لمن يريد استغلال الإنسان واستعباده، والأعداء يعون هذا الدور المحوري للعراق، فيما لو فاز بفرصة الإصلاح الحق.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكّد:
(إن صلحَ العراق اليوم وصلحَ شباب العراق، فستصلح المنطقة والعالم بسبب العراق. فالعراق الآن نقطة عطف للعالم كلّه، وليس للعراق نفسه وللمنطقة فحسب).
ومع فهم الخبثاء لهذا الدور الكبير، فإن العراقيين يفهمون دورهم هذا أيضا، ولذلك يسعى الناس إلى التقارب والوئام، لكن هذا الانسجام والتماسك، ليس في صالح المخربين وغير المصلحين، لهذا تجدهم يثيرون الفتن، ويزرعون المشاكل بين الناس، وفوق هذا وذاك يتنازعون مع بعضهم في أرض العراق.
هذه الأرض بأهلها، ليست حاضنة للصراع، ولا يليق بها أن تكون كذلك، لأنها أرض النور، وأرض الأنبياء، وأرض أهل البيت (ع)، فلا صراع بين أهلها، إنما الآخرون الطامعون الأعداء، هم الذين يتصارعون فوق أرض العراق، والهدف من ذلك واضح للعيان، لا يحجبه ضباب أو غربال.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (العراق لا صراع في داخله، ولكن العالم يتصارع على أرض العراق وذلك حتى لا ينمو شعبه).
الآخرون الطامعون هم الذين يسيئون للعراق، وهذا ما يجري اليوم فوق أرضه، لذلك يحتاج العراق إلى السيرة النموذجية التي يجد فيها ساسته الحل والخلاص، إنها سيرة الإمام علي بن أبي طالب وأهل البيت (ع)، فإذا أراد ساسة العراق إنقاذه عليهم بهذه السيرة العظيمة.
مسؤولية الإصلاح جماعية تكاملية
لا نخطئ إذا قلنا أن المسؤولية لا يتحملها الساسة والقادة وحدهم، فالجميع تقع عليه مسؤولية بحسب موقعه، ومؤهلاته وقدراته، سواءً كان فردا أو جماعة، لا أحد يُعفى من هذه المسؤولية، إذا ما أردنا بناء عراق الحاضر المزدهر، والمستقبل المشرق، والعمل في هذا الإطار، ليس عشوائيا بل يجب أن يكون منظّما ومخطّطا له، مع وجود إرادة الإصلاح والتغيير الجاد.
وهو الأمر الذي ينبّه عليه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(استفيدوا من سيرة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ومن سيرة أهل البيت صلوات الله عليهم، في إصلاح العراق، وكل واحد منكم ـ كما بإمكان كل واحدة من النساء أيضاً ـ يمكنه أن يصلح عراق المستقبل).
من الخطأ التهرّب من مسؤولية إصلاح البلد، والخطأ الأكبر عندما نلقي بهذه المسؤولية على الآخرين، فإذا توفرت اليوم فرصة إعادة الاعتبار لهذا البلد ولتاريخه ولرموزه ومكانته التاريخية والدينية العظيمة، فإن هذه الفرصة لن تكون حاضرة دائما، لذلك لابد من الاستفادة الآن في هذه اللحظة، من الطاقات والمؤهلات والممكنات التي قد تغيب أو تندثر، فتغيب معها فرصة الإصلاح التاريخية.
الندم لن يفيد أصحابه، وعض الإصبع لا يعالج الخطأ، أو تفويت الفرصة، لا يزال هنالك أمل بجعل العراق نقطة انطلاق للإصلاح العالمي، فلا يصحّ وأد هذه الفرصة، ولا يجوز التفريط بها، لأننا نقف اليوم في مفترق طرق، فأما مواصلة الانحدار، وسقوط العالم في هاوية نظامه المفتقِد للعدالة والإنصاف، أو النهوض مجدّدا وتصحيح كبوات النظام العالمي البائس.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يطالب الجميع بتحمل مسؤوليتهم، فيقول:
(حاولوا أن تكونوا عند مسؤوليتكم، بأن تستفيدوا من هذه الطاقات العظيمة والعظيمة لكل واحد منكم، ولكل واحدة منكنّ. فكل صغيرة وكبيرة من خير أو شرّ والعياذ بالله، لها تأثير يوم القيامة، ولها تأثير في نسبة ندم الإنسان على ما فرّط في الدنيا، فلا تفرّطوا، ولا تلقوا المسؤولية على الآخرين).
النقطة الأهم في هذا المضمار، أن يستعد الجميع لتحمل مسؤولية الإصلاح، ولا مجال لإلقاء اللوم على الأطراف الأخرى، نحن جميعا في بوتقة واحدة، وعلينا جميعا النهوض بالعراق، وعلينا أن نثق (ويثق الجميع أيضا)، بأن إصلاح العراق هو إصلاح المنطقة الإقليمية، ومقدمة لإصلاح العالم وتغيير نظامه المجحف.
في هذا الصدد يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
يجب أن (لا يلقي المثقّفون المسؤولية على الحوزة، ولا تلقي الحوزة المسؤولية على المثقفين، ولا يلقي الرجال المسؤولية على النساء، ولا تلقي النساء المسؤولية على الرجال، ولا يلقي التجّار المسؤولية على المثقفين أو بالعكس، ولا يلقي العشائر المسؤولية على غيرهم أو بالعكس، وهكذا بالنسبة للكل).
إذا أمكننا كعراقيين، ساسة، قادة، ونخب، وعموم الشعب، النظر إلى الإصلاح من منظار المسؤولية الجماعية الحتمية الواجبة، فإننا نكون قد وضعنا أقدامنا على السكة السليمة، وما علينا سوى أن نحث أنفسنا، لمواصلة المسير في طريق إصلاح العراق، الذي هو طريق إصلاح العالم كلّه.
اضف تعليق